وذكره لهذه الأصول في خطبة يوم الجمعة وغيرها من قواعد الإسلام وأصول الإيمان ، بل ذكره لهذا الكلام بعد قوله : «أما بعد » -كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وغيره- دليل على أن هذا هو جماع الدين كما قررناه أولا ، فإنه بعد الحمد والشهادتين يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658443«أما بعد ، فإن أصدق الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة » . فعلم بذلك كمال موقع هذا الكلام من الدين ، وذلك لأنه مشتمل على أصلي الإيمان : شهادة أن لا إله إلا الله ، وشهادة أن محمدا رسول الله ، على الإيمان بالله ورسله . ولكن بين فيه
nindex.php?page=treesubj&link=30172_28653جماع أمور الدين ، فإنها نوعان : قول وعمل ، كما قال عبد الله بن مسعود : إنما هما شيئان : الكلام والهدي .
والهدي : القصد والعمل ، يقال : هدى يهدي هديا ، كما يقال : مشى يمشي مشيا ، وسعى سعيا ، ويقال : هدى غيره يهديه هدى . ومن الأول قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=159ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [الأعراف :159] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=181وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [الأعراف :181] . ومنه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35أمن لا يهدي إلا أن يهدى [يونس :35] على قراءة من قرأ
[ ص: 214 ] «يهدي » على أحد القولين . والهدي من هدى يهدي مثل الدل من دل يدل ، ومنه الحديث المأثور في السنن :
nindex.php?page=hadith&LINKID=940973«الهدي الصالح والاقتصاد والسمت جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة » . ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة : كان
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته . وكان
علقمة يشبه
بعبد الله في هديه ودله وسمته ، وكان
إبراهيم يشبه بعلقمة في هديه ودله وسمته ، وكان
منصور يشبه
بإبراهيم في هديه ودله وسمته ، وكان
سفيان يشبه
بمنصور في هديه ودله وسمته ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع يشبه
بسفيان في هديه ودله وسمته ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يشبه
بوكيع في هديه ودله وسمته .
وذلك لأن المهتدي لا بد له من شيئين : من غاية يقصدها ، ومن عمل إلى تلك الغاية . وكل إنسان فله قصد وعمل ، فإن أصدق الأسماء الحارث وهمام ، سواء كان قصده صوابا أو خطأ ، وسواء سعى إليه أو لم يسع . فمن لم يقصد الحق أو قصده ولم يعمل لمقصوده فليس بمهتد ، بخلاف من قصده وعمل له فإنه مهتد بالحق .
وَذِكْرُهُ لِهَذِهِ الْأُصُولِ فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَأُصُولِ الْإِيمَانِ ، بَلْ ذِكْرُهُ لِهَذَا الْكَلَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ : «أَمَّا بَعْدُ » -كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٌ وَغَيْرُهُ- دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ جِمَاعُ الدِّينِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا ، فَإِنَّهُ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالشَّهَادَتَيْنِ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658443«أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ » . فَعُلِمَ بِذَلِكَ كَمَالُ مَوْقِعِ هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الدِّينِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَصْلَيِ الْإِيمَانِ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَشَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ . وَلَكِنْ بَيَّنَ فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=30172_28653جِمَاعَ أُمُورِ الدِّينِ ، فَإِنَّهَا نَوْعَانِ : قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : إِنَّمَا هُمَا شَيْئَانِ : الْكَلَامُ وَالْهَدْيُ .
وَالْهَدْيُ : الْقَصْدُ وَالْعَمَلُ ، يُقَالُ : هَدَى يَهْدِي هَدْيًا ، كَمَا يُقَالُ : مَشَى يَمْشِي مَشْيًا ، وَسَعَى سَعْيًا ، وَيُقَالُ : هَدَى غَيْرَهُ يَهْدِيهِ هُدًى . وَمِنَ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=159وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الْأَعْرَافِ :159] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=181وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الْأَعْرَافِ :181] . وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=35أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى [يُونُسَ :35] عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ
[ ص: 214 ] «يَهْدِي » عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ . وَالْهَدْيُ مِنْ هَدَى يَهْدِي مِثْلَ الدَّلِّ مِنْ دَلَّ يَدُلُّ ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْمَأْثُورُ فِي السُّنَنِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=940973«الْهَدْيُ الصَّالِحُ وَالِاقْتِصَادُ وَالسَّمْتُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ » . وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ : كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ . وَكَانَ
عَلْقَمَةُ يُشَبَّهُ
بِعَبْدِ اللَّهِ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ ، وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ يُشَبَّهُ بِعَلْقَمَةَ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ ، وَكَانَ
مَنْصُورٌ يُشَبَّهُ
بِإِبْرَاهِيمَ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ ، وَكَانَ
سُفْيَانُ يُشَبَّهُ
بِمَنْصُورٍ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ يُشَبَّهُ
بِسُفْيَانَ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُشَبَّهُ
بِوَكِيعٍ فِي هَدْيِهِ وَدَلِّهِ وَسَمْتِهِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُهْتَدِيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَيْئَيْنِ : مِنْ غَايَةٍ يَقْصِدُهَا ، وَمِنْ عَمَلٍ إِلَى تِلْكَ الْغَايَةِ . وَكُلُّ إِنْسَانٍ فَلَهُ قَصْدٌ وَعَمَلٌ ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْأَسْمَاءِ الْحَارِثُ وَهُمَامٌ ، سَوَاءٌ كَانَ قَصْدُهُ صَوَابًا أَوْ خَطَأً ، وَسَوَاءٌ سَعَى إِلَيْهِ أَوْ لَمْ يَسْعَ . فَمَنْ لَمْ يَقْصِدِ الْحَقَّ أَوْ قَصْدَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ لِمَقْصُودِهِ فَلَيْسَ بِمُهْتَدٍ ، بِخِلَافِ مَنْ قَصَدَهُ وَعَمِلَ لَهُ فَإِنَّهُ مُهْتَدٍ بِالْحَقِّ .