[ ص: 373 ] وهنا قاعدة شريفة ينبغي التفطن لها : وهو أن ما عاد من الذنوب بإضرار الغير في دينه ودنياه فعقوبتنا له في الدنيا أكبر وأما ما عاد من الذنوب بمضرة الإنسان في نفسه فقد تكون عقوبته في الآخرة أشد وإن كنا نحن لا نعاقبه في الدنيا .
nindex.php?page=treesubj&link=25986وإضرار العبد في دينه ودنياه هو ظلم الناس ; فالظلم للغير يستحق صاحبه العقوبة في الدنيا لا محالة لكف ظلم الناس بعضهم عن بعض ثم هو نوعان : ( أحدهما ) : منع ما يجب لهم من الحقوق وهو التفريط .
و ( الثاني ) : فعل ما يضر به وهو العدوان . فالتفريط في حقوق العباد .
[ ص: 374 ] ولهذا يعاقب
nindex.php?page=treesubj&link=28829الداعية إلى البدع بما لا يعاقب به الساكت ويعاقب من أظهر المنكر بما لا يعاقب به من استخفى به ونمسك عن عقوبة المنافق في الدين وإن كان في الدرك الأسفل من النار . وهذا لأن الأصل أن تكون العقوبة من فعل الله تعالى فإنه الذي يجزي الناس على أعمالهم في الآخرة وقد يجزيهم أيضا في الدنيا .
وأما نحن فعقوبتنا للعباد بقدر ما يحصل به أداء الواجبات وترك المحرمات بحسب إمكاننا كما قال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=71650أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1207&ayano=8وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=226&ayano=2والفتنة أكبر من القتل } .
ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=19715_29675_19711من تاب من الكفار والمحاربين وسائر الفساق قبل القدرة عليه سقطت عنه العقوبة التي لحق الله ، فإذا
nindex.php?page=treesubj&link=29675أسلم الحربي قبل القدرة عليه عصم دمه وأهله وماله ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=9874_19724قاطع الطريق والزاني والسارق والشارب إذا تابوا قبل القدرة عليهم لحصول المقصود بالتوبة وأما إذا تابوا بعد القدرة لم تسقط العقوبة كلها ; لأن ذلك يفضي إلى تعطيل الحدود وحصول الفساد ; ولأن هذه التوبة غير موثوق بها ; ولهذا إذا
nindex.php?page=treesubj&link=8106أسلم الحربي عند القتال صح إسلامه لأنه أسلم قبل القدرة عليه
[ ص: 375 ] بخلاف من
nindex.php?page=treesubj&link=29675_8106أسلم بعد الأسر فإنه لا يمنع استرقاقه وإن عصم دمه . ويبنى على هذه " القاعدة " : أنه قد يقر من الكفار والمنافقين بلا عقوبة من يكون عذابه في الآخرة أشد إذا لم يتعد ضرره إلى غيره : كالذين يؤتون الجزية عن يد وهم صاغرون والذين أظهروا الإسلام والتزموا شرائعه ظاهرا مع نفاقهم ; لأن هذين الصنفين كفوا ضررهم في الدين والدنيا عن المسلمين ويعاقبون في الآخرة على ما اكتسبوه من الكفر والنفاق وأما من أظهر ما فيه مضرة فإنه تدفع مضرته ولو بعقابه وإن كان مسلما فاسقا أو عاصيا أو عدلا مجتهدا مخطئا بل صالحا أو عالما سواء في ذلك المقدور عليه والممتنع .
مثال المقدور عليه إنما يعاقب من أظهر الزنا والسرقة وشرب الخمر وشهادة الزور وقطع الطريق وغير ذلك لما فيه من العدوان على النفوس والأموال والأبضاع وإن كان [ مع ] هذا حال الفاسق في الآخرة خيرا من حال أهل العهد الكفار ومن حال المنافقين ; إذ
nindex.php?page=treesubj&link=28652الفاسق خير من الكافر والمنافق بالكتاب والسنة والإجماع . وكذلك يعاقب من دعا إلى بدعة تضر الناس في دينهم ; وإن كان قد يكون معذورا فيها في نفس الأمر لاجتهاد أو تقليد .
[ ص: 376 ] وكذلك يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=9537قتال " البغاة " : وهم الخارجون على الإمام أو غير الإمام بتأويل سائغ مع كونهم عدولا ومع كوننا ننفذ أحكام قضائهم ونسوغ ما قبضوه . من جزية أو خراج أو غير ذلك . إذ
الصحابة لا خلاف في بقائهم على العدالة وذلك أن التفسيق انتفى للتأويل السائغ . وأما القتال : فليؤدوا ما تركوه من الواجب وينتهوا عما ارتكبوه من المحرم وإن كانوا متأولين . وكذلك نقيم الحد على من
nindex.php?page=treesubj&link=24373شرب النبيذ المختلف فيه وإن كانوا قوما صالحين فتدبر كيف عوقب أقوام في الدنيا على ترك واجب أو فعل محرم بين في الدين أو الدنيا وإن كانوا معذورين فيه لدفع ضرر فعلهم في الدنيا كما يقام الحد على من
nindex.php?page=treesubj&link=19724تاب بعد رفعه إلى الإمام وإن كان قد تاب توبة نصوحا وكما يغزو هذا البيت جيش من الناس فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم وفيهم المكره فيحشرون على نياتهم ، وكما يقاتل جيوش الكفار وفيهم المكره كأهل بدر لما كان فيهم
العباس وغيره ، وكما لو
nindex.php?page=treesubj&link=8351تترس الكفار بمسلمين ولم يندفع ضرر الكفار إلا بقتالهم فالعقوبات المشروعة والمقدورة قد تتناول في الدنيا من لا يستحقها في الآخرة وتكون في حقه من جملة المصائب كما قيل في بعضهم : القاتل مجاهد والمقتول شهيد .
وعلى هذا فما أمر به آخر
أهل السنة من أن
nindex.php?page=treesubj&link=20440داعية أهل البدع [ ص: 377 ] يهجر فلا يستشهد ولا يروى عنه ولا يستفتى ولا يصلى خلفه قد يكون من هذا الباب ; فإن هجره تعزير له وعقوبة له جزاء لمنع الناس من ذلك الذنب الذي هو بدعة أو غيرها وإن كان في نفس الأمر تائبا أو معذورا ; إذ الهجرة مقصودها أحد شيئين : إما ترك الذنوب المهجورة وأصحابها وإما عقوبة فاعلها ونكاله . فأما هجره بترك في غير هذا الموضع .
ومن هذا الباب هجر الإمام
أحمد للذين أجابوا في المحنة قبل القيد ولمن تاب بعد الإجابة ولمن فعل بدعة ما ; مع أن فيهم أئمة في الحديث والفقه والتصوف والعبادة ; فإن هجره لهم والمسلمين معه لا يمنع معرفة قدر فضلهم كما أن الثلاثة الذين خلفوا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بهجرهم لم يمنع ذلك ما كان لهم من السوابق . حتى قد قيل إن اثنين منهما شهدا بدرا وقد قال الله
لأهل بدر : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وأحدهم
كعب بن مالك شاعر النبي صلى الله عليه وسلم وأحد أهل العقبة فهذا " أصل عظيم " أن عقوبة الدنيا المشروعة من الهجران إلى القتل لا يمنع أن يكون المعاقب عدلا أو رجلا صالحا كما بينت من الفرق بين عقوبة الدنيا المشروعة والمقدورة ; وبين عقوبة الآخرة والله سبحانه أعلم .
[ ص: 373 ] وَهُنَا قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهَا : وَهُوَ أَنَّ مَا عَادَ مِنْ الذُّنُوبِ بِإِضْرَارِ الْغَيْرِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَعُقُوبَتُنَا لَهُ فِي الدُّنْيَا أَكْبَرُ وَأَمَّا مَا عَادَ مِنْ الذُّنُوبِ بِمَضَرَّةِ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ فَقَدْ تَكُونُ عُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَا نُعَاقِبُهُ فِي الدُّنْيَا .
nindex.php?page=treesubj&link=25986وَإِضْرَارُ الْعَبْدِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ هُوَ ظُلْمُ النَّاسِ ; فَالظُّلْمُ لِلْغَيْرِ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا لَا مَحَالَةَ لِكَفِّ ظُلْمِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ هُوَ نَوْعَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) : مَنْعُ مَا يَجِبُ لَهُمْ مِنْ الْحُقُوقِ وَهُوَ التَّفْرِيطُ .
و ( الثَّانِي ) : فِعْلُ مَا يَضُرُّ بِهِ وَهُوَ الْعُدْوَانُ . فَالتَّفْرِيطُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ .
[ ص: 374 ] وَلِهَذَا يُعَاقَبُ
nindex.php?page=treesubj&link=28829الدَّاعِيَةُ إلَى الْبِدَعِ بِمَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ السَّاكِتُ وَيُعَاقَبُ مَنْ أَظْهَرَ الْمُنْكَرَ بِمَا لَا يُعَاقَبُ بِهِ مَنْ اسْتَخْفَى بِهِ وَنُمْسِكُ عَنْ عُقُوبَةِ الْمُنَافِقِ فِي الدِّينِ وَإِنْ كَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ . وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الَّذِي يَجْزِي النَّاسَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ يَجْزِيهِمْ أَيْضًا فِي الدُّنْيَا .
وَأَمَّا نَحْنُ فَعُقُوبَتُنَا لِلْعِبَادِ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ بِحَسَبِ إمْكَانِنَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=71650أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=1207&ayano=8وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=226&ayano=2وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } .
وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=19715_29675_19711مَنْ تَابَ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُحَارِبِينَ وَسَائِرِ الْفُسَّاقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الَّتِي لِحَقِّ اللَّهِ ، فَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29675أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ عَصَمَ دَمَهُ وَأَهْلَهُ وَمَالَهُ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=9874_19724قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالزَّانِي وَالسَّارِقُ وَالشَّارِبُ إذَا تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالتَّوْبَةِ وَأَمَّا إذَا تَابُوا بَعْدَ الْقُدْرَةِ لَمْ تَسْقُطْ الْعُقُوبَةُ كُلُّهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْحُدُودِ وَحُصُولِ الْفَسَادِ ; وَلِأَنَّ هَذِهِ التَّوْبَةَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهَا ; وَلِهَذَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=8106أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ عِنْدَ الْقِتَالِ صَحَّ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ
[ ص: 375 ] بِخِلَافِ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29675_8106أَسْلَمَ بَعْدَ الْأَسْرِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ اسْتِرْقَاقُهُ وَإِنْ عُصِمَ دَمُهُ . وَيُبْنَى عَلَى هَذِهِ " الْقَاعِدَةِ " : أَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ بِلَا عُقُوبَةٍ مَنْ يَكُونُ عَذَابُهُ فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ ضَرَرُهُ إلَى غَيْرِهِ : كَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَاَلَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَالْتَزَمُوا شَرَائِعَهُ ظَاهِرًا مَعَ نِفَاقِهِمْ ; لِأَنَّ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ كَفُّوا ضَرَرَهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُعَاقَبُونَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَا اكْتَسَبُوهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَأَمَّا مَنْ أَظْهَرَ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ فَإِنَّهُ تُدْفَعُ مَضَرَّتُهُ وَلَوْ بِعِقَابِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَاسِقًا أَوْ عَاصِيًا أَوْ عَدْلًا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا بَلْ صَالِحًا أَوْ عَالِمًا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ وَالْمُمْتَنِعُ .
مِثَالُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ إنَّمَا يُعَاقَبُ مَنْ أَظْهَرَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةَ وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَقَطْعَ الطَّرِيقِ وَغَيْرَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُدْوَانِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ وَإِنْ كَانَ [ مَعَ ] هَذَا حَالُ الْفَاسِقِ فِي الْآخِرَةِ خَيْرًا مِنْ حَالِ أَهْلِ الْعَهْدِ الْكُفَّارِ وَمِنْ حَالِ الْمُنَافِقِينَ ; إذْ
nindex.php?page=treesubj&link=28652الْفَاسِقُ خَيْرٌ مِنْ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَكَذَلِكَ يُعَاقَبُ مَنْ دَعَا إلَى بِدْعَةٍ تَضُرُّ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ ; وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا فِيهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِاجْتِهَادِ أَوْ تَقْلِيدٍ .
[ ص: 376 ] وَكَذَلِكَ يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=9537قِتَالُ " الْبُغَاةِ " : وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ الْإِمَامِ بِتَأْوِيلِ سَائِغٍ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا وَمَعَ كَوْنِنَا نُنَفِّذُ أَحْكَامَ قَضَائِهِمْ وَنُسَوِّغُ مَا قَبَضُوهُ . مِنْ جِزْيَةٍ أَوْ خَرَاجٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . إذْ
الصَّحَابَةُ لَا خِلَافَ فِي بَقَائِهِمْ عَلَى الْعَدَالَةِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّفْسِيقَ انْتَفَى لِلتَّأْوِيلِ السَّائِغِ . وَأَمَّا الْقِتَالُ : فَلِيُؤَدُّوا مَا تَرَكُوهُ مِنْ الْوَاجِبِ وَيَنْتَهُوا عَمَّا ارْتَكَبُوهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ . وَكَذَلِكَ نُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=24373شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ فَتَدَبَّرْ كَيْفَ عُوقِبَ أَقْوَامٌ فِي الدُّنْيَا عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ بَيِّنٍ فِي الدِّينِ أَوْ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانُوا مَعْذُورِينَ فِيهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ فِعْلِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19724تَابَ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا وَكَمَا يَغْزُو هَذَا الْبَيْتَ جَيْشٌ مِنْ النَّاسِ فَبَيْنَمَا هُمْ بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ إذْ خُسِفَ بِهِمْ وَفِيهِمْ الْمُكْرَهُ فَيُحْشَرُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ، وَكَمَا يُقَاتِلُ جُيُوشُ الْكُفَّارِ وَفِيهِمْ الْمُكْرَهُ كَأَهْلِ بَدْرٍ لَمَّا كَانَ فِيهِمْ
الْعَبَّاسُ وَغَيْرُهُ ، وَكَمَا لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=8351تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَنْدَفِعْ ضَرَرُ الْكُفَّارِ إلَّا بِقِتَالِهِمْ فَالْعُقُوبَاتُ الْمَشْرُوعَةُ وَالْمَقْدُورَةُ قَدْ تَتَنَاوَلُ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي الْآخِرَةِ وَتَكُونُ فِي حَقِّهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَائِبِ كَمَا قِيلَ فِي بَعْضِهِمْ : الْقَاتِلُ مُجَاهِدٌ وَالْمَقْتُولُ شَهِيدٌ .
وَعَلَى هَذَا فَمَا أَمَرَ بِهِ آخِرُ
أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20440دَاعِيَةَ أَهْلِ الْبِدَعِ [ ص: 377 ] يُهْجَرُ فَلَا يُسْتَشْهَدُ وَلَا يُرْوَى عَنْهُ وَلَا يُسْتَفْتَى وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ ; فَإِنَّ هَجْرَهُ تَعْزِيرٌ لَهُ وَعُقُوبَةٌ لَهُ جَزَاءً لِمَنْعِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ بِدْعَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَائِبًا أَوْ مَعْذُورًا ; إذْ الْهِجْرَةُ مَقْصُودُهَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ : إمَّا تَرْكُ الذُّنُوبِ الْمَهْجُورَةِ وَأَصْحَابِهَا وَإِمَّا عُقُوبَةُ فَاعِلِهَا وَنَكَالُهُ . فَأَمَّا هَجْرُهُ بِتَرْكِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ هَجْرُ الْإِمَامِ
أَحْمَد لِلَّذِينَ أَجَابُوا فِي الْمِحْنَةِ قَبْلَ الْقَيْدِ وَلِمَنْ تَابَ بَعْدَ الْإِجَابَةِ وَلِمَنْ فَعَلَ بِدْعَةً مَا ; مَعَ أَنَّ فِيهِمْ أَئِمَّةً فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْعِبَادَةِ ; فَإِنَّ هَجْرَهُ لَهُمْ وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُ لَا يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ قَدْرِ فَضْلِهِمْ كَمَا أَنَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ بِهَجْرِهِمْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ السَّوَابِقِ . حَتَّى قَدْ قِيلَ إنَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا شَهِدَا بَدْرًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ
لِأَهْلِ بَدْرٍ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ وَأَحَدُهُمْ
كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ شَاعِرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَدُ أَهْلِ الْعَقَبَةِ فَهَذَا " أَصْلٌ عَظِيمٌ " أَنَّ عُقُوبَةَ الدُّنْيَا الْمَشْرُوعَةَ مِنْ الْهِجْرَانِ إلَى الْقَتْلِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَاقَبُ عَدْلًا أَوْ رَجُلًا صَالِحًا كَمَا بَيَّنْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا الْمَشْرُوعَةِ وَالْمَقْدُورَةِ ; وَبَيْنَ عُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .