[ ص: 251 ]
القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=treesubj&link=28974_19614_29397_30798nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ( 144 ) )
قال
أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وما
محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه ، داعيا إلى الله وإلى طاعته ، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه . يقول جل ثناؤه :
فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو فيما الله به صانع من قبضه إليه عند انقضاء مدة أجله ، كسائر رسله إلى خلقه الذين مضوا قبله ، وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم .
ثم قال لأصحاب
محمد ، معاتبهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحد : "إن
محمدا قتل " ، ومقبحا إليهم انصراف من انصرف منهم عن عدوهم وانهزامه عنهم : أفإن مات
محمد ، أيها القوم ، لانقضاء مدة أجله ، أو قتله عدو "انقلبتم على أعقابكم " ، يعني : ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله
محمدا بالدعاء إليه ورجعتم عنه كفارا بالله بعد الإيمان به ، وبعد ما قد وضحت لكم صحة ما دعاكم
محمد إليه ، وحقيقة ما جاءكم به من عند ربه "ومن ينقلب على عقبيه " ، يعني بذلك : ومن يرتدد منكم عن دينه ويرجع كافرا بعد إيمانه ،
[ ص: 252 ] "فلن يضر الله شيئا " يقول : فلن يوهن ذلك عزة الله ولا سلطانه ، ولا يدخل بذلك نقص في ملكه ، بل نفسه يضر بردته ، وحظ نفسه ينقص بكفره "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وسيجزي الله الشاكرين " ، يقول : وسيثيب الله من شكره على توفيقه وهدايته إياه لدينه ، بثبوته على ما جاء به
محمد صلى الله عليه وسلم إن هو مات أو قتل ، واستقامته على منهاجه ، وتمسكه بدينه وملته بعده . كما : -
7938 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن هاشم قال : أخبرنا
سيف بن عمر ، عن
أبي روق ، عن أبي
أيوب ، عن
علي في قوله : "وسيجزي الله الشاكرين " ، الثابتين على دينهم
أبا بكر وأصحابه . فكان
علي رضي الله عنه يقول : كان
أبو بكر أمين الشاكرين ، وأمين أحباء الله ، وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله .
7939 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
العلاء بن بدر قال :
nindex.php?page=treesubj&link=31139_32338إن أبا بكر أمين الشاكرين . وتلا هذه الآية : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وسيجزي الله الشاكرين " .
7940 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وسيجزي الله الشاكرين " ، أي : من أطاعه وعمل بأمره .
وذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن انهزم عنه بأحد من أصحابه .
[ ص: 253 ]
ذكر الأخبار الواردة بذلك :
7941 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " إلى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وسيجزي الله الشاكرين " ، ذاكم يوم أحد ، حين أصابهم القرح والقتل ، ثم تناعوا نبي الله صلى الله عليه وسلم تفئة ذلك ، فقال أناس : "لو كان نبيا ما قتل "! وقال أناس من علية أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم : "قاتلوا على ما قاتل عليه
محمد نبيكم حتى يفتح الله لكم أو تلحقوا به "! فقال الله عز وجل : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، يقول : إن مات نبيكم أو قتل ، ارتددتم كفارا بعد إيمانكم .
7942 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع بنحوه وزاد فيه ، قال
الربيع : وذكر لنا والله أعلم ، أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان ، أشعرت أن
محمدا قد قتل ؟ فقال الأنصاري : إن كان
محمد قد قتل ، فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم . فأنزل الله عز وجل : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، يقول : ارتددتم كفارا بعد إيمانكم .
[ ص: 254 ]
7943 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : لما برز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد إليهم - يعني : إلى المشركين - أمر الرماة فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811383 "لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا قد هزمناهم ، فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم " . وأمر عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير ، أخا
خوات بن جبير .
ثم شد
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=53والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم ، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا
أبا سفيان . فلما رأى ذلك
خالد بن الوليد ، وهو على خيل المشركين ، كر . فرمته الرماة فانقمع . فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه ، بادروا الغنيمة ، فقال بعضهم : "لا نترك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم "! فانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر . فلما رأى
خالد قلة الرماة ، صاح في خيله ثم حمل ، فقتل الرماة وحمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . فلما رأى المشركون أن خيلهم تقاتل ، تنادوا ، فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم . .
فأتى
ابن قميئة الحارثي - أحد
بني الحارث بن عبد مناف بن كنانة - فرمى
[ ص: 255 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته ، وشجه في وجهه فأثقله ، وتفرق عنه أصحابه ، ودخل بعضهم المدينة ، وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها . وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس :
"إلي عباد الله! إلي عباد الله! " ، فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه ، فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنيف . فحماه طلحة ، فرمي بسهم في يده فيبست يده .
وأقبل
أبي بن خلف الجمحي - وقد حلف ليقتلن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتله - فقال : يا كذاب ، أين تفر ؟ فحمل عليه ، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في جيب الدرع ، فجرح جرحا خفيفا ، فوقع يخور خوار الثور . فاحتملوه وقالوا : ليس بك جراحة! ، [ فما يجزعك ] ؟ قال : أليس قال : "لأقتلنك " ؟ لو كانت لجميع
ربيعة ومضر لقتلتهم! ولم يلبث إلا يوما وبعض يوم حتى مات من ذلك الجرح .
وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فقال بعض أصحاب الصخرة : "ليت لنا رسولا إلى
عبد الله بن أبي ، فيأخذ لنا أمنة من
أبي سفيان !! يا قوم ، إن
محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم " . قال
أنس بن النضر : "يا قوم ، إن كان
محمد قد قتل ، فإن رب
محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه
محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم إنى أعتذر إليك مما
[ ص: 256 ] يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء "! ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل .
وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس ، حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة . فلما رأوه ، وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه ، فقال : "أنا رسول الله "! ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به . فلما اجتمعوا وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذهب عنهم الحزن ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا .
فقال الله عز وجل للذين قالوا : إن
محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى قومكم "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " .
7944 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144ومن ينقلب على عقبيه " ، قال : يرتد .
7945 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم ، عن
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن أبيه وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن أبيه : أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان أشعرت أن
محمدا قد قتل! فقال الأنصاري : إن كان
محمد قد قتل ، فقد بلغ! فقاتلوا عن دينكم .
7946 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة قال : حدثني
ابن إسحاق قال : حدثني
القاسم بن عبد الرحمن بن رافع ، أخو بني عدي بن النجار قال : انتهى
[ ص: 257 ] أنس بن النضر عم
أنس بن مالك إلى
عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=16255وطلحة بن عبد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل
محمد رسول الله! قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله! واستقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سمي
أنس بن مالك .
7947 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
أبو زهير ، عن
جويبر ، عن
الضحاك قال : نادى مناد يوم
أحد حين هزم أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم : "ألا إن محمدا قد قتل ، فارجعوا إلى دينكم الأول "! فأنزل الله عز وجل : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، الآية .
7948 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قال : ألقي في أفواه المسلمين يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فنزلت هذه الآية : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية .
7949 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتزل هو وعصابة معه يومئذ على أكمة ، والناس يفرون ، ورجل قائم على الطريق يسألهم : "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " ؟ وجعل كلما مروا عليه يسألهم ، فيقولون : "والله ما ندري ما فعل "! فقال : "والذي نفسي بيده ، لإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قتل ، لنعطينهم بأيدينا ، إنهم لعشائرنا وإخواننا "! وقالوا : "إن
محمدا إن كان حيا لم يهزم ، ولكنه قتل "! فترخصوا في الفرار حينئذ . فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، الآية كلها .
[ ص: 258 ]
7950 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ قال : حدثنا
عبيد بن سليمان قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية ، ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق ، قالوا يوم فر الناس عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وشج فوق حاجبه وكسرت رباعيته : "قتل
محمد ، فالحقوا بدينكم الأول "! فذلك قوله : "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " .
7951 - حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " ، قال : ما بينكم وبين أن تدعوا الإسلام وتنقلبوا على أعقابكم إلا أن يموت
محمد أو يقتل! فسوف يكون أحد هذين : فسوف يموت ، أو يقتل .
7952 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق : "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " ، إلى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وسيجزي الله الشاكرين " ، أي : لقول الناس : "قتل
محمد " ، وانهزامهم عند ذلك وانصرافهم عن عدوهم أي : أفإن مات نبيكم أو قتل ، رجعتم عن دينكم كفارا كما كنتم ، وتركتم جهاد عدوكم وكتاب الله ، وما قد خلف نبيه من دينه معكم وعندكم ، وقد بين لكم فيما جاءكم عني أنه ميت ومفارقكم ؟ "ومن ينقلب على عقبيه " ، أي : يرجع عن دينه "فلن يضر الله شيئا " ، أي : لن ينقص ذلك من عز الله ولا ملكه ولا سلطانه .
7953 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قال : أهل المرض والارتياب والنفاق ، حين فر الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم : "قد قتل محمد ، فالحقوا بدينكم الأول "! فنزلت هذه الآية .
[ ص: 259 ]
قال
أبو جعفر : ومعنى الكلام : وما
محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفتنقلبون على أعقابكم ، إن مات
محمد أو قتل ؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا فجعل الاستفهام في حرف الجزاء ، ومعناه أن يكون في جوابه . وكذلك كل استفهام دخل على جزاء ، فمعناه أن يكون في جوابه . لأن الجواب خبر يقوم بنفسه ، والجزاء شرط لذلك الخبر ، ثم يجزم جوابه وهو كذلك ومعناه الرفع ، لمجيئه بعد الجزاء ، كما قال الشاعر :
حلفت له إن تدلج الليل لا يزل أمامك بيت من بيوتي سائر
فمعنى "لا يزل " رفع ، ولكنه جزم لمجيئه بعد الجزاء ، فصار كالجواب . ومثله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=34أفإن مت فهم الخالدون ) [ سورة الأنبياء : 34 ] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17فكيف تتقون إن كفرتم ) [ سورة المزمل : 17 ] ، ولو كان مكان "فهم الخالدون " ، "يخلدون " ، وقيل : "أفإن مت يخلدوا " ، جاز الرفع فيه والجزم . وكذلك لو كان مكان "انقلبتم " ، "تنقلبوا " ، جاز الرفع والجزم ، لما وصفت قبل . وتركت إعادة الاستفهام ثانية مع قوله : "انقلبتم " ، اكتفاء بالاستفهام في أول الكلام ، وأن الاستفهام في أوله دال على موضعه ومكانه .
وقد كان بعض القرأة يختار في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=82أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون [ ص: 260 ] ) [ سورة الإسراء : 82 - سورة الصافات : 16 - سورة الواقعة : 47 ] ، ترك إعادة الاستفهام مع "أإنا " ، اكتفاء بالاستفهام في قوله : "أإذا كنا ترابا " ، ويستشهد على صحة وجه ذلك بإجماع القرأة على تركهم إعادة الاستفهام مع قوله : "انقلبتم " ، اكتفاء بالاستفهام في قوله : "أفإن مات " ، إذ كان دالا على معنى الكلام وموضع الاستفهام منه . وكان يفعل مثل ذلك في جميع القرآن .
وسنأتي على الصواب من القول في ذلك إن شاء الله إذا انتهينا إليه .
[ ص: 251 ]
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=treesubj&link=28974_19614_29397_30798nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ( 144 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ : وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ كَبَعْضِ رُسُلِ اللَّهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَى خَلْقِهِ ، دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ ، الَّذِينَ حِينَ انْقَضَتْ آجَالُهُمْ مَاتُوا وَقَبَضَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ . يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :
فَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا اللَّهُ بِهِ صَانِعٌ مِنْ قَبْضِهِ إِلَيْهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَجْلِهِ ، كَسَائِرِ رُسُلِهِ إِلَى خَلْقِهِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ ، وَمَاتُوا عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ آجَالِهِمْ .
ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ ، مُعَاتِبَهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مَنِ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ حِينَ قِيلَ لَهُمْ بِأُحُدٍ : "إِنَّ
مُحَمَّدًا قُتِلَ " ، وَمُقَبِّحًا إِلَيْهِمُ انْصِرَافَ مَنِ انْصَرَفَ مِنْهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ وَانْهِزَامِهِ عَنْهُمْ : أَفَإِنْ مَاتَ
مُحَمَّدٌ ، أَيُّهَا الْقَوْمُ ، لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ أَجْلِهِ ، أَوْ قَتَلَهُ عَدُوٌّ "انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " ، يَعْنِي : ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ وَرَجَعْتُمْ عَنْهُ كَفَّارًا بِاللَّهِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِهِ ، وَبَعْدَ مَا قَدْ وَضَحَتْ لَكُمْ صِحَّةُ مَا دَعَاكُمْ
مُحَمَّدٌ إِلَيْهِ ، وَحَقِيقَةُ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ "وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ " ، يَعْنِي بِذَلِكَ : وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ وَيَرْجِعْ كَافِرًا بَعْدَ إِيمَانِهِ ،
[ ص: 252 ] "فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا " يَقُولُ : فَلَنْ يُوهِنَ ذَلِكَ عِزَّةَ اللَّهِ وَلَا سُلْطَانَهُ ، وَلَا يَدْخُلُ بِذَلِكَ نَقْصٌ فِي مُلْكِهِ ، بَلْ نَفْسَهُ يَضُرُّ بِرِدَّتِهِ ، وَحَظَّ نَفْسِهِ يَنْقُصُ بِكُفْرِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " ، يَقُولُ : وَسَيُثِيبُ اللَّهُ مَنْ شَكَرَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُ لِدِينِهِ ، بِثُبُوتِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ هُوَ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ، وَاسْتِقَامَتِهِ عَلَى مِنْهَاجِهِ ، وَتَمَسُّكِهِ بِدِينِهِ وَمِلَّتِهِ بَعْدَهُ . كَمَا : -
7938 - حَدَّثَنَا
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا
سَيْفُ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ
أَبِي رَوْقٍ ، عَنْ أَبِي
أَيُّوبَ ، عَنْ
عَلَيٍّ فِي قَوْلِهِ : "وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " ، الثَّابِتِينَ عَلَى دِينِهِمْ
أَبَا بَكْرٍ وَأَصْحَابَهُ . فَكَانَ
عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : كَانَ
أَبُو بَكْرٍ أَمِينَ الشَّاكِرِينَ ، وَأَمِينَ أَحِبَّاءِ اللَّهِ ، وَكَانَ أَشْكَرَهُمْ وَأَحَبَّهُمْ إِلَى اللَّهِ .
7939 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مُغَيَّرَةَ ، عَنِ
الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=31139_32338إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمِينُ الشَّاكِرِينَ . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " .
7940 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " ، أَيْ : مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ .
وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنِ انْهَزَمَ عَنْهُ بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ .
[ ص: 253 ]
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ :
7941 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " إِلَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " ، ذَاكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ ، حِينَ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ وَالْقَتْلُ ، ثُمَّ تَنَاعَوْا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفِئَةَ ذَلِكَ ، فَقَالَ أُنَاسٌ : "لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا قُتِلَ "! وَقَالَ أُنَاسٌ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "قَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ نَبِيُّكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَكُمْ أَوْ تَلْحَقُوا بِهِ "! فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " ، يَقُولُ : إِنْ مَاتَ نَبِيُّكُمْ أَوْ قُتِلَ ، ارْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .
7942 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بِنَحْوِهِ وَزَادَ فِيهِ ، قَالَ
الرَّبِيعُ : وَذُكِرَ لَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ ، فَقَالَ : يَا فُلَانُ ، أَشَعَرْتَ أَنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : إِنْ كَانَ
مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ ، فَقَدْ بَلَّغَ ، فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " ، يَقُولُ : ارْتَدَدْتُمْ كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .
[ ص: 254 ]
7943 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ قَالَ : لَمَّا بَرَزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ إِلَيْهِمْ - يَعْنِي : إِلَى الْمُشْرِكِينَ - أَمْرَ الرُّمَاةَ فَقَامُوا بِأَصْلِ الْجَبَلِ فِي وُجُوهِ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811383 "لَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ هَزَمْنَاهُمْ ، فَإِنَّا لَنْ نَزَالَ غَالِبِينَ مَا ثَبَتُّمْ مَكَانَكُمْ " . وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=4700عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، أَخَا
خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ .
ثُمَّ شَدَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ nindex.php?page=showalam&ids=53وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْودِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَهَزَمَاهُمْ ، وَحَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَهَزَمُوا
أَبَا سُفْيَانَ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَهُوَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ ، كَرَّ . فَرَمَتْهُ الرُّمَاةُ فَانْقَمَعَ . فَلَمَّا نَظَرَ الرُّمَاةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي جَوْفِ عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَهُ ، بَادَرُوا الْغَنِيمَةَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : "لَا نَتْرُكُ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "! فَانْطَلَقَ عَامَّتُهُمْ فَلَحِقُوا بِالْعَسْكَرِ . فَلَمَّا رَأَى
خَالِدٌ قِلَّةَ الرُّمَاةِ ، صَاحَ فِي خَيْلِهِ ثُمَّ حَمَلَ ، فَقَتَلَ الرُّمَاةَ وَحَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَنَّ خَيْلَهُمْ تُقَاتِلُ ، تَنَادَوْا ، فَشَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ . .
فَأَتَى
ابْنُ قَمِيئَةَ الْحَارِثِيُّ - أَحَدُ
بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ - فَرَمَى
[ ص: 255 ] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فَكَسَرَ أَنْفَهُ وَرَبَاعِيَتَهُ ، وَشَجَّهُ فِي وَجْهِهِ فَأَثْقَلَهُ ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ ، وَدَخْلَ بَعْضُهُمُ الْمَدِينَةَ ، وَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْجَبَلِ إِلَى الصَّخْرَةِ فَقَامُوا عَلَيْهَا . وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ :
"إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ! إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ! " ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَجَعَلُوا يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ إِلَّا طَلْحَةَ وَسَهْلَ بْنَ حَنِيفٍ . فَحَمَاهُ طَلْحَةُ ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فِي يَدِهِ فَيَبِسَتْ يَدُهُ .
وَأَقْبَلَ
أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ - وَقَدْ حَلَفَ لَيَقْتُلْنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ - فَقَالَ : يَا كَذَّابُ ، أَيْنَ تَفِرُّ ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِ ، فَطَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْبِ الدِّرْعِ ، فَجُرِحَ جُرْحًا خَفِيفًا ، فَوَقَعَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ . فَاحْتَمَلُوهُ وَقَالُوا : لَيْسَ بِكَ جِرَاحَةٌ! ، [ فَمَا يُجْزِعُكَ ] ؟ قَالَ : أَلَيْسَ قَالَ : "لَأَقْتُلَنَّكَ " ؟ لَوْ كَانَتْ لِجَمِيعِ
رَبِيعَةَ وَمُضَرَ لَقَتَلَتْهُمْ! وَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَوْمًا وَبَعْضَ يَوْمٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ .
وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ : "لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، فَيَأْخُذُ لَنَا أَمَنَةً مِنْ
أَبِي سُفْيَانَ !! يَا قَوْمِ ، إِنْ
مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ، فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ " . قَالَ
أَنَسُ بْنُ النَّضِرِ : "يَا قَوْمِ ، إِنْ كَانَ
مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ ، فَإِنَّ رَبَّ
مُحَمَّدٍ لَمْ يُقْتَلْ ، فَقَاتِلُوا عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اللَّهُمَّ إِنَّى أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا
[ ص: 256 ] يَقُولُ هَؤُلَاءِ ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ "! ثُمَّ شَدَّ بِسَيْفِهِ فَقَاتِلَ حَتَّى قُتِلَ .
وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو النَّاسَ ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْحَابِ الصَّخْرَةِ . فَلَمَّا رَأَوْهُ ، وَضْعَ رَجُلٌ سَهْمًا فِي قَوْسِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَهُ ، فَقَالَ : "أَنَا رَسُولُ اللَّهِ "! فَفَرِحُوا حِينَ وَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا ، وَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى أَنَّ فِي أَصْحَابِهِ مَنْ يَمْتَنِعُ بِهِ . فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ذَهَبَ عَنْهُمُ الْحُزْنُ ، فَأَقْبَلُوا يَذْكُرُونَ الْفَتْحَ وَمَا فَاتَهُمْ مِنْهُ ، وَيَذْكُرُونَ أَصْحَابَهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا .
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِينِ قَالُوا : إِنْ
مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ، فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مَنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " .
7944 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ " ، قَالَ : يَرْتَدُّ .
7945 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، عَنْ
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ أَبِيهِ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ ، فَقَالَ : يَا فُلَانُ أَشْعَرَتْ أَنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ! فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : إِنْ كَانَ
مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ ، فَقَدْ بَلَّغَ! فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ .
7946 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ قَالَ : حَدَّثَنِي
ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي
الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ ، أَخُو بَنِي عُدَيِّ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ : انْتَهَى
[ ص: 257 ] أَنَسُ بْنُ النَّضِرِ عَمُّ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَى
عُمَرَ ، nindex.php?page=showalam&ids=16255وَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، فِي رِجَالٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ ، فَقَالَ : مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا : قُتِلَ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ! قَالَ : فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ! وَاسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَبِهِ سُمِّي
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ .
7947 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو زُهَيْرٍ ، عَنْ
جُوَيْبِرٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ قَالَ : نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ
أُحُدٍ حِينَ هُزِمَ أَصْحَابُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "أَلَا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ، فَارْجِعُوا إِلَى دِينِكُمُ الْأَوَّلِ "! فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " ، الْآيَةَ .
7948 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : أُلْقِيَ فِي أَفْوَاهِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " الْآيَةَ .
7949 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَزَلَ هُوَ وَعِصَابَةٌ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَكَمَةٍ ، وَالنَّاسُ يَفِرُّونَ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى الطَّرِيقِ يَسْأَلُهُمْ : "مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ؟ وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرُّوا عَلَيْهِ يَسْأَلُهُمْ ، فَيَقُولُونَ : "وَاللَّهِ مَا نَدْرِي مَا فَعَلَ "! فَقَالَ : "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ ، لَنُعْطِيَنَّهُمْ بِأَيْدِينَا ، إِنَّهُمْ لَعَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا "! وَقَالُوا : "إِنَّ
مُحَمَّدًا إِنْ كَانَ حَيًّا لَمْ يُهْزَمْ ، وَلَكِنَّهُ قُتِلَ "! فَتَرَخَّصُوا فِي الْفِرَارِ حِينَئِذٍ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " ، الْآيَةَ كُلَّهَا .
[ ص: 258 ]
7950 - حُدِّثْتُ عَنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : سَمِعْتُ
الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " الْآيَةَ ، نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الِارْتِيَابِ وَالْمَرَضِ وَالنِّفَاقِ ، قَالُوا يَوْمَ فَرَّ النَّاسُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشُجَّ فَوْقَ حَاجِبِهِ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ : "قُتِلَ
مُحَمَّدٌ ، فَالْحَقُوا بِدِينِكُمُ الْأَوَّلِ "! فَذَلِكَ قَوْلُهُ : "أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " .
7951 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ " ، قَالَ : مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَنْ تَدَعُوا الْإِسْلَامَ وَتَنْقَلِبُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ
مُحَمَّدٌ أَوْ يَقْتُلَ! فَسَوْفَ يَكُونُ أَحَدُ هَذَيْنِ : فَسَوْفَ يَمُوتُ ، أَوْ يُقْتَلُ .
7952 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ : "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " ، إِلَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " ، أَيْ : لِقَوْلِ النَّاسِ : "قُتِلَ
مُحَمَّدٌ " ، وَانْهِزَامِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصِرَافِهِمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ أَيْ : أَفَإِنْ مَاتَ نَبِيُّكُمْ أَوْ قُتِلَ ، رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفَّارًا كَمَا كُنْتُمْ ، وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوِّكُمْ وَكِتَابَ اللَّهِ ، وَمَا قَدْ خَلَّفَ نَبِيُّهُ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ ، وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ عَنِّي أَنَّهُ مَيِّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ ؟ "وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ " ، أَيْ : يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ "فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا " ، أَيْ : لَنْ يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ عِزِّ اللَّهِ وَلَا مُلْكِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ .
7953 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : قَالَ : أَهْلُ الْمَرَضِ وَالِارْتِيَابِ وَالنِّفَاقِ ، حِينَ فَرَّ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "قَدْ قُتِلَ مُحَمَّدٌ ، فَالْحَقُوا بِدِينِكُمُ الْأَوَّلِ "! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ .
[ ص: 259 ]
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَمَعْنَى الْكَلَامِ : وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، أَفَتَنْقَلِبُونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ، إِنْ مَاتَ
مُحَمَّدٌ أَوْ قُتِلَ ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا فَجَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ فِي حَرْفِ الْجَزَاءِ ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي جَوَابِهِ . وَكَذَلِكَ كَلُّ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَ عَلَى جَزَاءٍ ، فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي جَوَابِهِ . لِأَنَّ الْجَوَابَ خَبَرٌ يَقُومُ بِنَفْسِهِ ، وَالْجَزَاءَ شَرْطٌ لِذَلِكَ الْخَبَرِ ، ثُمَّ يَجْزِمُ جَوَابَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَعْنَاهُ الرَّفْعُ ، لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْجَزَاءِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
حَلَفْتُ لَهُ إِنْ تُدْلِجِ اللَّيْلَ لَا يَزَلْ أَمَامَكَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِي سَائِرُ
فَمَعْنَى "لَا يَزَلْ " رَفَعَ ، وَلَكِنَّهُ جَزَمَ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْجَزَاءِ ، فَصَارَ كَالْجَوَابِ . وَمِثْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=34أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) [ سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ : 34 ] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=17فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ ) [ سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ : 17 ] ، وَلَوْ كَانَ مَكَانُ "فَهُمُ الْخَالِدُونَ " ، "يَخْلُدُونَ " ، وَقِيلَ : "أَفَإِنْ مُتُّ يَخْلُدُوا " ، جَازَ الرَّفْعُ فِيهِ وَالْجَزْمُ . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانُ "انْقَلَبْتُمْ " ، "تَنْقَلِبُوا " ، جَازَ الرَّفْعُ وَالْجَزْمُ ، لِمَا وَصَفْتُ قَبْلُ . وَتَرَكْتُ إِعَادَةَ الِاسْتِفْهَامِ ثَانِيَةً مَعَ قَوْلِهِ : "انْقَلَبْتُمْ " ، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ ، وَأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي أَوَّلِهِ دَالٌّ عَلَى مَوْضِعِهِ وَمَكَانِهِ .
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْقَرَأَةِ يَخْتَارُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=82أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [ ص: 260 ] ) [ سُورَةُ الْإِسْرَاءِ : 82 - سُورَةُ الصَّافَّاتِ : 16 - سُورَةُ الْوَاقِعَةِ : 47 ] ، تَرَكَ إِعَادَةَ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ "أَإِنَّا " ، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ : "أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا " ، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى صِحَّةِ وَجْهِ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْقَرَأَةِ عَلَى تَرْكِهِمْ إِعَادَةَ الِاسْتِفْهَامِ مَعَ قَوْلِهِ : "انْقَلَبْتُمْ " ، اكْتِفَاءً بِالِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ : "أَفَإِنْ مَاتَ " ، إِذْ كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ وَمَوْضِعِ الِاسْتِفْهَامِ مِنْهُ . وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ .
وَسَنَأْتِي عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ .