nindex.php?page=treesubj&link=10563_19721_20011_28723_29694_30520_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا أي رجعوا عما قالوا وندموا
[ ص: 98 ] على ما تكلموا استثناء من الفاسقين كما صرح به أكثر الأصحاب، وقال بعضهم: المستثنى منه في الحقيقة ( أولئك ) وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك، ومحل المستثنى النصب لأنه عن موجب، وقوله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5من بعد ذلك لتهويل المتوب عنه أي من بعد ما اقترفوا ذلك الذنب العظيم الهائل، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5وأصلحوا على معنى وأصلحوا أعمالهم بالاستحلال ممن رموه. وهذا ظاهر إن كان قد بقي حيا فإن كان قد مات فلعل الاستغفار له يقوم مقام الاستحلال منه كما قيل في نظير المسألة. فإن كانوا قد رموا أمواتا فالظاهر أنهم يستحلون ممن خاصمهم وطلب إقامة الحد عليهم، ويحتمل أن يغني عنه الاستغفار لمن رموه. والجمع بين الاستحلال من أولئك المخاصمين والاستغفار للمرميين أولى ولم أر من تعرض لذلك.
وكون الاستثناء من الجملة الأخيرة مذهب الحنفية فعندهم لا تقبل شهادة المحدود في قذف وإن تاب وأصلح لكن قالوا: إن حد الكافر ثم أسلم قبلت شهادته وإن لم تكن تقبل قبل على أهل الذمة، ووجهه أن النص موجب لرد شهادته الناشئة عن أهليته الثابتة له عند القذف ولذا قيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا لهم شهادة دون ولا تقبلوا شهادتهم أي ولا تقبلوا منهم شهادة من الشهادات حال كونها حاصلة لهم عند الرمي والشهادة التي كانت حاصلة للكافر عند الرمي هي الشهادة على أبناء جنسه فتدخل تحت الرد، وأما الشهادة التي اعتبرت بعد الإسلام فغير تلك الشهادة ولهذا قبلت على أهل الإسلام وغيرهم فلم تدخل تحت الرد، وهذا بخلاف
nindex.php?page=treesubj&link=10480العبد إذا حد في قذف ثم أعتق فإنه لا تقبل شهادته لأنه لم تكن له شهادة من قبل للرق فلزم كون تتميم حده بر شهادته التي تجددت له، وقد طلب الفرق بينه وبين من
nindex.php?page=treesubj&link=10275زنى في دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام فإنه لا يحد حيث توقف حكم الموجب في العبد إلى أن أمكن ولم يتوقف في الزنا في دار الحرب إلى الإمكان بالخروج إلى دار الإسلام.
وأجيب بأن الزنا في دار الحرب لم يقع موجبا أصلا لعدم قدرة الإمام فلم يكن الإمام مخاطبا بإقامته أصلا لأن القدرة شرط التكليف فلو حد بعد خروجه من غير سبب آخر كان بلا موجب وغير الموجب لا ينقلب موجبا بنفسه خصوصا في الحد المطلوب درؤه، وأما قذف العبد فموجب حال صدوره للحد غير أنه لم يكن تمامه في الحال فتوقف تتميمه على حدوث ذلك بعد العتق كذا قيل، وقال في المبسوط في الفرق بين الكافر إذا أسلم بعد الحد والعبد إذا أعتق بعده: إن الكافر استفاد بالإسلام عدالة لم تكن موجودة له عند إقامة الحد وهذه العدالة لم تكن مجروحة بخلاف العبد فإنه بالعتق لا يستفيد عدالة لم تكن من قبل وقد صارت عدالته مجروحة بإقامة الحد، ثم لا فرق في العبد بين أن يكون حد ثم أعتق وبين أن يكون أعتق ثم حد حيث لم تقبل شهادته في الصورتين، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=10461_10480الكافر فإنه لو قذف محصنا ثم أسلم ثم حد لا تقبل شهادته، ومقتضى الآية عدم قبول كل شهادة للمحدود حادثة كانت أو قديمة لما أن
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4شهادة نكرة وهي واقعة في حيز النهي فتفيد العموم كالنكرة الواقعة في حيز النفي، وهذا يعكر على ما مر من قبول شهادة الكافر المحدود إذا أسلم، وأجاب العلامة ابن الهمام بأن التكليف بما في الوسع وقد كلف الحكام برد شهادته فالامتثال إنما يتحقق برد شهادة قائمة فحيث ردت تحقق الامتثال وتم وقد حدثت أخرى فلو ردت كانت غير مقتضى إذ الموجب أخذ مقتضاه وللبحث فيه مجال، ومقتضى العموم أيضا عدم قبول شهادة المحدود في الديانات غيرها وهي رواية المنتقى، وفي رواية أخرى أنها تقبل في الديانات وكأنهم اعتبروها رواية وخبرا لا شهادة ورب شخص ترد شهادته
[ ص: 99 ] وتقبل روايته، وأورد على العموم أنهم اكتفوا في النكاح بشهادة المحدودين.
وأجيب بأن الشهادة هناك بمعنى الحضور وإنما يكتفى به في انعقاد النكاح وقد صرحوا بأن للنكاح حكمين حكم الانعقاد وحكم الإظهار ولا يقبل في الثاني إلا شهادة من تقبل شهادته في سائر الأحكام كما في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي والحاصل أن الآية تدل على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=16145رد شهادة المحدود على الحكام بمعنى أنه إذا شهد عندهم على حكم وجب عليهم رد شهادته ويندرج في ذلك شهادته في النكاح لأنه يشهد عندهم إذا وقع التجاحد فلا يعكر على العموم اعتبار حضوره مجلس النكاح في صحة انعقاده إذ ذلك أمر وراء ما نحن فيه كذا قيل فليتدبر، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى قبول
nindex.php?page=treesubj&link=25806_24378شهادة المحدود إذا تاب، والمراد بتوبته أن يكذب نفسه في قذفه، ومبنى الخلاف على المشهور الخلاف فيما إذا جاء استثناء بعد جمل مقترنة بالواو هل ينصرف للجملة الأخيرة أو إلى الكل أو هناك تفصيل فالذي ذهب إليه أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي انصرافه إلى الكل، والذي ذهب إليه أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة انصرافه للجملة الأخيرة، وقال القاضي
عبد الجبار وأبو الحسين البصري وجماعة من
المعتزلة إن كان الشروع في الجملة الثانية إضرابا عن الأولى ولا يضمر فيها شيء مما في الأولى فالاستثناء مختص بالجملة الأخيرة لأن الظاهر أنه لم ينتقل عن الجملة الأولى مع استقلالها بنفسها إلى غيرها إلا وقد تم مقصوده منها وذلك على أربعة أقسام، الأول أن تختلف الجملتان نوعا كما لو قال: أكرم بني تميم والنحاة البصريون إلا البغاددة إذ الجملة الأولى أمر والثانية خبر، الثاني أن يتحدا نوعا ويختلفا اسما وحكما كما لو قال: أكرم بني تميم واضرب ربيعة إلا الطوال إذ هما أمران، الثالث أن يتحدا نوعا ويشتركا حكما لا اسما كما لو قال:
سلم على بني تميم وسلم على بني ربيعة إلا الطوال، الرابع أن يتحدا نوعا ويشتركا اسما لا حكما ولا يشترك الحكمان في غرض من الأغراض كما لو قال: سلم علي بني تميم واستأجر بني تميم إلا الطوال، وقوة اقتضاء اختصاص الاستثناء بالجملة الأخيرة في هذه الأقسام على هذا الترتيب وإن لم يكن الشروع في الجملة الثانية إضرابا عن الأولى بأن كان بين الجملتين نوع تعلق فالاستثناء ينصرف إلى الكل وذلك على أربعة أقسام، الأول أن يتحد الجملتان نوعا واسما لا حكما غير أن الحكمين قد اشتركا في غرض واحد كما لو قال: أكرم بني تميم وسلم على بني تميم إلا الطوال لاشتراكهما في غرض الإعظام، الثاني أن يتحد الجملتان نوعا ويختلفا حكما واسم الأولى مضمر في الثانية كما لو قال: أكرم بني تميم واستأجرهم إلا الطوال، الثالث بعكس ما قبله كما لو قال: أكرم بني تميم وربيعة إلا الطوال، الرابع أن يختلف نوع الجمل إلا أنه قد أضمر في الأخيرة ما تقدم أو كان غرض الأحكام المختلفة فيها واحدا، وجعل آية الرمي التي نحن فيها من ذلك حيث قيل: إن جملها مختلفة النوع من حيث إن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فاجلدوهم ثمانين جلدة أمر وقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا نهي وقوله جل وعلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون خبر وهي داخلة أيضا تحت القسم الأول من هذه الأقسام الأربعة لاشتراك أحكام هذه الجمل في غرض الانتقام والإهانة وداخلة أيضا تحت القسم الثاني من جهة إضمار الاسم المتقدم فيها، وذهب
الشريف المرتضى من الشيعة إلى القول بالاشتراك وذهب القاضي
أبو بكر والغزالي وجماعة إلى الوقف، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي: المختار أنه مهما ظهر كون الواو للابتداء فالاستثناء يكون مختصا بالجملة الأخيرة كما في القسم الأول من الأقسام الثمانية لعدم تعلق إحدى الجملتين بالأخرى وهو ظاهر وحيث أمكن أن تكون الواو للعطف أو للابتداء كما في باقي الأقسام السبعة فالواجب الوقف، وذكر حجج المذاهب بما لها وعليها في الأحكام، وفي التلويح وغيره أنه لا خلاف في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=20818رجوع الاستثناء إلى كل [ ص: 100 ] وإنما الخلاف في الأظهر وفيه نظر فإن بعض حجج القائلين برجوعه إلى الجملة الأخيرة قد استدل بما يدل على عدم جواز رجوعه للجميع، قال
القلانسي: إن نصب ما بعد الاستثناء في الإثبات إنما كان بالفعل المتقدم بإعانة إلا على ما ذهب إليه أكابر البصريين فلو قيل برجوعه إلى الجميع لكان ما بعد إلا منتصبا بالأفعال المقدرة في كل جملة ويلزم منه اجتماع عاملين على معمول واحد وذلك لا يجوز لأنه بتقدير مضادة أحدهما للآخر في العمل يلزم أن يكون المعمول الواحد مرفوعا منصوبا معا وهو محال ولأنه إن كان كل منهما مستقلا في العمل لزم عدم استقلاله ضرورة أنه لا معنى لكون كل مستقلا إلا أن الحكم ثبت به دون غيره وإن لم يكن كل منهما مستقلا لزم خلاف المفروض، وإن كان المستقل البعض دون البعض لزم الترجيح بلا مرجح، ووجه دلالته وإن بحث فيه على عدم جواز رجوعه للجميع ظاهر وكما اختلف الأصوليون في ذلك اختلف النحاة فيه ففي شرح اللمع أنه يختص بالأخيرة وأن تعليقه بالجميع خطأ للزوم تعدد العامل في معمول واحد إلا على القول بأن العامل إلا أو تمام الكلام.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : لم أر من تكلم على هذه المسألة من النحاة غير
المهاباذي وابن مالك فاختار
ابن مالك عود الاستثناء إلى الجمل كلها كالشرط، واختار
المهاباذي عوده إلى الجملة الأخيرة، وقال
الولي بن العراقي: لم يطلق
ابن مالك عوده إلى الجمل كلها بل استثنى من ذلك ما إذا اختلف العامل والمعمول كقولك: اكس الفقراء وأطعم أبناء السبيل إلا من كان مبتدعا فقال في هذه الصورة: إنه يعود إلى الأخيرة خاصة، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبي علي الفارسي القول برجوعه إلى الأخيرة مطلقا وهذا كقول الحنفية في المشهور، والحق أنهم إنما يقولون برجوعه إلى الأخيرة فقط إذا تجرد الكلام عن دليل رجوعه إلى الكل أما إذا وجد الدليل عمل به وذلك كما في قوله تعالى في المحاربين:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33أن يقتلوا أو يصلبوا إلى قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=34إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فإن قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=34من قبل أن تقدروا عليهم [المائدة: 33، 34] يقتضي رجوعه إلى الكل فإنه لو عاد إلى الأخيرة أعني قوله سبحانه: ( ولهم عذاب عظيم ) لم يبق للتقييد بذلك فائدة للعلم لأن التوبة تسقط العذاب فليس فائدة «من قبل» إلخ إلا سقوط الحد وعلى مثل ذلك ينبغي حمل قول الشافعية بأن يقال: إنهم أرادوا رجوع الاستثناء إلى الكل إذا لم يكن دليل يقتضي رجوعه إلى الأخيرة.
وذكر بعض أجلة المحققين أن الحنفية إنما قالوا برجوع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة هنا لأن الجملتين الأوليين وردتا جزاء لأنهما أخرجتا بلفظ الطلب مخاطبا بهما الأئمة ولا يضر اختلافهما أمرا ونهيا والجملة الأخيرة مستأنفة بصيغة الإخبار دفعا لتوهم استبعاد كون القذف سببا لوجوب العقوبة التي تندرئ بالشبهة وهي قائمة هنا لأن القذف خبر يحتمل الصدق وربما يكون حسبة، ووجه الدفع أنهم فسقوا بهتك ستر العفة بلا فائدة حيث عجزوا عن الإثبات فلذا استحقوا العقوبة وحيث كانت مستأنفة توجه الاستثناء إليها.
ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه جعل
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا استئنافا منقطعا عن الجملة السابقة وأبى أن يكون من تتمة الحد لأنه لا مناسبة بين الجلد وعدم قبول الشهادة وجعل الاستثناء مصروفا إليه بجعل من تاب مستثنى من ضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4لهم ويكون قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون اعتراضا جاريا مجرى التعليل لعدم قبول الشهادة غير منقطع عما قبله ولهذا جاز توسطه بين المستثنى والمستثنى منه ولا تعلق للاستثناء به، وآثر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب في أماليه حيث قال: إن الاستثناء لا يرجع إلى الكل أما الجلد فبالاتفاق، وأما قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون [ ص: 101 ] فلأنه إنما جيء به لتقرير منع الشهادة فلم يبق إلا الجملة الثانية فيرجع إليها، وتعقب بأن استئناف
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا إلخ في غاية البعد، والمراد من عدم قبول الشهادة ردها ومناسبته للجلد ظاهرة لأن كلا منهما مؤلم زاجر عن ارتكاب جريمة الرمي وكم من شخص لا يتألم بالضرب كما يتألم برد شهادته، وربما يقال: إن رد الشهادة قطع للآلة الخائنة معنى وهي اللسان فيكون كقطع اليد حقيقة في السرقة، ومن أنصف رأى مناسبته للجلد أتم من مناسبة التغريب له لأن التغريب ربما يكون سببا لزيادة الوقوع في الزنا لقلة من يراقب ويستحي منه في الغربة وقد تضطر المرأة إذا غربت إلى ما يسد رمقها فتسلم نفسها لتحصيل ذلك، وأيضا الجلد فعل يلزم على الإمام فعله والرد المراد من عدم القبول كذلك وقد خوطب بكلتا الجملتين الإنشائيتين لفظا ومعنى الأئمة وبهذا يقوى أمر المناسبة.
واعترض
الزيلعي على القول بأن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون تعليل لرد الشهادة فقال: لا جائز أن يكون رد شهادته لفسقه لأن الثابت بالنص في خبر الفاسق هو التوقف لقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا [الحجرات: 6] لا الرد وعلة الرد هنا ليست إلا أنه حد انتهى، وفيه نظر ولم يجعل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على هذا النقل الجملة المذكورة مع كونها جارية مجرى التعليل لما قبلها معطوفة عليه لما قال غير واحد من أن العطف بالواو يمنع قصد التعليل لرد الشهادة بسبب الفسق لأن العلة لا تعطف على الحكم بالواو بل إنما تذكر بالفاء، وكذا ينبغي أن لا تكون معطوفة على ما أشير إليه سابقا من أنها علة لاستحقاق العقوبة إذ ذلك غير منطوق، وانتصر
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي عليه الرحمة فيما ذهب إليه من قبول شهادته إذا تاب بأنه إذا جعلت الجملة تعليلا للرد يتم ذلك ولو سلم رجوع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة من الجمل المتعاقبة بالواو وجوب زوال الحكم بزوال العلة، ولا أظنه يدفع إلا بالتزام أنها ليست للتعليل.
وقال بعضهم: لا انقطاع بين الجمل عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومقتضى أصله المشهور رجوع الاستثناء إلى الجميع فيلزم حينئذ سقوط الجلد بالتوبة لكنه لا يقول بذلك لأن تحقيق مذهبه أن الرجوع إلى الكل قد يعدل عنه وذلك عند قيام الدليل وظهور المانع والمانع هنا من رجوعه إلى الجملة الأولى على ما قيل الإجماع على
nindex.php?page=treesubj&link=27644عدم سقوط الجلد بالتوبة لما فيه من حق العبد، وأولى منه ما أومأ إليه القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي من أن الاستسلام للجلد من تتمة التوبة فكيف يعود إليه، ولا يمكن أن يقال: إن عدم قبول الشهادة والتفسيق من تتمتها أيضا كما لا يخفى، وقيل يجوز أن تخرج الآية على أصله المشهور، ولا مانع من رجوع الاستثناء إلى الجملة الأولى أيضا لما أن المستثنى هو ( الذين تابوا وأصلحوا ) ومن جملة الإصلاح الاستحلال وطلب العفو من المقذوف وعند وقوع ذلك يسقط الجلد أيضا، وفيه أن كون طلب العفو من الإصلاح غير نافع لأن الجلد لا يسقط بطلب العفو بل العفو وهو ليس من جملة هذا الإصلاح إذ العفو فعل المقذوف وهذا الإصلاح فعل القاذف فلم يصح صرف الاستثناء إلى الكل كما هو أصله المشهور.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الذي يقتضيه ظاهر الآية ونظمها أن يكون الجمل الثلاث بمجموعهن جزاء الشرط، والمعنى من قذف فاجمعوا لهم بين الأجزئة الثلاثة إلا الذين تابوا منهم فيعودون غير مجلودين ولا مردودي الشهادة ولا مفسقين، قال في الكشف: وهذا جار على أصل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من أن الاستثناء يرجع إلى الكل وانضم إليه هاهنا أن الجمل دخلت في حيز الشرط فصرن كالمفردات، وتعقب القول بدخول قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وأولئك هم الفاسقون في حيز الجزاء بأن دليل عدم المشاركة في الشرط يقتضي عدم الدخول فإنه جملة خبرية غير مخاطب بها الأئمة لإفراد الكاف في ( أولئك ) فهو عطف على الجملة الاسمية أي الذين يرمون إلخ أو مستأنف لحكاية حال
[ ص: 102 ] الرامين عند الشرع، وأورد عليه أن عطف الخبر على الإنشاء وعكسه لاختلاف الأغراض شائعان في الكلام وأن إفراد كاف الخطاب مع الإشارة جائز في خطاب الجماعة كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=52ثم عفونا عنكم من بعد [البقرة: 52] على أن التحقيق أن ( الذين يرمون ) منصوب بفعل محذوف أي اجلدوا الذين إلخ فهو أيضا جملة فعلية إنشائية مخاطب بها الأئمة فالمانع المذكور قائم هنا زيادة العدول عن الأقرب إلى الأبعد ولو سلم أن ( الذين ) مبتدأ فلا بد في الإنشائية الواقعة موقع الخبر من تأويل وصرف عن الإنشائية عند الأكثر وحينئذ يصح عطف
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19أولئك هم الفاسقون عليه، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19أولئك هم الفاسقون فسقوهم والإنصاف يحكم بعدم ظهور دخول الجملة الأخيرة في حيز الجزاء وجميع ما ذكروه إنما يفيد الصحة لا الظهور.
ولعل الظاهر أنها استئناف تذييلي لبيان سوء حال الرامين في حكم الله تعالى وحينئذ عود الاستئناف إليه ظاهر، لا يقال، إن ذلك ينفي الفائدة لأنه معلوم شرعا أن التوبة تزيل الفسق من غير هذه الآية لأنا نقول: لا شبهة في أن العلم بذلك من طريق السمع وقد ذكر الدال عليه منه وكون آية أخرى تفيده لا يضر للقطع بأن طريق القرآن تكرار الدوال خصوصا إذا كان التأكيد مطلوبا، هذا وإلى ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة من عدم قبول
nindex.php?page=treesubj&link=10461_25806_10480شهادة المحدود في القذف إذا تاب ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وقد روى ذلك عن كل
الجلال السيوطي في الدر المنثور وإلى ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي من قبول شهادته ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ومحارب وشريح ومعاوية بن قرة nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير على ما ذكره
الطيبي وعد
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير من القائلين كقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يخالفه ما سمعت آنفا، وعد
ابن الهمام شريحا ممن قال كقول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس روايتان، وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري جلد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه
أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا بقذف
المغيرة ثم استتابهم، وقال من تاب قبلت شهادته، ومن تتبع تحقق أن أكثر الفقهاء قائلون كقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عليه الرحمة ودعوى إجماع فقهاء التابعين عليه غير صحيحة كما لا يخفى والله تعالى أعلم، ووجه التعليل المستفاد من قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5فإن الله غفور رحيم على القولين ظاهر لكن قيل إنه على قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أظهر وهو تعليل لما يفيده الاستثناء ولا محل من الإعراب، وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء كون
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5الذين مبتدأ وهذه الجملة خبره والرابط محذوف أي لهم.
واختار الجمهور الاستئناف والاستثناء وهو على ما ذهب إليه أصحابنا منقطع، وبينه
أبو زيد الدبوسي في التقويم بما حاصله أن المستثنى وإن دخل في الصدر لكن لم يقصد إخراجه من حكمه على ما هو معنى الاستثناء المتصل بل قصد إثبات حكم آخر له وهو أن التائب لا يبقى فاسقا، وتعقبه العلامة الثاني بأنه إنما يتم إذا لم يكن معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4هم الفاسقون الثبات والدوام وإلا فلا تعذر للاتصال فلا وجه للانقطاع، وبينه
فخر الإسلام بأن المستثنى غير داخل في صدر الكلام لأن التائب ليس بفاسق ضرورة إنه عبارة عمن قام به الفسق والتائب ليس كذلك لزوال الفسق بالتوبة، وهذا مبني على أنه يشترط في حقيقة اسم الفاعل بقاء معنى الفعل، وأما إذا لم يشترط ذلك فيتحقق التناول لكن لا يصح الإخراج لأن التائب ليس بمخرج ممن كان فاسقا في الزمان الماضي.
واعترض بأن المستثنى منه على تقدير اتصال الاستثناء ليس هو الفاسقين بل الذين حكم عليهم بذلك وهم الذين يرمون المشار إليه بقوله تعالى: ( وأولئك ) ولا شك أن التائبين داخلون فيهم مخرجون عن حكمهم
[ ص: 103 ] وهو الفسق كأنه قيل جميع القاذفين فاسقون إلا التائبين منهم كما يقال القوم منطلقون إلا زيدا استثناء متصلا بناء على أن زيدا داخل في القوم مخرج عن حكم الانطلاق فيصح الاستثناء المتصل سواء جعل المستثنى منه بحسب اللفظ هو القوم أو الضمير المستتر في منطلقون بناء على أنه أقرب وأن عمل الصفة في المستثنى أظهر، وليس المراد أن المستثنى منه لفظا هو لفظ القوم البتة وإذا جعل المستثنى منه ضمير منطلقون فمعنى الكلام إن زيدا داخل في الذوات المحكوم عليهم بالإطلاق مخرج عن حكم الانطلاق كما في قولنا: انطلق القوم إلا زيدا وكذا الكلام في الآية.
وأجيب بأن الفاسقين هاهنا إما أن يكون بمعنى الفاسق على قصد الدوام والثبات أو بمعنى من صدر عنه الفسق في الزمان الماضي أو من قام به الفسق في الجملة ماضيا كان أو حالا فإن أريد الأول فالتائب ليس بفاسق ضرورة قضاء الشارع بأن التائب ليس بفاسق حقيقة، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=21178شرط الاستثناء المتصل أن يكون الحكم متناولا للمستثنى على تقدير السكوت عن الاستثناء وهذا مراد
فخر الإسلام بعدم تناول الفاسقين للتائبين بخلاف منطلقون فإنه يدخل فيه زيد على تقدير عدم الاستثناء وإن أريد الثاني أو الثالث فلا صحة لإخراج التائب عن الفاسقين لأنه فاسق بمعنى صدور الفسق عنه في الجملة ضرورة أنه قاذف والقذف فسق.
ولا يخفى أن منع عدم دخول التائبين في الفاسقين بالمعنى الذي ذكرنا ومنع عدم صحة إخراجهم عنهم بالمعنى الآخر غير موجه وأن الاستدلال على دخولهم بأنه قد حكم بالفسق على ( أولئك ) المشار به إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23الذين يرمون وهو عام ليس بصحيح للإجماع القاطع على أنه لا فسق مع التوبة، وكفى به مخصصا اهـ. وفيه أن الإجماع لا يكون مخصصا فيما نحن فيه لكونه متراخيا عن النص ضرورة أنه لا إجماع إلا بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم فالحكم بالفسق على ( أولئك ) المشار به إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23الذين يرمون وهو عام فيتم الاستدلال.
وأجيب عن هذا بأن المراد بالتخصيص قصر العام على بعض ما يتناوله اللفظ لا التخصيص المصطلح وهو كما ترى وفي قوله: ومن شرط الاستثناء المتصل إلخ بحث يعلم مما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا، وقال
العلامة: الظاهر كون الاستثناء متصلا أي أولئك الذين يرمون محكوم عليهم بالفسق إلا التائبين منهم فإنه غير محكوم عليهم بالفسق لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وكأنه أراد أنهم غير محكوم عليهم بالفسق الدائم وهو المحكوم به عليهم في الصدر بقرينة الجملة الاسمية.
وذكر بعض الأفاضل في توجيه كونه متصلا أن دخول المستثنى في المستثنى منه إنما يكون باعتبار تناول المستثنى منه وشموله إياه لا بحسب ثبوته له في الواقع كيف ولو ثبت الحكم له صح استثناؤه فهاهنا ( الذين يرمون ) شامل للتائبين منهم فلا يضر في صحة الاستثناء أنهم ليسوا بفاسقين وأن التوبة تنافي ثبوت الفسق كما إذا لم يدخل زيد في الانطلاق فإنه يصح استثناؤه باعتبار دخوله في القوم مثل انطلق القوم إلا زيدا.
والحاصل أنه يكفي في الاستثناء دخول المستثنى في حكم المستثنى منه بحسب دلالة اللفظ وإن لم يدخل فيه بحسب دليل خارج كما يقال: خلق الله تعالى كل شيء إلا ذاته سبحانه وصفاته العلى، قال
العلامة: ويمكن الجواب عن هذا بأنه لا فائدة للاستثناء المتصل على هذا التقدير لأن خروج المستثنى من حكم المستثنى منه معلوم فيحمل على المنقطع المفيد لفائدة جديدة وهذا مراد
فخر الإسلام بعدم دخول التائبين في صدر الكلام وبحث فيه بأن عدم التناول الشرعي مستفاد من الاستثناء المذكور في الآية والحديث أعني
nindex.php?page=hadith&LINKID=680753التائب من الذنب كمن لا ذنب [ ص: 104 ] له مبين له فلا وجه لمنع وجود الفائدة وبأن كون خروج المستثنى من حكم المستثنى منه معلوما هنا غير معلوم لمكان الخلاف في اشتراط بقاء الفعل وبأن الفائدة الجديدة في المنقطع التي يعرى عنها المتصل غير ظاهرة، وقال أيضا: لا يقال لم لا يجوز أن يكون المستثنى منه هو الفاسقون ويكون الاستثناء لإخراج التائبين منهم في الحكم الذي هو الحمل على أولئك القاذفين والإثبات له فإن الاستثناء كما يجوز من المحكوم به يجوز من غيره كما يقال: كرام أهل بلدتنا أغنياؤهم إلا زيدا بمعنى أن زيدا وإن كان غنيا لكنه خارج عن الحمل على الكرام لأنا نقول: فحينئذ يلزم أن يكون التائبون من الفاسقين ولا يكونوا من القاذفين والأمر بالعكس، وقد يقال: إن الاستثناء منقطع على معنى أنهمفاسقون في جميع الأحوال إلا حال التوبة، ولا يخفى أنه يحتاج إلى تكليف في التقدير أي إلا حال توبة الذين إلخ أو إلا توبة القاذفين أي وقت توبتهم على أن يجعل
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5الذين حرفا مصدريا لا اسما موصولا وضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5تابوا عائدا على ( أولئك ) وبعد اللتيا والتي يكون الاستثناء مفرغا متصلا لا منقطعا انتهى فتأمل.
nindex.php?page=treesubj&link=10563_19721_20011_28723_29694_30520_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلا الَّذِينَ تَابُوا أَيْ رَجَعُوا عَمَّا قَالُوا وَنَدِمُوا
[ ص: 98 ] عَلَى مَا تَكَلَّمُوا اسْتِثْنَاءً مِنَ الْفَاسِقِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ ( أُولَئِكَ ) وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْمُسْتَثْنَى النَّصْبُ لِأَنَّهُ عَنْ مُوجَبٍ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لِتَهْوِيلِ الْمَتُوبِ عَنْهُ أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا اقْتَرَفُوا ذَلِكَ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ الْهَائِلَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5وَأَصْلَحُوا عَلَى مَعْنَى وَأَصْلَحُوا أَعْمَالَهُمْ بِالِاسْتِحْلَالِ مِمَّنْ رَمَوْهُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ حَيًّا فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ فَلَعَلَّ الِاسْتِغْفَارَ لَهُ يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِحْلَالِ مِنْهُ كَمَا قِيلَ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنْ كَانُوا قَدْ رَمَوْا أَمْوَاتًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ مِمَّنْ خَاصَمَهُمْ وَطَلَبَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغْنِيَ عَنْهُ الِاسْتِغْفَارُ لِمَنْ رَمَوْهُ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْتِحْلَالِ مِنْ أُولَئِكَ الْمُخَاصِمِينَ وَالِاسْتِغْفَارِ لِلْمَرْمِيَّيْنِ أَوْلَى وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ.
وَكَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فَعِنْدَهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ وَأَصْلَحَ لَكِنْ قَالُوا: إِنَّ حَدَّ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُقْبَلُ قَبِلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَوَجَّهَهُ أَنَّ النَّصَّ مُوجِبٌ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ النَّاشِئَةِ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ الثَّابِتَةِ لَهُ عِنْدَ الْقَذْفِ وَلِذَا قِيلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً دُونَ وَلَا تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ أَيْ وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ شَهَادَةً مِنَ الشَّهَادَاتِ حَالَ كَوْنِهَا حَاصِلَةً لَهُمْ عِنْدَ الرَّمْيِ وَالشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاصِلَةً لِلْكَافِرِ عِنْدَ الرَّمْيِ هِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى أَبْنَاءِ جِنْسِهِ فَتَدْخُلُ تَحْتَ الرَّدِّ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ الَّتِي اعْتُبِرَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَغَيْرُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا قَبِلَتْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الرَّدِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ
nindex.php?page=treesubj&link=10480الْعَبْدِ إِذَا حَدَّ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَعْتَقَ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ مِنْ قَبْلُ لِلرِّقِّ فَلَزِمَ كَوْنُ تَتْمِيمِ حَدِّهِ بَرُّ شَهَادَتِهِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ لَهُ، وَقَدْ طَلَبَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10275زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحُدُّ حَيْثُ تَوَقَّفَ حُكْمُ الْمُوجَبِ فِي الْعَبْدِ إِلَى أَنْ أَمْكَنَ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِي الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ إِلَى الْإِمْكَانِ بِالْخُرُوجِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَقَعْ مُوجِبًا أَصْلًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ مُخَاطِبًا بِإِقَامَتِهِ أَصْلًا لِأَنَّ الْقُدْرَةَ شَرْطُ التَّكْلِيفِ فَلَوْ حَدَّ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ آخَرَ كَانَ بِلَا مُوجَبٍ وَغَيْرِ الْمُوجَبِ لَا يَنْقَلِبُ مُوجَبًا بِنَفْسِهِ خُصُوصًا فِي الْحَدِّ الْمَطْلُوبِ دَرْؤُهُ، وَأَمَّا قَذْفُ الْعَبْدِ فَمُوجِبٌ حَالَ صُدُورِهِ لِلْحَدِّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَمَامُهُ فِي الْحَالِ فَتَوَقَّفَ تَتْمِيمُهُ عَلَى حُدُوثِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا قِيلَ، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْحَدِّ وَالْعَبْدِ إِذَا أَعْتَقَ بَعْدَهُ: إِنَّ الْكَافِرَ اسْتَفَادَ بِالْإِسْلَامِ عَدَالَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَهُ عِنْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ وَهَذِهِ الْعَدَالَةُ لَمْ تَكُنْ مَجْرُوحَةً بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ بِالْعِتْقِ لَا يَسْتَفِيدُ عَدَالَةً لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلُ وَقَدْ صَارَتْ عَدَالَتُهُ مَجْرُوحَةً بِإِقَامَةِ الْحَدِّ، ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَدٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَعْتَقَ ثُمَّ حَدَّ حَيْثُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=10461_10480الْكَافِرُ فَإِنَّهُ لَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ حَدٌّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَمُقْتَضَى الْآيَةِ عَدَمُ قَبُولِ كُلِّ شَهَادَةٍ لِلْمَحْدُودِ حَادِثَةً كَانَتْ أَوْ قَدِيمَةً لَمَّا أَنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4شَهَادَةً نَكِرَةٌ وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي حَيِّزِ النَّهْيِ فَتُفِيدُ الْعُمُومَ كَالنَّكِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ، وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ الْمَحْدُودِ إِذَا أَسْلَمَ، وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِمَا فِي الْوُسْعِ وَقَدْ كَلَّفَ الْحُكَّامَ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ فَالِامْتِثَالُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِرَدِّ شَهَادَةٍ قَائِمَةٍ فَحَيْثُ رَدَّتْ تَحَقُّقَ الِامْتِثَالِ وَتَمَّ وَقَدْ حَدَثَتْ أُخْرَى فَلَوْ رَدَّتْ كَانَتْ غَيْرَ مُقْتَضَى إِذِ الْمُوجَبُ أَخْذُ مُقْتَضَاهُ وَلِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ، وَمُقْتَضَى الْعُمُومِ أَيْضًا عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الدِّيَانَاتِ غَيْرُهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهَا تُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ وَكَأَنَّهُمُ اعْتَبَرُوهَا رِوَايَةً وَخَبَرًا لَا شَهَادَةَ وَرَبَّ شَخْصٍ تَرِدُ شَهَادَتُهُ
[ ص: 99 ] وَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، وَأَوْرَدَ عَلَى الْعُمُومِ أَنَّهُمُ اكْتَفَوْا فِي النِّكَاحِ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينَ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَاكَ بِمَعْنَى الْحُضُورِ وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِهِ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلنِّكَاحِ حُكْمَيْنِ حُكْمَ الِانْعِقَادِ وَحُكْمَ الْإِظْهَارِ وَلَا يُقْبَلُ فِي الثَّانِي إِلَّا شَهَادَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي شَرْحِ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=16145رَدِّ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ عَلَى الْحُكَّامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُمْ عَلَى حُكْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ رَدُّ شَهَادَتِهِ وَيَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ شَهَادَتُهُ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عِنْدَهُمْ إِذَا وَقَعَ التَّجَاحُدُ فَلَا يُعَكِّرُ عَلَى الْعُمُومِ اعْتِبَارَ حُضُورِهِ مَجْلِسِ النِّكَاحِ فِي صِحَّةِ انْعِقَادِهِ إِذْ ذَلِكَ أَمْرٌ وَرَاءَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَا قِيلَ فَلْيَتَدَبَّرْ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ إِلَى قَبُولِ
nindex.php?page=treesubj&link=25806_24378شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ إِذَا تَابَ، وَالْمُرَادُ بِتَوْبَتِهِ أَنْ يُكْذِّبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ، وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا جَاءَ اسْتِثْنَاءً بَعْدَ جُمَلٍ مُقْتَرِنَةٍ بِالْوَاوِ هَلْ يَنْصَرِفُ لِلْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ إِلَى الْكُلِّ أَوْ هُنَاكَ تَفْصِيلٌ فَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ انْصِرَافُهُ إِلَى الْكُلِّ، وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ انْصِرَافُهُ لِلْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي
عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ إِنْ كَانَ الشُّرُوعُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ إِضْرَابًا عَنِ الْأَوْلَى وَلَا يُضْمَرُ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا فِي الْأَوْلَى فَالِاسْتِثْنَاءُ مُخْتَصٌّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنِ الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى مَعَ اسْتِقْلَالِهَا بِنَفْسِهَا إِلَى غَيْرِهَا إِلَّا وَقَدْ تَمَّ مَقْصُودُهُ مِنْهَا وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، الْأَوَّلُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْجُمْلَتَانِ نَوْعًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَكْرَمُ بَنِي تَمِيمٍ وَالنُّحَاةُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا الْبُغَادِدَةُ إِذِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى أَمْرٌ وَالثَّانِيَةُ خَبَرٌ، الثَّانِي أَنْ يَتَّحِدَا نَوْعًا وَيَخْتَلِفَا اسْمًا وَحُكْمًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَكْرَمُ بَنِي تَمِيمٍ وَاضْرِبْ رَبِيعَةَ إِلَّا الطَّوَالَ إِذْ هُمَا أَمْرَانِ، الثَّالِثُ أَنْ يَتَّحِدَا نَوْعًا وَيَشْتَرِكَا حُكْمًا لَا اسْمًا كَمَا لَوْ قَالَ:
سَلَّمَ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي رَبِيعَةَ إِلَّا الطَّوَالُ، الرَّابِعُ أَنْ يَتَّحِدَا نَوْعًا وَيَشْتَرِكَا اسْمًا لَا حُكْمًا وَلَا يَشْتَرِكَ الْحُكْمَانِ فِي غَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ كَمَا لَوْ قَالَ: سَلَّمَ عَلَيَّ بَنِي تَمِيمٍ وَاسْتَأْجَرَ بَنِي تَمِيمٍ إِلَّا الطَّوَالَ، وَقُوَّةُ اقْتِضَاءِ اخْتِصَاصِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الشُّرُوعُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ إِضْرَابًا عَنِ الْأَوْلَى بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ نَوْعٌ تَعَلَّقَ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكُلِّ وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، الْأَوَّلُ أَنْ يَتَّحِدَ الْجُمْلَتَانِ نَوْعًا وَاسْمًا لَا حُكْمًا غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَيْنِ قَدِ اشْتَرَكَا فِي غَرَضٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ قَالَ: أَكْرَمُ بَنِي تَمِيمٍ وَسَلَّمَ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ إِلَّا الطَّوَالَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي غَرَضِ الْإِعْظَامِ، الثَّانِي أَنْ يَتَّحِدَ الْجُمْلَتَانِ نَوْعًا وَيَخْتَلِفَا حُكْمًا وَاسْمُ الْأُولَى مُضْمَرٌ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَكْرَمُ بَنِي تَمِيمٍ وَاسْتَأْجَرَهُمْ إِلَّا الطَّوَالُ، الثَّالِثُ بِعَكْسِ مَا قَبْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَكْرَمُ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ إِلَّا الطَّوَالُ، الرَّابِعُ أَنْ يَخْتَلِفَ نَوْعُ الْجُمَلِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ أَضْمَرَ فِي الْأَخِيرَةِ مَا تَقَدَّمَ أَوْ كَانَ غَرَضُ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيهَا وَاحِدًا، وَجَعَلَ آيَةَ الرَّمْيِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قِيلَ: إِنَّ جُمَلَهَا مُخْتَلِفَةُ النَّوْعِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً أَمْرٌ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا نَهْيٌ وَقَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ خَبَرٌ وَهِيَ دَاخِلَةٌ أَيْضًا تَحْتَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِاشْتِرَاكِ أَحْكَامُ هَذِهِ الْجُمَلِ فِي غَرَضِ الِانْتِقَامِ وَالْإِهَانَةِ وَدَاخِلَةٌ أَيْضًا تَحْتَ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ جِهَةِ إِضْمَارِ الِاسْمِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهَا، وَذَهَبَ
الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى مِنَ الشِّيعَةِ إِلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ وَذَهَبَ الْقَاضِي
أَبُو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْوَقْفِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14552الْآمِدِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَهْمَا ظَهَرَ كَوْنُ الْوَاوِ لِلِابْتِدَاءِ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَكُونُ مُخْتَصًّا بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ كَمَا فِي الْقَسَمِ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَقْسَامِ الثَّمَانِيَةِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحَيْثُ أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَوْ لِلِابْتِدَاءِ كَمَا فِي بَاقِي الْأَقْسَامِ السَّبْعَةِ فَالْوَاجِبُ الْوَقْفُ، وَذَكَرَ حُجَجَ الْمَذَاهِبِ بِمَا لَهَا وَعَلَيْهَا فِي الْأَحْكَامِ، وَفِي التَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=20818رُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى كُلٍّ [ ص: 100 ] وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَظْهَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ بَعْضَ حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِرُجُوعِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ قَدِ اسْتَدَلَّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ رُجُوعِهِ لِلْجَمِيعِ، قَالَ
الْقَلَانِسِيُّ: إِنَّ نَصْبَ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ إِنَّمَا كَانَ بِالْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ بِإِعَانَةٍ إِلَّا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكَابِرُ الْبَصْرِيِّينَ فَلَوْ قِيلَ بِرُجُوعِهِ إِلَى الْجَمِيعِ لَكَانَ مَا بَعْدَ إِلَّا مُنْتَصِبًا بِالْأَفْعَالِ الْمُقَدَّرَةِ فِي كُلِّ جُمْلَةٍ وَيُلْزِمُ مِنْهُ اجْتِمَاعُ عَامِلِينَ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ مُضَادَّةٍ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي الْعَمَلِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ الْوَاحِدُ مَرْفُوعًا مَنْصُوبًا مَعًا وَهُوَ مُحَالٌ وَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا فِي الْعَمَلِ لَزِمَ عَدَمَ اسْتِقْلَالِهِ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ كُلِّ مُسْتَقِلًّا إِلَّا أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلًّا لَزِمَ خِلَافَ الْمَفْرُوضِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَقِلُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجَّحٍ، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ وَإِنْ بَحَثَ فِيهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ رُجُوعِهِ لِلْجَمِيعِ ظَاهِرٌ وَكَمَا اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي ذَلِكَ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِيهِ فَفِي شَرْحِ اللَّمْعِ أَنَّهُ يُخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ وَأَنَّ تَعْلِيقَهُ بِالْجَمِيعِ خَطَأٌ لِلُزُومٍ تَعَدَّدَ الْعَامِلُ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ إِلَّا أَوْ تَمَامِ الْكَلَامِ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11992أَبُو حَيَّانَ : لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ النُّحَاةِ غَيْرَ
الْمَهَابَاذِيِّ وَابْنِ مَالِكٍ فَاخْتَارَ
ابْنُ مَالِكٍ عَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمَلِ كُلِّهَا كَالشَّرْطِ، وَاخْتَارَ
الْمَهَابَاذِيُّ عَوْدَهُ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَقَالَ
الْوَلِيُّ بْنُ الْعِرَاقِيِّ: لَمْ يُطْلَقِ
ابْنُ مَالِكٍ عَوْدَهُ إِلَى الْجُمَلِ كُلِّهَا بَلِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ وَالْمَعْمُولُ كَقَوْلِكَ: اُكْسُ الْفُقَرَاءَ وَأَطْعِمْ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ إِلَّا مَنْ كَانَ مُبْتَدِعًا فَقَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: إِنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْأَخِيرَةِ خَاصَّةً، وَنَقَلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ الْقَوْلَ بِرُجُوعِهِ إِلَى الْأَخِيرَةِ مُطْلَقًا وَهَذَا كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ بِرُجُوعِهِ إِلَى الْأَخِيرَةِ فَقَطْ إِذَا تَجَرَّدَ الْكَلَامُ عَنْ دَلِيلِ رُجُوعِهِ إِلَى الْكُلِّ أَمَّا إِذَا وَجَدَ الدَّلِيلُ عَمِلَ بِهِ وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُحَارِبِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=34إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=34مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [الْمَائِدَةُ: 33، 34] يَقْتَضِي رُجُوعَهُ إِلَى الْكُلِّ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ إِلَى الْأَخِيرَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) لَمْ يَبْقَ لِلتَّقْيِيدِ بِذَلِكَ فَائِدَةٌ لِلْعِلْمِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْعَذَابَ فَلَيْسَ فَائِدَةً «مِنْ قَبْلُ» إِلَخْ إِلَّا سُقُوطَ الْحَدِّ وَعَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يَنْبَغِي حَمْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ أَرَادُوا رُجُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْكُلِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ يَقْتَضِي رُجُوعَهُ إِلَى الْأَخِيرَةِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَجِلَّةِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ إِنَّمَا قَالُوا بِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ هُنَا لِأَنَّ الْجُمْلَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَرَدَتَا جَزَاءً لِأَنَّهُمَا أَخْرَجَتَا بِلَفْظِ الطَّلَبِ مُخَاطِبًا بِهِمَا الْأَئِمَّةَ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافَهُمَا أَمَرًا وَنَهْيًا وَالْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ مُسْتَأْنِفَةٌ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ اسْتِبْعَادِ كَوْنِ الْقَذْفِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ وَهِيَ قَائِمَةٌ هُنَا لِأَنَّ الْقَذْفَ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَرُبَّمَا يَكُونُ حِسْبَةً، وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُمْ فَسَقُوا بِهَتْكِ سِتْرِ الْعِفَّةِ بِلَا فَائِدَةٍ حَيْثُ عَجَزُوا عَنِ الْإِثْبَاتِ فَلِذَا اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ وَحَيْثُ كَانَتْ مُسْتَأْنَفَةَ تَوَجُّهُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَيْهَا.
وَنُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَعَلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلا تَقْبَلُوا اسْتِئْنَافًا مُنْقَطِعًا عَنِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ وَأَبَى أَنْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَجَعْلِ الِاسْتِثْنَاءِ مَصْرُوفًا إِلَيْهِ بِجَعْلِ مَنْ تَابَ مُسْتَثْنًى مِنْ ضَمِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4لَهُمْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ اعْتِرَاضًا جَارِيًا مَجْرَى التَّعْلِيلِ لِعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ عَمَّا قَبْلِهِ وَلِهَذَا جَازَ تُوَسُّطُهُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَا تُعَلِّقُ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِهِ، وَآثَرَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أَمَالَيْهِ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَرْجِعُ إِلَى الْكُلِّ أَمَّا الْجَلْدُ فَبِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ ص: 101 ] فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِتَقْرِيرِ مَنْعِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْجِعُ إِلَيْهَا، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ اسْتِئْنَافَ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلا تَقْبَلُوا إِلَخْ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ رَدُّهَا وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْجَلْدِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤْلِمٌ زَاجِرٌ عَنِ ارْتِكَابِ جَرِيمَةِ الرَّمْيِ وَكَمْ مِنْ شَخْصٍ لَا يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كَمَا يَتَأَلَّمُ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ، وَرُبَّمَا يُقَالُ: إِنْ رَدَّ الشَّهَادَةِ قَطْعٌ لِلْآلَةِ الْخَائِنَةِ مَعْنًى وَهِيَ اللِّسَانُ فَيَكُونُ كَقَطْعِ الْيَدِ حَقِيقَةً فِي السَّرِقَةِ، وَمَنْ أَنْصَفَ رَأَى مُنَاسَبَتَهُ لِلْجَلْدِ أَتَمَّ مِنْ مُنَاسَبَةِ التَّغْرِيبِ لَهُ لِأَنَّ التَّغْرِيبَ رُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا لِقِلَّةَ مَنْ يُرَاقِبُ وَيَسْتَحِي مِنْهُ فِي الْغُرْبَةِ وَقَدْ تَضْطَرُّ الْمَرْأَةُ إِذَا غَرَبَتْ إِلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا فَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ، وَأَيْضًا الْجِلْدُ فِعْلٌ يَلْزَمُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلِهِ وَالرَّدُّ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ كَذَلِكَ وَقَدْ خُوطِبَ بِكِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ الْإِنْشَائِيَّتَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنَى الْأَئِمَّةِ وَبِهَذَا يَقْوَى أَمْرُ الْمُنَاسَبَةِ.
وَاعْتَرَضَ
الزَّيْلَعِيُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ تَعْلِيلٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ فَقَالَ: لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ رَدُّ شَهَادَتِهِ لِفِسْقِهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ هُوَ التَّوَقُّفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الْحُجُرَاتُ: 6] لَا الرَّدُّ وَعِلَّةُ الرَّدِّ هُنَا لَيْسَتْ إِلَّا أَنَّهُ حَدٌّ انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَجْعَلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا النَّقْلِ الْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ كَوْنِهَا جَارِيَةً مَجْرَى التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلِهَا مَعْطُوفَةً عَلَيْهِ لِمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ يَمْنَعُ قَصْدَ التَّعْلِيلِ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُعْطَفُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْوَاوِ بَلْ إِنَّمَا تَذَكَّرَ بِالْفَاءِ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ سَابِقًا مِنْ أَنَّهَا عِلَّةٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ إِذْ ذَلِكَ غَيْرُ مَنْطُوقٍ، وَانْتَصَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ إِذَا تَابَ بِأَنَّهُ إِذَا جَعَلَتِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلًا لِلرَّدِّ يَتِمُّ ذَلِكَ وَلَوْ سَلَّمَ رُجُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاقِبَةِ بِالْوَاوِ وُجُوبَ زَوَالِ الْحُكْمِ بِزَوَالِ الْعِلَّةِ، وَلَا أَظُنُّهُ يَدْفَعُ إِلَّا بِالْتِزَامِ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا انْقِطَاعَ بَيْنَ الْجُمَلِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَمُقْتَضَى أَصْلُهُ الْمَشْهُورُ رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجَمِيعِ فَيُلْزِمُ حِينَئِذٍ سُقُوطُ الْجِلْدِ بِالتَّوْبَةِ لَكِنَّهُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ لِأَنَّ تَحْقِيقَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الْكُلِّ قَدْ يَعْدِلُ عَنْهُ وَذَلِكَ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ وَظُهُورِ الْمَانِعِ وَالْمَانِعُ هُنَا مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأَوْلَى عَلَى مَا قِيلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=27644عَدَمِ سُقُوطِ الْجَلْدِ بِالتَّوْبَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ، وَأَوْلَى مِنْهُ مَا أَوْمَأَ إِلَيْهِ الْقَاضِي
nindex.php?page=showalam&ids=13926الْبَيْضَاوِيُّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْجِلْدِ مِنْ تَتِمَّةِ التَّوْبَةِ فَكَيْفَ يَعُودُ إِلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ عَدَمَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالتَّفْسِيقِ مَنْ تَتَمَتَّهَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ الْآيَةُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَشْهُورِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ رُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى أَيْضًا لِمَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هُوَ ( الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا ) وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِصْلَاحِ الِاسْتِحْلَالِ وَطَلَبِ الْعَفْوِ مِنَ الْمَقْذُوفِ وَعِنْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْجِلْدَ أَيْضًا، وَفِيهِ أَنَّ كَوْنَ طَلَبِ الْعَفْوِ مِنَ الْإِصْلَاحِ غَيْرِ نَافِعٍ لِأَنَّ الْجِلْدَ لَا يَسْقُطُ بِطَلَبِ الْعَفْوِ بَلِ الْعَفْوُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْإِصْلَاحِ إِذِ الْعَفْوُ فِعْلُ الْمَقْذُوفِ وَهَذَا الْإِصْلَاحُ فِعْلُ الْقَاذِفِ فَلَمْ يَصِحَّ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْكُلِّ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ الْمَشْهُورُ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَنُظُمُهَا أَنْ يَكُونَ الْجُمَلُ الثَّلَاثُ بِمَجْمُوعِهِنَّ جَزَاءَ الشَّرْطِ، وَالْمَعْنَى مِنْ قَذَفَ فَاجْمَعُوا لَهُمْ بَيْنَ الْأَجْزِئَةِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْهُمْ فَيَعُودُونَ غَيْرَ مَجْلُودِينَ وَلَا مَرْدُودِيَّ الشَّهَادَةِ وَلَا مُفَسَّقِينَ، قَالَ فِي الْكَشْفِ: وَهَذَا جَارٍ عَلَى أَصْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إِلَى الْكُلِّ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ هَاهُنَا أَنَّ الْجُمَلَ دَخَلَتْ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ فَصِرْنَ كَالْمُفْرِدَاتِ، وَتَعَقَّبَ الْقَوْلَ بِدُخُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ فِي حَيِّزِ الْجَزَاءِ بِأَنَّ دَلِيلَ عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي الشَّرْطِ يَقْتَضِي عَدَمَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا الْأَئِمَّةُ لِإِفْرَادِ الْكَافِ فِي ( أُولَئِكَ ) فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ أَيِ الَّذِينَ يَرْمُونَ إِلَخْ أَوْ مُسْتَأْنَفٌ لِحِكَايَةِ حَالِ
[ ص: 102 ] الرَّامِينَ عِنْدَ الشَّرْعِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ عَطْفَ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَعَكْسَهُ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ شَائِعَانِ فِي الْكَلَامِ وَأَنَّ إِفْرَادَ كَافِ الْخِطَابِ مَعَ الْإِشَارَةِ جَائِزٌ فِي خِطَابِ الْجَمَاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=52ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ [الْبَقَرَةُ: 52] عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنْ ( الَّذِينَ يَرْمُونَ ) مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيِ اجْلِدُوا الَّذِينَ إِلَخْ فَهُوَ أَيْضًا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ إِنْشَائِيَّةٌ مُخَاطِبٌ بِهَا الْأَئِمَّةَ فَالْمَانِعُ الْمَذْكُورُ قَائِمٌ هُنَا زِيَادَةَ الْعُدُولِ عَنِ الْأَقْرَبِ إِلَى الْأَبْعَدِ وَلَوْ سَلَّمَ أَنْ ( الَّذِينَ ) مُبْتَدَأٌ فَلَا بُدَّ فِي الْإِنْشَائِيَّةِ الْوَاقِعَةِ مَوْقِعَ الْخَبَرِ مِنْ تَأْوِيلٍ وَصَرْفٍ عَنِ الْإِنْشَائِيَّةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ عَطْفُ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ عَلَيْهِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=19أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ فَسَقُوهُمْ وَالْإِنْصَافُ يَحْكُمُ بِعَدَمِ ظُهُورِ دُخُولِ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي حَيِّزِ الْجَزَاءِ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ لَا الظُّهُورَ.
وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا اسْتِئْنَافٌ تَذْيِيلِيٌّ لِبَيَانِ سُوءِ حَالِ الرَّامِينَ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِينَئِذٍ عَوْدُ الِاسْتِئْنَافِ إِلَيْهِ ظَاهِرٌ، لَا يُقَالُ، إِنَّ ذَلِكَ يَنْفِي الْفَائِدَةَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ شَرْعًا أَنَّ التَّوْبَةَ تُزِيلُ الْفِسْقَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ السَّمْعِ وَقَدْ ذَكَرَ الدَّالَّ عَلَيْهِ مِنْهُ وَكَوَّنَ آيَةً أُخْرَى تُفِيدُهُ لَا يَضُرُّ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ طَرِيقَ الْقُرْآنِ تَكْرَارُ الدَّوَالِ خُصُوصًا إِذَا كَانَ التَّأْكِيدُ مَطْلُوبًا، هَذَا وَإِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ
nindex.php?page=treesubj&link=10461_25806_10480شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إِذَا تَابَ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنُ سِيرِينَ nindex.php?page=showalam&ids=15990وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ كُلِّ
الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ فِي الدَّرِّ الْمَنْثُورِ وَإِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12300وَالزَّهْرِيِّ وَمُحَارِبٍ وَشُرَيْحٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ nindex.php?page=showalam&ids=16584وَعِكْرِمَةِ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ
الطَّيِّبِيُّ وَعُدَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابْنُ جُبَيْرٍ مِنَ الْقَائِلِينَ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ يُخَالِفُهُ مَا سَمِعْتَ آنِفًا، وَعُدَّ
ابْنُ الْهُمَامِ شَرِيحًا مِمَّنْ قَالَ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ، وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ جَلَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَبَا بَكَرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مُعَبَّدٍ وَنَافِعًا بِقَذْفِ
الْمُغِيرَةِ ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ مَنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ تَحَقَّقَ أَنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ قَائِلُونَ كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَدَعْوَى إِجْمَاعِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَوَجْهُ التَّعْلِيلِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ظَاهِرٌ لَكِنْ قِيلَ إِنَّهُ عَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ أَظْهَرُ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِمَا يُفِيدُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا مَحَلَّ مِنَ الْإِعْرَابِ، وَجَوَّزَ
nindex.php?page=showalam&ids=14803أَبُو الْبَقَاءِ كَوْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5الَّذِينَ مُبْتَدَأً وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرُهُ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَهُمْ.
وَاخْتَارَ الْجُمْهُورُ الِاسْتِئْنَافَ وَالِاسْتِثْنَاءَ وَهُوَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُنَا مُنْقَطِعٌ، وَبَيَّنَهُ
أَبُو زَيْدٍ الدَّبُّوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّدْرِ لَكِنْ لَمْ يُقْصَدْ إِخْرَاجُهُ مِنْ حُكْمِهِ عَلَى مَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلُ بَلْ قُصِدَ إِثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ لَهُ وَهُوَ أَنَّ التَّائِبَ لَا يَبْقَى فَاسِقًا، وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الثَّانِي بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4هُمُ الْفَاسِقُونَ الثَّبَاتُ وَالدَّوَامُ وَإِلَّا فَلَا تَعَذُّرَ لِلِاتِّصَالِ فَلَا وَجْهَ لِلِانْقِطَاعِ، وَبَيَّنَهُ
فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ دَاخِلٍ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ لِأَنَّ التَّائِبَ لَيْسَ بِفَاسِقٍ ضَرُورَةً إِنَّهُ عِبَارَةُ عَمَّنْ قَامَ بِهِ الْفِسْقُ وَالتَّائِبُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِزَوَالِ الْفِسْقِ بِالتَّوْبَةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ بَقَاءُ مَعْنَى الْفِعْلِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاوُلُ لَكِنْ لَا يَصِحُّ الْإِخْرَاجُ لِأَنَّ التَّائِبَ لَيْسَ بِمُخْرَجٍ مِمَّنْ كَانَ فَاسِقًا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي.
وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ اتِّصَالِ الِاسْتِثْنَاءِ لَيْسَ هُوَ الْفَاسِقِينَ بَلِ الَّذِينَ حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَهُمُ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( وَأُولَئِكَ ) وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّائِبِينَ دَاخِلُونَ فِيهِمْ مُخْرِجُونَ عَنْ حُكْمِهِمْ
[ ص: 103 ] وَهُوَ الْفِسْقُ كَأَنَّهُ قِيلَ جَمِيعُ الْقَاذِفِينَ فَاسِقُونَ إِلَّا التَّائِبِينَ مِنْهُمْ كَمَا يُقَالُ الْقَوْمُ مُنْطَلِقُونَ إِلَّا زَيْدًا اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ زَيْدًا دَاخِلٌ فِي الْقَوْمِ مُخْرِجٌ عَنْ حُكْمِ الِانْطِلَاقِ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ سَوَاءً جَعَلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَسْبِ اللَّفْظِ هُوَ الْقَوْمُ أَوِ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي مُنْطَلِقُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَقَرِبُ وَأَنَّ عَمَلَ الصِّفَةِ فِي الْمُسْتَثْنَى أَظَهَرُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَفْظًا هُوَ لَفْظُ الْقَوْمِ الْبَتَّةَ وَإِذَا جَعَلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ضَمِيرَ مُنْطَلِقُونَ فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِنَّ زَيْدًا دَاخِلٌ فِي الذَّوَاتِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمْ بِالْإِطْلَاقِ مُخْرِجٌ عَنْ حُكْمِ الِانْطِلَاقِ كَمَا فِي قَوْلِنَا: انْطَلَقَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْآيَةِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَاسِقِينَ هَاهُنَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْفَاسِقِ عَلَى قَصْدَ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ أَوْ بِمَعْنَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ الْفِسْقُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ مَنْ قَامَ بِهِ الْفِسْقُ فِي الْجُمْلَةِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَالًا فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَالتَّائِبُ لَيْسَ بِفَاسِقٍ ضَرُورَةَ قَضَاءِ الشَّارِعِ بِأَنَّ التَّائِبَ لَيْسَ بِفَاسِقٍ حَقِيقَةً، وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=21178شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُتَنَاوِلًا لِلْمُسْتَثْنَى عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ عَنِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهَذَا مُرَادُ
فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْفَاسِقِينَ لِلتَّائِبِينَ بِخِلَافِ مُنْطَلِقُونَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ زَيْدٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثُ فَلَا صِحَّةَ لِإِخْرَاجِ التَّائِبِ عَنِ الْفَاسِقِينَ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِمَعْنَى صُدُورِ الْفِسْقِ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ قَاذِفٌ وَالْقَذْفُ فِسْقٌ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْعَ عَدَمِ دُخُولِ التَّائِبِينَ فِي الْفَاسِقِينَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَمَنَعَ عَدَمَ صِحَّةِ إِخْرَاجِهِمْ عَنْهُمْ بِالْمَعْنَى الْآخَرِ غَيْرُ مُوَجَّهٍ وَأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى دُخُولِهِمْ بِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِالْفِسْقِ عَلَى ( أُولَئِكَ ) الْمُشَارُ بِهِ إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23الَّذِينَ يَرْمُونَ وَهُوَ عَامٌّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْإِجْمَاعِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا فِسْقَ مَعَ التَّوْبَةِ، وَكَفَى بِهِ مُخَصَّصًا اهْـ. وَفِيهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَكُونُ مُخَصَّصًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُتَرَاخِيًا عَنِ النَّصِّ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا إِجْمَاعَ إِلَّا بَعْدَ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْحُكْمُ بِالْفِسْقِ عَلَى ( أُولَئِكَ ) الْمُشَارِ بِهِ إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23الَّذِينَ يَرْمُونَ وَهُوَ عَامٌّ فَيَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ.
وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخْصِيصِ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ لَا التَّخْصِيصُ الْمُصْطَلَحُ وَهُوَ كَمَا تَرَى وَفِي قَوْلِهِ: وَمِنْ شَرْطِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ إِلَخْ بَحْثٌ يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا، وَقَالَ
الْعَلَامَةُ: الظَّاهِرُ كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا أَيْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْمُونَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ إِلَّا التَّائِبِينَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُمْ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ الدَّائِمِ وَهُوَ الْمَحْكُومُ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي الصَّدْرِ بِقَرِينَةِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِي تَوْجِيهِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا أَنَّ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إِنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَشُمُولِهِ إِيَّاهُ لَا بِحَسْبِ ثُبُوتِهِ لَهُ فِي الْوَاقِعِ كَيْفَ وَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ لَهُ صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ فَهَاهُنَا ( الَّذِينَ يَرْمُونَ ) شَامِلٌ لِلتَّائِبِينَ مِنْهُمْ فَلَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِفَاسِقِينَ وَأَنَّ التَّوْبَةَ تُنَافِي ثُبُوتَ الْفِسْقِ كَمَا إِذَا لَمْ يُدْخِلْ زَيْدٌ فِي الِانْطِلَاقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِاعْتِبَارِ دُخُولِهِ فِي الْقَوْمِ مِثْلُ انْطَلَقَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الِاسْتِثْنَاءِ دُخُولَ الْمُسْتَثْنَى فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَسْبِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بِحَسْبِ دَلِيلٍ خَارِجٍ كَمَا يُقَالُ: خَلَقُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا ذَاتَهُ سُبْحَانَهُ وَصِفَاتَهُ الْعُلَى، قَالَ
الْعَلَامَةُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِأَنَّ خُرُوجَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعْلُومٌ فَيَحْمِلُ عَلَى الْمُنْقَطِعِ الْمُفِيدِ لِفَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ وَهَذَا مُرَادُ
فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِعَدَمِ دُخُولِ التَّائِبِينَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ عَدَمَ التَّنَاوُلِ الشَّرْعِيِّ مُسْتَفَادٌ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَعْنِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=680753التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ [ ص: 104 ] لَهُ مُبَيِّنٌ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ وُجُودِ الْفَائِدَةِ وَبِأَنَّ كَوْنَ خُرُوجِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعْلُومًا هُنَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لِمَكَانِ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْفِعْلِ وَبِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْجَدِيدَةَ فِي الْمُنْقَطِعِ الَّتِي يُعَرَّى عَنْهَا الْمُتَّصِلُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، وَقَالَ أَيْضًا: لَا يُقَالُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْفَاسِقُونَ وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لِإِخْرَاجِ التَّائِبِينَ مِنْهُمْ فِي الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْحَمْلُ عَلَى أُولَئِكَ الْقَاذِفِينَ وَالْإِثْبَاتُ لَهُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا يَجُوزُ مِنَ الْمَحْكُومِ بِهِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا يُقَالُ: كِرَامُ أَهْلُ بَلْدَتِنَا أَغْنِيَاؤُهُمْ إِلَّا زَيْدًا بِمَعْنَى أَنَّ زَيْدًا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَكِنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْحَمْلِ عَلَى الْكِرَامِ لِأَنَّا نَقُولُ: فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّائِبُونَ مِنَ الْفَاسِقِينَ وَلَا يَكُونُوا مِنَ الْقَاذِفِينَ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْفَاسِقُونَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إِلَّا حَالَ التَّوْبَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَكْلِيفٍ فِي التَّقْدِيرِ أَيْ إِلَّا حَالَ تَوْبَةِ الَّذِينَ إِلَخْ أَوْ إِلَّا تَوْبَةَ الْقَاذِفِينَ أَيْ وَقْتِ تَوْبَتِهِمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5الَّذِينَ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا لَا اسْمًا مَوْصُولًا وَضَمِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5تَابُوا عَائِدًا عَلَى ( أُولَئِكَ ) وَبَعْدَ اللَّتَيَا وَالَّتِي يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغًا مُتَّصِلًا لَا مُنْقَطِعًا انْتَهَى فَتَأَمَّلْ.