[ ص: 4558 ] القول في تأويل قوله تعالى :
[63]
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30532_30563_32460_34144_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا أي : إذا احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اجتماعكم عنده لأمر ، فدعاكم ، فلا تفرقوا عنه إلا بإذنه . ولا تقيسوا دعاءه إياكم على دعاء بعضكم بعضا . ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري .
وكذا قال ابن الأثير في (" المثل السائر " ) أي : إذا حضرتم في مجلسه ، فلا يكن حضوركم كحضوركم في مجالسكم . أي : لا تفارقوا مجلسه إلا بإذنه ، والزموا معه الأدب .
وذهب قوم إلى أن المراد بالدعاء الأمر . منهم
ابن أبي الحديد حيث قال في " الفلك الدائر " : إن المعنى المتقدم ، وإن دلت عليه قرينة متقدمة ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير - ففي الآية قرينة أخرى متأخرة تقتضي حمله على محمل آخر غير هذا . ولعله الأصح . وهي أن يراد بالدعاء الأمر . يقال : دعا فلان قومه إلى كذا ، أي : أمرهم به وندبهم إليه وقال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم أي : ندبكم . وقال سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=7وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم أي : أمرتهم وندبتهم ، والقرينة المتأخرة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر الذين يخالفون عن أمره انتهى . وكذا قال
المهايمي : أي : لا تجعلوا أمره بينكم كأمركم بينكم يجاب تارة دون أخرى . لأنه واجب الطاعة . لا يسقط بالانسلال عن جملة المدعو .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا أي : ينسلون قليلا قليلا . و(اللواذ ) : الملاوذة ، وهو أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا . يعني ينسلون عن الجماعة في الخفية على سبيل الملاوذة ، واستتار بعضهم ببعض . و (لواذا ) حال . أي : ملاوذين .
[ ص: 4559 ] هذا ، وقيل معنى الآية : لا تجعلوا نداءه وتسميته ، كنداء بعضكم باسمه ورفع الصوت به ، والنداء وراء الحجرة . ولكن بلقبه المعظم . مثل : يا نبي الله ! ويا رسول الله ! مع التوقير والتواضع وخفض الصوت .
وضعف بأنه لا يلائم السياق واللحاق . وتكلف بعضهم لربطه بما قبله ، بأن الاستئذان يكون بقولهم : يا رسول الله ! إنا نستأذنك . ولأن من معه في أمر جامع يخاطبه ويناديه . والأول أظهر وأولى كما في (" العناية " ) .
نعم ، في التنزيل عدة آيات ، في
nindex.php?page=treesubj&link=28750_23683_32457إيجاب مشافهته صلوات الله عليه بالأدب ومخاطبته بالتوقير ، جعله من ضرورة الإيمان ومقتضاه . كآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا الآية ، و :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر الذين يخالفون عن أمره أي : يعرضون عنه ولا يأتون به . فضمن (المخالفة ) معنى الإعراض والصد . أو عن صلته . وقيل : إذا تعدى (خالف ) بـ(عن ) ضمن الخروج . وأصل معنى المخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو فعله ، كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63أن تصيبهم فتنة أي : محنة في الدنيا :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63أو يصيبهم عذاب أليم أي : في الآخرة أو فيهما .
تنبيه :
استدل به على
nindex.php?page=treesubj&link=20090وجوب وزن الأمور بميزان شريعته وسنته ، وأصول دينه . فما وافق قبل ، وما خالف رد على قائله وفاعله ، كائنا من كان . كما ثبت في الصحيحين عنه صلوات الله
[ ص: 4560 ] عليه وسلامه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=36820« من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » واستدل بالآية أيضا أن الأمر للوجوب . فإنه يدل على أن ترك مقتضى الأمر مقتض لأحد العذابين . قيل : هذا إنما يتم إذا أريد بالأمر الطلب لا الشأن كما في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62على أمر جامع وقد جوزا فيه مع إرادتهما معا . وتفصيل البحث في (" الرازي " ) .
[ ص: 4558 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[63]
nindex.php?page=treesubj&link=30525_30532_30563_32460_34144_28995nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا أَيْ : إِذَا احْتَاجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اجْتِمَاعِكُمْ عِنْدَهُ لِأَمْرٍ ، فَدَعَاكُمْ ، فَلَا تَفَرَّقُوا عَنْهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ . وَلَا تَقِيسُوا دُعَاءَهُ إِيَّاكُمْ عَلَى دُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا . وَرُجُوعُكُمْ عَنِ الْمُجْمَعِ بِغَيْرِ إِذْنِ الدَّاعِي ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ .
وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي (" الْمَثَلِ السَّائِرِ " ) أَيْ : إِذَا حَضَرْتُمْ فِي مَجْلِسِهِ ، فَلَا يَكُنْ حُضُورُكُمْ كَحُضُورِكُمْ فِي مَجَالِسِكُمْ . أَيْ : لَا تُفَارِقُوا مَجْلِسَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَالْزَمُوا مَعَهُ الْأَدَبَ .
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ الْأَمْرُ . مِنْهُمُ
ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ حَيْثُ قَالَ فِي " الْفَلَكِ الدَّائِرِ " : إِنَّ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمَ ، وَإِنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابْنُ الْأَثِيرِ - فَفِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ أُخْرَى مُتَأَخِّرَةٌ تَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى مَحْمَلٍ آخَرَ غَيْرَ هَذَا . وَلَعَلَّهُ الْأَصَحُّ . وَهِيَ أَنْ يُرَادَ بِالدُّعَاءِ الْأَمْرُ . يُقَالُ : دَعَا فُلَانٌ قَوْمَهُ إِلَى كَذَا ، أَيْ : أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَدَبَهُمْ إِلَيْهِ وَقَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ أَيْ : نَدَبَكُمْ . وَقَالَ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=7وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ أَيْ : أَمَرْتُهُمْ وَنَدَبْتُهُمْ ، وَالْقَرِينَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ انْتَهَى . وَكَذَا قَالَ
الْمَهَايِمِيُّ : أَيْ : لَا تَجْعَلُوا أَمْرَهُ بَيْنَكُمْ كَأَمْرِكُمْ بَيْنَكُمْ يُجَابُ تَارَةً دُونَ أُخْرَى . لِأَنَّهُ وَاجِبُ الطَّاعَةِ . لَا يَسْقُطُ بِالِانْسِلَالِ عَنْ جُمْلَةِ الْمَدْعُوِّ .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا أَيْ : يَنْسَلُّونَ قَلِيلًا قَلِيلًا . وَ(اللِّوَاذُ ) : الْمُلَاوَذَةُ ، وَهُوَ أَنْ يَلُوذَ هَذَا بِذَاكَ وَذَاكَ بِهَذَا . يَعْنِي يَنْسَلُّونَ عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي الْخُفْيَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُلَاوَذَةِ ، وَاسْتِتَارِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ . وَ (لِوَاذًا ) حَالٌ . أَيْ : مُلَاوِذِينَ .
[ ص: 4559 ] هَذَا ، وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ : لَا تَجْعَلُوا نِدَاءَهُ وَتَسْمِيَتَهُ ، كَنِدَاءِ بَعْضِكُمْ بِاسْمِهِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ ، وَالنِّدَاءِ وَرَاءَ الْحُجْرَةِ . وَلَكِنْ بِلَقَبِهِ الْمُعَظِّمِ . مِثْلَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! وَيَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَعَ التَّوْقِيرِ وَالتَّوَاضُعِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ .
وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُ السِّيَاقَ وَاللَّحَاقَ . وَتَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ لِرَبْطِهِ بِمَا قَبْلَهُ ، بِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ يَكُونُ بِقَوْلِهِمْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّا نَسْتَأْذِنُكَ . وَلِأَنَّ مَنْ مَعَهُ فِي أَمْرٍ جَامِعٍ يُخَاطِبُهُ وَيُنَادِيهِ . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْلَى كَمَا فِي (" الْعِنَايَةِ " ) .
نَعَمْ ، فِي التَّنْزِيلِ عِدَّةُ آيَاتٍ ، فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28750_23683_32457إِيجَابِ مُشَافَهَتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْأَدَبِ وَمُخَاطَبَتِهِ بِالتَّوْقِيرِ ، جَعَلَهُ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِيمَانِ وَمُقْتَضَاهُ . كَآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا الْآيَةَ ، وَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=4إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَيْ : يُعْرِضُونَ عَنْهُ وَلَا يَأْتُونَ بِهِ . فَضَمَّنَ (الْمُخَالَفَةَ ) مَعْنَى الْإِعْرَاضِ وَالصَّدِّ . أَوْ عَنْ صِلَتِهِ . وَقِيلَ : إِذَا تَعَدَّى (خَالَفَ ) بِـ(عْنَ ) ضِمْنَ الْخُرُوجِ . وَأَصْلُ مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ فِي حَالِهِ أَوْ فِعْلِهِ ، كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَيْ : مِحْنَةٌ فِي الدُّنْيَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَيْ : فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِيهِمَا .
تَنْبِيهٌ :
اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=20090وُجُوبِ وَزْنِ الْأُمُورِ بِمِيزَانِ شَرِيعَتِهِ وَسُنَّتِهِ ، وَأُصُولِ دِينِهِ . فَمَا وَافَقَ قَبْلُ ، وَمَا خَالَفَ رُدَّ عَلَى قَائِلِهِ وَفَاعِلِهِ ، كَائِنًا مَنْ كَانَ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ
[ ص: 4560 ] عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=36820« مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ » وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ أَيْضًا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ . فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ مُقْتَضٍ لِأَحَدِ الْعَذَابَيْنِ . قِيلَ : هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الطَّلَبُ لَا الشَّأْنُ كَمَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ وَقَدْ جُوِّزَا فِيهِ مَعَ إِرَادَتِهِمَا مَعًا . وَتَفْصِيلُ الْبَحْثِ فِي (" الرَّازِيِّ " ) .