[ ص: 256 ]
القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973تأويل قوله جل ثناؤه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( 6 ) )
وتأويل "سواء " : معتدل . مأخوذ من التساوي ، كقولك : "متساو هذان الأمران عندي " ، و "هما عندي سواء " ، أي هما متعادلان عندي ، ومنه قول الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=58فانبذ إليهم على سواء ) سورة الأنفال : 58 ، يعني : أعلمهم وآذنهم بالحرب ، حتى يستوي علمك وعلمهم بما عليه كل فريق منهم للفريق الآخر . فكذلك قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سواء عليهم " : معتدل عندهم أي الأمرين كان منك إليهم ، الإنذار أم ترك الإنذار لأنهم لا يؤمنون ، وقد ختمت على قلوبهم وسمعهم . ومن ذلك قول
عبد الله بن قيس الرقيات :
تغذ بي الشهباء نحو ابن جعفر سواء عليها ليلها ونهارها
يعني بذلك : معتدل عندها في السير الليل والنهار ، لأنه لا فتور فيه . ومنه قول الآخر
وليل يقول المرء من ظلماته سواء صحيحات العيون وعورها
لأن الصحيح لا يبصر فيه إلا بصرا ضعيفا من ظلمته .
وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) ، فإنه ظهر به الكلام ظهور الاستفهام وهو خبر ; لأنه وقع موقع "أي " كما تقول : "لا نبالي أقمت أم
[ ص: 257 ] قعدت " ، وأنت مخبر لا مستفهم ، لوقوع ذلك موقع "أي " . وذلك أن معناه إذا قلت ذلك : ما نبالي أي هذين كان منك . فكذلك ذلك في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " ، لما كان معنى الكلام : سواء عليهم أي هذين كان منك إليهم - حسن في موضعه مع سواء : "أفعلت أم لم تفعل " .
وكان بعض نحويي البصرة يزعم أن حرف الاستفهام إنما دخل مع "سواء " ، وليس باستفهام ، لأن المستفهم إذا استفهم غيره فقال : "أزيد عندك أم عمرو ؟ " مستثبت صاحبه أيهما عنده . فليس أحدهما أحق بالاستفهام من الآخر . فلما كان قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " بمعنى التسوية ، أشبه ذلك الاستفهام ، إذ أشبهه في التسوية . وقد بينا الصواب في ذلك .
فتأويل الكلام إذا : معتدل يا
محمد - على هؤلاء الذين جحدوا نبوتك من أحبار يهود
المدينة بعد علمهم بها ، وكتموا بيان أمرك للناس بأنك رسولي إلى خلقي ، وقد أخذت عليهم العهد والميثاق أن لا يكتموا ذلك ، وأن يبينوه للناس ، ويخبروهم أنهم يجدون صفتك في كتبهم - أأنذرتهم أم لم تنذرهم ، فإنهم لا يؤمنون ، ولا يرجعون إلى الحق ، ولا يصدقون بك وبما جئتهم به . كما : -
299 - حدثنا
محمد بن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سلمة بن الفضل ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن
عكرمة ، أو عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) ، أي أنهم قد كفروا بما عندهم من العلم من ذكر ، وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق لك ، فقد كفروا بما جاءك ، وبما عندهم مما جاءهم به غيرك ، فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا ، وقد كفروا بما عندهم من علمك ؟ .
[ ص: 256 ]
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ( 6 ) )
وَتَأْوِيلُ "سَوَاءٌ " : مُعْتَدِلٌ . مَأْخُوذٌ مِنَ التَّسَاوِي ، كَقَوْلِكَ : "مُتَسَاوٍ هَذَانِ الْأَمْرَانِ عِنْدِي " ، وَ "هُمَا عِنْدِي سَوَاءٌ " ، أَيْ هُمَا مُتَعَادِلَانِ عِنْدِي ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=58فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ) سُورَةُ الْأَنْفَالِ : 58 ، يَعْنِي : أَعْلِمْهُمْ وَآذِنْهُمْ بِالْحَرْبِ ، حَتَّى يَسْتَوِيَ عِلْمُكَ وَعِلْمُهُمْ بِمَا عَلَيْهِ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ . فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ " : مُعْتَدِلٌ عِنْدَهُمْ أَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ مِنْكَ إِلَيْهِمْ ، الْإِنْذَارُ أَمْ تَرْكُ الْإِنْذَارِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، وَقَدْ خَتَمْتُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ :
تُغِذُّ بِيَ الشَّهْبَاءُ نَحْوَ ابْنِ جَعْفَرٍ سَوَاءٌ عَلَيْهَا لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا
يَعْنِي بِذَلِكَ : مُعْتَدِلٌ عِنْدَهَا فِي السَّيْرِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، لِأَنَّهُ لَا فُتُورَ فِيهِ . وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ
وَلَيْلٍ يَقُولُ الْمَرْءُ مِنْ ظُلُمَاتِهِ سَوَاءٌ صَحِيحَاتُ الْعُيُونِ وَعُورُهَا
لِأَنَّ الصَّحِيحَ لَا يُبْصِرُ فِيهِ إِلَّا بَصَرًا ضَعِيفًا مِنْ ظُلْمَتِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) ، فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِهِ الْكَلَامُ ظُهُورَ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ خَبَرٌ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ "أَيٍّ " كَمَا تَقُولُ : "لَا نُبَالِي أَقَمْتَ أَمْ
[ ص: 257 ] قَعَدْتَ " ، وَأَنْتَ مُخْبِرٌ لَا مُسْتَفْهِمٌ ، لِوُقُوعِ ذَلِكَ مَوْقِعَ "أَيٍّ " . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ : مَا نُبَالِي أَيُّ هَذَيْنِ كَانَ مِنْكَ . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ " ، لَمَّا كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ : سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَيُّ هَذَيْنِ كَانَ مِنْكَ إِلَيْهِمْ - حَسُنَ فِي مَوْضِعِهِ مَعَ سَوَاءٌ : "أَفَعَلْتَ أَمْ لَمْ تَفْعَلْ " .
وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّ حَرْفَ الِاسْتِفْهَامِ إِنَّمَا دَخَلَ مَعَ "سَوَاءٌ " ، وَلَيْسَ بِاسْتِفْهَامِ ، لِأَنَّ الْمُسْتَفْهِمَ إِذَا اسْتَفْهَمَ غَيْرَهُ فَقَالَ : "أَزْيَدٌ عِنْدَكَ أَمْ عَمْرٌو ؟ " مُسْتَثْبِتٌ صَاحِبَهُ أَيُّهُمَا عِنْدَهُ . فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ بِالِاسْتِفْهَامِ مِنَ الْآخَرِ . فَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ " بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ ، أَشْبَهَ ذَلِكَ الِاسْتِفْهَامَ ، إِذْ أَشْبَهَهُ فِي التَّسْوِيَةِ . وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ .
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا : مُعْتَدِلٌ يَا
مُحَمَّدٌ - عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتَكَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودِ
الْمَدِينَةِ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِهَا ، وَكَتَمُوا بَيَانَ أَمْرِكَ لِلنَّاسِ بِأَنَّكَ رَسُولِي إِلَى خَلْقِي ، وَقَدْ أَخَذْتُ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا يَكْتُمُوا ذَلِكَ ، وَأَنْ يُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ ، وَيُخْبِرُوهُمْ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ صِفَتَكَ فِي كُتُبِهِمْ - أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْحَقِّ ، وَلَا يُصَدِّقُونَ بِكَ وَبِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ . كَمَا : -
299 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=6سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) ، أَيْ أَنَّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ مِنْ ذِكْرٍ ، وَجَحَدُوا مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمِيثَاقِ لَكَ ، فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكَ ، وَبِمَا عِنْدَهُمْ مِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ غَيْرَكَ ، فَكَيْفَ يَسْمَعُونَ مِنْكَ إِنْذَارًا وَتَحْذِيرًا ، وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مَنْ عِلْمِكَ ؟ .