[ ص: 393 ] القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=treesubj&link=28975_28739_24589_29674_29550nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ( 162 ) )
قال
أبو جعفر : هذا من الله جل ثناؤه استثناء ، استثنى من أهل الكتاب من
اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآيات التي مضت ، من قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " .
ثم قال جل ثناؤه لعباده ، مبينا لهم حكم من قد هداه لدينه منهم ووفقه لرشده : ما كل أهل الكتاب صفتهم الصفة التي وصفت لكم ، "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم منهم " ، وهم الذين قد رسخوا في العلم
بأحكام الله التي جاءت بها أنبياؤه ، وأتقنوا ذلك ، وعرفوا حقيقته .
وقد بينا معنى"الرسوخ في العلم" ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
"والمؤمنون" يعني : والمؤمنون بالله ورسله ، هم يؤمنون بالقرآن الذي أنزل الله إليك ، يا
محمد ، وبالكتب التي أنزلها على من قبلك من الأنبياء والرسل ، ولا يسألونك كما سألك هؤلاء الجهلة منهم : أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، لأنهم قد علموا بما قرءوا من كتب الله وأتتهم به أنبياؤهم ، أنك لله رسول ، واجب عليهم اتباعك ، لا يسعهم غير ذلك ، فلا حاجة بهم إلى أن يسألوك آية معجزة ولا دلالة غير الذي قد علموا من أمرك بالعلم الراسخ في قلوبهم من إخبار أنبيائهم إياهم
[ ص: 394 ] بذلك ، وبما أعطيتك من الأدلة على نبوتك ، فهم لذلك من علمهم ورسوخهم فيه ، يؤمنون بك وبما أنزل إليك من الكتاب ، وبما أنزل من قبلك من سائر الكتب ، كما : -
10836 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، استثنى الله أثبية من أهل الكتاب ، وكان منهم من يؤمن بالله وما أنزل عليهم ، وما أنزل على نبي الله ، يؤمنون به ويصدقون ، ويعلمون أنه الحق من ربهم .
ثم اختلف في"المقيمين الصلاة" ، أهم الراسخون في العلم ، أم هم غيرهم ؟ .
فقال بعضهم : هم هم .
ثم اختلف قائلو ذلك في سبب مخالفة إعرابهم إعراب"الراسخون في العلم" وهما من صفة نوع من الناس .
فقال بعضهم : ذلك غلط من الكاتب ، وإنما هو : لكن الراسخون في العلم منهم والمقيمون الصلاة .
ذكر من قال ذلك :
10837 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج بن المنهال قال : حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
الزبير قال : قلت
لأبان بن عثمان بن عفان : ما شأنها كتبت :
[ ص: 395 ] "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة" ؟ قال : إن الكاتب لما كتب : "لكن الراسخون في العلم منهم" ، حتى إذا بلغ قال : ما أكتب ؟ قيل له : اكتب : "والمقيمين الصلاة" ، فكتب ما قيل له .
10838 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
أبو معاوية ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه : أنه سأل
عائشة عن قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمقيمين الصلاة " ، وعن قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ) [ سورة المائدة : 69 ] ، وعن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إن هذان لساحران ) [ سورة طه : 63 ] ، فقالت : يا ابن أختي ، هذا عمل الكاتب ، أخطئوا في الكتاب .
وذكر أن ذلك في قراءة
ابن مسعود : ( والمقيمون الصلاة ) .
وقال آخرون ، وهو قول بعض نحويي
الكوفة والبصرة : "والمقيمون الصلاة" ، من صفة"الراسخين في العلم" ، ولكن الكلام لما تطاول ، واعترض بين"الراسخين في العلم" ، "والمقيمين الصلاة" ما اعترض من الكلام فطال ، نصب"المقيمين" على وجه المدح . قالوا : والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد ونعته ، إذا تطاولت بمدح أو ذم ، خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه أحيانا ، ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله . وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه . وربما أجروا ذلك على نوع واحد من الإعراب . واستشهدوا لقولهم ذلك بالآيات التي ذكرتها في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء ) [ سورة البقرة : 177 ] .
[ ص: 396 ]
وقال آخرون : بل"المقيمون الصلاة" من صفة غير"الراسخين في العلم" في هذا الموضع ، وإن كان"الراسخون في العلم" من"المقيمين الصلاة" .
وقال قائلو هذه المقالة جميعا : موضع"المقيمين" في الإعراب ، خفض .
فقال بعضهم : موضعه خفض على العطف على"ما" التي في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة .
ثم اختلف متأولو ذلك هذا التأويل في معنى الكلام .
فقال بعضهم : معنى ذلك : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، وبإقام الصلاة . قالوا : ثم ارتفع قوله : "والمؤتون الزكاة" ، عطفا على ما في"يؤمنون" من ذكر"المؤمنين" ، كأنه قيل : والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ، هم والمؤتون الزكاة .
وقال آخرون : بل"المقيمون الصلاة" ، الملائكة . قالوا : وإقامتهم الصلاة ، تسبيحهم ربهم ، واستغفارهم لمن في الأرض . قالوا : ومعنى الكلام : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، وبالملائكة .
وقال آخرون منهم : بل معنى ذلك : "والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" ، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة ، هم والمؤتون الزكاة ، كما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) [ سورة التوبة : 61 ] .
وأنكر قائلو هذه المقالة أن يكون : "المقيمين" منصوبا على المدح . وقالوا : إنما تنصب العرب على المدح من نعت من ذكرته بعد تمام خبره . قالوا : وخبر
[ ص: 397 ] "الراسخين في العلم" قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما " . قال : فغير جائز نصب"المقيمين" على المدح ، وهو في وسط الكلام ، ولما يتم خبر الابتداء .
وقال آخرون : معنى ذلك : لكن الراسخون في العلم منهم ، ومن المقيمين الصلاة . وقالوا : موضع"المقيمين" ، خفض .
وقال آخرون : معناه : والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ، وإلى المقيمين الصلاة .
قال
أبو جعفر : وهذا الوجه والذي قبله ، منكر عند العرب ، ولا تكاد العرب تعطف بظاهر على مكني في حال الخفض ، وإن كان ذلك قد جاء في بعض أشعارها .
قال
أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب ، أن يكون"المقيمين" في موضع خفض ، نسقا على"ما" ، التي في قوله : "بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" وأن يوجه معنى"المقيمين الصلاة" ، إلى الملائكة .
فيكون تأويل الكلام : "والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك" ، يا
محمد ، من الكتاب "وبما أنزل من قبلك" ، من كتبي ، وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة . ثم يرجع إلى صفة"الراسخين في العلم" ، فيقول : لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون بالكتب والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر .
وإنما اخترنا هذا على غيره ، لأنه قد ذكر أن ذلك في قراءة
أبي بن كعب ( والمقيمين الصلاة ) ، وكذلك هو في مصحفه ، فيما ذكروا . فلو كان ذلك خطأ من الكاتب ، لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف غير مصحفنا الذي
[ ص: 398 ] كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه بخلاف ما هو في مصحفنا . وفي اتفاق مصحفنا ومصحف
أبي في ذلك ، ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ . مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخط ، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن ، ولأصلحوه بألسنتهم ، ولقنوه الأمة تعليما على وجه الصواب .
وفي نقل المسلمين جميعا ذلك قراءة ، على ما هو به في الخط مرسوما ، أدل الدليل على صحة ذلك وصوابه ، وأن لا صنع في ذلك للكاتب .
وأما من وجه ذلك إلى النصب على وجه المدح ل"الراسخين في العلم" ، وإن كان ذلك قد يحتمل على بعد من كلام العرب ، لما قد ذكرت قبل من العلة ، وهو أن العرب لا تعدل عن إعراب الاسم المنعوت بنعت في نعته إلا بعد تمام خبره . وكلام الله جل ثناؤه أفصح الكلام ، فغير جائز توجيهه إلا إلى الذي هو [ أولى ] به من الفصاحة .
وأما توجيه من وجه ذلك إلى العطف به على"الهاء" و"الميم" في قوله : "لكن الراسخون في العلم منهم" أو : إلى العطف به على"الكاف" من قوله : "بما أنزل إليك" أو : إلى"الكاف" من قوله : "وما أنزل من قبلك" ، فإنه أبعد من الفصاحة من نصبه على المدح ، لما قد ذكرت قبل من قبح رد الظاهر على المكني في الخفض .
[ ص: 399 ]
وأما توجيه من وجه"المقيمين" إلى"الإقامة" ، فإنه دعوى لا برهان عليها من دلالة ظاهر التنزيل ، ولا خبر تثبت حجته . وغير جائز نقل ظاهر التنزيل إلى باطن بغير برهان .
وأما قوله : "والمؤتون الزكاة" ، فإنه معطوف به على قوله : "والمؤمنون يؤمنون" ، وهو من صفتهم .
وتأويله : والذين يعطون زكاة أموالهم من جعلها الله له وصرفها إليه"والمؤمنون بالله واليوم الآخر" ، يعني : والمصدقون بوحدانية الله وألوهته ، والبعث بعد الممات ، والثواب والعقاب"أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما" ، يقول : هؤلاء الذين هذه صفتهم"سنؤتيهم" ، يقول : سنعطيهم"أجرا عظيما" ، يعني : جزاء على ما كان منهم من طاعة الله واتباع أمره ، وثوابا عظيما ، وذلك الجنة .
[ ص: 393 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=treesubj&link=28975_28739_24589_29674_29550nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ( 162 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : هَذَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اسْتِثْنَاءٌ ، اسْتَثْنَى مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ
الْيَهُودِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي مَضَتْ ، مِنْ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ " .
ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ ، مُبَيِّنًا لَهُمْ حُكْمَ مِنْ قَدْ هَدَاهُ لِدِينِهِ مِنْهُمْ وَوَفَّقَهُ لِرُشْدِهِ : مَا كُلُّ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَتُهُمُ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفْتُ لَكُمْ ، "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ " ، وَهُمُ الَّذِينَ قَدْ رَسَخُوا فِي الْعِلْمِ
بِأَحْكَامِ اللَّهِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا أَنْبِيَاؤُهُ ، وَأَتْقَنُوا ذَلِكَ ، وَعَرَفُوا حَقِيقَتَهُ .
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى"الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ" ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
"وَالْمُؤْمِنُونَ" يَعْنِي : وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ، هُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ، يَا
مُحَمَّدُ ، وَبِالْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى مَنْ قَبْلِكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ، وَلَا يَسْأَلُونَكَ كَمَا سَأَلَكَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنْهُمْ : أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ، لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا بِمَا قَرَءُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَأَتَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ ، أَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ ، وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُكَ ، لَا يَسَعُهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ ، فَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوكَ آيَةً مُعْجِزَةً وَلَا دَلَالَةً غَيْرَ الَّذِي قَدْ عَلِمُوا مِنْ أَمْرِكَ بِالْعِلْمِ الرَّاسِخِ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ إِخْبَارِ أَنْبِيَائِهِمْ إِيَّاهُمْ
[ ص: 394 ] بِذَلِكَ ، وَبِمَا أَعْطَيْتُكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى نُبُوَّتِكَ ، فَهُمْ لِذَلِكَ مَنْ عِلْمِهِمْ وَرُسُوخِهِمْ فِيهِ ، يُؤْمِنُونَ بِكَ وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ، وَبِمَا أُنْزِلَ مَنْ قَبْلِكَ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ ، كَمَا : -
10836 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ " ، اسْتَثْنَى اللَّهُ أُثْبِيَّةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ، يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُصَدِّقُونَ ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي"الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ" ، أَهَمَّ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ، أَمْ هُمْ غَيْرُهُمْ ؟ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُمْ هُمْ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي سَبَبِ مُخَالَفَةِ إِعْرَابِهِمْ إِعْرَابَ"الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" وَهُمَا مِنْ صِفَةِ نَوْعٍ مِنَ النَّاسِ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : ذَلِكَ غَلَطٌ مِنَ الْكَاتِبِ ، وَإِنَّمَا هُوَ : لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
10837 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ : حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنِ
الزُّبَيْرِ قَالَ : قُلْتُ
لَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ : مَا شَأْنُهَا كُتِبَتْ :
[ ص: 395 ] "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ" ؟ قَالَ : إِنَّ الْكَاتِبَ لَمَّا كَتَبَ : "لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ" ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَالَ : مَا أَكْتُبُ ؟ قِيلَ لَهُ : اكْتُبْ : "وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ" ، فَكَتَبَ مَا قِيلَ لَهُ .
10838 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ سَأَلَ
عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ " ، وَعَنْ قَوْلِهِ : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 69 ] ، وَعَنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إِنْ هَذَانَ لَسَاحِرَانِ ) [ سُورَةُ طَهَ : 63 ] ، فَقَالَتْ : يَا ابْنَ أُخْتِي ، هَذَا عَمَلُ الْكَاتِبِ ، أَخْطَئُوا فِي الْكِتَابِ .
وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ
ابْنِ مَسْعُودٍ : ( وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ) .
وَقَالَ آخَرُونَ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ نَحْوِيِّي
الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ : "وَالْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ" ، مِنْ صِفَةِ"الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ" ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ لَمَّا تَطَاوَلَ ، وَاعْتَرَضَ بَيْنَ"الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ" ، "وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ" مَا اعْتَرَضَ مِنَ الْكَلَامِ فَطَالَ ، نُصِبَ"الْمُقِيمِينَ" عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ . قَالُوا : وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَنَعْتِهِ ، إِذَا تَطَاوَلَتْ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ ، خَالَفُوا بَيْنَ إِعْرَابِ أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ أَحْيَانًا ، ثُمَّ رَجَعُوا بِآخِرِهِ إِلَى إِعْرَابِ أَوَّلِهِ . وَرُبَّمَا أَجْرَوْا إِعْرَابَ آخِرَهُ عَلَى إِعْرَابِ أَوْسَطِهِ . وَرُبَّمَا أَجْرَوْا ذَلِكَ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْإِعْرَابِ . وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِالْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 177 ] .
[ ص: 396 ]
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ"الْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ" مِنْ صِفَةِ غَيْرِ"الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَإِنْ كَانَ"الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" مِنْ"الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ" .
وَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةَ جَمِيعًا : مَوْضِعُ"الْمُقِيمِينَ" فِي الْإِعْرَابِ ، خَفْضٌ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَوْضِعُهُ خَفْضٌ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى"مَا" الَّتِي فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ " ، وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِكَ هَذَا التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ " ، وَبِإِقَامِ الصَّلَاةِ . قَالُوا : ثُمَّ ارْتَفَعَ قَوْلُهُ : "وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ" ، عَطْفًا عَلَى مَا فِي"يُؤْمِنُونَ" مِنْ ذِكْرِ"الْمُؤْمِنِينَ" ، كَأَنَّهُ قِيلَ : وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، هُمْ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ"الْمُقِيمُونَ الصَّلَاةَ" ، الْمَلَائِكَةُ . قَالُوا : وَإِقَامَتُهُمُ الصَّلَاةِ ، تَسْبِيحُهُمْ رَبَّهُمْ ، وَاسْتِغْفَارُهُمْ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ . قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَامِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ " ، وَبِالْمَلَائِكَةِ .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : "وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" ، وَيُؤْمِنُونَ بِالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ، هُمْ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 61 ] .
وَأَنْكَرَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنْ يَكُونَ : "الْمُقِيمِينَ" مَنْصُوبًا عَلَى الْمَدْحِ . وَقَالُوا : إِنَّمَا تَنْصِبُ الْعَرَبُ عَلَى الْمَدْحِ مِنْ نَعَتِ مَنْ ذَكَرَتْهُ بَعْدَ تَمَامِ خَبَرِهِ . قَالُوا : وَخَبَرُ
[ ص: 397 ] "الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ" قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا " . قَالَ : فَغَيْرُ جَائِزٍ نَصَبُ"الْمُقِيمِينَ" عَلَى الْمَدْحِ ، وَهُوَ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ ، وَلَمَّا يَتِمَّ خَبَرُ الِابْتِدَاءِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ، وَمِنَ الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ . وَقَالُوا : مَوْضِعُ"الْمُقِيمِينَ" ، خَفْضٌ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، وَإِلَى الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْوَجْهُ وَالذِي قَبْلَهُ ، مُنْكَرٌ عِنْدَ الْعَرَبِ ، وَلَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَعْطِفُ بِظَاهِرٍ عَلَى مَكْنِيٍّ فِي حَالِ الْخَفْضِ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ أَشْعَارِهَا .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ ، أَنْ يَكُونَ"الْمُقِيمِينَ" فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ ، نَسَقًا عَلَى"مَا" ، الَّتِي فِي قَوْلِهِ : "بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" وَأَنْ يُوَجَّهَ مَعْنَى"الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ" ، إِلَى الْمَلَائِكَةِ .
فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ : "وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ" ، يَا
مُحَمَّدُ ، مِنَ الْكِتَابِ "وَبِمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" ، مِنْ كُتُبِي ، وَبِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ . ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى صِفَةِ"الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ" ، فَيَقُولُ : لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ بِالْكُتُبِ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .
وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا هَذَا عَلَى غَيْرِهِ ، لِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ
أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ) ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِهِ ، فِيمَا ذَكَرُوا . فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَطَأً مِنَ الْكَاتِبِ ، لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ الْمَصَاحِفِ غَيْرَ مُصْحَفِنَا الَّذِي
[ ص: 398 ] كَتَبَهُ لَنَا الْكَاتِبُ الَّذِي أَخْطَأَ فِي كِتَابِهِ بِخِلَافِ مَا هُوَ فِي مُصْحَفِنَا . وَفِي اتِّفَاقِ مُصْحَفِنَا وَمُصْحَفِ
أَبِيٍّ فِي ذَلِكَ ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي مُصْحَفِنَا مِنْ ذَلِكَ صَوَابٌ غَيْرُ خَطَأٍ . مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَطَأً مِنْ جِهَةِ الْخَطِّ ، لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ أُخِذَ عَنْهُمُ الْقُرْآنُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُونَ مَنْ عَلَّمُوا ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ اللَّحْنِ ، وَلَأَصْلَحُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، وَلَقَّنُوهُ الْأُمَّةَ تَعْلِيمًا عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ .
وَفِي نَقْلِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا ذَلِكَ قِرَاءَةً ، عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي الْخَطِّ مَرْسُومًا ، أَدُلُّ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ وَصَوَابِهِ ، وَأَنْ لَا صُنْعَ فِي ذَلِكَ لِلْكَاتِبِ .
وَأَمَّا مِنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى النَّصْبِ عَلَى وَجْهِ الْمَدْحِ لِ"الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ" ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ، لِمَا قَدْ ذَكَرَتُ قَبْلُ مِنَ الْعِلَّةِ ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْدِلُ عَنْ إِعْرَابِ الِاسْمِ الْمَنْعُوتِ بِنَعْتٍ فِي نَعْتِهِ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ خَبَرِهِ . وَكَلَامُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَفْصَحُ الْكَلَامِ ، فَغَيْرُ جَائِزٍ تَوْجِيهُهُ إِلَّا إِلَى الَّذِي هُوَ [ أَوْلَى ] بِهِ مِنَ الْفَصَاحَةِ .
وَأَمَّا تَوْجِيهُ مَنْ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى"الْهَاءِ" وَ"الْمِيمِ" فِي قَوْلِهِ : "لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ" أَوْ : إِلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى"الْكَافِ" مِنْ قَوْلِهِ : "بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ" أَوْ : إِلَى"الْكَافِ" مِنْ قَوْلِهِ : "وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" ، فَإِنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْفَصَاحَةِ مِنْ نَصْبِهِ عَلَى الْمَدْحِ ، لِمَا قَدْ ذَكَرَتُ قَبْلُ مِنْ قُبْحِ رَدِّ الظَّاهِرِ عَلَى الْمَكْنِيِّ فِي الْخَفْضِ .
[ ص: 399 ]
وَأَمَّا تَوْجِيهُ مِنْ وَجَّهِ"الْمُقِيمِينَ" إِلَى"الْإِقَامَةِ" ، فَإِنَّهُ دَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا مِنْ دَلَالَةِ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ ، وَلَا خَبَرٍ تَثْبُتُ حُجَّتُهُ . وَغَيْرُ جَائِزٍ نَقْلُ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ إِلَى بَاطِنٍ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : "وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ" ، فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ : "وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ" ، وَهُوَ مِنْ صِفَتِهِمْ .
وَتَأْوِيلُهُ : وَالَّذِينَ يُعْطُونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ مَنْ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهُ وَصَرَفَهَا إِلَيْهِ"وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" ، يَعْنِي : وَالْمُصَدِّقُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَأُلُوهَتِهِ ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ"أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا" ، يَقُولُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صَفَّتْهُمْ"سَنُؤْتِيهِمْ" ، يَقُولُ : سَنُعْطِيهِمْ"أَجْرًا عَظِيمًا" ، يَعْنِي : جَزَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ أَمْرِهِ ، وَثَوَابًا عَظِيمًا ، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ .