قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون
فيه ست مسائل :
الأولى : أكد الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=28802_29435الزجر عن الركون إلى الكفار . وهو متصل بما سبق من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=100إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب . والبطانة مصدر ، يسمى به الواحد والجمع . وبطانة الرجل خاصته الذين يستبطنون أمره ، وأصله من البطن الذي هو خلاف الظهر . وبطن فلان بفلان يبطن بطونا وبطانة إذا كان خاصا به . قال الشاعر :
أولئك خلصائي نعم وبطانتي وهم عيبتي من دون كل قريب
الثانية : نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار
واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء ، يفاوضونهم في الآراء ، ويسندون إليهم أمورهم . ويقال : كل من كان على خلاف مذهبك ودينك فلا ينبغي لك أن تحادثه ; قال الشاعر :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وفي سنن
أبي داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831931المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل . وروي عن
ابن مسعود أنه قال : اعتبروا الناس بإخوانهم . ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118لا يألونكم خبالا يقول فسادا . يعني لا يتركون الجهد في فسادكم ، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة ، على ما يأتي بيانه . وروي عن
أبي أمامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا قال : ( هم
الخوارج ) . وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبا موسى الأشعري استكتب ذميا فكتب إليه
عمر يعنفه وتلا عليه هذه الآية . وقدم
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري على
عمر - رضي الله عنهما - بحساب فرفعه إلى
عمر فأعجبه ،
[ ص: 170 ] وجاء
عمر كتاب فقال
لأبي موسى : أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس ؟ فقال : إنه لا يدخل المسجد . فقال لم ! أجنب هو ؟ قال : إنه نصراني ; فانتهره وقال : لا تدنهم وقد أقصاهم الله ، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله ، ولا تأمنهم وقد خونهم الله . وعن
عمر - رضي الله عنه - قال : لا تستعملوا أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرشا ، واستعينوا على أموركم وعلى رعيتكم بالذين يخشون الله تعالى . وقيل
لعمر ، - رضي الله عنه - : إن هاهنا رجلا من
نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه ولا أخط بقلم أفلا يكتب عنك ؟ فقال : لا آخذ بطانة من دون المؤمنين . فلا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=32632_33522استكتاب أهل الذمة ، ولا غير ذلك من تصرفاتهم في البيع والشراء والاستنابة إليهم .
قلت : وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ
أهل الكتاب كتبة وأمناء وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء . روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831932ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى . وروى
أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831933لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم غريبا . فسره
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن بن أبي الحسن فقال : أراد عليه السلام لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم ، ولا تنقشوا في خواتيمكم
محمدا . قال
الحسن : وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم الآية .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118من دونكم أي من سواكم . قال
الفراء :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=82ويعملون عملا دون ذلك أي سوى ذلك . وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118من دونكم يعني في السير وحسن المذهب . ومعنى
[ ص: 171 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118لا يألونكم خبالا لا يقصرون فيما فيه الفساد عليكم . وهو في موضع الصفة ل
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118بطانة من دونكم . يقال : لا آلو جهدا أي لا أقصر . وألوت ألوا قصرت ; قال
امرؤ القيس :
وما المرء ما دامت حشاشة نفسه بمدرك أطراف الخطوب ولا آل
والخبال : الخبل . والخبل : الفساد ; وقد يكون ذلك في الأفعال والأبدان والعقول . وفي الحديث : ( من أصيب بدم أو خبل ) أي جرح يفسد العضو . والخبل : فساد الأعضاء ، ورجل خبل ومختبل ، وخبله الحب أي أفسده . قال
أوس :
أبني لبينى لستم بيد إلا يدا مخبولة العضد
أي فاسدة العضد . وأنشد
الفراء :
نظر ابن سعد نظرة وبت بها كانت لصحبك والمطي خبالا
أي فسادا . وانتصب خبالا بالمفعول الثاني ; لأن الألو يتعدى إلى مفعولين ، وإن شئت على المصدر ، أي يخبلونكم خبالا : وإن شئت بنزع الخافض ، أي بالخبال ; كما قالوا : أوجعته ضربا : " وما " في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118ودوا ما عنتم مصدرية ، أي ودوا عنتكم . أي ما يشق عليكم . والعنت المشقة ، وقد مضى في " البقرة " معناه .
الرابعة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118قد بدت البغضاء من أفواههم يعني ظهرت العداوة والتكذيب لكم من أفواههم . والبغضاء : البغض ، وهو ضد الحب . والبغضاء مصدر مؤنث . وخص تعالى الأفواه بالذكر دون الألسنة إشارة إلى تشدقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه ، فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه . ومن هذا المعنى نهيه عليه السلام أن يشتحي الرجل فاه في عرض أخيه . معناه أن يفتح ; يقال : شحى الحمار فاه بالنهيق ، وشحى الفم نفسه . وشحى اللجام فم الفرس شحيا ، وجاءت الخيل شواحي : فاتحات أفواهها . ولا يفهم من هذا الحديث دليل خطاب على الجواز فيأخذ أحد في عرض أخيه همسا ; فإن ذلك يحرم باتفاق من العلماء . وفي التنزيل
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12ولا يغتب بعضكم بعضا الآية . وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831641إن [ ص: 172 ] دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام . فذكر الشحو إنما هو إشارة إلى التشدق والانبساط ، فاعلم .
الخامسة : وفي هذه الآية دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=16152شهادة العدو على عدوه لا يجوز ، وبذلك قال
أهل المدينة وأهل الحجاز ; وروي عن
أبي حنيفة جواز ذلك . وحكى
ابن بطال عن
ابن شعبان أنه قال : أجمع العلماء على أنه لا تجوز شهادة العدو على عدوه في شيء وإن كان عدلا ، والعداوة تزيل العدالة فكيف بعداوة كافر .
السادسة :
nindex.php?page=treesubj&link=28974_29435قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118وما تخفي صدورهم أكبر إخبار وإعلام بأنهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : " قد بدأ البغضاء " بتذكير الفعل ; لما كانت البغضاء بمعنى البغض .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ
فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=28802_29435الزَّجْرَ عَنِ الرُّكُونِ إِلَى الْكُفَّارِ . وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=100إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ . وَالْبِطَانَةُ مَصْدَرٌ ، يُسَمَّى بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ . وَبِطَانَةُ الرَّجُلِ خَاصَّتُهُ الَّذِينَ يَسْتَبْطِنُونَ أَمْرَهُ ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الظَّهْرِ . وَبَطَنَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ يَبْطُنُ بُطُونًا وَبِطَانَةً إِذَا كَانَ خَاصًّا بِهِ . قَالَ الشَّاعِرُ :
أُولَئِكَ خُلَصَائِي نَعَمْ وَبِطَانَتِي وَهُمْ عَيْبَتِي مِنْ دُونِ كُلِّ قَرِيبِ
الثَّانِيَةُ : نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنَ الْكُفَّارِ
وَالْيَهُودِ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ دُخَلَاءَ وَوُلَجَاءَ ، يُفَاوِضُونَهُمْ فِي الْآرَاءِ ، وَيُسْنِدُونَ إِلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ . وَيُقَالُ : كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِكَ وَدِينِكَ فَلَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُحَادِثَهُ ; قَالَ الشَّاعِرُ :
عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي
وَفِي سُنَنِ
أَبِي دَاوُدَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831931الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ . وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِإِخْوَانِهِمْ . ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ نَهَى عَنِ الْمُوَاصَلَةِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا يَقُولُ فَسَادًا . يَعْنِي لَا يَتْرُكُونَ الْجَهْدَ فِي فَسَادِكُمْ ، يَعْنِي أَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْجَهْدَ فِي الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ . وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا قَالَ : ( هُمُ
الْخَوَارِجُ ) . وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ اسْتَكْتَبَ ذِمِّيًّا فَكَتَبَ إِلَيْهِ
عُمَرُ يُعَنِّفُهُ وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ . وَقَدِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَلَى
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِحِسَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى
عُمَرَ فَأَعْجَبَهُ ،
[ ص: 170 ] وَجَاءَ
عُمَرَ كِتَابٌ فَقَالَ
لِأَبِي مُوسَى : أَيْنَ كَاتِبُكَ يَقْرَأُ هَذَا الْكِتَابَ عَلَى النَّاسِ ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ . فَقَالَ لِمَ ! أَجُنُبٌ هُوَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ ; فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ : لَا تُدْنِهِمْ وَقَدْ أَقْصَاهُمُ اللَّهُ ، وَلَا تُكْرِمْهُمْ وَقَدْ أَهَانَهُمُ اللَّهُ ، وَلَا تَأْمَنْهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ . وَعَنْ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : لَا تَسْتَعْمِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ الرِّشَا ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى أُمُورِكُمْ وَعَلَى رَعِيَّتِكُمْ بِالَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى . وَقِيلَ
لِعُمَرَ ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : إِنَّ هَاهُنَا رَجُلًا مِنْ
نَصَارَى الْحِيرَةِ لَا أَحَدَ أَكْتَبُ مِنْهُ وَلَا أَخَطُّ بِقَلَمٍ أَفَلَا يَكْتُبُ عَنْكَ ؟ فَقَالَ : لَا آخُذُ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ . فَلَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=32632_33522اسْتِكْتَابُ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالِاسْتِنَابَةِ إِلَيْهِمْ .
قُلْتُ : وَقَدِ انْقَلَبَتِ الْأَحْوَالُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ بِاتِّخَاذِ
أَهْلِ الْكِتَابِ كَتَبَةً وَأُمَنَاءَ وَتَسَوَّدُوا بِذَلِكَ عِنْدَ الْجَهَلَةِ الْأَغْبِيَاءِ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ . رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831932مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى . وَرَوَى
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831933لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ غَرِيبًا . فَسَّرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ فَقَالَ : أَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَسْتَشِيرُوا الْمُشْرِكِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِكُمْ ، وَلَا تَنْقُشُوا فِي خَوَاتِيمِكُمْ
مُحَمَّدًا . قَالَ
الْحَسَنُ : وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ الْآيَةَ .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118مِنْ دُونِكُمْ أَيْ مِنْ سِوَاكُمْ . قَالَ
الْفَرَّاءُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=82وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ أَيْ سِوَى ذَلِكَ . وَقِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118مِنْ دُونِكُمْ يَعْنِي فِي السَّيْرِ وَحُسْنِ الْمَذْهَبِ . وَمَعْنَى
[ ص: 171 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا لَا يُقَصِّرُونَ فِيمَا فِيهِ الْفَسَادُ عَلَيْكُمْ . وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ . يُقَالُ : لَا آلُو جَهْدًا أَيْ لَا أُقَصِّرُ . وَأَلَوْتُ أَلْوًا قَصَّرْتُ ; قَالَ
امْرُؤُ الْقَيْسِ :
وَمَا الْمَرْءُ مَا دَامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِهِ بِمُدْرِكِ أَطْرَافِ الْخُطُوبِ وَلَا آلِ
وَالْخَبَالُ : الْخَبْلُ . وَالْخَبْلُ : الْفَسَادُ ; وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَبْدَانِ وَالْعُقُولِ . وَفِي الْحَدِيثِ : ( مَنْ أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبْلٍ ) أَيْ جُرْحٍ يُفْسِدُ الْعُضْوَ . وَالْخَبْلُ : فَسَادُ الْأَعْضَاءِ ، وَرَجُلٌ خَبْلٌ وَمُخْتَبَلٌ ، وَخَبَلَهُ الْحُبُّ أَيْ أَفْسَدَهُ . قَالَ
أَوْسٌ :
أَبَنِي لُبَيْنَى لَسْتُمْ بِيَدٍ إِلَّا يَدًا مَخْبُولَةَ الْعَضُدِ
أَيْ فَاسِدَةَ الْعَضُدِ . وَأَنْشَدَ
الْفَرَّاءُ :
نَظَرَ ابْنُ سَعْدٍ نَظْرَةً وَبَّتْ بِهَا كَانَتْ لِصُحْبِكَ وَالْمَطِيِّ خَبَالَا
أَيْ فَسَادًا . وَانْتَصَبَ خَبَالًا بِالْمَفْعُولِ الثَّانِي ; لِأَنَّ الْأَلْوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، وَإِنْ شِئْتَ عَلَى الْمَصْدَرِ ، أَيْ يَخْبِلُونَكُمْ خَبَالًا : وَإِنْ شِئْتَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ ، أَيْ بِالْخَبَالِ ; كَمَا قَالُوا : أَوْجَعْتُهُ ضَرْبًا : " وَمَا " فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ مَصْدَرِيَّةٌ ، أَيْ وَدُّوا عَنَتَكُمْ . أَيْ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ . وَالْعَنَتُ الْمَشَقَّةُ ، وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَةِ " مَعْنَاهُ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ يَعْنِي ظَهَرَتِ الْعَدَاوَةُ وَالتَّكْذِيبُ لَكُمْ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ . وَالْبَغْضَاءُ : الْبُغْضُ ، وَهُوَ ضِدُّ الْحُبِّ . وَالْبَغْضَاءُ مَصْدَرٌ مُؤَنَّثٌ . وَخَصَّ تَعَالَى الْأَفْوَاهَ بِالذِّكْرِ دُونَ الْأَلْسِنَةِ إِشَارَةً إِلَى تَشَدُّقِهِمْ وَثَرْثَرَتِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ ، فَهُمْ فَوْقَ الْمُتَسَتِّرِ الَّذِي تَبْدُو الْبَغْضَاءُ فِي عَيْنَيْهِ . وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَشْتَحِيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي عِرْضِ أَخِيهِ . مَعْنَاهُ أَنْ يَفْتَحَ ; يُقَالُ : شَحَى الْحِمَارُ فَاهُ بِالنَّهِيقِ ، وَشَحَى الْفَمُ نَفْسَهُ . وَشَحَى اللِّجَامُ فَمَ الْفَرَسِ شَحْيًا ، وَجَاءَتِ الْخَيْلُ شَوَاحِيَ : فَاتِحَاتٍ أَفْوَاهَهَا . وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلُ خِطَابٍ عَلَى الْجَوَازِ فَيَأْخُذُ أَحَدٌ فِي عِرْضِ أَخِيهِ هَمْسًا ; فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ بِاتِّفَاقٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ . وَفِي التَّنْزِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا الْآيَةَ . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831641إِنَّ [ ص: 172 ] دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ . فَذِكْرُ الشَّحْوِ إِنَّمَا هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّشَدُّقِ وَالِانْبِسَاطِ ، فَاعْلَمْ .
الْخَامِسَةُ : وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16152شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا يَجُوزُ ، وَبِذَلِكَ قَالَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ ; وَرُوِيَ عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ ذَلِكَ . وَحَكَى
ابْنُ بَطَّالٍ عَنِ
ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ قَالَ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ فِي شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا ، وَالْعَدَاوَةُ تُزِيلُ الْعَدَالَةَ فَكَيْفَ بِعَدَاوَةِ كَافِرٍ .
السَّادِسَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28974_29435قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=118وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ إِخْبَارٌ وَإِعْلَامٌ بِأَنَّهُمْ يُبْطِنُونَ مِنَ الْبَغْضَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا يُظْهِرُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : " قَدْ بَدَأَ الْبَغْضَاءُ " بِتَذْكِيرِ الْفِعْلِ ; لَمَّا كَانَتِ الْبَغْضَاءُ بِمَعْنَى الْبُغْضِ .