[ في الأحكام الشرعية التسوية بين المتماثلين ] .
وأما أحكامه الأمرية الشرعية فكلها هكذا ، تجدها مشتملة على
nindex.php?page=treesubj&link=21852التسوية بين [ ص: 150 ] المتماثلين ، وإلحاق النظير بنظيره ، واعتبار الشيء بمثله ، والتفريق بين المختلفين ، وعدم تسوية أحدهما بالآخر ، وشريعته - سبحانه - منزهة أو تنهى عن شيء لمفسدة فيه ، ثم تبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة أو مثلها أو أزيد منها ، فمن جوز ذلك على الشريعة فما عرفها حق معرفتها ; ولا قدرها حق قدرها وكيف يظن بالشريعة أنها تبيح شيئا لحاجة المكلف إليه ومصلحته ثم تحرم ما هو أحوج إليه والمصلحة في إباحته أظهر ، وهذا من أمحل المحال ; ولذلك كان من المستحيل أن يشرع الله ورسوله من الحيل ما يسقط به ما أوجبه ، أو يبيح به ما حرمه ، ولعن فاعله ، وآذنه بحربه وحرب رسوله ، وشدد فيه الوعيد ; لما تضمنه من المفسدة في الدنيا والدين ، ثم بعد ذلك يسوغ التوصل إليه بأدنى حيلة ، ولو أن المريض اعتمد هذا فيما يحميه منه الطبيب ويمنعه منه لكان معينا على نفسه ، ساعيا في ضرره ، وعد سفيها مفرطا ، وقد فطر الله - سبحانه - عباده على أن حكم النظير حكم نظيره ، وحكم الشيء حكم مثله ، وعلى إنكار التفريق بين المتماثلين ، وعلى إنكار الجمع بين المختلفين ، والعقل والميزان الذي أنزله الله - سبحانه - شرعا وقدرا يأبى ذلك .
[ يكون الجزاء من جنس العمل ومثاله ]
ولذلك كان الجزاء مماثلا للعمل من جنسه في الخير والشر ، فمن ستر مسلما ستره الله ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن أقال نادما أقاله الله عثرته يوم القيامة ، ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ، ومن ضار مسلما ضار الله به ، ومن شاق شاق الله عليه ، ومن خذل مسلما في موضع يجب نصرته فيه خذله الله في موضع يجب نصرته فيه ، ومن سمح سمح الله له ، والراحمون يرحمهم الرحمن ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ، ومن أنفق أنفق عليه ، ومن أوعى أوعى عليه ، ومن عفا عن حقه عفا الله له عن حقه ، ومن تجاوز تجاوز الله عنه ، ومن استقصى استقصى الله عليه ; فهذا شرع الله وقدره ووحيه وثوابه وعقابه كله قائم بهذا الأصل ، وهو إلحاق النظير بالنظير ، واعتبار المثل بالمثل ، ولهذا يذكر الشارع العلل والأوصاف المؤثرة والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية والشرعية والجزائية ليدل بذلك على تعلق الحكم بها أين وجدت ، واقتضائها لأحكامها ، وعدم تخلفها عنها إلا لمانع يعارض اقتضاءها ويوجب تخلف أثرها عنها ، كقوله - تعالى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=4ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=75ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون } {
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=28ذلك [ ص: 151 ] بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } {
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=26ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر } {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم } .
[ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ ] .
وَأَمَّا أَحْكَامُهُ الْأَمْرِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فَكُلُّهَا هَكَذَا ، تَجِدُهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=21852التَّسْوِيَةِ بَيْنَ [ ص: 150 ] الْمُتَمَاثِلَيْنِ ، وَإِلْحَاقِ النَّظِيرِ بِنَظِيرِهِ ، وَاعْتِبَارِ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ ، وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَعَدَمِ تَسْوِيَةِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، وَشَرِيعَتُهُ - سُبْحَانَهُ - مُنَزَّهَةٌ أَوْ تَنْهَى عَنْ شَيْءٍ لِمَفْسَدَةٍ فِيهِ ، ثُمَّ تُبِيحُ مَا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ مِثْلِهَا أَوْ أَزِيدَ مِنْهَا ، فَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيعَةِ فَمَا عَرَفَهَا حَقَّ مَعْرِفَتِهَا ; وَلَا قَدَّرَهَا حَقَّ قَدْرِهَا وَكَيْفَ يُظَنُّ بِالشَّرِيعَةِ أَنَّهَا تُبِيحُ شَيْئًا لِحَاجَةِ الْمُكَلَّفِ إلَيْهِ وَمَصْلَحَتِهِ ثُمَّ تُحَرِّمُ مَا هُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ وَالْمَصْلَحَةُ فِي إبَاحَتِهِ أَظْهَرُ ، وَهَذَا مِنْ أَمْحَلْ الْمُحَالِ ; وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُشَرِّعَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْحِيَلِ مَا يَسْقُطُ بِهِ مَا أَوْجَبَهُ ، أَوْ يُبِيحَ بِهِ مَا حَرَّمَهُ ، وَلَعَنَ فَاعِلَهُ ، وَآذَنَهُ بِحَرْبِهِ وَحَرْبِ رَسُولِهِ ، وَشَدَّدَ فِيهِ الْوَعِيدَ ; لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَوِّغُ التَّوَصُّلَ إلَيْهِ بِأَدْنَى حِيلَةٍ ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ اعْتَمَدَ هَذَا فِيمَا يَحْمِيهِ مِنْهُ الطَّبِيبُ وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ لَكَانَ مُعِينًا عَلَى نَفْسِهِ ، سَاعِيًا فِي ضَرَرِهِ ، وَعُدَّ سَفِيهًا مُفْرِطًا ، وَقَدْ فَطَرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - عِبَادَهُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّظِيرِ حُكْمُ نَظِيرِهِ ، وَحُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ ، وَعَلَى إنْكَارِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ ، وَعَلَى إنْكَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، وَالْعَقْلُ وَالْمِيزَانُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ - شَرْعًا وَقَدْرًا يَأْبَى ذَلِكَ .
[ يَكُونُ الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَمِثَالِهِ ]
وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَزَاءُ مُمَاثِلًا لِلْعَمَلِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، فَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ نُصْرَتُهُ فِيهِ ، وَمَنْ سَمَحَ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ ، وَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ، وَمَنْ أَنْفَقَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ أَوْعَى أَوْعَى عَلَيْهِ ، وَمَنْ عَفَا عَنْ حَقِّهِ عَفَا اللَّهُ لَهُ عَنْ حَقِّهِ ، وَمَنْ تَجَاوَزَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ اسْتَقْصَى اسْتَقْصَى اللَّهُ عَلَيْهِ ; فَهَذَا شَرْعُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ وَوَحْيُهُ وَثَوَابُهُ وَعِقَابُهُ كُلُّهُ قَائِمٌ بِهَذَا الْأَصْلِ ، وَهُوَ إلْحَاقُ النَّظِيرِ بِالنَّظِيرِ ، وَاعْتِبَارُ الْمِثْلِ بِالْمِثْلِ ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ الشَّارِعُ الْعِلَلَ وَالْأَوْصَافَ الْمُؤَثِّرَةَ وَالْمَعَانِيَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْأَحْكَامِ الْقَدَرِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْجَزَائِيَّةِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهَا أَيْنَ وُجِدَتْ ، وَاقْتِضَائِهَا لِأَحْكَامِهَا ، وَعَدَمِ تَخَلُّفِهَا عَنْهَا إلَّا لِمَانِعٍ يُعَارِضُ اقْتِضَاءَهَا وَيُوجِبُ تَخَلُّفُ أَثَرِهَا عَنْهَا ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - : {
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=4ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=12ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=35ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } {
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=75ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=28ذَلِكَ [ ص: 151 ] بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=26ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ } {
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=23وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } .