وأما قوله : " ثم اختلفوا ، فقال بعضهم : إن الإمام بعده
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن ، وبعضهم قال : إنه
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية [1] " .
فيقال : . أهل السنة لم يتنازعوا في هذا ، بل هم يعلمون أن
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بايعه
أهل العراق مكان أبيه ،
وأهل الشام كانوا مع
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية قبل ذلك .
وقوله : " ثم ساقوا
nindex.php?page=treesubj&link=28833الإمامة في
بني أمية ثم في
بني العباس [2] " .
[ ص: 547 ] فيقال : أهل السنة لا يقولون إن الواحد من هؤلاء كان هو الذي يجب أن يولى دون من سواه ، ولا يقولون إنه تجب طاعته في كل ما يأمر به ، بل أهل السنة يخبرون بالواقع ويأمرون بالواجب ، فيشهدون بما وقع
[3] ، ويأمرون بما أمر الله
[4] ورسوله ، فيقولون : هؤلاء هم الذين تولوا ، وكان لهم سلطان وقدرة يقدرون بها على مقاصد الولاية : من إقامة الحدود ، وقسم الأموال ، وتولية الولايات
[5] ، وجهاد العدو ، وإقامة الحج والأعياد والجمع ، وغير ذلك من مقاصد الولايات
[6] .
ويقولون : إن
nindex.php?page=treesubj&link=18290الواحد من هؤلاء ونوابهم وغيرهم لا يجوز أن يطاع في معصية الله ، بل يشارك فيما يفعله من طاعة الله : فيغزى معه الكفار ، ويصلى معه الجمعة والعيدان ، ويحج معه ، ويعاون في إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأمثال ذلك ، فيعاونون على البر والتقوى ، ولا يعاونون على الإثم والعدوان .
ويقولون : إنه قد تولى غير هؤلاء : تولى بالغرب طائفة من
بني أمية وطائفة من
بني علي [7] ، ومن المعلوم أن الناس لا يصلحون إلا بولاة ، وأنه لو تولى من هو دون هؤلاء من الملوك الظلمة لكان ذلك خيرا من
[ ص: 548 ] عدمهم ، كما يقال : ستون سنة مع إمام جائر ، خير من ليلة واحدة بلا إمام .
ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه -
[8] أنه قال : لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة . قيل له : هذه البرة قد عرفناها فما بال الفاجرة ؟ قال : يؤمن بها السبيل ، ويقام به الحدود ، ويجاهد به العدو ، ويقسم بها الفيء . ذكره
علي بن معبد في كتاب " الطاعة والمعصية "
[9] .
وكل من تولى كان خيرا من المعدوم المنتظر الذي تقول
الرافضة : إنه الخلف الحجة ، فإن هذا لم يحصل بإمامته شيء من المصلحة لا في الدنيا ولا في الدين أصلا ، فلا فائدة في إمامته إلا الاعتقادات الفاسدة والأماني الكاذبة [ والفتن بين الأمة ]
[10] وانتظار من لا يجيء ، فتطوى الأعمار ولم يحصل من فائدة هذه الإمامة شيء .
والناس لا يمكنهم بقاء أيام قليلة بلا ولاة أمور ، بل كانت تفسد أمورهم
[11] ، فكيف تصلح أمورهم إذا لم يكن لهم إمام إلا من لا يعرف ولا يدري ما يقول ، ولا يقدر على شيء من أمور الإمامة بل هو معدوم ؟
[ ص: 549 ] وأما آباؤه فلم يكن لهم قدرة ولا سلطان
[12] الإمامة ، بل كان لأهل العلم والدين منهم إمامة أمثالهم من جنس الحديث والفتيا ونحو ذلك ، لم يكن لهم سلطان الشوكة ؛ فكانوا عاجزين عن الإمامة ، سواء كانوا أولى بالإمامة
[13] أو لم يكونوا أولى .
