[
nindex.php?page=treesubj&link=24405الرؤيا الحلمية وتأويلها ] ومن هذا تأويل اللبن بالفطرة لما في كل منهما من التغذية الموجبة للحياة وكمال النشأة ، وأن الطفل إذا خلي وفطرته لم يعدل عن اللبن ; فهو مفطور على إيثاره على ما سواه ، وكذلك فطرة الإسلام التي فطر الله عليها الناس .
ومن هذا تأويل البقر بأهل الدين والخير الذين بهم عمارة الأرض كما أن البقر كذلك ، مع عدم شرها وكثرة خيرها وحاجة الأرض وأهلها إليها ; ولهذا لما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19020رأى النبي صلى الله عليه وسلم بقرا تنحر } كان ذلك نحرا في أصحابه .
ومن ذلك تأويل الزرع والحرث بالعمل ; لأن العامل زارع للخير والشر ، ولا بد أن يخرج له ما بذره كما يخرج للباذر زرع ما بذره ; فالدنيا مزرعة ، والأعمال البذر ، ويوم القيامة يوم طلوع الزرع للباذر وحصاده .
ومن ذلك تأويل الخشب المقطوع المتساند بالمنافقين ، والجامع بينهما أن المنافق لا روح فيه ولا ظل ولا ثمر ، فهو بمنزلة الخشب الذي هو كذلك ; ولهذا شبه الله - تعالى - المنافقين بالخشب المسندة ; لأنهم أجسام خالية عن الإيمان والخير ، وفي كونها مسندة نكتة أخرى ، وهي أن الخشب إذا انتفع به جعل في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع ، وما دام متروكا فارغا غير منتفع به جعل مسندا بعضه إلى بعض ، فشبه المنافقين بالخشب في الحالة التي لا ينتفع فيها بها .
[ ص: 147 ] ومن ذلك تأويل النار بالفتنة لإفساد كل منهما ما يمر عليه ويتصل به ، فهذه تحرق الأثاث والمتاع والأبدان ، وهذه تحرق القلوب والأديان والإيمان .
ومن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=24405تأويل النجوم بالعلماء والأشراف ; لحصول هداية أهل الأرض بكل منهما ، ولارتفاع الأشراف بين الناس كارتفاع النجوم .
ومن ذلك تأويل الغيث بالرحمة والعلم والقرآن والحكمة وصلاح حال الناس .
ومن ذلك خروج الدم في التأويل يدل على خروج المال ، والقدر المشترك أن قوام البدن بكل واحد منهما .
ومن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=24405الحدث في التأويل يدل على الحدث في الدين ; فالحدث الأصغر ذنب صغير والأكبر ذنب كبير .
ومن ذلك أن
nindex.php?page=treesubj&link=24405اليهودية والنصرانية في التأويل بدعة في الدين ; فاليهودية تدل على فساد القصد واتباع غير الحق ، والنصرانية تدل على فساد العلم والجهل والضلال .
ومن ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=24405الحديد في التأويل وأنواع السلاح يدل على القوة والنصر بحسب جوهر ذلك السلاح ومرتبته .
ومن ذلك الرائحة الطيبة تدل في الثناء الحسن وطيب القول والعمل ، والرائحة الخبيثة بالعكس ، والميزان يدل على العدل ، والجراد يدل على الجنود والعساكر والغوغاء الذين يموج بعضهم في بعض ، والنحل يدل على من يأكل طيبا ويعمل صالحا ، والديك رجل عالي الهمة بعيد الصيت ، والحية عدو أو صاحب بدعة يهلك بسمه ، والحشرات أوغاد الناس ، والخلد رجل أعمى يتكفف الناس بالسؤال ، والذئب رجل غشوم ظلوم غادر فاجر ، والثعلب رجل غادر مكار محتال مراوغ عن الحق ، والكلب عدو ضعيف كثير الصخب والشر في كلامه وسبابه ، أو رجل مبتدع متبع هواه مؤثر له على دينه ، والسنور العبد والخادم الذي يطوف على أهل الدار ، والفأرة امرأة سوء فاسقة فاجرة ، والأسد رجل قاهر مسلط ، والكبش الرجل المنيع المتبوع .
ومن كليات التعبير أن كل ما كان وعاء للماء فهو دال على الأثاث ، وكل ما كان وعاء للمال كالصندوق والكيس والجراب فهو دال على القلب ، وكل مدخول بعضه في بعض وممتزج ومختلط فدال على الاشتراك والتعاون أو النكاح ، وكل سقوط وخرور من علو إلى سفل فمذموم ، وكل صعود وارتفاع فمحمود إذا لم يجاوز العادة وكان ممن يليق به ، وكل ما أحرقته النار فجائحة وليس يرجى صلاحه ولا حياته ، وكذلك ما انكسر من الأوعية
[ ص: 148 ] التي لا ينشعب مثلها ; وكل ما خطف وسرق من حيث لا يرى خاطفه ولا سارقه فإنه ضائع لا يرجى ، وما عرف خاطفه أو سارقه أو مكانه أو لم يغب عن عين صاحبه فإنه يرجى عوده ، وكل زيادة محمودة في الجسم والقامة واللسان والذكر واللحية واليد والرجل فزيادة خير ، وكل زيادة متجاوزة للحد في ذلك فمذمومة وشر وفضيحة .
وكل ما رأى من اللباس في غير موضعه المختص به فمكروه كالعمامة في الرجل والخف في الرأس والعقد في الساق ، وكل من استقضى أو استخلف أو أمر أو استوزر أو خطب ممن لا يليق به ذلك نال بلاء من الدنيا وشرا وفضيحة وشهرة قبيحة ، وكل ما كان مكروها من الملابس فخلقه أهون على لابسه من جديده ، والجوز مال مكنوز ، فإن تفقع كان قبيحا وشرا ، ومن صار له ريش أو جناح صار له مال ، فإن طار سافر ، وخروج المريض من داره ساكتا يدل على موته ، ومتكلما يدل على حياته ، والخروج من الأبواب الضيقة يدل على النجاة والسلامة من شر وضيق هو فيه وعلى توبة ، ولا سيما إن كان الخروج إلى فضاء وسعة فهو خير محض ، والسفر والنقلة من مكان إلى مكان انتقال من حال إلى حال بحسب حال المكانين .
ومن عاد في المنام إلى حال كان فيها في اليقظة عاد إليه ما فارقه من خير أو شر ، وموت الرجل ربما دل على توبته ورجوعه إلى الله ; لأن الموت رجوع إلى الله ، قال - تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } والمرهون مأسور بدين أو بحق عليه لله أو لعبيده ، ووداع المريض أهله أو توديعهم له دال على موته .
وبالجملة فما تقدم من أمثال القرآن كلها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها ، وكذلك من فهم القرآن فإنه يعبر به الرؤيا أحسن تعبير . وأصول التعبير الصحيحة إنما أخذت من مشكاة القرآن ، فالسفينة تعبر بالنجاة ، لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة } وتعبر بالتجارة ، والخشب بالمنافقين ، والحجارة بقساوة القلب ، والبيض بالنساء ، واللباس أيضا بهن ، وشرب الماء بالفتنة ، وأكل لحم الرجل بغيبته ، والمفاتيح بالكسب والخزائن والأموال ، والفتح يعبر مرة بالدعاء ومرة بالنصر ، وكالملك يرى في محلة لا عادة له بدخولها يعبر بإذلال أهلها وفسادها ، والحبل يعبر بالعهد والحق والعضد ، والنعاس قد يعبر بالأمن ، والبقل والبصل والثوم والعدس يعبر لمن أخذه بأنه قد استبدل شيئا أدنى بما هو خير منه من مال أو رزق أو علم أو زوجة أو دار ، والمرض يعبر بالنفاق والشك وشهوة الرياء ، والطفل الرضيع يعبر بالعدو ، لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8فالتقطه آل فرعون ليكون له عدوا وحزنا } والنكاح بالبناء ، والرماد بالعمل الباطل ; لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح }
[ ص: 149 ] والنور يعبر بالهدى ، والظلمة بالضلال .
ومن ها هنا قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لحابس بن سعد الطائي وقد ولاه القضاء ، فقال له : يا أمير المؤمنين إني رأيت الشمس والقمر يقتتلان ، والنجوم بينهما نصفين ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : مع أيهما كنت ؟ قال : مع القمر على الشمس ، قال : كنت مع الآية الممحوة ، اذهب فلست تعمل لي عملا ، ولا تقتل إلا في لبس من الأمر ، فقتل يوم صفين ، وقيل
لعابر : رأيت الشمس والقمر دخلا في جوفي ، فقال : تموت ، واحتج بقوله - تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=7فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر } .
وقال رجل
nindex.php?page=showalam&ids=16972لابن سيرين : رأيت معي أربعة أرغفة خبز فطلعت الشمس ، فقال : تموت إلى أربعة أيام ، ثم قرأ قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا } . وأخذ هذا التأويل أنه حمل رزقه أربعة أيام ، وقال له آخر : رأيت كيسي مملوءا أرضة ، فقال : أنت ميت ، ثم قرأ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=14فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض } والنخلة تدل على الرجل المسلم وعلى الكلمة الطيبة ، والحنظلة تدل على ضد ذلك ، والصنم يدل على العبد السوء الذي لا ينفع ، والبستان يدل على العمل ، واحتراقه يدل على حبوطه ; لما تقدم في أمثال القرآن ، ومن رأى أنه ينقض غزلا أو ثوبا لعبيده مرة ثانية فإنه ينقض عهدا وينكثه ، والمشي سويا في طريق مستقيم يدل على استقامته على الصراط المستقيم ، والأخذ في بنيات الطريق يدل على عدوله عنه إلى ما خالفه ، وإذا عرضت له طريقان ذات يمين وذات شمال فسلك أحدهما فإنه من أهلها ، وظهور عورة الإنسان له ذنب يرتكبه ويفتضح به ، وهروبه وفراره من شيء نجاة وظفر ، وغرقه في الماء فتنة في دينه ودنياه ، وتعلقه بحبل بين السماء والأرض تمسكه بكتاب الله وعهده واعتصامه بحبله ، فإن انقطع به فارق العصمة إلا أن يكون ولي أمرا فإنه قد يقتل أو يموت .
فالرؤيا أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب به من المثل على نظيره ، ويعبر منه إلى شبهه ، ولهذا سمي تأويلها تعبيرا ، وهو تفعيل من العبور ، كما أن الاتعاظ يسمى اعتبارا وعبرة لعبور المتعظ من النظير إلى نظيره ، ولولا أن حكم الشيء حكم مثله وحكم النظير حكم نظيره لبطل هذا التعبير والاعتبار ، ولما وجد إليه سبيل ، وقد أخبر الله - سبحانه - أنه ضرب الأمثال لعباده في غير موضع من كتابه ، وأمر باستماع أمثاله ، ودعا عباده إلى تعقلها ، والتفكير فيها ، والاعتبار بها ، وهذا هو المقصود بها .
[
nindex.php?page=treesubj&link=24405الرُّؤْيَا الْحُلْمِيَّةُ وَتَأْوِيلُهَا ] وَمِنْ هَذَا تَأْوِيلُ اللَّبَنِ بِالْفِطْرَةِ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ التَّغْذِيَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَيَاةِ وَكَمَالِ النَّشْأَةِ ، وَأَنَّ الطِّفْلَ إذَا خُلِّيَ وَفِطْرَتَهُ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ اللَّبَنِ ; فَهُوَ مَفْطُورٌ عَلَى إيثَارِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ ، وَكَذَلِكَ فِطْرَةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا النَّاسَ .
وَمِنْ هَذَا تَأْوِيلُ الْبَقَرِ بِأَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ الَّذِينَ بِهِمْ عِمَارَةُ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ الْبَقَرَ كَذَلِكَ ، مَعَ عَدَمِ شَرِّهَا وَكَثْرَةِ خَيْرِهَا وَحَاجَةِ الْأَرْضِ وَأَهْلِهَا إلَيْهَا ; وَلِهَذَا لَمَّا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19020رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقَرًا تُنْحَرُ } كَانَ ذَلِكَ نَحْرًا فِي أَصْحَابِهِ .
وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ الزَّرْعِ وَالْحَرْثِ بِالْعَمَلِ ; لِأَنَّ الْعَامِلَ زَارِعٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ لَهُ مَا بَذَرَهُ كَمَا يَخْرُجُ لِلْبَاذِرِ زَرْعُ مَا بَذَرَهُ ; فَالدُّنْيَا مَزْرَعَةٌ ، وَالْأَعْمَالُ الْبَذْرُ ، وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمُ طُلُوعِ الزَّرْعِ لِلْبَاذِرِ وَحَصَادِهِ .
وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ الْخَشَبِ الْمَقْطُوعِ الْمُتَسَانَدِ بِالْمُنَافِقِينَ ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُنَافِقَ لَا رُوحَ فِيهِ وَلَا ظِلَّ وَلَا ثَمَرَ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ ; وَلِهَذَا شَبَّهَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْمُنَافِقِينَ بِالْخُشُبِ الْمُسَنَّدَةِ ; لِأَنَّهُمْ أَجْسَامٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْخَيْرِ ، وَفِي كَوْنِهَا مُسَنَّدَةً نُكْتَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ الْخَشَبَ إذَا اُنْتُفِعَ بِهِ جُعِلَ فِي سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ مَظَانِّ الِانْتِفَاعِ ، وَمَا دَامَ مَتْرُوكًا فَارِغًا غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ جُعِلَ مُسْنَدًا بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ ، فَشَبَّهَ الْمُنَافِقِينَ بِالْخُشُبِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ فِيهَا بِهَا .
[ ص: 147 ] وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ النَّارِ بِالْفِتْنَةِ لِإِفْسَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَمُرُّ عَلَيْهِ وَيَتَّصِلُ بِهِ ، فَهَذِهِ تُحْرِقُ الْأَثَاثَ وَالْمَتَاعَ وَالْأَبْدَانَ ، وَهَذِهِ تُحْرِقُ الْقُلُوبَ وَالْأَدْيَانَ وَالْإِيمَانَ .
وَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=24405تَأْوِيلُ النُّجُومِ بِالْعُلَمَاءِ وَالْأَشْرَافِ ; لِحُصُولِ هِدَايَةِ أَهْلِ الْأَرْضِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلِارْتِفَاعِ الْأَشْرَافِ بَيْنَ النَّاسِ كَارْتِفَاعِ النُّجُومِ .
وَمِنْ ذَلِكَ تَأْوِيلُ الْغَيْثِ بِالرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةِ وَصَلَاحِ حَالِ النَّاسِ .
وَمِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ الدَّمِ فِي التَّأْوِيلِ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ الْمَالِ ، وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ أَنَّ قِوَامَ الْبَدَنِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=24405الْحَدَثُ فِي التَّأْوِيلِ يَدُلُّ عَلَى الْحَدَثِ فِي الدِّينِ ; فَالْحَدَثُ الْأَصْغَرُ ذَنْبٌ صَغِيرٌ وَالْأَكْبَرُ ذَنْبٌ كَبِيرٌ .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24405الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ فِي التَّأْوِيلِ بِدْعَةٌ فِي الدِّينِ ; فَالْيَهُودِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْقَصْدِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ الْحَقِّ ، وَالنَّصْرَانِيَّة تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالضَّلَالِ .
وَمِنْ ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=24405الْحَدِيدُ فِي التَّأْوِيلِ وَأَنْوَاعُ السِّلَاحِ يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ وَالنَّصْرِ بِحَسَبِ جَوْهَرِ ذَلِكَ السِّلَاحِ وَمَرْتَبَتِهِ .
وَمِنْ ذَلِكَ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ تَدُلُّ فِي الثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَطِيبِ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، وَالرَّائِحَةُ الْخَبِيثَةُ بِالْعَكْسِ ، وَالْمِيزَانُ يَدُلُّ عَلَى الْعَدْلِ ، وَالْجَرَادُ يَدُلُّ عَلَى الْجُنُودِ وَالْعَسَاكِرِ وَالْغَوْغَاءِ الَّذِينَ يَمُوجُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ، وَالنَّحْلُ يَدُلُّ عَلَى مَنْ يَأْكُلُ طَيِّبًا وَيَعْمَلُ صَالِحًا ، وَالدِّيكُ رَجُلٌ عَالِي الْهِمَّةِ بَعِيدُ الصِّيتِ ، وَالْحَيَّةُ عَدُوٌّ أَوْ صَاحِبُ بِدْعَةٍ يُهْلِكُ بِسُمِّهِ ، وَالْحَشَرَاتُ أَوْغَادُ النَّاسِ ، وَالْخُلْدُ رَجُلٌ أَعْمَى يَتَكَفَّفُ النَّاسَ بِالسُّؤَالِ ، وَالذِّئْبُ رَجُلٌ غَشُومٌ ظَلُومٌ غَادِرٌ فَاجِرٌ ، وَالثَّعْلَبُ رَجُلٌ غَادِرٌ مَكَّارٌ مُحْتَالٌ مُرَاوِغٌ عَنْ الْحَقِّ ، وَالْكَلْبُ عَدُوٌّ ضَعِيفٌ كَثِيرُ الصَّخَبِ وَالشَّرِّ فِي كَلَامِهِ وَسِبَابِهِ ، أَوْ رَجُلٌ مُبْتَدِعٌ مُتَّبِعٌ هَوَاهُ مُؤْثِرٌ لَهُ عَلَى دِينِهِ ، وَالسِّنَّوْرُ الْعَبْدُ وَالْخَادِمُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ ، وَالْفَأْرَةُ امْرَأَةُ سُوءٍ فَاسِقَةٌ فَاجِرَةٌ ، وَالْأَسَدُ رَجُلٌ قَاهِرٌ مُسَلَّطٌ ، وَالْكَبْشُ الرَّجُلُ الْمَنِيعُ الْمَتْبُوعُ .
