[
nindex.php?page=treesubj&link=22311هل كلف الناس كلهم الاجتهاد ؟ ]
الوجه الثاني والستون : قولكم : " لو كلف الناس كلهم الاجتهاد وأن يكونوا علماء ضاعت مصالح العباد وتعطلت الصنائع والمتاجر وهذا مما لا سبيل إليه شرعا وقدرا " فجوابه من وجوه ; أحدها : أن من رحمة الله سبحانه بنا ورأفته أنه لم يكلفنا بالتقليد ، فلو كلفنا به لضاعت أمورنا ، وفسدت مصالحنا ، لأنا لم نكن ندري من نقلد من المفتين والفقهاء ، وهم عدد فوق المئتين ، ولا يدري عددهم في الحقيقة إلا الله ، فإن المسلمين قد ملئوا الأرض شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ، وانتشر الإسلام بحمد الله وفضله وبلغ ما بلغ الليل ، فلو كلفنا بالتقليد لوقعنا في أعظم العنت والفساد ، ولكلفنا بتحليل الشيء وتحريمه وإيجاب الشيء
[ ص: 182 ] وإسقاطه معا إن كلفنا بتقليد كل عالم ، وإن كلفنا بتقليد الأعلم فالأعلم فمعرفة ما دل عليه القرآن والسنن من الأحكام أسهل بكثير من معرفة الأعلم الذي اجتمعت فيه شروط التقليد ، ومعرفة ذلك مشقة على العالم الراسخ فضلا عن المقلد الذي هو كالأعمى .
وإن كلفنا بتقليد البعض وكان جعل ذلك إلى تشهينا واختيارنا صار دين الله تبعا لإرادتنا واختيارنا وشهواتنا ، وهو عين المحال ; فلا بد أن يكون ذلك راجعا إلى من أمر الله باتباع قوله وتلقي الدين من بين شفتيه ، وذلك
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله وأمينه على وحيه وحجته على خلقه ، ولم يجعل الله هذا المنصب لسواه بعده أبدا .
الثاني : أن بالنظر والاستدلال صلاح الأمور لا ضياعها ، وبإهماله وتقليد من يخطئ ويصيب إضاعتها وفسادها كما الواقع شاهد به .
والثالث : أن كل واحد منا مأمور بأن يصدق الرسول فيما أخبر به ، ويطيعه فيما أمر ، وذلك لا يكون إلا بعد معرفة أمره وخبره .
ولم يوجب الله سبحانه من ذلك على الأمة إلا ما فيه حفظ دينها ودنياها وصلاحها في معاشها ومعادها ، وبإهمال ذلك تضيع مصالحها وتفسد أمورها ، فما خراب العالم إلا بالجهل ، ولا عمارته إلا بالعلم ، وإذا ظهر العلم في بلد أو محلة قل الشر في أهلها ، وإذا خفى العلم هناك ظهر الشر والفساد . ومن لم يعرف هذا فهو ممن لم يجعل الله له نورا .
قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : ولولا العلم كان الناس كالبهائم ، وقال : الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب ; لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثا ، والعلم يحتاج إليه كل وقت .
الرابع : أن الواجب على كل عبد أن يعرف ما يخصه من الأحكام ، ولا يجب عليه أن يعرف ما لا تدعوه الحاجة إلى معرفته ، وليس في ذلك إضاعة لمصالح الخلق ولا تعطيل لمعاشهم ; فقد كان الصحابة رضي الله عنهم قائمين بمصالحهم ومعاشهم وعمارة حروثهم والقيام على مواشيهم والضرب في الأرض لمتاجرهم والصفق بالأسواق ، وهم أهدى العلماء الذي لا يشق في العلم غبارهم .
الخامس : أن العلم النافع هو الذي جاء به الرسول دون مقدرات الأذهان ومسائل الخرص والألغاز ، وذلك بحمد الله تعالى أيسر شيء على النفوس تحصيله وحفظه وفهمه ، فإنه كتاب الله الذي يسره للذكر كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=17ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : قال
مطر الوراق : هل من طالب علم فيعان عليه ؟ ولم يقل : فتضيع عليه مصالحه وتتعطل معايشه عليه ، وسنة رسوله وهي بحمد الله تعالى مضبوطة محفوظة ، وأصول الأحكام التي تدور عليها نحو خمسمائة حديث ، وفرشها وتفاصيلها نحو أربعة آلاف حديث وإنما الذي هو في غاية الصعوبة والمشقة مقدرات الأذهان وأغلوطات المسائل والفروع والأصول التي ما أنزل الله بها من
[ ص: 183 ] سلطان التي كل ما لها في نمو وزيادة وتوليد ، والدين كل ما له في غربة ونقصان ، والله المستعان .
الوجه الثالث والستون : قولكم : " قد أجمع الناس على
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301تقليد الزوج لمن يهدي إليه زوجته ليلة الدخول ، وعلى
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301تقليد الأعمى في القبلة والوقت ،
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301وتقليد المؤذنين ،
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301وتقليد الأئمة في الطهارة وقراءة الفاتحة ،
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301وتقليد الزوجة في انقطاع دمها ووطئها وتزويجها " .
[
nindex.php?page=treesubj&link=22311هَلْ كُلِّفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الِاجْتِهَادَ ؟ ]
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ : قَوْلُكُمْ : " لَوْ كُلِّفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الِاجْتِهَادَ وَأَنْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ ضَاعَتْ مَصَالِحُ الْعِبَادِ وَتَعَطَّلَتْ الصَّنَائِعُ وَالْمَتَاجِرُ وَهَذَا مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ شَرْعًا وَقَدَرًا " فَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ ; أَحَدُهَا : أَنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِنَا وَرَأْفَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْنَا بِالتَّقْلِيدِ ، فَلَوْ كَلَّفَنَا بِهِ لَضَاعَتْ أُمُورُنَا ، وَفَسَدَتْ مَصَالِحُنَا ، لِأَنَّا لَمْ نَكُنْ نَدْرِي مَنْ نُقَلِّدُ مِنْ الْمُفْتِينَ وَالْفُقَهَاءِ ، وَهُمْ عَدَدٌ فَوْقَ الْمِئَتَيْنِ ، وَلَا يَدْرِي عَدَدَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا اللَّهُ ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ مَلَئُوا الْأَرْضَ شَرْقًا وَغَرْبًا وَجَنُوبًا وَشَمَالًا ، وَانْتَشَرَ الْإِسْلَامُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَبَلَغَ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ ، فَلَوْ كُلِّفْنَا بِالتَّقْلِيدِ لَوَقَعْنَا فِي أَعْظَمِ الْعَنَتِ وَالْفَسَادِ ، وَلَكُلِّفْنَا بِتَحْلِيلِ الشَّيْءِ وَتَحْرِيمِهِ وَإِيجَابِ الشَّيْءِ
[ ص: 182 ] وَإِسْقَاطِهِ مَعًا إنْ كُلِّفْنَا بِتَقْلِيدِ كُلِّ عَالِمٍ ، وَإِنْ كُلِّفْنَا بِتَقْلِيدِ الْأَعْلَمِ فَالْأَعْلَمِ فَمَعْرِفَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ مِنْ الْأَحْكَامِ أَسْهَلُ بِكَثِيرٍ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَعْلَمِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ التَّقْلِيدِ ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ عَلَى الْعَالِمِ الرَّاسِخِ فَضْلًا عَنْ الْمُقَلِّدِ الَّذِي هُوَ كَالْأَعْمَى .
وَإِنْ كُلِّفْنَا بِتَقْلِيدِ الْبَعْضِ وَكَانَ جَعَلَ ذَلِكَ إلَى تَشَهِّينَا وَاخْتِيَارِنَا صَارَ دِينُ اللَّهِ تَبَعًا لِإِرَادَتِنَا وَاخْتِيَارِنَا وَشَهَوَاتِنَا ، وَهُوَ عَيْنُ الْمُحَالِ ; فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِاتِّبَاعِ قَوْلِهِ وَتَلَقِّي الدِّينِ مِنْ بَيْنِ شَفَتَيْهِ ، وَذَلِكَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولُ اللَّهِ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحَيِّهِ وَحُجَّتُهُ عَلَى خَلْقِهِ ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ هَذَا الْمَنْصِبَ لِسِوَاهُ بَعْدَهُ أَبَدًا .
الثَّانِي : أَنَّ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ صَلَاحَ الْأُمُورِ لَا ضَيَاعَهَا ، وَبِإِهْمَالِهِ وَتَقْلِيدِ مَنْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ إضَاعَتُهَا وَفَسَادُهَا كَمَا الْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مَأْمُورٌ بِأَنْ يُصَدِّقَ الرَّسُولَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ ، وَيُطِيعَهُ فِيمَا أَمَرَ ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ .
وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْأُمَّةِ إلَّا مَا فِيهِ حِفْظُ دِينِهَا وَدُنْيَاهَا وَصَلَاحُهَا فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا ، وَبِإِهْمَالِ ذَلِكَ تَضِيعُ مَصَالِحُهَا وَتَفْسُدُ أُمُورُهَا ، فَمَا خَرَابُ الْعَالِمِ إلَّا بِالْجَهْلِ ، وَلَا عِمَارَتُهُ إلَّا بِالْعِلْمِ ، وَإِذَا ظَهَرَ الْعِلْمُ فِي بَلَدٍ أَوْ مَحَلَّةٍ قَلَّ الشَّرُّ فِي أَهْلِهَا ، وَإِذَا خَفَى الْعِلْمُ هُنَاكَ ظَهَرَ الشَّرُّ وَالْفَسَادُ . وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذَا فَهُوَ مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا .
قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ : وَلَوْلَا الْعِلْمُ كَانَ النَّاسُ كَالْبَهَائِمِ ، وَقَالَ : النَّاسُ أَحْوَجُ إلَى الْعِلْمِ مِنْهُمْ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ; لِأَنَّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، وَالْعِلْمُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ .
الرَّابِعُ : أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَعْرِفَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ مَا لَا تَدْعُوهُ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةٌ لِمَصَالِحِ الْخَلْقِ وَلَا تَعْطِيلٌ لِمَعَاشِهِمْ ; فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَائِمِينَ بِمَصَالِحِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ وَعِمَارَةِ حُرُوثِهِمْ وَالْقِيَامِ عَلَى مَوَاشِيهِمْ وَالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ لِمَتَاجِرِهِمْ وَالصَّفْقِ بِالْأَسْوَاقِ ، وَهُمْ أَهْدَى الْعُلَمَاءِ الَّذِي لَا يَشُقُّ فِي الْعِلْمِ غُبَارُهُمْ .
الْخَامِسُ : أَنَّ الْعِلْمَ النَّافِعَ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ دُونَ مُقَدَّرَاتِ الْأَذْهَانِ وَمَسَائِلِ الْخَرْصِ وَالْأَلْغَازِ ، وَذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْسَرُ شَيْءٍ عَلَى النُّفُوسِ تَحْصِيلُهُ وَحِفْظُهُ وَفَهْمُهُ ، فَإِنَّهُ كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي يَسَّرَهُ لِلذِّكْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=17وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : قَالَ
مَطَرٌ الْوَرَّاقُ : هَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ فَيُعَانُ عَلَيْهِ ؟ وَلَمْ يَقُلْ : فَتَضِيعُ عَلَيْهِ مَصَالِحُهُ وَتَتَعَطَّلُ مَعَايِشُهُ عَلَيْهِ ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَهِيَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَضْبُوطَةٌ مَحْفُوظَةٌ ، وَأُصُولُ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا نَحْوُ خَمْسِمِائَةِ حَدِيثٍ ، وَفُرُشُهَا وَتَفَاصِيلُهَا نَحْوُ أَرْبَعَةِ آلَافِ حَدِيثٍ وَإِنَّمَا الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ وَالْمَشَقَّةِ مُقَدَّرَاتِ الْأَذْهَانِ وَأُغْلُوطَاتِ الْمَسَائِلِ وَالْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ الَّتِي مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ
[ ص: 183 ] سُلْطَانٍ الَّتِي كُلُّ مَا لَهَا فِي نُمُوٍّ وَزِيَادَةٍ وَتَوْلِيدٍ ، وَالدِّينُ كُلُّ مَا لَهُ فِي غُرْبَةٍ وَنُقْصَانٍ ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ : قَوْلُكُمْ : " قَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301تَقْلِيدِ الزَّوْجِ لِمَنْ يُهْدِي إلَيْهِ زَوْجَتَهُ لَيْلَةَ الدُّخُولِ ، وَعَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301تَقْلِيدِ الْأَعْمَى فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301وَتَقْلِيدِ الْمُؤَذِّنِينَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301وَتَقْلِيدِ الْأَئِمَّةِ فِي الطَّهَارَةِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=22302_22301وَتَقْلِيدِ الزَّوْجَةِ فِي انْقِطَاعِ دَمِهَا وَوَطْئِهَا وَتَزْوِيجِهَا " .