فبكل حال ما مكنوا ولا ولوا ولا كان يحصل لهم
[14] المطلوب من الولاية لعدم القدرة والسلطان ، ولو أطاعهم المؤمن لم يحصل له بطاعتهم المصالح التي تحصل بطاعة الأئمة : من جهاد الأعداء وإيصال الحقوق إلى مستحقيها - أو بعضهم - وإقامة الحدود .
فإن قال القائل : إن الواحد من هؤلاء أو من غيرهم إمام ، أي ذو سلطان وقدرة يحصل بهما مقاصد الإمامة
[15] ؛ كان هذا مكابرة للحس ، ولو كان [ ذلك ]
[16] كذلك ، لم يكن هناك متول يزاحمهم ولا يستبد بالأمر دونهم ، وهذا لا يقوله أحد .
وإن قال : إنهم أئمة بمعنى أنهم هم الذين كانوا
[17] يجب أن يولوا ، وأن الناس عصوا بترك توليتهم ، فهذا بمنزلة أن يقال : فلان كان يستحق أن يولى ( 7 إمامة الصلاة وأن يولى 7 )
[18] القضاء ، ولكن لم يول ظلما وعدوانا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " ثُمَّ اخْتَلَفُوا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْإِمَامَ بَعْدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=35الْحَسَنُ ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ : إِنَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةُ [1] " .
فَيُقَالُ : . أَهْلُ السُّنَّةِ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي هَذَا ، بَلْ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=35الْحَسَنَ بَايَعَهُ
أَهْلُ الْعِرَاقِ مَكَانَ أَبِيهِ ،
وَأَهْلُ الشَّامِ كَانُوا مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ : " ثُمَّ سَاقُوا
nindex.php?page=treesubj&link=28833الْإِمَامَةَ فِي
بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ فِي
بَنِي الْعَبَّاسِ [2] " .
[ ص: 547 ] فَيُقَالُ : أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَانَ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى دُونَ مَنْ سِوَاهُ ، وَلَا يَقُولُونَ إِنَّهُ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ ، بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ يُخْبِرُونَ بِالْوَاقِعِ وَيَأْمُرُونَ بِالْوَاجِبِ ، فَيَشْهَدُونَ بِمَا وَقَعَ
[3] ، وَيَأْمُرُونَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ
[4] وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ تَوَلَّوْا ، وَكَانَ لَهُمْ سُلْطَانٌ وَقُدْرَةٌ يَقْدِرُونَ بِهَا عَلَى مَقَاصِدِ الْوِلَايَةِ : مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ ، وَقَسْمِ الْأَمْوَالِ ، وَتَوْلِيَةِ الْوِلَايَاتِ
[5] ، وَجِهَادِ الْعَدُوِّ ، وَإِقَامَةِ الْحَجِّ وَالْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْوِلَايَاتِ
[6] .
وَيَقُولُونَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18290الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَنُوَّابِهِمْ وَغَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَاعَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، بَلْ يُشَارَكُ فِيمَا يَفْعَلُهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ : فَيُغْزَى مَعَهُ الْكُفَّارُ ، وَيُصَلَّى مَعَهُ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ ، وَيُحَجُّ مَعَهُ ، وَيُعَاوَنُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ، فَيُعَاوَنُونَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلَا يُعَاوَنُونَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .
وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ قَدْ تَوَلَّى غَيْرُ هَؤُلَاءِ : تَوَلَّى بِالْغَرْبِ طَائِفَةٌ مِنْ
بَنِي أُمَيَّةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ
بَنِي عَلِيٍّ [7] ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَصْلُحُونَ إِلَّا بِوُلَاةٍ ، وَأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى مَنْ هُوَ دُونَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ لَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا مِنْ
[ ص: 548 ] عَدَمِهِمْ ، كَمَا يُقَالُ : سِتُّونَ سَنَةً مَعَ إِمَامٍ جَائِرٍ ، خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إِمَامٍ .
وَيُرْوَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
[8] أَنَّهُ قَالَ : لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ إِمَارَةٍ بَرَّةً كَانَتْ أَوْ فَاجِرَةً . قِيلَ لَهُ : هَذِهِ الْبَرَّةُ قَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا بَالُ الْفَاجِرَةِ ؟ قَالَ : يُؤَمَّنُ بِهَا السَّبِيلُ ، وَيُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ ، وَيُجَاهَدُ بِهِ الْعَدُوُّ ، وَيُقْسَمُ بِهَا الْفَيْءُ . ذَكَرَهُ
عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي كِتَابِ " الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ "
[9] .
وَكُلُّ مَنْ تَوَلَّى كَانَ خَيْرًا مِنَ الْمَعْدُومِ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي تَقُولُ
الرَّافِضَةُ : إِنَّهُ الْخَلَفُ الْحُجَّةُ ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَحْصُلْ بِإِمَامَتِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الدِّينِ أَصْلًا ، فَلَا فَائِدَةَ فِي إِمَامَتِهِ إِلَّا الِاعْتِقَادَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَمَانِيَّ الْكَاذِبَةَ [ وَالْفِتَنَ بَيْنَ الْأُمَّةِ ]
[10] وَانْتِظَارَ مَنْ لَا يَجِيءُ ، فَتُطْوَى الْأَعْمَارُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ فَائِدَةِ هَذِهِ الْإِمَامَةِ شَيْءٌ .
وَالنَّاسُ لَا يُمْكِنُهُمْ بَقَاءُ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ بِلَا وُلَاةِ أُمُورٍ ، بَلْ كَانَتْ تَفْسُدُ أُمُورُهُمْ
[11] ، فَكَيْفَ تَصْلُحُ أُمُورُهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ إِلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْإِمَامَةِ بَلْ هُوَ مَعْدُومٌ ؟
[ ص: 549 ] وَأَمَّا آبَاؤُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُدْرَةُ وَلَا سُلْطَانُ
[12] الْإِمَامَةِ ، بَلْ كَانَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْهُمْ إِمَامَةُ أَمْثَالِهِمْ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيثِ وَالْفُتْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُلْطَانُ الشَّوْكَةِ ؛ فَكَانُوا عَاجِزِينَ عَنِ الْإِمَامَةِ ، سَوَاءٌ كَانُوا أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ
[13] أَوْ لَمْ يَكُونُوا أَوْلَى .
فَبِكُلِّ حَالٍ مَا مُكِّنُوا وَلَا وُلُّوا وَلَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُمُ
[14] الْمَطْلُوبُ مِنَ الْوِلَايَةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ ، وَلَوْ أَطَاعَهُمُ الْمُؤْمِنُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِطَاعَتِهِمُ الْمَصَالِحُ الَّتِي تَحْصُلُ بِطَاعَةِ الْأَئِمَّةِ : مِنْ جِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَإِيصَالِ الْحُقُوقِ إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا - أَوْ بَعْضِهِمْ - وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ .
فَإِنْ قَالَ الْقَائِلُ : إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ إِمَامٌ ، أَيْ ذُو سُلْطَانٍ وَقُدْرَةٍ يَحْصُلُ بِهِمَا مَقَاصِدُ الْإِمَامَةِ
[15] ؛ كَانَ هَذَا مُكَابَرَةً لِلْحِسِّ ، وَلَوْ كَانَ [ ذَلِكَ ]
[16] كَذَلِكَ ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُتَوَلٍّ يُزَاحِمُهُمْ وَلَا يَسْتَبِدُّ بِالْأَمْرِ دُونَهُمْ ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ .
وَإِنْ قَالَ : إِنَّهُمْ أَئِمَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا
[17] يَجِبُ أَنْ يُوَلَّوْا ، وَأَنَّ النَّاسَ عَصَوْا بِتَرْكِ تَوْلِيَتِهِمْ ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ : فُلَانٌ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوَلَّى ( 7 إِمَامَةَ الصَّلَاةِ وَأَنْ يُوَلَّى 7 )
[18] الْقَضَاءَ ، وَلَكِنْ لَمْ يُوَلَّ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا .