(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=28984_31763_29703أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ( 17 ) )
اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه ، والباطل في اضمحلاله وفنائه ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أنزل من السماء ماء ) أي : مطرا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فسالت أودية بقدرها ) أي : أخذ كل واد بحسبه ، فهذا كبير وسع كثيرا من الماء ، وهذا صغير فوسع بقدره ، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها ، فمنها ما يسع علما كثيرا ، ومنها ما لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فاحتمل السيل زبدا رابيا ) أي : فجاء على وجه الماء الذي سال في هذه الأودية زبد عال عليه ، هذا مثل ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17ومما يوقدون عليه في النار ) هذا هو المثل الثاني ، وهو ما يسبك في النار من ذهب أو فضة (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17ابتغاء حلية ) أي : ليجعل حلية أو نحاسا أو حديدا ، فيجعل متاعا فإنه يعلوه زبد منه ، كما يعلو ذلك زبد منه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17كذلك يضرب الله الحق والباطل ) أي : إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له ، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ، ولا مع الذهب ونحوه مما يسبك في النار ، بل يذهب ويضمحل; ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فأما الزبد فيذهب جفاء ) أي : لا ينتفع به ، بل يتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي ، ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح . وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس يذهب ، لا يرجع منه شيء ، ولا يبقى إلا الماء وذلك الذهب ونحوه ينتفع به; ولهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] .
قال بعض السلف : كنت إذا قرأت مثلا من القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي; لأن الله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وما يعقلها إلا العالمون )
قال
علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها )
[ ص: 448 ] هذا مثل ضربه الله ، احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها ، فأما الشك فلا ينفع معه العمل ، وأما اليقين فينفع الله به أهله . وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فأما الزبد فيذهب جفاء ) [ وهو الشك ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) وهو اليقين ، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار; فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ) يقول : احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17ومما يوقدون عليه في النار ) فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس والحديد ، فللنحاس والحديد خبث ، فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء ، فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة ، وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت . فجعل ذاك مثل العمل الصالح يبقى لأهله ، والعمل السيئ يضمحل عن أهله ، كما يذهب هذا الزبد ، فكذلك الهدى والحق جاءا من عند الله ، فمن عمل بالحق كان له ، ويبقى كما يبقى ما ينفع الناس في الأرض . وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار فتأكل خبثه ، ويخرج جيده فينتفع به . كذلك يضمحل الباطل إذا كان يوم القيامة ، وأقيم الناس ، وعرضت الأعمال ، فيزيغ الباطل ويهلك ، وينتفع أهل الحق بالحق .
وكذلك روي في تفسيرها عن
مجاهد ،
والحسن البصري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
وقتادة ، وغير واحد من السلف والخلف .
وقد ضرب الله ، سبحانه وتعالى ، في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين ناريا ومائيا ، وهما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ) الآية [ البقرة : 17 ] ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ) الآية [ البقرة : 19 ] . وهكذا ضرب للكافرين في سورة النور مثلين ، أحدهما : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ) [ النور : 39 ] الآية ، والسراب إنما يكون في شدة الحر; ولهذا جاء في الصحيحين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825542 " فيقال لليهود يوم القيامة : فما تريدون ؟ فيقولون : أي ربنا ، عطشنا فاسقنا . فيقال : ألا تردون ؟ فيردون النار فإذا هي كالسراب يحطم بعضها بعضا " .
ثم قال في المثل الآخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ) الآية [ النور : 40 ] . وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821723قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل غيث أصاب أرضا ، فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس ، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا ، وأصابت طائفة منها [ أخرى ] إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من [ ص: 449 ] فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني ونفع به ، فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " .
فهذا مثل مائي ، وقال في الحديث الآخر الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
عبد الرزاق ، حدثنا
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17257همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=821724رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " مثلي ومثلكم ، كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها ، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها " . قال : " فذلكم مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم عن النار ، هلم عن النار [ هلم عن النار ، هلم ] فتغلبوني فتقتحمون فيها " . وأخرجاه في الصحيحين أيضا فهذا مثل ناري .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=28984_31763_29703أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ( 17 ) )
اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى مَثَلَيْنِ مَضْرُوبَيْنِ لِلْحَقِّ فِي ثَبَاتِهِ وَبَقَائِهِ ، وَالْبَاطِلِ فِي اضْمِحْلَالِهِ وَفَنَائِهِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) أَيْ : مَطَرًا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) أَيْ : أَخَذَ كُلُّ وَادٍ بِحَسْبِهِ ، فَهَذَا كَبِيرٌ وَسِعَ كَثِيرًا مِنَ الْمَاءِ ، وَهَذَا صَغِيرٌ فَوَسِعَ بِقَدْرِهِ ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْقُلُوبِ وَتَفَاوُتِهَا ، فَمِنْهَا مَا يَسَعُ عِلْمًا كَثِيرًا ، وَمِنْهَا مَا لَا يَتَّسِعُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ بَلْ يَضِيقُ عَنْهَا ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ) أَيْ : فَجَاءَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ الَّذِي سَالَ فِي هَذِهِ الْأَوْدِيَةِ زَبَدٌ عَالٍ عَلَيْهِ ، هَذَا مَثَلٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ) هَذَا هُوَ الْمَثَلُ الثَّانِي ، وَهُوَ مَا يُسْبَكُ فِي النَّارِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ ) أَيْ : لِيَجْعَلَ حِلْيَةً أَوْ نُحَاسًا أَوْ حَدِيدًا ، فَيُجْعَلُ مَتَاعًا فَإِنَّهُ يَعْلُوهُ زَبَدٌ مِنْهُ ، كَمَا يَعْلُو ذَلِكَ زَبَدٌ مِنْهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ) أَيْ : إِذَا اجْتَمَعَا لَا ثَبَاتَ لِلْبَاطِلِ وَلَا دَوَامَ لَهُ ، كَمَا أَنَّ الزَّبَدَ لَا يَثْبُتُ مَعَ الْمَاءِ ، وَلَا مَعَ الذَّهَبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْبَكَ فِي النَّارِ ، بَلْ يَذْهَبُ وَيَضْمَحِلُّ; وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ) أَيْ : لَا يُنْتَفَعُ بِهِ ، بَلْ يَتَفَرَّقُ وَيَتَمَزَّقُ وَيَذْهَبُ فِي جَانِبَيِ الْوَادِي ، وَيَعْلَقُ بِالشَّجَرِ وَتَنْسِفُهُ الرِّيَاحُ . وَكَذَلِكَ خَبَثُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ يَذْهَبُ ، لَا يَرْجِعُ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَلَا يَبْقَى إِلَّا الْمَاءُ وَذَلِكَ الذَّهَبُ وَنَحْوُهُ يُنْتَفَعُ بِهِ; وَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ) كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 43 ] .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : كُنْتُ إِذَا قَرَأْتُ مَثَلًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلَمْ أَفْهَمْهُ بَكَيْتُ عَلَى نَفْسِي; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )
قَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا )
[ ص: 448 ] هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ ، احْتَمَلَتْ مِنْهُ الْقُلُوبُ عَلَى قَدْرِ يَقِينِهَا وَشَكِّهَا ، فَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا يَنْفَعُ مَعَهُ الْعَمَلُ ، وَأَمَّا الْيَقِينُ فَيَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَهْلَهُ . وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ) [ وَهُوَ الشَّكُّ ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) وَهُوَ الْيَقِينُ ، وَكَمَا يُجْعَلُ الْحُلِيُّ فِي النَّارِ فَيُؤْخَذُ خَالَصُهُ وَيُتْرَكُ خَبَثُهُ فِي النَّارِ; فَكَذَلِكَ يَقْبَلُ اللَّهُ الْيَقِينَ وَيَتْرُكُ الشَّكَّ .
وَقَالَ
الْعَوْفِيُّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ) يَقُولُ : احْتَمَلَ السَّيْلُ مَا فِي الْوَادِي مِنْ عُودٍ وَدِمْنَةٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ) فَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحِلْيَةُ وَالْمَتَاعُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ ، فَلِلنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ خَبَثٌ ، فَجَعَلَ اللَّهُ مَثَلَ خَبَثِهِ كَزَبَدِ الْمَاءِ ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ ، وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ الْأَرْضَ فَمَا شَرِبَتْ مِنَ الْمَاءِ فَأَنْبَتَتْ . فَجَعَلَ ذَاكَ مِثْلَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَبْقَى لِأَهْلِهِ ، وَالْعَمَلِ السَّيِّئِ يَضْمَحِلُّ عَنْ أَهْلِهِ ، كَمَا يَذْهَبُ هَذَا الزَّبَدُ ، فَكَذَلِكَ الْهُدَى وَالْحَقُّ جَاءَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَمَنْ عَمِلَ بِالْحَقِّ كَانَ لَهُ ، وَيَبْقَى كَمَا يَبْقَى مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فِي الْأَرْضِ . وَكَذَلِكَ الْحَدِيدُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُعْمَلَ مِنْهُ سِكِّينٌ وَلَا سَيْفٌ حَتَّى يُدْخَلَ فِي النَّارِ فَتَأْكُلُ خَبَثَهُ ، وَيُخْرَجُ جَيِّدُهُ فَيُنْتَفَعُ بِهِ . كَذَلِكَ يَضْمَحِلُّ الْبَاطِلُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَأُقِيمَ النَّاسُ ، وَعُرِضَتِ الْأَعْمَالُ ، فَيَزِيغُ الْبَاطِلُ وَيَهْلَكُ ، وَيَنْتَفِعُ أَهْلُ الْحَقِّ بِالْحَقِّ .
وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي تَفْسِيرِهَا عَنْ
مُجَاهِدٍ ،
وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٍ ،
وَقَتَادَةَ ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .
وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِلْمُنَافِقِينَ مَثَلَيْنِ نَارِيًّا وَمَائِيًّا ، وَهُمَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ) الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 17 ] ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ ) الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 19 ] . وَهَكَذَا ضَرَبَ لِلْكَافِرِينَ فِي سُورَةِ النُّورِ مَثَلَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=39وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ) [ النُّورِ : 39 ] الْآيَةَ ، وَالسَّرَابُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ; وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825542 " فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : فَمَا تُرِيدُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : أَيْ رَبَّنَا ، عَطِشْنَا فَاسْقِنَا . فَيُقَالُ : أَلَا تَرِدُونَ ؟ فَيَرِدُونَ النَّارَ فَإِذَا هِيَ كَالسَّرَابِ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا " .
ثُمَّ قَالَ فِي الْمَثَلِ الْآخَرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ) الْآيَةَ [ النُّورِ : 40 ] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821723قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا ، فَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا وَرَعَوْا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَتْ طَائِفَةً مِنْهَا [ أُخْرَى ] إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مِنْ [ ص: 449 ] فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ اللَّهُ بِمَا بَعَثَنِي وَنَفَعَ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ " .
فَهَذَا مَثَلُ مَائِيٌّ ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ :
حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17257هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : هَذَا مَا حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=821724رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : " مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي يَقَعْنَ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا ، وَجَعَلَ يَحْجِزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا " . قَالَ : " فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ ، أَنَا آخِذُ بِحَجْزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ [ هَلُمَّ عَنِ النَّارِ ، هَلُمَّ ] فَتَغْلِبُونِي فَتَقْتَحِمُونَ فِيهَا " . وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا فَهَذَا مَثَلٌ نَارِيٌّ .