[ ص: 483 ] القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ( 194 ) )
قال
أبو جعفر : إن قال لنا قائل : وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربهم أن يؤتيهم ما وعدهم ، وقد علموا
nindex.php?page=treesubj&link=33678أن الله منجز وعده ، وغير جائز أن يكون منه إخلاف موعد؟ قيل : اختلف في ذلك أهل البحث .
فقال بعضهم : ذلك قول خرج مخرج المسألة ، ومعناه الخبر . قالوا : وإنما تأويل الكلام : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار " لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة . قالوا : وليس ذلك على أنهم قالوا : "إن توفيتنا مع الأبرار ، فأنجز لنا ما وعدتنا" ، لأنهم قد علموا أن الله لا يخلف الميعاد ، وأن ما وعد على ألسنة رسله ليس يعطيه بالدعاء ، ولكنه تفضل بابتدائه ، ثم ينجزه .
وقال آخرون : بل ذلك قول من قائليه على معنى المسألة والدعاء لله بأن يجعلهم ممن آتاهم ما وعدهم من الكرامة على ألسن رسله ، لا أنهم كانوا قد
[ ص: 484 ] استحقوا منزلة الكرامة عند الله في أنفسهم ، ثم سألوه أن يؤتيهم ما وعدهم بعد علمهم باستحقاقهم عند أنفسهم ، فيكون ذلك منهم مسألة لربهم أن لا يخلف وعده . قالوا : ولو كان القوم إنما سألوا ربهم أن يؤتيهم ما وعد الأبرار ، لكانوا قد زكوا أنفسهم ، وشهدوا لها أنها ممن قد استوجب كرامة الله وثوابه . قالوا . وليس ذلك صفة أهل الفضل من المؤمنين .
وقال آخرون : بل قالوا هذا القول على وجه المسألة ، والرغبة منهم إلى الله أن يؤتيهم ما وعدهم من النصر على أعدائهم من أهل الكفر ، والظفر بهم ، وإعلاء كلمة الحق على الباطل ، فيعجل ذلك لهم . قالوا : ومحال أن يكون القوم مع وصف الله إياهم بما وصفهم به ، كانوا على غير يقين من أن الله لا يخلف الميعاد ، فيرغبوا إلى الله جل ثناؤه في ذلك ، ولكنهم كانوا وعدوا النصر ، ولم يوقت لهم في تعجيل ذلك لهم ، لما في تعجله من سرور الظفر وراحة الجسد .
قال
أبو جعفر : والذي هو أولى الأقوال بالصواب في ذلك عندي ، أن هذه الصفة ، صفة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وداره ، مفارقا لأهل الشرك بالله إلى الله ورسوله ، وغيرهم من تباع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رغبوا إلى الله في تعجيل نصرتهم على أعداء الله وأعدائهم ، فقالوا : ربنا آتنا ما وعدتنا من نصرتك عليهم عاجلا فإنك لا تخلف الميعاد ، ولكن لا صبر لنا على أناتك وحلمك عنهم ، فعجل [ لهم ] خزيهم ، ولنا الظفر عليهم .
يدل على صحة ذلك آخر الآية الأخرى ، وهو قوله :
[ ص: 485 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا ) الآيات بعدها . وليس ذلك مما ذهب إليه الذين حكيت قولهم في شيء . وذلك أنه غير موجود في كلام العرب أن يقال : "افعل بنا يا رب كذا وكذا" ، بمعنى : "لتفعل بنا كذا وكذا" . ولو جاز ذلك ، لجاز أن يقول القائل لآخر : "أقبل إلي وكلمني" ، بمعنى : "أقبل إلي لتكلمني" ، وذلك غير موجود في الكلام ولا معروف جوازه .
وكذلك أيضا غير معروف في الكلام : "آتنا ما وعدتنا" ، بمعنى : "اجعلنا ممن آتيته ذلك" . وإن كان كل من أعطي شيئا سنيا ، فقد صير نظيرا لمن كان مثله في المعنى الذي أعطيه . ولكن ليس الظاهر من معنى الكلام ذلك ، وإن كان قد يئول معناه إليه .
قال
أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا : ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسن رسلك : إنك تعلي كلمتك كلمة الحق ، بتأييدنا على من كفر بك وحادك وعبد غيرك وعجل لنا ذلك ، فإنا قد علمنا أنك لا تخلف ميعادك - ولا تخزنا يوم القيامة فتفضحنا بذنوبنا التي سلفت منا ، ولكن كفرها عنا واغفرها لنا . وقد : -
8366 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قوله : "ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك" ، قال : يستنجز موعود الله على رسله .
[ ص: 483 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ( 194 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَمَا وَجْهُ مَسْأَلَةِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ رَبَّهُمْ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ ، وَقَدْ عَلِمُوا
nindex.php?page=treesubj&link=33678أَنَّ اللَّهَ مُنْجِزُ وَعَدِهِ ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ إِخْلَافُ مَوْعِدٍ؟ قِيلَ : اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْبَحْثِ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : ذَلِكَ قَوْلٌ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَسْأَلَةِ ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا تَأْوِيلُ الْكَلَامِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=193رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ " لِتُؤْتِيَنَا مَا وَعَدَتْنَا عَلَى رِسْلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . قَالُوا : وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا : "إِنْ تَوَفَّيْتَنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ، فَأَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدَتْنَا" ، لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، وَأَنَّ مَا وَعَدَ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ لَيْسَ يُعْطِيهِ بِالدُّعَاءِ ، وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ بِابْتِدَائِهِ ، ثُمَّ يُنْجِزُهُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ قَائِلِيهِ عَلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ وَالدُّعَاءِ لِلَّهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُمْ مِمَّنْ آتَاهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ ، لَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ
[ ص: 484 ] اسْتَحَقُّوا مَنْزِلَةَ الْكَرَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ فِي أَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَسْأَلَةً لِرَبِّهِمْ أَنْ لَا يُخْلِفَ وَعْدَهُ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ إِنَّمَا سَأَلُوا رَبَّهُمْ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَ الْأَبْرَارَ ، لَكَانُوا قَدْ زَكَّوْا أَنْفُسَهُمْ ، وَشَهِدُوا لَهَا أَنَّهَا مِمَّنْ قَدِ اسْتَوْجَبَ كَرَامَةَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ . قَالُوا . وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَةَ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَالرَّغْبَةِ مِنْهُمْ إِلَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتِيَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ ، وَالظَّفَرِ بِهِمْ ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ ، فَيُعَجِّلُ ذَلِكَ لَهُمْ . قَالُوا : وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ مَعَ وَصْفِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ ، كَانُوا عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، فَيَرْغَبُوا إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا وُعِدُوا النَّصْرَ ، وَلَمْ يُوَقَّتْ لَهُمْ فِي تَعْجِيلِ ذَلِكَ لَهُمْ ، لِمَا فِي تَعَجُّلِهِ مِنْ سُرُورِ الظَّفَرِ وَرَاحَةِ الْجَسَدِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي ، أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ ، صِفَةُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَطَنِهِ وَدَارِهِ ، مُفَارِقًا لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ تُبَّاعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ رَغِبُوا إِلَى اللَّهِ فِي تَعْجِيلِ نُصْرَتِهِمْ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِمْ ، فَقَالُوا : رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدَتْنَا مِنْ نُصْرَتِكَ عَلَيْهِمْ عَاجِلًا فَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، وَلَكِنْ لَا صَبْرَ لَنَا عَلَى أَنَاتِكَ وَحِلْمِكَ عَنْهُمْ ، فَعَجِّلْ [ لَهُمْ ] خِزْيَهُمْ ، وَلَنَا الظَّفَرَ عَلَيْهِمْ .
يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ آخِرُ الْآيَةِ الْأُخْرَى ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
[ ص: 485 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ) الْآيَاتِ بَعْدَهَا . وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ حَكَيْتُ قَوْلَهُمْ فِي شَيْءٍ . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ : "افْعَلْ بِنَا يَا رَبِّ كَذَا وَكَذَا" ، بِمَعْنَى : "لِتَفْعَلَ بِنَا كَذَا وَكَذَا" . وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ ، لَجَازَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ لِآخَرَ : "أَقْبِلْ إِلَيَّ وَكَلِّمْنِي" ، بِمَعْنَى : "أَقْبِلْ إِلَيَّ لِتُكَلِّمَنِي" ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْكَلَامِ وَلَا مَعْرُوفٌ جَوَازُهُ .
وَكَذَلِكَ أَيْضًا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْكَلَامِ : "آتِنَا مَا وَعَدَتْنَا" ، بِمَعْنَى : "اجْعَلْنَا مِمَّنْ آتَيْتَهُ ذَلِكَ" . وَإِنْ كَانَ كُلُّ مَنْ أُعْطِيَ شَيْئًا سَنِيًّا ، فَقَدْ صُيِّرَ نَظِيرًا لِمَنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُعْطِيَهُ . وَلَكِنْ لَيْسَ الظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَئُولُ مَعْنَاهُ إِلَيْهِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا : رَبَّنَا أَعْطِنَا مَا وَعَدَتْنَا عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِكَ : إِنَّكَ تُعْلِي كَلِمَتَكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ ، بِتَأْيِيدِنَا عَلَى مَنْ كَفَرَ بِكَ وَحَادَّكَ وَعَبَدَ غَيْرَكَ وَعَجِّلْ لَنَا ذَلِكَ ، فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ لَا تُخْلِفُ مِيعَادَكَ - وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَفْضَحْنَا بِذُنُوبِنَا الَّتِي سَلَفَتْ مِنَّا ، وَلَكِنْ كَفِّرْهَا عَنَّا وَاغْفِرْهَا لَنَا . وَقَدْ : -
8366 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَوْلُهُ : "رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدَتْنَا عَلَى رُسُلِكَ" ، قَالَ : يَسْتَنْجِزُ مَوْعُودَ اللَّهِ عَلَى رُسُلِهِ .