[ ص: 185 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) .
اعلم أن هذا هو القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة ، واعلم أن
داود وسليمان كانا ممن أفاض الله عليه أصناف الآلاء والنعماء ،
nindex.php?page=treesubj&link=31904_31780_19580وأيوب كان ممن خصه الله تعالى بأنواع البلاء ، والمقصود من جميع هذه القصص الاعتبار . كأن الله تعالى قال : يا
محمد اصبر على سفاهة قومك فإنه ما كان في الدنيا أكثر نعمة ومالا وجاها من
داود وسليمان عليهما السلام ، وما كان أكثر بلاء ومحنة من أيوب ، فتأمل في أحوال هؤلاء لتعرف أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497أحوال الدنيا لا تنتظم لأحد ، وأن العاقل لا بد له من
nindex.php?page=treesubj&link=19576الصبر على المكاره ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب " الكشاف " : "
أيوب " عطف بيان ، وإذ بدل اشتمال منه (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أني مسني ) أي بأني مسني حكاية لكلامه الذي ناداه بسببه ، ولو لم يحك لقال بأنه مسه لأنه غائب ، وقرئ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41بنصب ) بضم النون وفتحها مع سكون الصاد وفتحها وضمها ، فالنصب والنصب ، كالرشد والرشد ، والعدم والعدم ، والسقم والسقم ، والنصب على أصل المصدر ، والنصب تثقيل نصب ، والمعنى واحد ، وهو التعب والمشقة والعذاب والألم .
واعلم أنه كان قد حصل عنده نوعان من المكروه : الغم الشديد بسبب زوال الخيرات وحصول المكروهات ، والألم الشديد في الجسم ، ولما حصل هذان النوعان لا جرم ، ذكر الله تعالى لفظين وهما النصب والعذاب .
المسألة الثانية : للناس في هذا الموضع قولان :
الأول : أن الآلام والأسقام الحاصلة في جسمه إنما حصلت بفعل الشيطان .
الثاني : أنها إنما حصلت بفعل الله ، والعذاب المضاف في هذه الآية إلى الشيطان هو عذاب الوسوسة ، وإلقاء الخواطر الفاسدة .
وأما القول الأول : فتقريره ما روي أن إبليس سأل ربه ، فقال هل في عبيدك من لو سلطتني عليه يمتنع مني ؟ فقال الله : نعم عبدي
أيوب ، فجعل يأتيه بوساوسه وهو يرى إبليس عيانا ولا يلتفت إليه ، فقال : يا رب إنه قد امتنع علي فسلطني على ماله ، وكان يجيئه ويقول له : هلك من مالك كذا وكذا ، فيقول : الله أعطى والله أخذ ، ثم يحمد الله ، فقال : يا رب إن
أيوب لا يبالي بماله فسلطني على ولده ، فجاء وزلزل الدار فهلك أولاده بالكلية ، فجاءه وأخبره به فلم يلتفت إليه ، فقال : يا رب لا يبالي بماله وولده فسلطني على جسده ، فأذن فيه ، فنفخ في جلد
أيوب ، وحدثت أسقام عظيمة وآلام شديدة فيه ، فمكث في ذلك البلاء سنين ، حتى صار بحيث استقذره أهل بلده ، فخرج إلى الصحراء وما كان يقرب منه أحد ، فجاء الشيطان إلى امرأته ، وقال لو أن زوجك استعان بي لخلصته من هذا البلاء ، فذكرت المرأة ذلك لزوجها ، فحلف بالله لئن عافاه الله ليجلدنها مائة جلدة ، وعند هذه الواقعة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) فأجاب الله دعاءه ، وأوحى إليه أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42اركض برجلك ) فأظهر الله من تحت رجله عينا باردة طيبة فاغتسل منها ، فأذهب الله عنه كل داء في
[ ص: 186 ] ظاهره وباطنه ، ورد عليه أهله وماله .
والقول الثاني : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28799_30469الشيطان لا قدرة له البتة على إيقاع الناس في الأمراض والآلام ، والدليل عليه وجوه :
الأول : أنا لو جوزنا حصول الموت والحياة والصحة والمرض من الشيطان ، فلعل الواحد منا إنما وجد الحياة بفعل الشيطان ، ولعل كل ما حصل عندنا من الخيرات والسعادات ، فقد حصل بفعل الشيطان ، وحينئذ لا يكون لنا سبيل إلى أن نعرف أن معطي الحياة والموت والصحة والسقم ، هو الله تعالى .
الثاني : أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يسعى في قتل الأنبياء والأولياء ، ولم لا يخرب دورهم ، ولم لا يقتل أولادهم .
الثالث : أنه تعالى حكى عن الشيطان أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=22وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ) [إبراهيم : 22] فصرح بأنه لا قدرة له في حق البشر إلا على إلقاء الوساوس والخواطر الفاسدة ، وذلك يدل على قول من يقول : إن الشيطان هو الذي ألقاه في تلك الأمراض والآفات ، فإن قال قائل : لم لا يجوز أن يقال إن الفاعل لهذه الأحوال هو الله تعالى لكن على وفق التماس الشيطان ؟ قلنا : فإذا كان لا بد من الاعتراف بأن خالق تلك الآلام والأسقام هو الله تعالى ، فأي فائدة في جعل الشيطان واسطة في ذلك ؟ بل الحق أن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28798_21377_28751_31906أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) أنه بسبب إلقاء الوساوس الفاسدة والخواطر الباطنة كان يلقيه في أنواع العذاب والعناء ، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أن تلك الوساوس كيف كانت وذكروا فيه وجوها :
الأول : أن علته كانت شديدة الألم ، ثم طالت مدة تلك العلة واستقذره الناس ونفروا عن مجاورته ، ولم يبق له شيء من الأموال البتة . وامرأته كانت تخدم الناس وتحصل له قدر القوت ، ثم بلغت نفرة الناس عنه إلى أن منعوا امرأته من الدخول عليهم ومن الاشتغال بخدمتهم ، والشيطان كان يذكره النعم التي كانت والآفات التي حصلت ، وكان يحتال في دفع تلك الوساوس ، فلما قويت تلك الوساوس في قلبه خاف وتضرع إلى الله ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) لأنه كلما كانت تلك الخواطر أكثر كان ألم قلبه منها أشد .
الثاني : أنها لما طالت مدة المرض جاءه الشيطان وكان يقنطه من ربه ويزين له أن يجزع فخاف من تأكد خاطر القنوط في قلبه فتضرع إلى الله تعالى وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أني مسني الشيطان ) .
الثالث : قيل : إن الشيطان لما قال لامرأته لو أطاعني زوجك أزلت عنه هذه الآفات فذكرت المرأة له ذلك ، فغلب على ظنه أن الشيطان طمع في دينه فشق ذلك عليه فتضرع إلى الله تعالى وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) .
الرابع : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013627أنه nindex.php?page=treesubj&link=31906بقي أيوب في البلاء ثمان عشرة سنة حتى رفضه القريب والبعيد إلا رجلين ، ثم قال أحدهما لصاحبه : لقد أذنب أيوب ذنبا ما أتى به أحد من العالمين ، ولولاه ما وقع في مثل هذا البلاء ، فذكروا ذلك لأيوب عليه السلام ، فقال : لا أدري ما تقولان غير أن الله يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله تعالى فأرجع إلى بيتي فأنفر عنهما كراهية أن يذكر الله تعالى إلا في الحق .
الخامس : قيل إن امرأته كانت تخدم الناس فتأخذ منهم قدر القوت وتجيء به إلى
أيوب ، فاتفق أنهم ما استخدموها البتة وطلب بعض النساء منها قطع إحدى ذؤابتيها على أن تعطيها قدر القوت ففعلت ، ثم في اليوم الثاني فعلت مثل ذلك فلم يبق لها ذؤابة . وكان
أيوب عليه السلام إذا أراد أن يتحرك على فراشه تعلق بتلك الذؤابة ، فلما لم يجد الذؤابة وقعت الخواطر المؤذية في قلبه واشتد غمه ، فعند ذلك قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) .
السادس : قال في بعض الأيام : يا رب لقد علمت ما اجتمع علي أمران إلا آثرت
[ ص: 187 ] طاعتك ، ولما أعطيتني المال كنت للأرامل قيما ، ولابن السبيل معينا ، ولليتامى أبا ! فنودي من غمامة يا
أيوب ممن كان ذلك التوفيق ؟ فأخذ
أيوب التراب ووضعه على رأسه ، وقال منك يا رب ثم خاف من الخاطر الأول فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41مسني الشيطان بنصب وعذاب ) وقد ذكروا أقوالا أخرى ، والله أعلم بحقيقة الحال ، وسمعت بعض
اليهود يقول : إن
لموسى بن عمران عليه السلام كتابا مفردا في واقعة
أيوب ، وحاصل ذلك الكتاب أن
أيوب كان رجلا كثير الطاعة لله تعالى مواظبا على العبادة ، مبالغا في التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلق الله ، ثم إنه وقع في البلاء الشديد والعناء العظيم ، فهل كان ذلك لحكمة أم لا ؟ فإن كان ذلك لحكمة فمن المعلوم أنه ما أتى بجرم في الزمان السابق حتى يجعل ذلك العذاب في مقابلة ذلك الجرم ، وإن كان ذلك لكثرة الثواب فالإله الحكيم الرحيم قادر على إيصال كل خير ومنفعة إليه من غير توسط تلك الآلام الطويلة والأسقام الكريهة . وحينئذ لا يبقى في تلك الأمراض والآفات فائدة ، وهذه كلمات ظاهرة جلية وهي دالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18267_28787أفعال ذي الجلال منزهة عن التعليل بالمصالح والمفاسد ، والحق الصريح أنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [الأنبياء : 23] .
[ ص: 185 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=43وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=44وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ) .
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِصَّةُ الثَّالِثَةُ مِنَ الْقِصَصِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ كَانَا مِمَّنْ أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَصْنَافَ الْآلَاءِ وَالنَّعْمَاءِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31904_31780_19580وَأَيُّوبَ كَانَ مِمَّنْ خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْوَاعِ الْبَلَاءِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْقِصَصِ الِاعْتِبَارُ . كَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : يَا
مُحَمَّدُ اصْبِرْ عَلَى سَفَاهَةِ قَوْمِكَ فَإِنَّهُ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُ نِعْمَةً وَمَالًا وَجَاهًا مِنْ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَمَا كَانَ أَكْثَرَ بَلَاءً وَمِحْنَةً مِنْ أَيُّوبَ ، فَتَأَمَّلْ فِي أَحْوَالِ هَؤُلَاءِ لِتَعْرِفَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497أَحْوَالَ الدُّنْيَا لَا تَنْتَظِمُ لِأَحَدٍ ، وَأَنَّ الْعَاقِلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=19576الصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : "
أَيُّوبَ " عَطْفُ بَيَانٍ ، وَإِذْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أَنِّي مَسَّنِيَ ) أَيْ بِأَنِّي مَسَّنِي حِكَايَةً لِكَلَامِهِ الَّذِي نَادَاهُ بِسَبَبِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَحْكِ لَقَالَ بِأَنَّهُ مَسَّهُ لِأَنَّهُ غَائِبٌ ، وَقُرِئَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41بِنُصْبٍ ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا مَعَ سُكُونِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا ، فَالنُّصْبِ وَالنَّصَبِ ، كَالرُّشْدِ وَالرَّشَدِ ، وَالْعُدْمِ وَالْعَدَمِ ، وَالسُّقْمِ وَالسَّقَمِ ، وَالنُّصْبُ عَلَى أَصْلِ الْمَصْدَرِ ، وَالنَّصَبُ تَثْقِيلُ نُصْبٍ ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ ، وَهُوَ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ وَالْعَذَابُ وَالْأَلَمُ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ حَصَلَ عِنْدَهُ نَوْعَانِ مِنَ الْمَكْرُوهِ : الْغَمُّ الشَّدِيدُ بِسَبَبِ زَوَالِ الْخَيْرَاتِ وَحُصُولِ الْمَكْرُوهَاتِ ، وَالْأَلَمُ الشَّدِيدُ فِي الْجِسْمِ ، وَلَمَّا حَصَلَ هَذَانِ النَّوْعَانِ لَا جَرَمَ ، ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظَيْنِ وَهُمَا النُّصْبُ وَالْعَذَابُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْآلَامَ وَالْأَسْقَامَ الْحَاصِلَةَ فِي جِسْمِهِ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِفِعْلِ الشَّيْطَانِ .
الثَّانِي : أَنَّهَا إِنَّمَا حَصَلَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ ، وَالْعَذَابُ الْمُضَافُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى الشَّيْطَانِ هُوَ عَذَابُ الْوَسْوَسَةِ ، وَإِلْقَاءُ الْخَوَاطِرِ الْفَاسِدَةِ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ : فَتَقْرِيرُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ إِبْلِيسَ سَأَلَ رَبَّهُ ، فَقَالَ هَلْ فِي عَبِيدِكَ مَنْ لَوْ سَلَّطْتَنِي عَلَيْهِ يَمْتَنِعُ مِنِّي ؟ فَقَالَ اللَّهُ : نَعَمْ عَبْدِي
أَيُّوبُ ، فَجَعَلَ يَأْتِيهِ بِوَسَاوِسِهِ وَهُوَ يَرَى إِبْلِيسَ عِيَانًا وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ إِنَّهُ قَدِ امْتَنَعَ عَلَيَّ فَسَلِّطْنِي عَلَى مَالِهِ ، وَكَانَ يَجِيئُهُ وَيَقُولُ لَهُ : هَلَكَ مِنْ مَالِكِ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : اللَّهُ أَعْطَى وَاللَّهُ أَخَذَ ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ إِنَّ
أَيُّوبَ لَا يُبَالِي بِمَالِهِ فَسَلِّطْنِي عَلَى وَلَدِهِ ، فَجَاءَ وَزَلْزَلَ الدَّارَ فَهَلَكَ أَوْلَادُهُ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَجَاءَهُ وَأَخْبَرَهُ بِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ لَا يُبَالِي بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ فَسَلِّطْنِي عَلَى جَسَدِهِ ، فَأَذِنَ فِيهِ ، فَنَفَخَ فِي جَلْدِ
أَيُّوبَ ، وَحَدَثَتْ أَسْقَامٌ عَظِيمَةٌ وَآلَامٌ شَدِيدَةٌ فِيهِ ، فَمَكَثَ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ سِنِينَ ، حَتَّى صَارَ بِحَيْثُ اسْتَقْذَرَهُ أَهْلُ بَلَدِهِ ، فَخَرَجَ إِلَى الصَّحْرَاءِ وَمَا كَانَ يَقْرُبُ مِنْهُ أَحَدٌ ، فَجَاءَ الشَّيْطَانُ إِلَى امْرَأَتِهِ ، وَقَالَ لَوْ أَنَّ زَوْجَكِ اسْتَعَانَ بِي لَخَلَّصْتُهُ مِنْ هَذَا الْبَلَاءِ ، فَذَكَرَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّهُ لَيَجْلِدَنَّهَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَعِنْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) فَأَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=42ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ) فَأَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ تَحْتِ رِجْلِهِ عَيْنًا بَارِدَةً طَيِّبَةً فَاغْتَسَلَ مِنْهَا ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ دَاءٍ فِي
[ ص: 186 ] ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَمَالَهُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28799_30469الشَّيْطَانَ لَا قُدْرَةَ لَهُ الْبَتَّةَ عَلَى إِيقَاعِ النَّاسِ فِي الْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا حُصُولَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ مِنَ الشَّيْطَانِ ، فَلَعَلَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إِنَّمَا وَجَدَ الْحَيَاةَ بِفِعْلِ الشَّيْطَانِ ، وَلَعَلَّ كُلَّ مَا حَصَلَ عِنْدَنَا مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالسِّعَادَاتِ ، فَقَدْ حَصَلَ بِفِعْلِ الشَّيْطَانِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَنَا سَبِيلٌ إِلَى أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ مُعْطِيَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالصِّحَّةِ وَالسُّقْمِ ، هُوَ اللَّهُ تَعَالَى .
الثَّانِي : أَنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَلِمَ لَا يَسْعَى فِي قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ ، وَلِمَ لَا يُخَرِّبُ دُورَهُمْ ، وَلِمَ لَا يَقْتُلُ أَوْلَادَهُمْ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الشَّيْطَانِ أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=22وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) [إِبْرَاهِيمَ : 22] فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ فِي حَقِّ الْبَشَرِ إِلَّا عَلَى إِلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ وَالْخَوَاطِرِ الْفَاسِدَةِ ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الَّذِي أَلْقَاهُ فِي تِلْكَ الْأَمْرَاضِ وَالْآفَاتِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : لَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْفَاعِلَ لِهَذِهِ الْأَحْوَالِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ عَلَى وَفْقِ الْتِمَاسِ الشَّيْطَانِ ؟ قُلْنَا : فَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ خَالِقَ تِلْكَ الْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي جَعْلِ الشَّيْطَانِ وَاسِطَةً فِي ذَلِكَ ؟ بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=28798_21377_28751_31906أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) أَنَّهُ بِسَبَبِ إِلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ الْفَاسِدَةِ وَالْخَوَاطِرِ الْبَاطِنَةِ كَانَ يُلْقِيهِ فِي أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَالْعَنَاءِ ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ تِلْكَ الْوَسَاوِسَ كَيْفَ كَانَتْ وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : أَنَّ عِلَّتَهُ كَانَتْ شَدِيدَةَ الْأَلَمِ ، ثُمَّ طَالَتْ مُدَّةُ تِلْكَ الْعِلَّةِ وَاسْتَقْذَرَهُ النَّاسُ وَنَفَرُوا عَنْ مُجَاوَرَتِهِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَمْوَالِ الْبَتَّةَ . وَامْرَأَتُهُ كَانَتْ تَخْدِمُ النَّاسَ وَتُحَصِّلُ لَهُ قَدْرَ الْقُوتِ ، ثُمَّ بَلَغَتْ نَفْرَةُ النَّاسِ عَنْهُ إِلَى أَنْ مَنَعُوا امْرَأَتَهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ وَمِنَ الِاشْتِغَالِ بِخِدْمَتِهِمْ ، وَالشَّيْطَانُ كَانَ يُذَكِّرُهُ النِّعَمَ الَّتِي كَانَتْ وَالْآفَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ ، وَكَانَ يَحْتَالُ فِي دَفْعِ تِلْكَ الْوَسَاوِسِ ، فَلَمَّا قَوِيَتْ تِلْكَ الْوَسَاوِسُ فِي قَلْبِهِ خَافَ وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْخَوَاطِرُ أَكْثَرَ كَانَ أَلَمُ قَلْبِهِ مِنْهَا أَشَدَّ .
الثَّانِي : أَنَّهَا لَمَّا طَالَتْ مُدَّةُ الْمَرَضِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ وَكَانَ يُقَنِّطُهُ مِنْ رَبِّهِ وَيُزَيِّنُ لَهُ أَنْ يَجْزَعَ فَخَافَ مِنْ تَأَكُّدِ خَاطِرِ الْقُنُوطِ فِي قَلْبِهِ فَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ ) .
الثَّالِثُ : قِيلَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا قَالَ لِامْرَأَتِهِ لَوْ أَطَاعَنِي زَوْجُكِ أَزَلْتُ عَنْهُ هَذِهِ الْآفَاتِ فَذَكَرَتِ الْمَرْأَةُ لَهُ ذَلِكَ ، فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّيْطَانَ طَمِعَ فِي دَيْنِهِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) .
الرَّابِعُ : رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013627أَنَّهُ nindex.php?page=treesubj&link=31906بَقِيَ أَيُّوبُ فِي الْبَلَاءِ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى رَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إِلَّا رَجُلَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَتَى بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ ، وَلَوْلَاهُ مَا وَقَعَ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَلَاءِ ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَقَالَ : لَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ تَعَالَى فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأَنْفِرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا فِي الْحَقِّ .
الْخَامِسُ : قِيلَ إِنَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ تَخْدِمُ النَّاسَ فَتَأْخُذُ مِنْهُمْ قَدْرَ الْقُوتِ وَتَجِيءُ بِهِ إِلَى
أَيُّوبَ ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُمْ مَا اسْتَخْدَمُوهَا الْبَتَّةَ وَطَلَبَ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنْهَا قَطْعَ إِحْدَى ذُؤَابَتَيْهَا عَلَى أَنْ تُعْطِيَهَا قَدْرَ الْقُوتِ فَفَعَلَتْ ، ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا ذُؤَابَةٌ . وَكَانَ
أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَحَرَّكَ عَلَى فِرَاشِهِ تَعَلَّقَ بِتِلْكَ الذُّؤَابَةِ ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدِ الذُّؤَابَةَ وَقَعَتِ الْخَوَاطِرُ الْمُؤْذِيَةُ فِي قَلْبِهِ وَاشْتَدَّ غَمُّهُ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) .
السَّادِسُ : قَالَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ : يَا رَبُّ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا اجْتَمَعَ عَلَيَّ أَمْرَانِ إِلَّا آثَرْتُ
[ ص: 187 ] طَاعَتَكَ ، وَلَمَّا أَعْطَيْتَنِي الْمَالَ كُنْتُ لِلْأَرَامِلِ قَيِّمًا ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ مُعِينًا ، وَلِلْيَتَامَى أَبًا ! فَنُودِيَ مِنْ غَمَامَةٍ يَا
أَيُّوبُ مِمَّنْ كَانَ ذَلِكَ التَّوْفِيقُ ؟ فَأَخَذَ
أَيُّوبُ التُّرَابَ وَوَضْعَهُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَقَالَ مِنْكَ يَا رَبِّ ثُمَّ خَافَ مِنَ الْخَاطِرِ الْأَوَّلِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=41مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) وَقَدْ ذَكَرُوا أَقْوَالًا أُخْرَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ ، وَسَمِعْتُ بَعْضَ
الْيَهُودِ يَقُولُ : إِنَّ
لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كِتَابًا مُفْرَدًا فِي وَاقِعَةِ
أَيُّوبَ ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّ
أَيُّوبَ كَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى مُوَاظِبًا عَلَى الْعِبَادَةِ ، مُبَالِغًا فِي التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي الْبَلَاءِ الشَّدِيدِ وَالْعَنَاءِ الْعَظِيمِ ، فَهَلْ كَانَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ مَا أَتَى بِجُرْمٍ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ حَتَّى يَجْعَلَ ذَلِكَ الْعَذَابَ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْجُرْمِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الثَّوَابِ فَالْإِلَهُ الْحَكِيمُ الرَّحِيمُ قَادِرٌ عَلَى إِيصَالِ كُلِّ خَيْرٍ وَمَنْفَعَةٍ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ تِلْكَ الْآلَامِ الطَّوِيلَةِ وَالْأَسْقَامِ الْكَرِيهَةِ . وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فِي تِلْكَ الْأَمْرَاضِ وَالْآفَاتِ فَائِدَةٌ ، وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ ظَاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18267_28787أَفْعَالَ ذِي الْجَلَالِ مُنَزَّهَةٌ عَنِ التَّعْلِيلِ بِالْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ ، وَالْحَقُّ الصَّرِيحُ أَنَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) [الْأَنْبِيَاءِ : 23] .