297 - وفي حديث آخر رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=treesubj&link=29443_23468_28713_29716_34508 " تصدقوا فإن أحدكم يعطي اللقمة أو الشيء فيقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يدي السائل ، ثم تلى هذه الآية : ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=104ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات ) فيربيها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله فيوفيها إياه يوم القيامة " [ ص: 307 ] .
اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره ، إذ ليس فيه ما يحيل صفاته ، ولا يخرجها عما تستحق ، لأنا لا نثبت كفا هو جارحة ولا بعض ، بل نطلق كفا هو صفة كما أطلقنا يدين ووجها وعينا وسمعا وبصرا وذاتا ، كذلك لا يمتنع إطلاق ذلك في الكف ، ويكون فائدة الخبر الترغيب والحث في الصدقة ، وأنها مما يجب أن يقصد بها الطيب من المال لحصولها في كف الرحمن ، وأنه لا يقبل منا إلا الطيب فإن قيل : معنى الكف ها هنا : الملك والسلطان ، فيكون تقديره يقع في ملكه وسلطانه ، قال
الأخطل :
أعاذل إن النفس في كف مالك إذا ما دعا يوما أجابت به الرسلا
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ينشد كثيرا هذين البيتين :
[ ص: 308 ] هون عليك فإن الأمور بكف الإله مقاديرها
فليس بآتيك منهيها ولا قاصر عنك مأمورها
وهذا مستعمل في كلامهم : فلان في كفي ، يريدون بذلك يجري عليه أمري ، وربما قيل المراد بالكف : الأثر والنعمة ، ومعناه تقع منكم بنعمة من الله وتوفيقه إياكم لفعلها ، ومنه قول
ذي الإصبع :
زمان به لله كف كريمة علينا ونعما لهن بشير
أراد بذلك نعمة ظاهرة لله عز وجل فيه
[ ص: 309 ] .
قيل : هذا غلط ، لأنه ليس شيء من الأشياء خارج عن ملكه وسلطانه ، ومن نفى ذلك كفر ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=34142جميع الطاعات تقع بنعمة من الله وتوفيقه ، وإذا كان كذلك ، فلا فائدة في تخصيص الصدقة بالنعمة وغيرها من الطاعات من جملة نعمه ، وكذلك لا فائدة في تخصيص الصدقة بالملك والسلطان وغيرها في ملكه وسلطانه ، فوجب حمل الخبر على ظاهره ، وما قاله الشاعر فهو على طريق المجاز ، لأن الحقيقة في هذه التسمية خلاف ذلك ، ولا يجوز إضافة المجاز إلى صفات الله ، لأن المجاز لا حقيقة له فإن قيل : كيف يصح حمله على ظاهره ، والصدقة من جملة المحدثات ، والمحدثات لا تلاقي القديم ؟! قيل : كما صح حمل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خلقت بيدي ) على ظاهره وإن كان آدم من جملة المحدثات ، كذلك ها هنا لا يمتنع حمل ذلك على ظاهره على وجه لا يقتضي الملاقاة كما قلنا في خلق آدم .
297 - وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29443_23468_28713_29716_34508 " تَصَدَّقُوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ يُعْطِي اللُّقْمَةَ أَوِ الشَّيْءَ فَيَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدَيِ السَّائِلِ ، ثُمَّ تَلَى هَذِهِ الْآيَةَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=104أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ) فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَصِيلَهُ فَيُوَفِّيهَا إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [ ص: 307 ] .
اعْلَمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعِ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُحِيلُ صِفَاتِهِ ، وَلَا يُخْرِجُهَا عَمَّا تَسْتَحِقُّ ، لِأَنَّا لَا نُثْبِتُ كَفًّا هُوَ جَارِحَةٌ وَلَا بَعْضٌ ، بَلْ نُطْلِقُ كَفًّا هُوَ صِفَةٌ كَمَا أَطْلَقْنَا يَدَيْنِ وَوَجْهًا وَعَيْنًا وَسَمْعًا وَبَصَرًا وَذَاتًا ، كَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ إِطْلَاقُ ذَلِكَ فِي الْكَفِّ ، وَيَكُونُ فَائِدَةُ الْخَبَرِ التَّرْغِيبَ وَالْحَثَّ فِي الصَّدَقَةِ ، وَأَنَّهَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا الطَّيِّبُ مِنَ الْمَالِ لِحُصُولِهَا فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ ، وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنَّا إِلَّا الطَّيِّبُ فَإِنْ قِيلَ : مَعْنَى الْكَفِّ هَا هُنَا : الْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ ، فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ يَقَعُ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ ، قَالَ
الْأَخْطَلُ :
أَعَاذِلُ إِنَّ النَّفْسَ فِي كَفِّ مَالِكٍ إِذَا مَا دَعَا يَوْمًا أَجَابَتْ بِهِ الرُّسُلَا
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُنْشِدُ كَثِيرًا هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ :
[ ص: 308 ] هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْأُمُورَ بِكَفِّ الْإِلَهِ مَقَادِيرُهَا
فَلَيْسَ بِآتِيكَ مُنْهِيهَا وَلَا قَاصِرٌ عَنْكَ مَأْمُورُهَا
وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي كَلَامِهِمْ : فُلَانٌ فِي كَفِّي ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ يَجْرِي عَلَيْهِ أَمْرِي ، وَرُبَّمَا قِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَفِّ : الْأَثَرُ وَالنِّعْمَةُ ، وَمَعْنَاهُ تَقَعُ مِنْكُمْ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ إِيَّاكُمْ لِفِعْلِهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ
ذِي الْإِصْبَعِ :
زَمَانٌ بِهِ لِلَّهِ كَفٌّ كَرِيمَةٌ عَلَيْنَا وَنِعَمًا لَهُنَّ بَشِيرُ
أَرَادَ بِذَلِكَ نِعْمَةً ظَاهِرَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ
[ ص: 309 ] .
قِيلَ : هَذَا غَلَطٌ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ خَارِجٌ عَنْ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ ، وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ كَفَرَ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=34142جَمِيعُ الطَّاعَاتِ تَقَعُ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِ الصَّدَقَةِ بِالنِّعْمَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطَّاعَاتِ مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِهِ ، وَكَذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِي تَخْصِيصِ الصَّدَقَةِ بِالْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهَا فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَمَا قَالَهُ الشَّاعِرُ فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ خِلَافُ ذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ إِضَافَةُ الْمَجَازِ إِلَى صِفَاتِ اللَّهِ ، لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَالصَّدَقَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْدَثَاتِ ، وَالْمُحْدَثَاتُ لَا تُلَاقِي الْقَدِيمَ ؟! قِيلَ : كَمَا صَحَّ حَمْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنْ كَانَ آدَمُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْدَثَاتِ ، كَذَلِكَ هَا هُنَا لَا يَمْتَنِعُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتَضِي الْمُلَاقَاةَ كَمَا قُلْنَا فِي خَلْقِ آدَمَ .