وَمِنْ كُلِّيَّاتِ التَّعْبِيرِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ وِعَاءٌ لِلْمَاءِ فَهُوَ دَالٌ عَلَى الْأَثَاثِ ، وَكُلَّ مَا كَانَ وِعَاءً لِلْمَالِ كَالصُّنْدُوقِ وَالْكِيسِ وَالْجِرَابِ فَهُوَ دَالٌ عَلَى الْقَلْبِ ، وَكُلُّ مَدْخُولٍ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَمُمْتَزِجٍ وَمُخْتَلَطٍ فَدَالٌ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَالتَّعَاوُنِ أَوْ النِّكَاحِ ، وَكُلُّ سُقُوطٍ وَخُرُورٍ مِنْ عُلُوٍّ إلَى سُفْلٍ فَمَذْمُومٌ ، وَكُلُّ صُعُودٍ وَارْتِفَاعٍ فَمَحْمُودٌ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ وَكَانَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ ، وَكُلُّ مَا أَحْرَقَتْهُ النَّارُ فَجَائِحَةٌ وَلَيْسَ يُرْجَى صَلَاحُهُ وَلَا حَيَاتُهُ ، وَكَذَلِكَ مَا انْكَسَرَ مِنْ الْأَوْعِيَةِ
[ ص: 148 ] الَّتِي لَا يَنْشَعِبُ مِثْلُهَا ; وَكُلُّ مَا خُطِفَ وَسُرِقَ مِنْ حَيْثُ لَا يُرَى خَاطِفُهُ وَلَا سَارِقُهُ فَإِنَّهُ ضَائِعٌ لَا يُرْجَى ، وَمَا عُرِفَ خَاطِفُهُ أَوْ سَارِقُهُ أَوْ مَكَانُهُ أَوْ لَمْ يَغِبْ عَنْ عَيْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ مَحْمُودَةٍ فِي الْجِسْمِ وَالْقَامَةِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ وَاللِّحْيَةِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ ، وَكُلُّ زِيَادَةٍ مُتَجَاوِزَةٍ لِلْحَدِّ فِي ذَلِكَ فَمَذْمُومَةٌ وَشَرٌّ وَفَضِيحَةٌ .
وَكُلُّ مَا رَأَى مِنْ اللِّبَاسِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَمَكْرُوهٌ كَالْعِمَامَةِ فِي الرِّجْلِ وَالْخُفِّ فِي الرَّأْسِ وَالْعِقْدِ فِي السَّاقِ ، وَكُلُّ مَنْ اسْتَقْضَى أَوْ اسْتَخْلَفَ أَوْ أَمَّرَ أَوْ اسْتَوْزَرَ أَوْ خَطَبَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ نَالَ بَلَاءً مِنْ الدُّنْيَا وَشَرًّا وَفَضِيحَةً وَشُهْرَةً قَبِيحَةً ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَكْرُوهًا مِنْ الْمُلَابِسِ فَخَلِقُهُ أَهْوَنُ عَلَى لَابِسِهِ مِنْ جَدِيدِهِ ، وَالْجَوْزُ مَالٌ مَكْنُوزٌ ، فَإِنْ تَفَقَّعَ كَانَ قَبِيحًا وَشَرًّا ، وَمَنْ صَارَ لَهُ رِيشٌ أَوْ جَنَاحٌ صَارَ لَهُ مَالٌ ، فَإِنْ طَارَ سَافَرَ ، وَخُرُوجُ الْمَرِيضِ مِنْ دَارِهِ سَاكِتًا يَدُلُّ عَلَى مَوْتِهِ ، وَمُتَكَلِّمًا يَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْأَبْوَابِ الضَّيِّقَةِ يَدُلُّ عَلَى النَّجَاةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ شَرٍّ وَضِيقٍ هُوَ فِيهِ وَعَلَى تَوْبَةٍ ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْخُرُوجُ إلَى فَضَاءٍ وَسَعَةٍ فَهُوَ خَيْرٌ مَحْضٌ ، وَالسَّفَرُ وَالنُّقْلَةُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان انْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ بِحَسَبِ حَالِ الْمَكَانَيْنِ .
وَمَنْ عَادَ فِي الْمَنَامِ إلَى حَالٍ كَانَ فِيهَا فِي الْيَقَظَةِ عَادَ إلَيْهِ مَا فَارَقَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ ، وَمَوْتُ الرَّجُلِ رُبَّمَا دَلَّ عَلَى تَوْبَتِهِ وَرُجُوعِهِ إلَى اللَّهِ ; لِأَنَّ الْمَوْتَ رُجُوعٌ إلَى اللَّهِ ، قَالَ - تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=62ثُمَّ رُدُّوا إلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمْ الْحَقِّ } وَالْمَرْهُونُ مَأْسُورٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِحَقٍّ عَلَيْهِ لِلَّهِ أَوْ لِعَبِيدِهِ ، وَوَدَاعُ الْمَرِيضِ أَهْلَهُ أَوْ تَوْدِيعُهُمْ لَهُ دَالٌ عَلَى مَوْتِهِ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثَالِ الْقُرْآنِ كُلُّهَا أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ لِعِلْمِ التَّعْبِيرِ لِمَنْ أَحْسَنَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَهِمَ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُعَبِّرُ بِهِ الرُّؤْيَا أَحْسَنَ تَعْبِيرٍ . وَأُصُولُ التَّعْبِيرِ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ مِشْكَاةِ الْقُرْآنِ ، فَالسَّفِينَةُ تُعَبَّرُ بِالنَّجَاةِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ } وَتُعَبَّرُ بِالتِّجَارَةِ ، وَالْخَشَبُ بِالْمُنَافِقِينَ ، وَالْحِجَارَةُ بِقَسَاوَةِ الْقَلْبِ ، وَالْبَيْضُ بِالنِّسَاءِ ، وَاللِّبَاسُ أَيْضًا بِهِنَّ ، وَشُرْبُ الْمَاءِ بِالْفِتْنَةِ ، وَأَكْلُ لَحْمِ الرَّجُلِ بِغَيْبَتِهِ ، وَالْمَفَاتِيحُ بِالْكَسْبِ وَالْخَزَائِنِ وَالْأَمْوَالِ ، وَالْفَتْحُ يُعَبَّرُ مَرَّةً بِالدُّعَاءِ وَمَرَّةً بِالنَّصْرِ ، وَكَالْمَلِكِ يُرَى فِي مَحَلَّةٍ لَا عَادَةَ لَهُ بِدُخُولِهَا يُعَبَّرُ بِإِذْلَالِ أَهْلِهَا وَفَسَادِهَا ، وَالْحَبْلُ يُعَبَّرُ بِالْعَهْدِ وَالْحَقِّ وَالْعَضُدِ ، وَالنُّعَاسُ قَدْ يُعَبَّرُ بِالْأَمْنِ ، وَالْبَقْلُ وَالْبَصَلُ وَالثُّومُ وَالْعَدَسُ يُعَبَّرُ لِمَنْ أَخَذَهُ بِأَنَّهُ قَدْ اسْتَبْدَلَ شَيْئًا أَدْنَى بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِنْ مَالٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ دَارٍ ، وَالْمَرَضُ يُعَبَّرُ بِالنِّفَاقِ وَالشَّكِّ وَشَهْوَةِ الرِّيَاءِ ، وَالطِّفْلُ الرَّضِيعُ يُعَبَّرُ بِالْعَدُوِّ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُ عَدُوًّا وَحَزَنًا } وَالنِّكَاحُ بِالْبِنَاءِ ، وَالرَّمَادُ بِالْعَمَلِ الْبَاطِلِ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=18مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ }
[ ص: 149 ] وَالنُّورُ يُعَبَّرُ بِالْهُدَى ، وَالظُّلْمَةُ بِالضَّلَالِ .
وَمِنْ هَا هُنَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِحَابِسِ بْنِ سَعْدٍ الطَّائِيِّ وَقَدْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي رَأَيْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَقْتَتِلَانِ ، وَالنُّجُومَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ : مَعَ أَيِّهِمَا كُنْتَ ؟ قَالَ : مَعَ الْقَمَرِ عَلَى الشَّمْسِ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ الْآيَةِ الْمَمْحُوَّةِ ، اذْهَبْ فَلَسْتَ تَعْمَلُ لِي عَمَلًا ، وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي لَبْسٍ مِنْ الْأَمْرِ ، فَقُتِلَ يَوْمَ صِفِّينَ ، وَقِيلَ
لِعَابِرٍ : رَأَيْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَخَلَا فِي جَوْفِي ، فَقَالَ : تَمُوتُ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=7فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ } .
وَقَالَ رَجُلٌ
nindex.php?page=showalam&ids=16972لِابْنِ سِيرِينَ : رَأَيْتُ مَعِي أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةِ خُبْزٍ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ ، فَقَالَ : تَمُوتُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=45ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } . وَأَخَذَ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ حَمَلَ رِزْقَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ، وَقَالَ لَهُ آخَرُ : رَأَيْتُ كِيسِي مَمْلُوءًا أَرَضَةً ، فَقَالَ : أَنْتَ مَيِّتٌ ، ثُمَّ قَرَأَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=14فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ } وَالنَّخْلَةُ تَدُلُّ عَلَى الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَعَلَى الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ ، وَالْحَنْظَلَةُ تَدُلُّ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ ، وَالصَّنَمُ يَدُلُّ عَلَى الْعَبْدِ السُّوءِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ ، وَالْبُسْتَانُ يَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ ، وَاحْتِرَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى حُبُوطِهِ ; لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَمْثَالِ الْقُرْآنِ ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَنْقُضُ غَزْلًا أَوْ ثَوْبًا لِعَبِيدِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً فَإِنَّهُ يَنْقُضُ عَهْدًا وَيَنْكُثُهُ ، وَالْمَشْيُ سَوِيًّا فِي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَالْأَخْذُ فِي بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ يَدُلُّ عَلَى عُدُولِهِ عَنْهُ إلَى مَا خَالَفَهُ ، وَإِذَا عَرَضَتْ لَهُ طَرِيقَانِ ذَاتُ يَمِينٍ وَذَاتُ شِمَالٍ فَسَلَكَ أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا ، وَظُهُورُ عَوْرَةِ الْإِنْسَانِ لَهُ ذَنْبٌ يَرْتَكِبُهُ وَيَفْتَضِحُ بِهِ ، وَهُرُوبُهُ وَفِرَارُهُ مِنْ شَيْءٍ نَجَاةٌ وَظَفَرٌ ، وَغَرَقُهُ فِي الْمَاءِ فِتْنَةٌ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ ، وَتَعَلُّقُهُ بِحَبْلٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ تَمَسُّكُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَعَهْدِهِ وَاعْتِصَامُهُ بِحَبْلِهِ ، فَإِنْ انْقَطَعَ بِهِ فَارَقَ الْعِصْمَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيَ أَمْرًا فَإِنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ .
فَالرُّؤْيَا أَمْثَالٌ مَضْرُوبَةٌ يَضْرِبُهَا الْمَلَكُ الَّذِي قَدْ وَكَّلَهُ اللَّهُ بِالرُّؤْيَا لِيَسْتَدِلَّ الرَّائِي بِمَا ضُرِبَ بِهِ مِنْ الْمِثْلِ عَلَى نَظِيرِهِ ، وَيُعَبَّرُ مِنْهُ إلَى شَبَهِهِ ، وَلِهَذَا سُمِّيَ تَأْوِيلُهَا تَعْبِيرًا ، وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنْ الْعُبُورِ ، كَمَا أَنَّ الِاتِّعَاظَ يُسَمَّى اعْتِبَارًا وَعِبْرَةً لِعُبُورِ الْمُتَّعِظِ مِنْ النَّظِيرِ إلَى نَظِيرِهِ ، وَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ وَحُكْمُ النَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ لَبَطَلَ هَذَا التَّعْبِيرُ وَالِاعْتِبَارُ ، وَلَمَا وُجِدَ إلَيْهِ سَبِيلٌ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ الْأَمْثَالَ لِعِبَادِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ ، وَأَمَرَ بِاسْتِمَاعِ أَمْثَالِهِ ، وَدَعَا عِبَادَهُ إلَى تَعَقُّلِهَا ، وَالتَّفْكِيرِ فِيهَا ، وَالِاعْتِبَارِ بِهَا ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا .