قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30457_31048_34164_34198_34268_34274_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا nindex.php?page=treesubj&link=28328_30549_32028_34096_34274_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا nindex.php?page=treesubj&link=18697_19647_28723_30532_30563_30569_30614_30723_34329_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=81ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا
قالت فرقة: "ما" شرطية، ودخلت "من" بعدها لأن الشرط ليس بواجب فأشبه النفي الذي تدخله "من". وقالت فرقة: "ما" بمعنى "الذي" و"من" لبيان الجنس، لأن المصيب للإنسان أشياء كثيرة، حسنة وسيئة، ورخاء وشدة، وغير ذلك، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وغيره داخل في المعنى، وقيل: الخطاب للمرء على الجملة.
ومعنى هذه الآية عند
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=14355والربيع، nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد، وأبي صالح، وغيرهم: القطع واستئناف
nindex.php?page=treesubj&link=28847الإخبار من الله تعالى بأن الحسنة منه وبفضله، والسيئة من الإنسان بإذنابه، وهي من الله بالخلق والاختراع.
وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: "فمن نفسك وأنا قضيتها عليك"، وقرأ بها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو أنها في مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: "وأنا كتبتها"، وروي أن
أبيا nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود قرآ: "وأنا قدرتها عليك".
ويعضد هذا التأويل أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام معناها: أن ما يصيب ابن
آدم من مصائب فإنما هي عقوبة ذنوبه، ومن ذلك
nindex.php?page=hadith&LINKID=680910 "أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق رضي الله عنه [ ص: 609 ] لما نزلت nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123من يعمل سوءا يجز به جزع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست تمرض؟ ألست تسقم؟ ألست تغتم؟، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: "ما يصيب الرجل خدشة عود ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر" . ففي هذا بيان أن تلك كلها مجازاة على ما يقع من الإنسان.
وقالت طائفة: معنى الآية كمعنى التي قبلها في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك على تقدير حذف "يقولون". فتقديره: "فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا، يقولون: ما أصابك من حسنة"، ويجيء القطع على هذا القول من قوله: "وأرسلناك".
وقالت طائفة: بل القطع في الآية من أولها، والآية مضمنة الإخبار أن الحسنة من الله وبفضله، وتقدير ما بعده: وما أصابك من سيئة فمن نفسك على جهة الإنكار والتقرير، فعلى هذه المقالة ألف الاستفهام محذوفة من الكلام، وحكى هذا القول
المهدوي. و"رسولا" نصب على الحال، وهي حال تتضمن معنى التأكيد في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وأرسلناك للناس رسولا ، ثم تلاه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وكفى بالله شهيدا توعد للكفرة، وتهديد تقتضيه قوة الكلام، لأن المعنى: شهيدا على من كذبه، والمعنى أن الرسول إنما يأمر وينهى بيانا من الله وتبليغا، فإنما هي أوامر الله ونواهيه.
قالت فرقة: سبب هذه الآية
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحبني فقد أحب الله" [ ص: 610 ] فاعترضت اليهود عليه في هذه المقالة، وقالوا: هذا محمد يأمر بعبادة الله وحده، وهو في هذا القول مدع للربوبية، فنزلت هذه الآية تصديقا للرسول عليه الصلاة والسلام، وتبيينا لصورة التعلق بينه وبين فضل الله تعالى.
و"تولى" معناه: أعرض، وأصل تولى في المعنى أن يتعدى بحرف فنقول: تولى فلان عن الإيمان، وتولى إلى الإيمان، لأن اللفظة تتضمن إقبالا وإدبارا، لكن الاستعمال غلب عليها في كلام
العرب على الإعراض والإدبار، حتى استغني فيها عن ذكر الحرف الذي يتضمنه.
"حفيظا" يحتمل معنيين، أي: ليحفظهم حتى لا يقعوا في الكفر والمعاصي ونحوه، أو: ليحفظ مساوئهم وذنوبهم ويحسبها عليهم. وهذه الآية تقتضي الإعراض عمن تولى والترك له، وهي قبل نزول القتال، وإنما كانت توطئة ورفقا من الله تعالى حتى يستحكم أمر الإسلام.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=81ويقولون طاعة الآية، نزلت في المنافقين باتفاق من المفسرين، المعنى: يقولون لك يا
محمد: أمرنا طاعة، فإذا خرجوا من عندك اجتمعوا ليلا وقالوا غير ما أظهروا لك، و"بيت" معناه: فعل ليلا، فإما أخذ من "بات"، وإما من "البيت" لأنه ملتزم بالليل، وفيه الأسرار التي يخاف شياعها، ومن ذلك قول الشاعر :
أتوني فلم أرض ما بيتوا وكانوا أتوني بأمر نكر
ومنه قول
النمر بن تولب: هبت لتعذلني بليل اسمعي سفها تبيتك الملامة فاهجعي
[ ص: 611 ] المعنى: وتقول لي: اسمع، وزيدت الياء إشباعا لتصريع القافية، كقول
امرئ القيس: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: بأمثل. وقرأ جمهور القراء: "بيت" بتحريك التاء، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو، nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة بإدغامها في الطاء، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: "بيت مبيت منهم يا محمد". و "تقول" يحتمل أن يكون معناه: تقول أنت يا
محمد، ويحتمل، تقول هي لك. و"يكتب" معناه على وجهين: إما يكتبه عنده حسب كتب الحفظة حتى يقع الجزاء، وإما يكتبه في كتابه إليك، أي: ينزله في القرآن ويعلم بها، قال هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج. والأمر بالإعراض إنما هو عن معاقبتهم ومجازاتهم، وأما استمرار دعوتهم وعظتهم فلازم، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك: معنى "أعرض عنهم" لا تخبر بأسمائهم، وهذا أيضا قبل نزول القتال على ما تقدم، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=19650_19649أمر الله تعالى بالتوكل عليه والتمسك بعروته الوثقى ثقة بإنجاز وعده في النصر، والوكيل: القائم بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها، وليس ما غلب عليه الاستعمال في "الوكيل" في عصرنا بأصل في كلام
العرب، وهي لفظة رفيعة وضعها الاستعمال العامي كالعريف والنقيب وغيره.
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30457_31048_34164_34198_34268_34274_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنَ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا nindex.php?page=treesubj&link=28328_30549_32028_34096_34274_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا nindex.php?page=treesubj&link=18697_19647_28723_30532_30563_30569_30614_30723_34329_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=81وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا
قَالَتْ فِرْقَةٌ: "مَا" شَرْطِيَّةٌ، وَدَخَلَتْ "مِنْ" بَعْدَهَا لِأَنَّ الشَّرْطَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَأَشْبَهَ النَّفْيَ الَّذِي تَدْخُلُهُ "مِنْ". وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: "مَا" بِمَعْنَى "الَّذِي" وَ"مِنْ" لِبَيَانِ الْجِنْسِ، لِأَنَّ الْمُصِيبَ لِلْإِنْسَانِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ، حَسَنَةٌ وَسَيِّئَةٌ، وَرَخَاءٌ وَشِدَّةٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَغَيْرُهُ دَاخِلٌ فِي الْمَعْنَى، وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْمَرْءِ عَلَى الْجُمْلَةِ.
وَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةَ، nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنِ، nindex.php?page=showalam&ids=14355وَالرَّبِيعِ، nindex.php?page=showalam&ids=16327وَابْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَغَيْرِهِمُ: الْقَطْعُ وَاسْتِئْنَافُ
nindex.php?page=treesubj&link=28847الْإِخْبَارِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْهُ وَبِفَضْلِهِ، وَالسَّيِّئَةَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِإِذْنَابِهِ، وَهِيَ مِنَ اللَّهِ بِالْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ.
وَفِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ: "فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَنَا قَضَيْتُهَا عَلَيْكَ"، وَقَرَأَ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو أَنَّهَا فِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَأَنَا كَتَبْتُهَا"، وَرُوِيَ أَنَّ
أُبَيًّا nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنَ مَسْعُودٍ قَرَآ: "وَأَنَا قَدَّرْتُهَا عَلَيْكَ".
وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعْنَاهَا: أَنَّ مَا يُصِيبُ ابْنَ
آدَمَ مِنْ مَصَائِبَ فَإِنَّمَا هِيَ عُقُوبَةُ ذُنُوبِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=680910 "أَنَّ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [ ص: 609 ] لَمَّا نَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ جَزِعَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَسْقَمُ؟ أَلَسْتَ تَغْتَمُّ؟، وَقَالَ أَيْضًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَا يُصِيبُ الرَّجُلَ خَدْشَةُ عُودٍ وَلَا عَثْرَةُ قَدَمٍ، وَلَا اخْتِلَاجُ عِرْقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ" . فَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ تِلْكَ كُلَّهَا مُجَازَاةٌ عَلَى مَا يَقَعُ مِنَ الْإِنْسَانِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى الْآيَةِ كَمَعْنَى الَّتِي قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ "يَقُولُونَ". فَتَقْدِيرُهُ: "فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا، يَقُولُونَ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ"، وَيَجِيءُ الْقَطْعُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ قَوْلِهِ: "وَأَرْسَلْنَاكَ".
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْقَطْعُ فِي الْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا، وَالْآيَةُ مُضَمَّنَةٌ الْإِخْبَارَ أَنَّ الْحَسَنَةَ مِنَ اللَّهِ وَبِفَضْلِهِ، وَتَقْدِيرُ مَا بَعْدَهُ: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ وَالتَّقْرِيرِ، فَعَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفَةٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ
الْمَهْدَوِيُّ. وَ"رَسُولًا" نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ حَالٌ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّأْكِيدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا ، ثُمَّ تَلَاهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا تَوَعُّدٌ لِلْكَفَرَةِ، وَتَهْدِيدٌ تَقْتَضِيهِ قُوَّةُ الْكَلَامِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: شَهِيدًا عَلَى مَنْ كَذَّبَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّسُولَ إِنَّمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى بَيَانًا مِنَ اللَّهِ وَتَبْلِيغًا، فَإِنَّمَا هِيَ أَوَامِرُ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ.
قَالَتْ فِرْقَةٌ: سَبَبُ هَذِهِ الْآيَةِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ" [ ص: 610 ] فَاعْتَرَضَتِ الْيَهُودُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَقَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ يَأْمُرُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَهُوَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مُدَّعٍ لِلرُّبُوبِيَّةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَصْدِيقًا لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَبْيِينًا لِصُورَةِ التَّعَلُّقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَ"تَوَلَّى" مَعْنَاهُ: أَعْرَضَ، وَأَصْلُ تَوَلَّى فِي الْمَعْنَى أَنْ يَتَعَدَّى بِحَرْفٍ فَنَقُولَ: تَوَلَّى فُلَانٌ عَنِ الْإِيمَانِ، وَتَوَلَّى إِلَى الْإِيمَانِ، لِأَنَّ اللَّفْظَةَ تَتَضَمَّنُ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا، لَكِنَّ الِاسْتِعْمَالَ غَلَبَ عَلَيْهَا فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَالْإِدْبَارِ، حَتَّى اسْتُغْنِيَ فِيهَا عَنْ ذِكْرِ الْحَرْفِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ.
"حَفِيظًا" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، أَيْ: لِيَحْفَظَهُمْ حَتَّى لَا يَقَعُوا فِي الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَنَحْوِهِ، أَوْ: لِيَحْفَظَ مَسَاوِئَهُمْ وَذُنُوبَهُمْ وَيَحْسُبَهَا عَلَيْهِمْ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَمَّنْ تَوَلَّى وَالتَّرْكَ لَهُ، وَهِيَ قَبْلَ نُزُولِ الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَوْطِئَةً وَرِفْقًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَسْتَحْكِمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=81وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ الْآيَةُ، نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ بِاتِّفَاقٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، الْمَعْنَى: يَقُولُونَ لَكَ يَا
مُحَمَّدُ: أَمْرُنَا طَاعَةٌ، فَإِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ اجْتَمَعُوا لَيْلًا وَقَالُوا غَيْرَ مَا أَظْهَرُوا لَكَ، وَ"بَيَّتَ" مَعْنَاهُ: فَعَلَ لَيْلًا، فَإِمَّا أُخِذَ مِنْ "بَاتَ"، وَإِمَّا مِنَ "الْبَيْتِ" لِأَنَّهُ مُلْتَزَمٌ بِاللَّيْلِ، وَفِيهِ الْأَسْرَارُ الَّتِي يُخَافُ شِيَاعُهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
أَتَوْنِي فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا وَكَانُوا أَتَوْنِي بِأَمْرٍ نُكُرْ
وَمِنْهُ قَوْلُ
النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ: هَبَّتْ لِتَعْذِلَنِي بِلَيْلٍ اسْمَعِي سَفَهًا تُبَيِّتُكِ الْمَلَامَةُ فَاهْجَعِي
[ ص: 611 ] الْمَعْنَى: وَتَقُولُ لِيَ: اسْمَعْ، وَزِيدَتِ الْيَاءُ إِشْبَاعًا لِتَصْرِيعِ الْقَافِيَةِ، كَقَوْلِ
امْرِئِ الْقَيْسِ: أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَقَوْلِهِ: بِأَمْثَلِ. وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ: "بَيَّتَ" بِتَحْرِيكِ التَّاءِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو، nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةُ بِإِدْغَامِهَا فِي الطَّاءِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ: "بَيَّتَ مُبَيِّتٌ مِنْهُمْ يَا مُحَمَّدُ". وَ "تَقُولُ" يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: تَقُولُ أَنْتَ يَا
مُحَمَّدُ، وَيُحْتَمَلُ، تَقُولُ هِيَ لَكَ. وَ"يَكْتُبُ" مَعْنَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إِمَّا يَكْتُبُهُ عِنْدَهُ حَسَبَ كَتْبِ الْحَفَظَةِ حَتَّى يَقَعَ الْجَزَاءُ، وَإِمَّا يَكْتُبُهُ فِي كِتَابِهِ إِلَيْكَ، أَيْ: يُنْزِلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَيُعْلِمُ بِهَا، قَالَ هَذَا الْقَوْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ. وَالْأَمْرُ بِالْإِعْرَاضِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ مُعَاقَبَتِهِمْ وَمُجَازَاتِهِمْ، وَأَمَّا اسْتِمْرَارُ دَعْوَتِهِمْ وَعِظَتِهِمْ فَلَازِمٌ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضَّحَّاكُ: مَعْنَى "أَعْرِضْ عَنْهُمْ" لَا تُخْبِرْ بِأَسْمَائِهِمْ، وَهَذَا أَيْضًا قَبْلَ نُزُولِ الْقِتَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19650_19649أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالتَّمَسُّكِ بِعُرْوَتِهِ الْوُثْقَى ثِقَةً بِإِنْجَازِ وَعْدِهِ فِي النَّصْرِ، وَالْوَكِيلُ: الْقَائِمُ بِالْأُمُورِ الْمُصْلِحُ لِمَا يُخَافُ مِنْ فَسَادِهَا، وَلَيْسَ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ فِي "الْوَكِيلِ" فِي عَصْرِنَا بِأَصْلٍ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ، وَهِيَ لَفْظَةٌ رَفِيعَةٌ وَضَعَهَا الِاسْتِعْمَالُ الْعَامِّيُّ كَالْعَرِيفِ وَالنَّقِيبِ وَغَيْرِهِ.