الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أطهر قلبي والمعاصي لا تفارق عيني وقلبي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحبكم في الله عز وجل.

مشكلتي أنني لا أستطيع التعبير عمّا بداخلي كتابةً، كما هو مطلوب في المعاهد، ودرجاتي سيئة للغاية.

أتساءل: كيف أحسن توبتي، ويطهر قلبي، ونور المعاصي لا يفارق عيني وقلبي؟ أشعر بتشويش داخلي بسبب كثرة سماع المعاصي والمنكرات، وأحتاج إلى نصائحكم الكريمة.

عندما كنت طالبًا، كنت محل سخرية من الجميع، بسبب ضعف ذاكرتي وصعوبة التعبير عن أفكاري، أتمنى أن أكون مفوّهًا ومسدّدًا في كلامي، وأتمنى أن تكون رسالتي قد وصلتكم بشكل وافٍ.

وجزيل الشكر والتقدير لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وأسأل الله أن يرزقك الطمأنينة والسكينة، وأن يفتح عليك أبواب الخير والتوفيق.

لقد قرأت رسالتك بعناية، وأشعر بما تحمله من ألم وحيرة، وأقدر شجاعتك في طلب النصيحة، ومشكلتك ليست غريبة أو مستحيلة الحل، بل هي فرصة للتغيير والنمو، إليك نقاش بعض الأفكار:

1. التوبة هي باب واسع من رحمة الله، والله سبحانه وتعالى يقول: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (سورة الزمر: 53) والتوبة ليست مجرد كلمات، بل هي ندم صادق، وإقلاع عن الذنب، وعزم على عدم العودة إليه، كما أن الاستغفار المستمر يطهر القلب، ويزيل أثر المعاصي.

2. المعاصي تترك أثراً في القلب، كما قال النبي ﷺ: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ" (رواه الترمذي) لذا؛ فإن الإكثار من الاستغفار والذكر يزيل هذا الران، ويعيد للقلب صفاءه، قال الإمام الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ** ونور الله لا يُهدى لعاصي

ويقول الإمام علي رضي الله عنه:
دواؤك فيك وما تبصرُ ** وداؤك منك وما تشعرُ
وتحسب أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبرُ

3. أما بخصوص ضعف الذاكرة وصعوبة التعبير؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا" (سورة البقرة: 31)؛ مما يدل على أن العلم والتعبير نعمة من الله يمكن اكتسابها بالتعلم والمثابرة، كما أن الدعاء مفتاح لكل خير، فادعُ الله أن يفتح عليك، كما دعا موسى عليه السلام: "رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي" (سورة طه: 25-28).

وإليك بعض الخطوات العملية لتحسين حالتك:
• خصص وقتاً يومياً للاستغفار، وقل: "أستغفر الله العظيم وأتوب إليه" مئة مرة على الأقل.
• قم بصلاة التوبة، وادعُ الله أن يطهّر قلبك، ويزيل أثر المعاصي.
• ضع جدولاً يومياً للدراسة والمراجعة.
• خصص وقتاً للراحة والعبادة، فالتوازن ضروري.
• اقرأ بصوت عالٍ يومياً من القرآن، أو الكتب المفيدة.
• حاول كتابة أفكارك في دفتر يومي، ولو كانت بسيطة.
• شارك في أنشطة جماعية لتحسين مهاراتك الاجتماعية.
• تناول غذاءً صحياً يحتوي على أطعمة تعزز الذاكرة مثل التمر والعسل.
• مارس تمارين ذهنية مثل الحفظ والتكرار.

• استخدم أسلوب الربط الذهني لتذكر المعلومات.
• تجنب الأماكن والأشخاص الذين يشجعونك على المعاصي.
• استبدل سماع المنكرات بسماع القرآن أو المحاضرات المفيدة.
• اجعل لك ورداً يومياً من الأذكار، مثل: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير".
• ادعُ الله دائماً أن يفتح عليك، وكرر دعاء موسى عليه السلام.
• لا تدع كلام الآخرين يؤثر عليك، تذكر أن كل إنسان يواجه صعوبات، وأن النجاح يأتي بالصبر والمثابرة.
• ركز على تحسين نفسك بدلاً من الالتفات إلى آراء الآخرين.
• استبدل الأفكار السلبية بأخرى إيجابية.
• قل لنفسك: "أنا قادر على التحسن بإذن الله"، وكرر ذلك يومياً.
• إذا شعرت بأنك بحاجة إلى دعم إضافي، فلا تتردد في استشارة معلم أو مرشد نفسي.

أخي الكريم: تذكر أن الله معك ولن يضيعك، قال تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (سورة الشرح: 6). اجعل ثقتك بالله كبيرة، واستمر في السعي.

أسأل الله أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويزيل همك، ويجعلك من الناجحين في الدنيا والآخرة.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً