[ ص: 374 ] قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=22178_28913_28975واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية (15) :
الأكثرون على أن الآية منسوخة بما نزل في سورة النور:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني الآية.
والسبيل الذي جعله تعالى لهن: الرجم والجلد.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، وكان الرجل إذا زنا أوذي بالتعيير والضرب بالنعال، فنزلت:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني الآية.
واعلم أن الآية إن كانت ناسخة فليس فيها فرق بين الثيب والبكر، وذلك يدل على أنه كان حكما عاما في البكر والثيب.
وورد في الأخبار الصحيحة
nindex.php?page=hadith&LINKID=702501عن nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت في هذه الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل عليه الوحي، فكان إذا نزل عليه الوحي تربد لونه، وكرب له، وصرفنا أبصارنا عنه فلم ننظر إليه، فلما سري عنه قال: "خذوا عني".
قال: قلنا: نعم يا رسول الله، قال: قد جعل الله لهن سبيلا: الثيب بالثيب الرجم، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة. [ ص: 375 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: كان أول حدود النساء كن يحبسن في بيوت لهن حتى نزلت الآية التي في النور:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني .. الآية، قال
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر مثل الحديث الأول.
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء أن المراد بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16 "فآذوهما" الرجل والمرأة.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي: البكر من الرجال والنساء.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: أنه أراد الرجلين الزانيين، وأراد بالأول المرأتين الزانيتين.
وذكروا أن الظاهر يدل عليه، فإنه قال تعالى أولا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ، فاقتضى ذلك فاحشة مخصوصة من النساء.
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16واللذان يأتيانها منكم فاقتضى ذلك فاحشة مخصوصة بالرجال، فالأول فاحشة بين النساء، والثاني فاحشة بين الرجال.
فعلى هذا المذكور من سورة النور ليس نسخا للأول من الفاحشتين، إذ لا يتعلق الجلد بها، وفي تعلقه بالفاحشة الثانية اختلاف قول بين العلماء.
ولا شك أن موجب الفاحشة وهو الحبس في البيت، منسوخ كيفما قدر الأمر، فأما الفاحشة الثانية فموجبها الإيذاء، وذلك ثابت الحكم غير منسوخ على قول بعض العلماء، وتأويل
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أقرب إلى الظاهر، وقول غيره يحتمل، فيمكن أن تكون الآيتان نزلتا معا، فأفردت المرأة بالحبس،
[ ص: 376 ] وجمعا جميعا في الأذى، وتكون فائدة إفرادها بالذكر، إفرادها بالحبس إلى أن تموت، وذلك حكم لا يشاركها فيه الرجل، وقرنت المرأة بالرجل في ذكر الأذى لاشتراكهما.
ويجوز أن تكون المرأة من قبل مشاركة الرجل في الأذى، ثم زيد في حدها الإمساك في البيت.
واعلم أن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15يأتين الفاحشة من نسائكم ، الظاهر كونه مقدما على قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16واللذان يأتيانها منكم .
فإن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16يأتيانها كناية لا بد له من مظهر متقدم مذكور في الخطاب، أو معهود معلوم عند المخاطب، فالظاهر رجوع الكناية إلى ما تقدم ذكره من الفاحشة، فيقتضي ذلك أن يكون حبس المرأة متقدما، ثم تعذر زيادة الأذى على الحبس إن كان المراد بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16واللذان يأتيانها الرجل والمرأة، مع أن إضافة الفاحشة إلى المرأة، يبعد إضافتها ثانية إليها، إلا بتقدير أمر جديد، والأذى يشتمل على الحبس وما سواه، وليس فيه دلالة مصرحة بالزيادة ليعتقد مضموما إلى ما تقدم.
والظاهر أن قوله: "واللذان" كناية عن الرجلين، لا عن الرجل والمرأة، لتقدم بيان فاحشة المرأة.
قيل لهؤلاء وقد قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45ما ترك على ظهرها من دابة من غير أن يتقدم ذكر المكنى عنه بالهاء.
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه في ليلة القدر فيجوز في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16واللذان يأتيانها منكم .
[ ص: 377 ] فأجابوا: إن المفهوم من ذكر الإنزال: القرآن، ومن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45على ظهرها من دابة: الأرض، فاكتفى بقرينة الحال عن ذكرها صريحا.
وقال السدي: إن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فأمسكوهن في البيوت : في الثيبين، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16واللذان يأتيانها منكم : في البكرين.
وكيفما قدر فلا بد من شيء منسوخ في الآية.
والصحيح أنه نسخ بقوله عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا" الحديث.
ويجب أن يكون قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني نازلا بعد قوله عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "جعل الله لهن سبيلا"، فإنه لو نزل قبل هذا الخبر، ما كان لقوله عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا" معنى، وذلك يدل على
nindex.php?page=treesubj&link=22218نسخ الكتاب بالسنة.
وعلى هذا إذا نزلت آية النور بعد خبر عبادة، فإنما يكون متضمنا بعض حكم زنا البكر، من غير تعرض لزنا الثيب، ومن غير تعرض لنفي سنة، وذلك في القلب منه شيء.
وكيف ترك الأمر العظيم الأهم من زنا الثيب ورجمه بقول: الزانية والزاني، فيأتي بالألف واللام الدالين على استغراق الجنس، ويقول بعد ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، وذلك لأجل المبالغة، فيتعرض لمزيد تغليظ عليهم ليس من جنس الحد، ويقول في تمام التغليظ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين .
فيظهر من مجموع هذه المبالغة في التغليظ أنه لو كان ثم حد آخر أوفى
[ ص: 378 ] منه، لكان أولى بأن يتعرض له، فيظهر بذلك الاحتمال الآخر وهو أن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16فآذوهما ،و
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فأمسكوهن ، لم ينسخه خبر عبادة، وإنما نسخه الذي في النور، فكان ذلك شاملا للبكر والثيب جميعا على وجه واحد، فإن الثيب أكثر من يصدر منهم الزنا، فكيف لا يتعرض لهن.
يبقى أن يقال: فما معنى قوله عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا" والسبيل كان سابقا؟
فيقال: إن ذلك من أخبار الآحاد، فلا يعترض به على هذا الأمر المقطوع به الذي قلناه.
أو يقال: قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "قد جعل الله لهن سبيلا"، بيان حكم الله تعالى، وحكم الله تعالى يجوز أن يرد في دفعتين، فإذا ورد ثانيا، كان تتمة السبيل الذي أطلقه كتاب الله تعالى.
وفيه شيء آخر من الإشكال، وذلك أن الله تعالى يقول في الآية الأولى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت الآية (15) .
ويقول في الآية الثانية:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما الآية (16) .
فإن كان الذي وجب على الرجلين، أو على الرجل والمرأة على اختلاف المعنيين، عين الحبس، فإذا عزر المعزر منه، وجب الإعراض عنه، تاب أو لم يتب بقوله:
[ ص: 379 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ، فإنه يقتضي عقابا دائما يسقطه التوبة والصلاح والإخلاص، ويكون ذلك الحبس، فيقتضي ذلك أن يكون الإيذاء عبارة عن الحبس أيضا، كما كان في الأولى، إلا أن الله تعالى عبر عنهما بعبارتين مختلفتين.
فهذا تمام ما تيسر تقريره ها هنا، مع ما فيه من الإشكال.
وقد أنكرت
الخوارج الرجم، لأجل أن الذي في سورة النور لا يحتمل أن يكون في وقت اختلاف حد البكر والثيب كما قررناه، وإذا كان كذلك فلا بد وأن يكون تمام الحد هو القدر المذكور في سورة النور في حق البكر والثيب جميعا، فإذا كان كذلك، فشرع الرجم نسخ لهذه الآية، ونسخ القرآن بأخبار لا يجوز بوجه.
[ ص: 374 ] قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=22178_28913_28975وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ الْآيَةُ (15) :
الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِمَا نَزَلَ فِي سُورَةِ النُّورِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي الْآيَةُ.
وَالسَّبِيلُ الَّذِي جَعَلَهُ تَعَالَى لَهُنَّ: الرَّجْمُ وَالْجَلْدُ.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا زَنَتْ حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَمُوتَ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا زَنَا أُوذِيَ بِالتَّعْيِيرِ وَالضَّرْبِ بِالنِّعَالِ، فَنَزَلَتْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي الْآيَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ إِنْ كَانَتْ نَاسِخَةً فَلَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حُكْمًا عَامًّا فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ.
وَوَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=702501عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ تَرَبَّدَ لَوْنُهُ، وَكُرِبَ لَهُ، وَصَرَفْنَا أَبْصَارَنَا عَنْهُ فَلَمْ نَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: "خُذُوا عَنِّي".
قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ. [ ص: 375 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ: كَانَ أَوَّلُ حُدُودِ النِّسَاءِ كُنَّ يُحْبَسْنَ فِي بُيُوتٍ لَهُنَّ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي النُّورِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي .. الْآيَةُ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=63عُبَادَةُ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فَذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16 "فَآذُوهُمَا" الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ: الْبِكْرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ أَرَادَ الرَّجُلَيْنِ الزَّانِيَيْنِ، وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْمَرْأَتَيْنِ الزَّانِيَتَيْنِ.
وَذَكَرُوا أَنَّ الظَّاهِرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى أَوَّلًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ فَاحِشَةً مَخْصُوصَةً مِنَ النِّسَاءِ.
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَاقْتَضَى ذَلِكَ فَاحِشَةً مَخْصُوصَةً بِالرِّجَالِ، فَالْأَوَّلُ فَاحِشَةٌ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَالثَّانِي فَاحِشَةٌ بَيْنَ الرِّجَالِ.
فَعَلَى هَذَا الْمَذْكُورِ مِنْ سُورَةِ النُّورِ لَيْسَ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ مِنَ الْفَاحِشَتَيْنِ، إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ الْجَلْدُ بِهَا، وَفِي تَعَلُّقِهِ بِالْفَاحِشَةِ الثَّانِيَةِ اخْتِلَافُ قَوْلٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ مُوجِبَ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ الْحَبْسُ فِي الْبَيْتِ، مَنْسُوخٌ كَيْفَمَا قُدِّرَ الْأَمْرُ، فَأَمَّا الْفَاحِشَةُ الثَّانِيَةُ فَمُوجِبُهَا الْإِيذَاءُ، وَذَلِكَ ثَابِتُ الْحُكْمِ غَيْرُ مَنْسُوخٍ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَتَأْوِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ أَقْرَبُ إِلَى الظَّاهِرِ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ يُحْتَمَلُ، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْآيَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا، فَأُفْرِدَتِ الْمَرْأَةُ بِالْحَبْسِ،
[ ص: 376 ] وَجُمِعَا جَمِيعًا فِي الْأَذَى، وَتَكُونُ فَائِدَةُ إِفْرَادِهَا بِالذِّكْرِ، إِفْرَادَهَا بِالْحَبْسِ إِلَى أَنْ تَمُوتَ، وَذَلِكَ حُكْمٌ لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ الرَّجُلُ، وَقُرِنَتِ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ فِي ذِكْرِ الْأَذَى لِاشْتِرَاكِهِمَا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ قِبَلِ مُشَارَكَةِ الرَّجُلِ فِي الْأَذَى، ثُمَّ زِيدَ فِي حَدِّهَا الْإِمْسَاكُ فِي الْبَيْتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ، الظَّاهِرُ كَوْنُهُ مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ .
فَإِنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16يَأْتِيَانِهَا كِنَايَةٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَظْهَرٍ مُتَقَدِّمٍ مَذْكُورٍ فِي الْخِطَابِ، أَوْ مَعْهُودٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ الْمُخَاطَبِ، فَالظَّاهِرُ رُجُوعُ الْكِنَايَةِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْفَاحِشَةِ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حَبْسُ الْمَرْأَةِ مُتَقَدِّمًا، ثُمَّ تَعَذَّرَ زِيَادَةُ الْأَذَى عَلَى الْحَبْسِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، مَعَ أَنَّ إِضَافَةَ الْفَاحِشَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ، يُبْعِدُ إِضَافَتَهَا ثَانِيَةً إِلَيْهَا، إِلَّا بِتَقْدِيرِ أَمْرٍ جَدِيدٍ، وَالْأَذَى يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَبْسِ وَمَا سِوَاهُ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِالزِّيَادَةِ لِيَعْتَقِدَ مَضْمُومًا إِلَى مَا تَقَدَّمَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: "وَاللَّذَانِ" كِنَايَةٌ عَنِ الرَّجُلَيْنِ، لَا عَنِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، لِتَقَدُّمِ بَيَانِ فَاحِشَةِ الْمَرْأَةِ.
قِيلَ لِهَؤُلَاءِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمُكَنَّى عَنْهُ بِالْهَاءِ.
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ .
[ ص: 377 ] فَأَجَابُوا: إِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذِكْرِ الْإِنْزَالِ: الْقُرْآنُ، وَمِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ: الْأَرْضُ، فَاكْتَفَى بِقَرِينَةِ الْحَالِ عَنْ ذِكْرِهَا صَرِيحًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ : فِي الثَّيِّبَيْنِ، وَقَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ : فِي الْبِكْرَيْنِ.
وَكَيْفَمَا قُدِّرَ فَلَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ مَنْسُوخٍ فِي الْآيَةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نُسِخَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا" الْحَدِيثُ.
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي نَازِلًا بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا"، فَإِنَّهُ لَوْ نَزَلَ قَبْلَ هَذَا الْخَبَرِ، مَا كَانَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا" مَعْنًى، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22218نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ.
وَعَلَى هَذَا إِذَا نَزَلَتْ آيَةُ النُّورِ بَعْدَ خَبَرِ عُبَادَةَ، فَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَضَمِّنًا بَعْضَ حُكْمِ زِنَا الْبِكْرِ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِزِنَا الثَّيِّبِ، وَمِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْيِ سَنَةٍ، وَذَلِكَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَكَيْفَ تَرَكَ الْأَمْرَ الْعَظِيمَ الْأَهَمَّ مِنْ زِنَا الثَّيِّبِ وَرَجْمِهِ بِقَوْلِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي، فَيَأْتِي بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الدَّالَّيْنِ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ، وَيَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ، فَيَتَعَرَّضُ لِمَزِيدِ تَغْلِيظٍ عَلَيْهِمْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِّ، وَيَقُولُ فِي تَمَامِ التَّغْلِيظِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
فَيَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّغْلِيظِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَّ حَدٌّ آخَرُ أَوْفَى
[ ص: 378 ] مِنْهُ، لَكَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ، فَيَظْهَرُ بِذَلِكَ الِاحْتِمَالُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16فَآذُوهُمَا ،وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فَأَمْسِكُوهُنَّ ، لَمْ يَنْسَخْهُ خَبَرُ عُبَادَةَ، وَإِنَّمَا نَسْخَهُ الَّذِي فِي النُّورِ، فَكَانَ ذَلِكَ شَامِلًا لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ جَمِيعًا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الثَّيِّبَ أَكْثَرُ مَنْ يَصْدُرُ مِنْهُمُ الزِّنَا، فَكَيْفَ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ.
يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا" وَالسَّبِيلُ كَانَ سَابِقًا؟
فَيُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْمَقْطُوعِ بِهِ الَّذِي قُلْنَاهُ.
أَوْ يُقَالُ: قَوْلُهُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660207 "قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا"، بَيَانُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ فِي دُفْعَتَيْنِ، فَإِذَا وَرَدَ ثَانِيًا، كَانَ تَتِمَّةَ السَّبِيلِ الَّذِي أَطْلَقَهُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِيهِ شَيْءٌ آخَرُ مِنَ الْإِشْكَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=15فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ الْآيَةُ (15) .
وَيَقُولُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا الْآيَةُ (16) .
فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَبَ عَلَى الرَّجُلَيْنِ، أَوْ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ، عَيْنَ الْحَبْسِ، فَإِذَا عُزِّرَ الْمُعَزَّرُ مِنْهُ، وَجَبَ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ بِقَوْلِهِ:
[ ص: 379 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=16فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عِقَابًا دَائِمًا يُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ وَالصَّلَاحُ وَالْإِخْلَاصُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْحَبْسُ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِيذَاءُ عِبَارَةً عَنِ الْحَبْسِ أَيْضًا، كَمَا كَانَ فِي الْأُولَى، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَبَّرَ عَنْهُمَا بِعِبَارَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ.
فَهَذَا تَمَامُ مَا تَيَسَّرَ تَقْرِيرُهُ هَا هُنَا، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ.
وَقَدْ أَنْكَرَتِ
الْخَوَارِجُ الرَّجْمَ، لِأَجْلِ أَنِ الَّذِي فِي سُورَةِ النُّورِ لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِ اخْتِلَافِ حَدِّ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ تَمَامُ الْحَدِّ هُوَ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ فِي سُورَةِ النُّورِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ جَمِيعًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَشَرْعُ الرَّجْمِ نُسِخَ لِهَذِهِ الْآيَةِ، وَنَسْخُ الْقُرْآنِ بِأَخْبَارٍ لَا يَجُوزُ بِوَجْهٍ.