فإن قلت فصل لي علم طريق الآخرة تفصيلا يشير إلى تراجمه وإن لم يمكن استقصاء تفاصيله .
فاعلم أنه قسمان : علم مكاشفة وعلم معاملة فالقسم الأول علم المكاشفة
nindex.php?page=treesubj&link=29549وهو علم الباطن وذلك غاية العلوم فقد قال بعض العارفين من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله .
وقال آخر من كان فيه خصلتان لم يفتح له بشيء من هذا العلم بدعة أو كبر وقيل من كان محبا للدنيا أو مصرا على هوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم ، وأقل عقوبة من ينكره أنه لا يذوق منه شيئا وينشد على قوله .
وارض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه وهو علم الصديقين والمقربين أعني علم المكاشفة فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات وبأفعاله وبحكمة في خلق الدنيا والآخرة ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا والمعرفة بمعنى النبوة والنبي ومعنى ، الوحي ومعنى الشيطان ومعنى لفظ الملائكة والشياطين وكيفية معاداة الشياطين للإنسان وكيفية ظهور الملك للأنبياء وكيفية وصول الوحي إليهم والمعرفة بملكوت السموات والأرض ومعرفة القلب وكيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه ومعرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومعرفة الآخرة والجنة والنار وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب ومعنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ومعنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ومعنى لقاء الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم ومعنى القرب منه والنزول في جواره ومعنى حصول السعادة بمرافقة الملأ الأعلى ومقارنة الملائكة والنبيين ومعنى تفاوت درجات أهل الجنان حتى يرى بعضهم البعض كما يرى الكوكب الدري في جوف السماء إلى غير ذلك مما يطول تفصيله إذ للناس في معاني هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات شتى فبعضهم يرى أن جميع ذلك أمثلة وأن الذي أعده الله لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأنه ليس مع الخلق من الجنة إلا الصفات والأسماء .
فَإِنْ قُلْتَ فَصِّلْ لِي عِلْمَ طَرِيقِ الْآخِرَةِ تَفْصِيلًا يُشِيرُ إِلَى تَرَاجِمِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ اسْتِقْصَاءُ تَفَاصِيلِهِ .
فَاعْلَمْ أَنَّهُ قِسْمَانِ : عِلْمُ مُكَاشَفَةٍ وَعِلْمُ مُعَامَلَةٍ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ عِلْمُ الْمُكَاشَفَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=29549وَهُوَ عِلْمُ الْبَاطِنِ وَذَلِكَ غَايَةُ الْعُلُومِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ أَخَافُ عَلَيْهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ وَأَدْنَى نَصِيبٍ مِنْهُ التَّصْدِيقُ بِهِ وَتَسْلِيمُهُ لِأَهْلِهِ .
وَقَالَ آخَرُ مَنْ كَانَ فِيهِ خَصْلَتَانِ لَمْ يُفْتَحْ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ بِدْعَةٌ أَوْ كِبْرٌ وَقِيلَ مَنْ كَانَ مُحِبًّا لِلدُّنْيَا أَوْ مُصِرًّا عَلَى هَوًى لَمْ يَتَحَقَّقْ بِهِ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ بِسَائِرِ الْعُلُومِ ، وَأَقَلُّ عُقُوبَةِ مَنْ يُنْكِرُهُ أَنَّهُ لَا يَذُوقُ مِنْهُ شَيْئًا وَيَنْشُدُ عَلَى قَوْلِهِ .
وَارْضَ لِمَنْ غَابَ عَنْكَ غَيْبَتَهُ فَذَاكَ ذَنْبٌ عِقَابُهُ فِيهِ وَهُوَ عِلْمُ الصِّدِّيقِينَ وَالْمُقَرَّبِينَ أَعْنِي عِلْمَ الْمُكَاشَفَةِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ نُورٍ يَظْهَرُ فِي الْقَلْبِ عِنْدَ تَطْهِيرِهِ وَتَزْكِيَتِهِ مِنْ صِفَاتِهِ الْمَذْمُومَةِ وَيَنْكَشِفُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ قَبْلُ أَسْمَاءَهَا فَيَتَوَهَّمُ لَهَا مَعَانِيَ مُجْمَلَةً غَيْرَ مُتَّضِحَةٍ فَتَتَّضِحُ إِذْ ذَاكَ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَعْرِفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ بِذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبِصِفَاتِهِ الْبَاقِيَاتِ التَّامَّاتِ وَبِأَفْعَالِهِ وَبِحِكْمَةٍ فِي خَلْقِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَوَجَّهَ تَرْتِيبَهُ لِلْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا وَالْمَعْرِفَةُ بِمَعْنَى النُّبُوَّةِ وَالنَّبِيِّ وَمَعْنَى ، الْوَحْيِ وَمَعْنَى الشَّيْطَانِ وَمَعْنَى لَفْظِ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَكَيْفِيَّةِ مُعَادَاةِ الشَّيَاطِينِ لِلْإِنْسَانِ وَكَيْفِيَّةِ ظُهُورِ الْمَلِكِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَكَيْفِيَّةِ وُصُولِ الْوَحْيِ إِلَيْهِمْ وَالْمَعْرِفَةُ بِمَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَعْرِفَةُ الْقَلْبِ وَكَيْفِيَّةِ تَصَادُمِ جُنُودِ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ فِيهِ وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ لَمَّةِ الْمَلَكِ وَلَمَّةِ الشَّيْطَانِ وَمَعْرِفَةُ الْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْحِسَابِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=14اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=64وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَمَعْنَى لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَمَعْنَى الْقُرْبِ مِنْهُ وَالنُّزُولِ فِي جِوَارِهِ وَمَعْنَى حُصُولِ السَّعَادَةِ بِمُرَافَقَةِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَمُقَارَنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَمَعْنَى تَفَاوُتِ دَرَجَاتِ أَهْلِ الْجِنَانِ حَتَّى يَرَى بَعْضَهُمُ الْبَعْضَ كَمَا يَرَى الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي جَوْفِ السَّمَاءِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ تَفْصِيلُهُ إِذْ لِلنَّاسِ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْأُمُورِ بَعْدَ التَّصْدِيقِ بِأُصُولِهَا مَقَامَاتٌ شَتَّى فَبَعْضُهُمْ يَرَى أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ أَمْثِلَةٌ وَأَنَّ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَ الْخَلْقِ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا الصِّفَاتُ وَالْأَسْمَاءُ .