فصل
[ ص: 81 ] ولما وقع ما وقع من الأمر العظيم ، وهو الغلب الذي غلبه
فرعون وقومه من
القبط في ذلك الموقف الهائل ، وأسلم السحرة ، الذين استنصروا ربهم لم يزدهم ذلك إلا كفرا وعنادا وبعدا عن الحق .
قال الله تعالى ، بعد قصص ما تقدم في سورة " الأعراف " :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون [ الأعراف : 127 - 129 ] . يخبر تعالى عن
nindex.php?page=treesubj&link=31913الملأ من قوم فرعون ، وهم الأمراء والكبراء ، أنهم حرضوا ملكهم فرعون على أذية نبي الله موسى ، عليه السلام ، ومقابلته - بدل التصديق بما جاء به - بالكفر والرد والأذى ، فقالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك يعنون ، قبحهم الله ، أن دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، والنهي عن عبادة ما سواه فساد بالنسبة إلى اعتقاد
القبط ، لعنهم الله . وقرأ بعضهم :
[ ص: 82 ] " ويذرك وإلاهتك " أي ; وعبادتك . ويحتمل شيئين ; أحدهما ويذر دينك . وتقويه القراءة الأخرى . الثاني ، ويذر أن يعبدك ، فإنه كان يزعم أنه إله ، لعنه الله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم أي ; لئلا تكثر مقاتلتهم
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وإنا فوقهم قاهرون أي ; غالبون
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أي ; إذا هموا هم بأذيتكم والفتك بكم فاستعينوا أنتم بربكم ، واصبروا على بليتكم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أي ; فكونوا أنتم من المتقين ; لتكون لكم العاقبة ، كما قال تعالى في الآية الأخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=86ونجنا برحمتك من القوم الكافرين [ يونس : 84 - 86 ] . وقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا أي ; قد كانت الأبناء تقتل قبل مجيئك ، وبعد مجيئك إلينا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون وقال الله تعالى في سورة " حم المؤمن " :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=23ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=24إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب [ غافر : 23 ، 24 ] . وكان
فرعون الملك ،
وهامان الوزير ، وكان
[ ص: 83 ] قارون إسرائيليا من قوم
موسى ، إلا أنه كان على دين
فرعون وملئه ، وكان ذا مال جزيل جدا ، كما ستأتي قصته فيما بعد ، إن شاء الله تعالى .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال [ غافر : 25 ] . وهذا
nindex.php?page=treesubj&link=31920القتل للغلمان ، من بعد بعثة موسى ، إنما كان على وجه الإهانة والإذلال ، والتقليل لملأ بني إسرائيل ; لئلا تكون لهم شوكة يمتنعون بها أو يصولون على
القبط بسببها ، وكانت
القبط منهم يحذرون ، فلم ينفعهم ذلك ; ولم يرد عنهم قدر الذي يقول للشيء : كن . فيكون .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد [ غافر : 26 ] . ولهذا يقول الناس على سبيل التهكم : صار
فرعون مذكرا . وهذا منه ، فإن
فرعون في زعمه يخاف على الناس أن يضلهم
موسى ، عليه السلام .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب [ غافر : 27 ] . أي ; عذت بالله ، ولجأت إليه واستجرت بجنابه من أن يسطو
فرعون أو غيره علي بسوء . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27من كل متكبر أي ; جبار عنيد ، لا يرعوي ولا
[ ص: 84 ] ينتهي ، ولا يخاف عذاب الله وعقابه ; لأنه لا يعتقد معادا ولا جزاء ، ولهذا قال
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد [ غافر : 28 ، 29 ] . هذا الرجل هو ابن عم
فرعون ، وكان يكتم إيمانه من قومه ، خوفا منهم على نفسه . وزعم بعض الناس أنه كان إسرائيليا ، وهو بعيد ومخالف لسياق الكلام لفظا ومعنى . والله أعلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قال
ابن عباس : لم يؤمن من
القبط بموسى إلا هذا ، والذي جاء من أقصى المدينة ، وامرأة
فرعون . رواه
ابن أبي حاتم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : لا يعرف من اسمه شمعان - بالشين المعجمة - إلا مؤمن آل
فرعون . حكاه
السهيلي . وفي " تاريخ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني " أن اسمه : جبر . فالله أعلم .
والمقصود أن هذا الرجل كان يكتم إيمانه ، فلما هم
فرعون ، لعنه الله ،
[ ص: 85 ] بقتل
موسى ، عليه السلام ، وعزم على ذلك وشاور ملأه فيه ، خاف هذا المؤمن على
موسى ، فتلطف في رد
فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب ، فقال كلمة الحق على وجه المشورة والرأي . وقد ثبت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
nindex.php?page=treesubj&link=33385أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر وهذا من أعلى مراتب هذا المقام ، فإن
فرعون لا يكون أشد جورا منه ، وهذا الكلام لا أعدل منه; لأن فيه عصمة دم نبي . ويحتمل أنه أشار لهم بإظهار إيمانه ، وصرح لهم بما كان يكتمه . والأول أظهر . والله أعلم . قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله أي; من أجل أنه قال : ربي الله . فمثل هذا لا يقابل بمثل هذا ، بل بالإكرام والاحترام والموادعة وترك الانتقام ، يعني : لأنه
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقد جاءكم بالبينات من ربكم أي; بالخوارق التي دلت على صدقه فيما جاء به عمن أرسله فهذا إن وادعتموه كنتم في سلامة; لأنه
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وإن يك كاذبا فعليه كذبه ولا يضركم ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وإن يك صادقا وقد تعرضتم له
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28يصبكم بعض الذي يعدكم أي; وأنتم تشفقون أن ينالكم أيسر جزاء مما يتوعدكم به ، فكيف بكم إن حل جميعه عليكم؟ وهذا
[ ص: 86 ] الكلام في هذا المقام
nindex.php?page=treesubj&link=20077من أعلى مقامات التلطف والاحتراز والعقل التام . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض يحذرهم أن يسلبوا هذا الملك العزيز ، فإنه ما تعرضت الدول للدين إلا سلبوا ملكهم وذلوا بعد عزهم ، وكذا وقع لآل
فرعون; ما زالوا في شك وريب ، ومخالفة ومعاندة لما جاءهم
موسى به ، حتى أخرجهم الله مما كانوا فيه من الملك والأملاك والدور والقصور ، والنعمة والحبور ، ثم حولوا إلى البحر مهانين ، ونقلت أرواحهم بعد العلو والرفعة إلى أسفل السافلين . ولهذا قال هذا الرجل المؤمن الصادق ، البار الراشد ، التابع للحق الناصح لقومه ، الكامل العقل :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض أي; عالين على الناس حاكمين عليهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا أي; لو كنتم أضعاف ما أنتم فيه من العدد والعدة والقوة والشدة لما نفعنا ذلك ولا رد عنا بأس مالك الممالك .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29قال فرعون أي; في جواب هذا كله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29ما أريكم إلا ما أرى أي; ما أقول لكم إلا ما عندي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وكذب في كل من هذين القولين ، وهاتين المقدمتين ، فإنه قد كان يتحقق ويعلم في باطنه وفي نفسه أن هذا الذي جاء به
موسى حق من عند الله لا محالة ، وإنما كان يظهر خلافه بغيا وعدوانا ، وعتوا وكفرانا .
قال الله تعالى إخبارا عن
موسى :
[ ص: 87 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يافرعون مثبورا [ الإسراء : 102 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=13فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين [ النمل : 13 ، 14 ] . وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وما أهديكم إلا سبيل الرشاد . فقد كذب أيضا ، فإنه لم يكن على رشاد من الأمر ، بل كان على سفه وضلال ، وخبال ، وكان أولا ممن يعبد الأصنام والأمثال ، ثم دعا قومه الجهلة الضلال إلى أن اتبعوه وطاوعوه ، وصدقوه فيما زعم من الكفر المحال في دعواه أنه رب ، تعالى الله ذو الجلال والإكرام . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين [ الزخرف : 51 - 56 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=20فأراه الآية الكبرى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=21فكذب وعصى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=22ثم أدبر يسعى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=23فحشر فنادى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24فقال أنا ربكم الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=25فأخذه الله نكال الآخرة والأولى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=26إن في ذلك لعبرة لمن يخشى [ النازعات : 20 - 26 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=23ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=97إلى فرعون وملإيه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=99وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود [ هود : 96 - 99 ] . والمقصود بيان كذبه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29ما أريكم إلا ما أرى وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .
[ ص: 88 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=30قال رب انصرني على القوم المفسدين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=32قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون [ العنكبوت : 30 - 35 ] . يحذرهم ولي الله ، إن كذبوا برسول الله
موسى ، أن يحل بهم ما حل بالأمم من قبلهم من النقمات والمثلات ، مما تواتر عندهم وعند غيرهم; ما حل بقوم
نوح ،
وعاد ،
وثمود ، ومن بعدهم إلى زمانهم ذلك ، مما أقام الله به الحجج على أهل الأرض قاطبة ، في صدق ما جاءت به الأنبياء ، بما أنزل من النقمة بمكذبيهم من الأعداء ، وما أنجى الله من اتبعهم من الأولياء ، وخوفهم يوم القيامة ، وهو يوم التناد أي; حين ينادي الناس بعضهم بعضا حين يولون مدبرين إن قدروا على ذلك ، ولا إلى ذلك سبيل .
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=10يقول الإنسان يومئذ أين المفر nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=11كلا لا وزر nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=12إلى ربك يومئذ المستقر [ القيامة : 10 - 12 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=33يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=34فبأي آلاء ربكما تكذبان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=35يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=36فبأي آلاء ربكما تكذبان [ ص: 89 ] [ الرحمن : 33 - 36 ] . وقرأ بعضهم : ( يوم التناد ) بتشديد الدال ، أي يوم الفرار . ويحتمل أن يكون يوم القيامة ، ويحتمل أن يكون يوم يحل الله بهم البأس ، فيودون الفرار ولات حين مناص .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=12فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=13لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون [ الأنبياء : 12 ، 13 ] . ثم أخبرهم عن نبوة
يوسف في بلاد
مصر; ما كان منه من الإحسان إلى الخلق في دنياهم وأخراهم ، وهذا من سلالته وذريته ، ويدعو الناس إلى توحيد الله وعبادته ، وأن لا يشركوا به أحدا من بريته ، وأخبر عن أهل الديار المصرية في ذلك الزمان ، أن من سجيتهم التكذيب بالحق ومخالفة الرسل; ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا أي; وكذبتم في هذا . ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم أي; يردون حجج الله وبراهينه ودلائل توحيده بلا حجة ولا دليل عندهم من الله ، فإن هذا أمر يمقته الله غاية المقت; أي يبغض من تلبس به من الناس ، ومن اتصف به من الخلق ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار قرئ بالإضافة وبالنعت ، وكلاهما متلازم; أي هكذا إذا خالفت القلوب الحق ، ولا تخالفه إلا بلا برهان ، فإن الله يطبع عليها; أي يختم عليها .
[ ص: 90 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=36وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب [ غافر : 36 ، 37 ] . كذب
فرعون موسى ، عليه السلام ، في دعواه أن الله أرسله ، وزعم
فرعون لقومه ما كذبه وافتراه ، في قوله لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين [ القصص : 38 ] . وقال هاهنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=36لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات أي; طرقها ومسالكها
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا ويحتمل هذا معنيين; أحدهما ، وإني لأظنه كاذبا في قوله : إن للعالم ربا غيري . والثاني ، في دعواه أن الله أرسله . والأول أشبه بظاهر حال
فرعون ، فإنه كان ينكر ظاهر إثبات الصانع ، والثاني أقرب إلى اللفظ; حيث قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37فأطلع إلى إله موسى أي; فأسأله هل أرسله أم لا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37وإني لأظنه كاذبا أي; في دعواه ذلك . وإنما كان مقصود
فرعون أن يصد الناس عن تصديق
موسى ، عليه السلام ، وأن يحثهم على تكذيبه . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وقرئ : ( وصد عن السبيل ) قال
ابن عباس ومجاهد : يقول : إلا في خسار . أي باطل ، لا يحصل له شيء من مقصوده الذي رامه ، فإنه لا سبيل للبشر أن يتوصلوا بقواهم إلى نيل السماء أبدا - أعني السماء الدنيا - فكيف بما بعدها من السماوات العلى ، وما فوق
[ ص: 91 ] ذلك من الارتفاع الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل .
وذكر غير واحد من المفسرين أن هذا الصرح ، وهو القصر الذي بناه وزيره
هامان له ، لم ير بناء أعلى منه ، وأنه كان مبنيا من الآجر المشوي بالنار ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا وعند
أهل الكتاب أن
بني إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن ، وكان مما حملوا من التكاليف الفرعونية أنهم لا يساعدون على شيء مما يحتاجون إليه فيه ، بل كانوا هم الذين يجمعون ترابه وتبنه وماءه ، ويطلب منهم كل يوم قسط معين ، إن لم يفعلوه وإلا ضربوا وأهينوا غاية الإهانة ، وأوذوا غاية الأذية . ولهذا قالوا
لموسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون فوعدهم بأن العاقبة لهم على
القبط ، وكذلك وقع ، وهذا من دلائل النبوة .
ولنرجع إلى نصيحة المؤمن وموعظته واحتجاجه ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=38وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=40من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب [ غافر : 38 - 40 ] . يدعوهم ، رضي الله عنه ، إلى طريق الرشاد والحق ، وهي متابعة نبي الله
[ ص: 92 ] موسى ، وتصديقه فيما جاء به من ربه ، ثم زهدهم في الدنيا الدنية الفانية المنقضية لا محالة ، ورغبهم في طلب الثواب عند الله ، الذي لا يضيع عمل عامل لديه ، القدير الذي ملكوت كل شيء بيديه ، الذي يعطي على القليل كثيرا ، ومن عدله لا يجازى على السيئة إلا مثلها . وأخبرهم أن الآخرة هي دار القرار ، التي من وافاها مؤمنا قد عمل الصالحات ، فلهم الجنات العاليات ، والغرف الآمنات ، والخيرات الكثيرة الفائقات ، والأرزاق الدائمة التي لا تبيد ، والخير الذي كل ما لهم منه في مزيد .
ثم شرع في إبطال ما هم عليه ، وتخويفهم مما يصيرون إليه فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ غافر : 41 - 46 ] . كان يدعوهم إلى عبادة رب السماوات والأرض الذي يقول للشيء : كن . فيكون ، وهم يدعونه إلى عبادة
فرعون الجاهل الضال الملعون ، ولهذا قال لهم على سبيل الإنكار :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ،
[ ص: 93 ] ثم بين لهم بطلان ما هم عليه من عبادة ما سوى الله من الأنداد والأوثان ، وأنها لا تملك من نفع ولا إضرار . فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار أي; لا تملك تصرفا ولا حكما في هذه الدار ، فكيف تملكه يوم القرار؟ وأما الله عز وجل فإنه الخالق الرازق للأبرار والفجار ، وهو الذي أحيا العباد ويميتهم ويبعثهم ، فيدخل طائعهم الجنة وعاصيهم النار . ثم توعدهم إن هم استمروا على العناد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فوقاه الله سيئات ما مكروا أي; بإنكاره سلم مما أصابهم من العقوبة على كفرهم بالله ، ومكرهم في صدهم عن سبيل الله مما أظهروا للعامة من الخيالات والمحالات التي لبسوا بها على عوامهم وطغامهم; ولهذا قال : وحاق أي; أحاط
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45بآل فرعون سوء العذاب nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النار يعرضون عليها غدوا وعشيا أي; تعرض أرواحهم في برزخهم صباحا ومساء على النار ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وقد تكلمنا على دلالة هذه الآية على عذاب القبر في " التفسير " . ولله الحمد .
والمقصود أن الله تعالى لم يهلكهم إلا بعد إقامة الحجج عليهم ، وإرسال الرسول إليهم ، وإزاحة الشبه عنهم ، وأخذ الحجة عليهم منهم ، فبالترهيب تارة
[ ص: 94 ] والترغيب أخرى ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=132وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين الأعراف : 130 - 133 ] . يخبر تعالى أنه ابتلى آل
فرعون ، وهم قومه من
القبط ، بالسنين ، وهي أعوام الجدب التي لا يستغل فيها زرع ولا ينتفع بضرع . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130ونقص من الثمرات وهي قلة الثمار من الأشجار ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26لعلهم يذكرون أي; فلم ينتفعوا ولم يرعووا ، بل تمردوا واستمروا على كفرهم وعنادهم
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فإذا جاءتهم الحسنة وهو الخصب ونحوه
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131قالوا لنا هذه أي; هذا الذي نستحقه وهذا الذي يليق بنا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه أي; يقولون هذا; بشؤمهم أصابنا هذا . ولا يقولون في الأول : إنه بركتهم وحسن مجاورتهم ، ولكن قلوبهم منكرة مستكبرة نافرة عن الحق ، إذا جاء الشر أسندوه إليه ، وإن رأوا خيرا ادعوه لأنفسهم . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131ألا إنما طائرهم عند الله أي; الله يجزيهم على هذا أوفر الجزاء
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131ولكن أكثرهم لا يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=132وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين أي;
nindex.php?page=treesubj&link=31911مهما جئتنا به من الآيات ، وهي الخوارق للعادات فلسنا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نطيعك ولو جئتنا بكل آية . وهكذا أخبر الله عنهم في
[ ص: 95 ] قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=96إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=97ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم [ يونس : 96 ، 97 ] . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين .
أما الطوفان ، فعن
ابن عباس : هو كثرة الأمطار المتلفة للزروع والثمار . وبه قال
سعيد بن جبير ،
وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، والضحاك . وعن
ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء : هو كثرة الموت . وقال
مجاهد : الطوفان الماء ، والطاعون على كل حال . وعن
ابن عباس : أمر طاف بهم . وقد روى
ابن جرير وابن مردويه ، من طريق
يحيى بن يمان عن
المنهال بن خليفة ، عن
الحجاج ، عن
الحكم بن ميناء ، عن
عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :
الطوفان الموت وهو غريب .
وأما الجراد فمعروف . وقد روى
أبو داود ، عن
أبي عثمان ، عن
سلمان الفارسي ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد ، فقال
: أكثر جنود الله ، لا آكله ولا أحرمه وترك النبي صلى الله عليه وسلم أكله إنما هو على وجه التقذر له; كما ترك
nindex.php?page=treesubj&link=33200أكل الضب ، وتنزه عن أكل البصل والثوم والكراث ، لما ثبت في
[ ص: 96 ] " الصحيحين " ، عن
عبد الله بن أبي أوفى ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509812غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد . وقد تكلمنا على ما ورد فيه من الأحاديث والآثار في " التفسير " .
والمقصود أنه استاق خضراءهم ، فلم يترك لهم زروعا ولا ثمارا ، ولا سبدا ولا لبدا .
وأما القمل ، فعن
ابن عباس : هو السوس الذي يخرج من الحنطة ، وعنه ، أنه الجراد الصغار الذي لا أجنحة له . وبه قال
مجاهد ،
وعكرمة ،
وقتادة . وقال
سعيد بن جبير ،
والحسن : هو دواب سود صغار . وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هي البراغيث . وحكى
ابن جرير عن أهل العربية أنها الحمنان . وهو صغار القردان فوق القمقامة ، فدخل معهم البيوت والفرش ، فلم يقر لهم قرار ، ولم يمكنهم معه الغمض ولا العيش . وفسره
عطاء بن السائب بهذا القمل المعروف . وقرأها
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري كذلك بالتخفيف .
وأما الضفادع فمعروفة ، لبستهم حتى كانت تسقط في أطعماتهم وأوانيهم ، حتى إن أحدهم إذا فتح فمه لطعام أو شراب ، سقطت في فيه ضفدعة من تلك الضفادع .
[ ص: 97 ] وأما الدم فكان قد مزج ماؤهم كله به ، فلا يستقون من النيل شيئا إلا وجدوه دما عبيطا ، ولا من نهر ولا بئر ولا شيء إلا كان دما في الساعة الراهنة . هذا كله ، ولم ينل
بني إسرائيل من ذلك شيء بالكلية . وهذا من تمام المعجزة الباهرة ، والحجة القاطعة أن هذا كله يحصل لهم عن فعل
موسى ، عليه السلام ، فينالهم عن آخرهم ، ولا يحصل هذا لأحد من
بني إسرائيل ، وفي هذا أدل دليل .
قال
محمد بن إسحاق : فرجع عدو الله
فرعون حين آمنت السحرة مغلوبا مفلولا ، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر ، فتابع الله عليه بالآيات ، فأخذه بالسنين ، فأرسل عليه الطوفان ، ثم الجراد ، ثم القمل ، ثم الضفادع ، ثم الدم آيات مفصلات; فأرسل الطوفان - وهو الماء - ففاض على وجه الأرض ثم ركد لا يقدرون على أن يحرثوا ولا أن يعملوا شيئا ، حتى جهدوا جوعا ، فلما بلغهم ذلك ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل [ الأعراف : 134 ] . فدعا
موسى ربه ، فكشفه عنهم ، فلما لم يفوا له بشيء ، فأرسل الله عليهم الجراد ، فأكل الشجر ، فيما بلغني ، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد ، حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشف عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم القمل ، فذكر لي أن
موسى ، عليه السلام ، أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه فمشى إلى كثيب أهيل عظيم ، فضربه بها ، فانثال
[ ص: 98 ] عليهم قملا حتى غلب على البيوت والأطعمة ، ومنعهم النوم والقرار ، فلما جهدهم ، قالوا له مثل ما قالوا له ، فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فلما لم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأت البيوت والأطعمة والآنية ، فلم يكشف أحد ثوبا ولا طعاما إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه ، فلما جهدهم ذلك ، قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشف عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل
فرعون دما ، لا يستقون من بئر ، ولا نهر ولا يغترفون من إناء ، إلا عاد دما عبيطا . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : المراد بالدم الرعاف . رواه
ابن أبي حاتم .
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=135فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=136فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين [ الأعراف : 134 - 136 ] . يخبر تعالى ، عن كفرهم وعتوهم واستمرارهم على الضلال والجهل ، والاستكبار عن اتباع آيات الله ، وتصديق رسوله ، مع ما أيد به من الآيات العظيمة الباهرة والحجج البليغة القاهرة ، التي أراهم الله إياها عيانا ، وجعلها عليهم دليلا وبرهانا ، وكلما شاهدوا آية وعاينوها وجهدتهم وأضنكتهم ، حلفوا وعاهدوا
موسى; لئن كشف عنهم
[ ص: 99 ] هذه ليؤمنن به ، وليرسلن معه من هو من حزبه ، فكلما رفعت عنهم تلك الآية عادوا إلى شر مما كانوا عليه ، وأعرضوا عما جاءهم به من الحق ، ولم يلتفتوا إليه ، فيرسل الله عليهم آية أخرى ، هي أشد مما كانت قبلها وأقوى ، فيقولون ، فيكذبون . ويعدون ولا يفون
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فيكشف عنهم ذلك العذاب الوبيل . ثم يعودون إلى جهلهم العريض الطويل . هذا ، والعظيم الحليم القدير ينظرهم ولا يعجل عليهم ، ويؤخرهم ويتقدم بالوعيد إليهم ، ثم أخذهم - بعد إقامة الحجة عليهم ، والإعذار إليهم - أخذ عزيز مقتدر ، فجعلهم عبرة ونكالا وسلفا لمن أشبههم من الكافرين ، ومثلا لمن اتعظ بهم من عباده المؤمنين .
وقال الله تبارك وتعالى ، وهو أصدق القائلين في سورة " حم والكتاب المبين " :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=46ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=47فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين [ الزخرف : 46 - 56 ] .
.
[ ص: 100 ] يذكر تعالى إرساله عبده الكليم الكريم ، إلى
فرعون الخسيس اللئيم ، وأنه تعالى أيد رسوله بآيات بينات واضحات ، تستحق أن تقابل بالتصديق والتعظيم ، وأن يرتدعوا عما هم فيه من الكفر ، ويرجعوا إلى الحق والصراط المستقيم ، فإذا هم منها يضحكون ، وبها يستهزئون ، وعن سبيل الله يصدون ، وعن الحق يحيدون ، فأرسل الله عليهم الآيات تترى ، يتبع بعضها بعضا ، وكل آية أكبر من أختها التي تتلوها; لأن المؤكد أبلغ مما قبله ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون لم يكن لفظ الساحر في زمانهم نقصا ولا عيبا; لأن علماءهم ، في ذلك الوقت ، هم السحرة; ولهذا خاطبوه به في حال احتياجهم إليه ، وضراعتهم لديه ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ثم أخبر تعالى عن تبجح
فرعون بملكه وعظمة بلده وحسنها وتخرق الأنهار فيها ، وهي الخلجان التي يكسرونها أمام زيادة النيل ثم تبجح بنفسه وحليته وأخذ يتنقص رسول الله
موسى ، عليه السلام ، ويزدريه بكونه
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52ولا يكاد يبين يعني كلامه ، بسبب ما كان في لسانه من بقية تلك اللثغة ، التي هي شرف له ، وكمال وجمال ، ولم تكن مانعة له أن كلمه الله تعالى ، وأوحى إليه ، وأنزل بعد ذلك التوراة عليه ، وتنقصه
فرعون ، لعنه الله ، بكونه لا
[ ص: 101 ] أساور في يديه ولا زينة عليه ، وإنما ذلك من حلية النساء ، لا يليق بشهامة الرجال ، فكيف بالرسل الذين هم أكمل عقلا ، وأتم معرفة ، وأعلى همة ، وأزهد في الدنيا ، وأعلم بما أعد الله لأوليائه في الأخرى . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53أو جاء معه الملائكة مقترنين لا يحتاج الأمر إلى ذلك إن كان المراد أن تعظمه الملائكة . فالملائكة يعظمون ويتواضعون لمن هو دون
موسى عليه السلام ، بكثير كما جاء في الحديث :
إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع فكيف يكون تواضعهم وتعظيمهم
لموسى الكليم ، عليه الصلاة والتسليم والتكريم؟ وإن كان المراد شهادتهم له بالرسالة ، فقد أيد من المعجزات بما يدل قطعا لذوي الألباب ، ولمن قصد إلى الحق والصواب ، ويعمى عما جاء به من البينات والحجج الواضحات ، من نظر إلى القشور ، وترك لب اللباب ، وطبع على قلبه رب الأرباب ، وختم عليه بما فيه من الشك والارتياب ، كما هو حال
فرعون القبطي العمي الكذاب ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فاستخف قومه فأطاعوه أي; استخف عقولهم ، ودرجهم من حال إلى حال ، إلى أن صدقوه في دعواه الربوبية ، لعنه الله وقبحهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54إنهم كانوا قوما فاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فلما آسفونا أي; أغضبونا;
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55انتقمنا منهم أي; بالغرق والإهانة ، وسلب العز ، والتبدل بالذل وبالعذاب بعد النعمة ، والهوان بعد الرفاهية ، والنار بعد طيب العيش ، عياذا بالله العظيم وسلطانه القديم من ذلك ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56فجعلناهم سلفا أي; لمن اتبعهم في الصفات ، ومثلا أي; لمن اتعظ بهم ، وخاف من وبيل
[ ص: 102 ] مصرعهم ، ممن بلغه جلية خبرهم ، وما كان من أمرهم; كما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=42وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين [ القصص : 36 - 42 ] . يخبر تعالى أنهم لما استكبروا عن اتباع الحق ، وادعى ملكهم الباطل ، ووافقوه عليه ، وأطاعوه فيه ، اشتد غضب الرب القدير العزيز ، الذي لا يغالب ولا يمانع ، عليهم ، فانتقم منهم أشد الانتقام ، وأغرقه هو وجنوده في صبيحة واحدة ، فلم يفلت منهم أحد ، ولم يبق منهم ديار ، بل كان قد غرق ، فدخل النار ، وأتبعوا في هذه الدار لعنة بين العالمين ، ويوم القيامة ، بئس الرفد المرفود ، ويوم القيامة هم من المقبوحين .
فَصْلٌ
[ ص: 81 ] وَلَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ ، وَهُوَ الْغَلَبُ الَّذِي غُلِبَهُ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ مِنَ
الْقِبْطِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْهَائِلِ ، وَأَسْلَمَ السَّحَرَةُ ، الَّذِينَ اسْتَنْصَرُوا رَبَّهُمْ لَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا كُفْرًا وَعِنَادًا وَبُعْدًا عَنِ الْحَقِّ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ، بَعْدَ قَصَصِ مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ " الْأَعْرَافِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [ الْأَعْرَافِ : 127 - 129 ] . يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=31913الْمَلَأِ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ، وَهُمُ الْأُمَرَاءُ وَالْكُبَرَاءُ ، أَنَّهُمْ حَرَّضُوا مِلَكَهُمْ فِرْعَوْنَ عَلَى أَذِيَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَمُقَابَلَتِهِ - بَدَلَ التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ - بِالْكُفْرِ وَالرَّدِّ وَالْأَذَى ، فَقَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ يَعْنُونَ ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ ، أَنَّ دَعْوَتَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَالنَّهْيَ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ فَسَادٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اعْتِقَادِ
الْقِبْطِ ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ . وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ :
[ ص: 82 ] " وَيَذَرَكَ وَإِلَاهَتَكَ " أَيْ ; وَعِبَادَتَكَ . وَيَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ ; أَحَدُهُمَا وَيَذْرُ دِينَكَ . وَتُقَوِّيهِ الْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى . الثَّانِي ، وَيَذَرُ أَنْ يَعْبُدَكَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ إِلَهٌ ، لَعَنَهُ اللَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ أَيْ ; لِئَلَّا تَكْثُرَ مُقَاتِلَتُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ أَيْ ; غَالِبُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ ; إِذَا هَمُّوا هُمْ بِأَذِيَّتِكُمْ وَالْفَتْكِ بِكُمْ فَاسْتَعِينُوا أَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ ، وَاصْبِرُوا عَلَى بَلِيَّتِكُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ ; فَكُونُوا أَنْتُمْ مِنَ الْمُتَّقِينَ ; لِتَكُونَ لَكُمُ الْعَاقِبَةُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=84وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=85فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=86وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ يُونُسَ : 84 - 86 ] . وَقَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا أَيْ ; قَدْ كَانَتِ الْأَبْنَاءُ تُقْتَلُ قَبْلَ مَجِيئِكَ ، وَبَعْدَ مَجِيئِكَ إِلَيْنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ " حم الْمُؤْمِنِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=23وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=24إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [ غَافِرٍ : 23 ، 24 ] . وَكَانَ
فِرْعَوْنُ الْمَلِكَ ،
وَهَامَانُ الْوَزِيرَ ، وَكَانَ
[ ص: 83 ] قَارُونُ إِسْرَائِيلِيًّا مِنْ قَوْمِ
مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينِ
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ، وَكَانَ ذَا مَالٍ جَزِيلٍ جِدًّا ، كَمَا سَتَأْتِي قِصَّتُهُ فِيمَا بَعْدُ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=25فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ [ غَافِرٍ : 25 ] . وَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=31920الْقَتْلُ لِلْغِلْمَانِ ، مِنْ بَعْدِ بَعْثَةِ مُوسَى ، إِنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ ، وَالتَّقْلِيلِ لِمَلَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ; لِئَلَّا تَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ يَمْتَنِعُونَ بِهَا أَوْ يَصُولُونَ عَلَى
الْقِبْطِ بِسَبَبِهَا ، وَكَانَتِ
الْقِبْطُ مِنْهُمْ يَحْذَرُونَ ، فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ ذَلِكَ ; وَلَمْ يَرُدَّ عَنْهُمْ قَدَرَ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ : كُنْ . فَيَكُونُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [ غَافِرٍ : 26 ] . وَلِهَذَا يَقُولُ النَّاسُ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ : صَارَ
فِرْعَوْنُ مُذَكِّرًا . وَهَذَا مِنْهُ ، فَإِنَّ
فِرْعَوْنَ فِي زَعْمِهِ يَخَافُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُضِلَّهُمْ
مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [ غَافِرٍ : 27 ] . أَيْ ; عُذْتُ بِاللَّهِ ، وَلَجَأْتُ إِلَيْهِ وَاسْتَجَرْتُ بِجَنَابِهِ مِنْ أَنْ يَسْطُوَ
فِرْعَوْنُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَيَّ بِسُوءٍ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ أَيْ ; جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، لَا يَرْعَوِي وَلَا
[ ص: 84 ] يَنْتَهِي ، وَلَا يَخَافُ عَذَابَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ مَعَادًا وَلَا جَزَاءً ، وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=27مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [ غَافِرٍ : 28 ، 29 ] . هَذَا الرَّجُلُ هُوَ ابْنُ عَمِّ
فِرْعَوْنَ ، وَكَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مِنْ قَوْمِهِ ، خَوْفًا مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ . وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ كَانَ إِسْرَائِيلِيًّا ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَمُخَالِفٌ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ لَفْظًا وَمَعْنًى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمْ يُؤْمِنْ مِنَ
الْقِبْطِ بِمُوسَى إِلَّا هَذَا ، وَالَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ، وَامْرَأَةِ
فِرْعَوْنَ . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ : لَا يُعْرَفُ مَنِ اسْمُهُ شَمْعَانُ - بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - إِلَّا مُؤْمِنُ آلِ
فِرْعَوْنَ . حَكَاهُ
السُّهَيْلِيُّ . وَفِي " تَارِيخِ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيِّ " أَنَّ اسْمَهُ : جَبْرٌ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ، فَلَمَّا هَمَّ
فِرْعَوْنُ ، لَعَنَهُ اللَّهُ ،
[ ص: 85 ] بِقَتْلِ
مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ وَشَاوَرَ مَلَأَهُ فِيهِ ، خَافَ هَذَا الْمُؤْمِنُ عَلَى
مُوسَى ، فَتَلَطَّفَ فِي رَدِّ
فِرْعَوْنَ بِكَلَامٍ جَمَعَ فِيهِ التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ ، فَقَالَ كَلِمَةَ الْحَقِّ عَلَى وَجْهِ الْمَشُورَةِ وَالرَّأْيِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=33385أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ وَهَذَا مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ هَذَا الْمَقَامِ ، فَإِنَّ
فِرْعَوْنَ لَا يَكُونُ أَشَدُّ جَوْرًا مِنْهُ ، وَهَذَا الْكَلَامُ لَا أَعْدَلَ مِنْهُ; لِأَنَّ فِيهِ عِصْمَةَ دَمِ نَبِيٍّ . وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ لَهُمْ بِإِظْهَارِ إِيمَانِهِ ، وَصَرَّحَ لَهُمْ بِمَا كَانَ يَكْتُمُهُ . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أَيْ; مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَالَ : رَبِّيَ اللَّهُ . فَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَابَلُ بِمِثْلِ هَذَا ، بَلْ بِالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ وَالْمُوَادَعَةِ وَتَرَكِ الِانْتِقَامِ ، يَعْنِي : لِأَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ أَيْ; بِالْخَوَارِقِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى صَدْقِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ فَهَذَا إِنْ وَادَعْتُمُوهُ كُنْتُمْ فِي سَلَامَةٍ; لِأَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَلَا يَضُرُّكُمْ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَإِنْ يَكُ صَادِقًا وَقَدْ تَعَرَّضْتُمْ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ أَيْ; وَأَنْتُمْ تُشْفِقُونَ أَنْ يَنَالَكُمْ أَيْسَرُ جَزَاءٍ مِمَّا يَتَوَعَّدُكُمْ بِهِ ، فَكَيْفَ بِكُمْ إِنَّ حَلَّ جَمِيعُهُ عَلَيْكُمْ؟ وَهَذَا
[ ص: 86 ] الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ
nindex.php?page=treesubj&link=20077مِنْ أَعْلَى مَقَامَاتِ التَّلَطُّفِ وَالِاحْتِرَازِ وَالْعَقْلِ التَّامِّ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ يُحَذِّرُهُمْ أَنَّ يَسْلُبُوا هَذَا الْمُلْكَ الْعَزِيزَ ، فَإِنَّهُ مَا تَعَرَّضَتِ الدُّوَلُ لِلدِّينِ إِلَّا سُلِبُوا مُلْكَهُمْ وَذَلُّوا بَعْدَ عِزِّهِمْ ، وَكَذَا وَقْعَ لِآلِ
فِرْعَوْنَ; مَا زَالُوا فِي شَكٍّ وَرَيْبٍ ، وَمُخَالَفَةٍ وَمُعَانَدَةٍ لِمَا جَاءَهُمْ
مُوسَى بِهِ ، حَتَّى أَخْرَجَهُمُ اللَّهُ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ وَالْأَمْلَاكِ وَالدُّورِ وَالْقُصُورِ ، وَالنِّعْمَةِ وَالْحُبُورِ ، ثُمَّ حُوِّلُوا إِلَى الْبَحْرِ مُهَانِينَ ، وَنُقِلَتْ أَرْوَاحُهُمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ . وَلِهَذَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ الصَّادِقُ ، الْبَارُّ الرَّاشِدُ ، التَّابِعُ لِلْحَقِّ النَّاصِحُ لِقَوْمِهِ ، الْكَامِلُ الْعَقْلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يَاقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ أَيْ; عَالِينَ عَلَى النَّاسِ حَاكِمِينَ عَلَيْهِمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا أَيْ; لَوْ كُنْتُمْ أَضْعَافَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ لَمَا نَفَعَنَا ذَلِكَ وَلَا رَدَّ عَنَّا بَأْسَ مَالِكِ الْمَمَالِكِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29قَالَ فِرْعَوْنُ أَيْ; فِي جَوَابِ هَذَا كُلِّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى أَيْ; مَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا مَا عِنْدِي
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ وَكَذَبَ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ، وَهَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يَتَحَقَّقُ وَيَعْلَمُ فِي بَاطِنِهِ وَفِي نَفْسِهِ أَنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ
مُوسَى حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا مَحَالَةَ ، وَإِنَّمَا كَانَ يُظْهِرُ خِلَافَهُ بَغْيًا وَعُدْوَانًا ، وَعُتُوًّا وَكُفْرَانًا .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ
مُوسَى :
[ ص: 87 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=102قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [ الْإِسْرَاءِ : 102 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=13فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [ النَّمْلِ : 13 ، 14 ] . وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ . فَقَدْ كَذَبَ أَيْضًا ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَشَادٍ مِنَ الْأَمْرِ ، بَلْ كَانَ عَلَى سَفَهٍ وَضَلَالٍ ، وَخَبَالٍ ، وَكَانَ أَوَّلًا مِمَّنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَالْأَمْثَالَ ، ثُمَّ دَعَا قَوْمَهُ الْجَهَلَةَ الضُّلَّالَ إِلَى أَنِ اتَّبَعُوهُ وَطَاوَعُوهُ ، وَصَدَّقُوهُ فِيمَا زَعَمَ مِنَ الْكُفْرِ الْمُحَالِ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ رَبٌّ ، تَعَالَى اللَّهُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ [ الزُّخْرُفِ : 51 - 56 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=20فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=21فَكَذَّبَ وَعَصَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=22ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=23فَحَشَرَ فَنَادَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=25فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=26إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [ النَّازِعَاتِ : 20 - 26 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=23وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=97إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيْهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=98يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=99وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ [ هُودٍ : 96 - 99 ] . وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ كَذِبِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ .
[ ص: 88 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=30قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=31وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=32قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=33وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=34إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=35وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 30 - 35 ] . يُحَذِّرُهُمْ وَلِيُّ اللَّهِ ، إِنْ كَذَّبُوا بِرَسُولِ اللَّهِ
مُوسَى ، أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ النَّقِمَاتِ وَالْمَثُلَّاتِ ، مِمَّا تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ; مَا حَلَّ بِقَوْمِ
نُوحٍ ،
وَعَادٍ ،
وَثَمُودَ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى زَمَانِهِمْ ذَلِكَ ، مِمَّا أَقَامَ اللَّهُ بِهِ الْحُجَجَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً ، فِي صِدْقِ مَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ ، بِمَا أَنْزَلَ مِنَ النِّقْمَةِ بِمُكَذِّبِيهِمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ ، وَمَا أَنْجَى اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ ، وَخَوَّفَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَهُوَ يَوْمُ التَّنَادِ أَيْ; حِينَ يُنَادِي النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حِينَ يُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ إِنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=10يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=11كَلَّا لَا وَزَرَ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=12إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ [ الْقِيَامَةِ : 10 - 12 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=33يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=34فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=35يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=36فَبِأَيِ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [ ص: 89 ] [ الرَّحْمَنِ : 33 - 36 ] . وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ : ( يَوْمَ التَّنَادِّ ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ ، أَي يَوْمَ الْفِرَارِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ يُحِلُّ اللَّهُ بِهِمُ الْبَأْسَ ، فَيَوَدُّونَ الْفِرَارَ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=12فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=13لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 12 ، 13 ] . ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَنْ نُبُوَّةِ
يُوسُفَ فِي بِلَادِ
مِصْرَ; مَا كَانَ مِنْهُ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ ، وَهَذَا مِنْ سُلَالَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ ، وَأَنْ لَا يُشْرِكُوا بِهِ أَحَدًا مِنْ بَرِّيَّتِهِ ، وَأَخْبَرَ عَنْ أَهْلِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، أَنَّ مِنْ سَجِيَّتِهِمُ التَّكْذِيبَ بِالْحَقِّ وَمُخَالَفَةَ الرُّسُلِ; وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا أَيْ; وَكَذَّبْتُمْ فِي هَذَا . وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ أَيْ; يَرُدُّونَ حُجَجَ اللَّهِ وَبَرَاهِينَهُ وَدَلَائِلَ تَوْحِيدِهِ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا دَلِيلٍ عِنْدَهُمْ مِنَ اللَّهِ ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ يَمْقُتُهُ اللَّهُ غَايَةَ الْمَقْتِ; أَيْ يُبْغِضُ مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ مِنَ النَّاسِ ، وَمَنِ اتَّصَفَ بِهِ مِنَ الْخَلْقِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=35كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ قُرِئَ بِالْإِضَافَةِ وَبِالنَّعْتِ ، وَكِلَاهُمَا مُتَلَازِمٌ; أَيْ هَكَذَا إِذَا خَالَفَتِ الْقُلُوبُ الْحَقَّ ، وَلَا تُخَالِفُهُ إِلَّا بِلَا بُرْهَانٍ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَطْبَعُ عَلَيْهَا; أَيْ يَخْتِمُ عَلَيْهَا .
[ ص: 90 ] nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=36وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ [ غَافِرٍ : 36 ، 37 ] . كَذَّبَ
فِرْعَوْنُ مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فِي دَعْوَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ ، وَزَعَمَ
فِرْعَوْنُ لِقَوْمِهِ مَا كَذَّبَهُ وَافْتَرَاهُ ، فِي قَوْلِهِ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ [ الْقَصَصِ : 38 ] . وَقَالَ هَاهُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=36لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ أَيْ; طُرُقَهَا وَمَسَالِكَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَيَحْتَمِلُ هَذَا مَعْنَيَيْنِ; أَحَدُهُمَا ، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ : إِنَّ لِلْعَالَمِ رَبًّا غَيْرِي . وَالثَّانِي ، فِي دَعْوَاهُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ . وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ حَالِ
فِرْعَوْنَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ ظَاهِرَ إِثْبَاتِ الصَّانِعِ ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى اللَّفْظِ; حَيْثُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى أَيْ; فَأَسْأَلَهُ هَلْ أَرْسَلَهُ أَمْ لَا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا أَيْ; فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا كَانَ مَقْصُودُ
فِرْعَوْنَ أَنْ يَصُدَّ النَّاسَ عَنْ تَصْدِيقِ
مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنْ يَحُثَّهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=37وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَقُرِئَ : ( وَصَدَّ عَنِ السَّبِيلِ ) قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ : يَقُولُ : إِلَّا فِي خَسَارٍ . أَيْ بَاطِلٍ ، لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَقْصُودِهِ الَّذِي رَامَهُ ، فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْبَشَرِ أَنْ يَتَوَصَّلُوا بِقُوَاهُمْ إِلَى نَيْلِ السَّمَاءِ أَبَدًا - أَعْنِي السَّمَاءَ الدُّنْيَا - فَكَيْفَ بِمَا بَعْدَهَا مِنَ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى ، وَمَا فَوْقَ
[ ص: 91 ] ذَلِكَ مِنَ الِارْتِفَاعِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذَا الصَّرْحَ ، وَهُوَ الْقَصْرُ الَّذِي بَنَاهُ وَزِيرُهُ
هَامَانُ لَهُ ، لَمْ يُرَ بِنَاءٌ أَعْلَى مِنْهُ ، وَأَنَّهُ كَانَ مَبْنِيًّا مِنَ الْآجُرِّ الْمَشْوِيِّ بِالنَّارِ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا وَعِنْدَ
أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يُسَخَّرُونَ فِي ضَرْبِ اللَّبِنِ ، وَكَانَ مِمَّا حَمَلُوا مِنَ التَّكَالِيفِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ أَنَّهُمْ لَا يُسَاعَدُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِيهِ ، بَلْ كَانُوا هُمُ الَّذِينَ يَجْمَعُونَ تُرَابَهُ وَتِبْنَهُ وَمَاءَهُ ، وَيُطْلَبُ مِنْهُمْ كُلَّ يَوْمٍ قِسْطٌ مُعَيَّنٌ ، إِنْ لَمْ يَفْعَلُوهُ وَإِلَّا ضُرِبُوا وَأُهِينُوا غَايَةَ الْإِهَانَةِ ، وَأُوذُوا غَايَةَ الْأَذِيَّةِ . وَلِهَذَا قَالُوا
لِمُوسَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَوَعَدَهُمْ بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُمْ عَلَى
الْقِبْطِ ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ ، وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ .
وَلْنَرْجِعْ إِلَى نَصِيحَةِ الْمُؤْمِنِ وَمَوْعِظَتِهِ وَاحْتِجَاجِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=38وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=39يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=40مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [ غَافِرٍ : 38 - 40 ] . يَدْعُوهُمْ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، إِلَى طَرِيقِ الرَّشَادِ وَالْحَقِّ ، وَهِيَ مُتَابَعَةُ نَبِيِّ اللَّهِ
[ ص: 92 ] مُوسَى ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ رَبِّهِ ، ثُمَّ زَهَّدَهُمْ فِي الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ الْفَانِيَةِ الْمُنْقَضِيَةِ لَا مَحَالَةَ ، وَرَغَّبَهُمْ فِي طَلَبِ الثَّوَابِ عِنْدَ اللَّهِ ، الَّذِي لَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ لَدَيْهِ ، الْقَدِيرِ الَّذِي مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ بِيَدَيْهِ ، الَّذِي يُعْطِي عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا ، وَمِنْ عَدْلِهِ لَا يُجَازَى عَلَى السَّيِّئَةِ إِلَّا مِثْلَهَا . وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ، الَّتِي مِنْ وَافَاهَا مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ ، فَلَهُمُ الْجَنَّاتُ الْعَالِيَاتُ ، وَالْغُرَفُ الْآمِنَاتُ ، وَالْخَيْرَاتُ الْكَثِيرَةِ الْفَائِقَاتُ ، وَالْأَرْزَاقُ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا تَبِيدُ ، وَالْخَيْرُ الَّذِي كُلُّ مَا لَهُمْ مِنْهُ فِي مَزِيدٍ .
ثُمَّ شَرَعَ فِي إِبْطَالِ مَا هُمْ عَلَيْهِ ، وَتَخْوِيفِهِمْ مِمَّا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [ غَافِرٍ : 41 - 46 ] . كَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ : كُنْ . فَيَكُونُ ، وَهُمْ يَدْعُونَهُ إِلَى عِبَادَةِ
فِرْعَوْنَ الْجَاهِلِ الضَّالِّ الْمَلْعُونِ ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ،
[ ص: 93 ] ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ بُطْلَانَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ مَا سِوَى اللَّهِ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مِنْ نَفْعٍ وَلَا إِضْرَارٍ . فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ أَيْ; لَا تَمْلِكُ تَصَرُّفًا وَلَا حُكْمًا فِي هَذِهِ الدَّارِ ، فَكَيْفَ تَمْلِكُهُ يَوْمَ الْقَرَارِ؟ وَأَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ لِلْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ ، وَهُوَ الَّذِي أَحْيَا الْعِبَادَ وَيُمِيتُهُمْ وَيَبْعَثُهُمْ ، فَيُدْخِلُ طَائِعَهُمُ الْجَنَّةَ وَعَاصِيَهُمُ النَّارَ . ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ إِنْ هُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى الْعِنَادِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=44فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا أَيْ; بِإِنْكَارِهِ سَلِمَ مِمَّا أَصَابَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ ، وَمَكْرِهِمْ فِي صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مِمَّا أَظْهَرُوا لِلْعَامَّةِ مِنَ الْخَيَالَاتِ وَالْمُحَالَاتِ الَّتِي لَبَّسُوا بِهَا عَلَى عَوَامِّهِمْ وَطَغَامِهِمْ; وَلِهَذَا قَالَ : وَحَاقَ أَيْ; أَحَاطَ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا أَيْ; تُعْرَضُ أَرْوَاحُهُمْ فِي بَرْزَخِهِمْ صَبَاحًا وَمَسَاءً عَلَى النَّارِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ فِي " التَّفْسِيرِ " . وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُهْلِكْهُمْ إِلَّا بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ ، وَإِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ ، وَإِزَاحَةِ الشُّبَهِ عَنْهُمْ ، وَأَخْذِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ ، فَبِالتَّرْهِيبِ تَارَةً
[ ص: 94 ] وَالتَّرْغِيبِ أُخْرَى ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=132وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ الْأَعْرَافِ : 130 - 133 ] . يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ ابْتَلَى آلَ
فِرْعَوْنَ ، وَهُمْ قَوْمُهُ مِنَ
الْقِبْطِ ، بِالسِّنِينَ ، وَهِيَ أَعْوَامُ الْجَدْبِ الَّتِي لَا يُسْتَغَلُّ فِيهَا زَرْعٌ وَلَا يُنْتَفَعُ بِضَرْعٍ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ وَهِيَ قِلَّةُ الثِّمَارِ مِنَ الْأَشْجَارِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=26لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ أَيْ; فَلَمْ يَنْتَفِعُوا وَلَمْ يَرْعَوُوا ، بَلْ تَمَرَّدُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ وَهُوَ الْخِصْبُ وَنَحْوُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131قَالُوا لَنَا هَذِهِ أَيْ; هَذَا الَّذِي نَسْتَحِقُّهُ وَهَذَا الَّذِي يَلِيقُ بِنَا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَيْ; يَقُولُونَ هَذَا; بِشُؤْمِهِمْ أَصَابَنَا هَذَا . وَلَا يَقُولُونَ فِي الْأَوَّلِ : إِنَّهُ بَرَكَتُهُمْ وَحُسْنُ مُجَاوَرَتِهِمْ ، وَلَكِنَّ قُلُوبَهُمْ مُنْكِرَةٌ مُسْتَكْبِرَةٌ نَافِرَةٌ عَنِ الْحَقِّ ، إِذَا جَاءَ الشَّرُّ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ ، وَإِنْ رَأَوْا خَيْرًا ادَّعَوْهُ لِأَنْفُسِهِمْ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَيِ; اللَّهُ يَجْزِيهِمْ عَلَى هَذَا أَوْفَرَ الْجَزَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=132وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ أَيْ;
nindex.php?page=treesubj&link=31911مَهْمَا جِئْتَنَا بِهِ مِنَ الْآيَاتِ ، وَهِيَ الْخَوَارِقُ لِلْعَادَاتِ فَلَسْنَا نُؤْمِنُ بِكَ وَلَا نَتَّبِعُكَ وَلَا نُطِيعُكَ وَلَوْ جِئْتَنَا بِكُلِّ آيَةٍ . وَهَكَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي
[ ص: 95 ] قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=96إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=97وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [ يُونُسَ : 96 ، 97 ] . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ .
أَمَّا الطُّوفَانُ ، فَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : هُوَ كَثْرَةُ الْأَمْطَارِ الْمُتْلِفَةِ لِلزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ . وَبِهِ قَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ،
وَقَتَادَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ ، وَالضَّحَّاكُ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وَعَطَاءٍ : هُوَ كَثْرَةُ الْمَوْتِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الطُّوفَانُ الْمَاءُ ، وَالطَّاعُونُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَمْرٌ طَافَ بِهِمْ . وَقَدْ رَوَى
ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، مِنْ طَرِيقِ
يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ عَنِ
الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ ، عَنِ
الْحَجَّاجِ ، عَنِ
الْحَكَمِ بْنِ مِينَاءَ ، عَنْ
عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
الطُّوفَانُ الْمَوْتُ وَهُوَ غَرِيبٌ .
وَأَمَّا الْجَرَادُ فَمَعْرُوفٌ . وَقَدْ رَوَى
أَبُو دَاوُدَ ، عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَرَادِ ، فَقَالَ
: أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ ، لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَتَرْكُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْلَهُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّقَذُّرِ لَهُ; كَمَا تَرَكَ
nindex.php?page=treesubj&link=33200أَكْلَ الضَّبِّ ، وَتَنَزَّهَ عَنْ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْكُرَّاثِ ، لِمَا ثَبَتَ فِي
[ ص: 96 ] " الصَّحِيحَيْنِ " ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3509812غَزْونَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ . وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فِي " التَّفْسِيرِ " .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ اسْتَاقَ خَضْرَاءَهُمْ ، فَلَمْ يَتْرُكْ لَهُمْ زُرُوعًا وَلَا ثِمَارًا ، وَلَا سَبَدًا وَلَا لَبَدًا .
وَأَمَّا الْقُمَّلُ ، فَعَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : هُوَ السُّوسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْحِنْطَةِ ، وَعَنْهُ ، أَنَّهُ الْجَرَادُ الصِّغَارُ الَّذِي لَا أَجْنِحَةَ لَهُ . وَبِهِ قَالَ
مُجَاهِدٌ ،
وَعِكْرِمَةُ ،
وَقَتَادَةُ . وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ،
وَالْحَسَنُ : هُوَ دَوَابُّ سُودٌ صِغَارٌ . وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ : هِيَ الْبَرَاغِيثُ . وَحَكَى
ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهَا الْحَمْنَانُ . وَهُوَ صِغَارُ الْقِرْدَانِ فَوْقَ الْقَمْقَامَةِ ، فَدَخَلَ مَعَهُمُ الْبُيُوتَ وَالْفُرُشَ ، فَلَمْ يَقِرَّ لَهُمْ قَرَارٌ ، وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ مَعَهُ الْغَمْضُ وَلَا الْعَيْشُ . وَفَسَّرَهُ
عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ بِهَذَا الْقُمَّلِ الْمَعْرُوفِ . وَقَرَأَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ .
وَأَمَّا الضَّفَادِعُ فَمَعْرُوفَةٌ ، لَبَّسَتْهُمْ حَتَّى كَانَتْ تَسْقُطُ فِي أَطَعِمَاتِهِمْ وَأَوَانِيهِمْ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا فَتَحَ فَمَهُ لِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ ، سَقَطَتْ فِي فِيهِ ضِفْدِعَةٌ مِنْ تِلْكَ الضَّفَادِعِ .
[ ص: 97 ] وَأَمَّا الدَّمُ فَكَانَ قَدْ مُزِجَ مَاؤُهُمْ كُلُّهُ بِهِ ، فَلَا يَسْتَقُونَ مِنَ النِّيلِ شَيْئًا إِلَّا وَجَدُوهُ دَمًا عَبِيطًا ، وَلَا مِنْ نَهْرٍ وَلَا بِئْرٍ وَلَا شَيْءٍ إِلَّا كَانَ دَمًا فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ . هَذَا كُلُّهُ ، وَلَمْ يَنَلْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ . وَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْمُعْجِزَةِ الْبَاهِرَةِ ، وَالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ عَنْ فِعْلِ
مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَيَنَالُهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَفِي هَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ .
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : فَرَجَعَ عَدُوُّ اللَّهِ
فِرْعَوْنُ حِينَ آمَنَتِ السَّحَرَةُ مَغْلُوبًا مَفْلُولًا ، ثُمَّ أَبَى إِلَّا الْإِقَامَةَ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّمَادِيَ فِي الشَّرِّ ، فَتَابَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ ، فَأَخَذَهُ بِالسِّنِينَ ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الطُّوفَانَ ، ثُمَّ الْجَرَادَ ، ثُمَّ الْقُمَّلَ ، ثُمَّ الضَّفَادِعَ ، ثُمَّ الدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ; فَأَرْسَلَ الطُّوفَانَ - وَهُوَ الْمَاءُ - فَفَاضَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ثُمَّ رَكَدَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَحْرُثُوا وَلَا أَنْ يَعْمَلُوا شَيْئًا ، حَتَّى جُهِدُوا جُوعًا ، فَلَمَّا بَلَغَهُمْ ذَلِكَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [ الْأَعْرَافِ : 134 ] . فَدَعَا
مُوسَى رَبَّهُ ، فَكَشْفَهُ عَنْهُمْ ، فَلَمَّا لَمَّ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ ، فَأَكَلَ الشَّجَرَ ، فِيمَا بَلَغَنِي ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيَأْكُلُ مَسَامِيرَ الْأَبْوَابِ مِنَ الْحَدِيدِ ، حَتَّى تَقَعَ دُورُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ ، فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالُوا ، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقُمَّلَ ، فَذَكَرَ لِي أَنَّ
مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أُمِرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى كَثِيبٍ حَتَّى يَضْرِبَهُ بِعَصَاهُ فَمَشَى إِلَى كَثِيبٍ أَهْيَلَ عَظِيمٍ ، فَضَرَبَهُ بِهَا ، فَانْثَالَ
[ ص: 98 ] عَلَيْهِمْ قُمَّلًا حَتَّى غَلَبَ عَلَى الْبُيُوتِ وَالْأَطْعِمَةِ ، وَمَنَعَهُمُ النَّوْمَ وَالْقَرَارَ ، فَلَمَّا جَهَدَهُمْ ، قَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا لَهُ ، فَدَعَا رَبَّهُ ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ ، فَلَمَّا لَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ ، فَمَلَأَتِ الْبُيُوتَ وَالْأَطْعِمَةَ وَالْآنِيَةَ ، فَلَمْ يَكْشِفْ أَحَدٌ ثَوْبًا وَلَا طَعَامًا إِلَّا وَجَدَ فِيهِ الضَّفَادِعَ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا جَهَدَهُمْ ذَلِكَ ، قَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا ، فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ ، فَلَمْ يَفُوا لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا قَالُوا ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ فَصَارَتْ مِيَاهُ آلِ
فِرْعَوْنَ دَمًا ، لَا يَسْتَقُونَ مِنْ بِئْرٍ ، وَلَا نَهْرٍ وَلَا يَغْتَرِفُونَ مِنْ إِنَاءٍ ، إِلَّا عَادَ دَمًا عَبِيطًا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : الْمُرَادُ بِالدَّمِ الرُّعَافُ . رَوَاهُ
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=135فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=136فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [ الْأَعْرَافِ : 134 - 136 ] . يُخْبِرُ تَعَالَى ، عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ وَاسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى الضَّلَالِ وَالْجَهْلِ ، وَالِاسْتِكْبَارِ عَنِ اتِّبَاعِ آيَاتِ اللَّهِ ، وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ ، مَعَ مَا أَيَّدَ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ الْبَاهِرَةِ وَالْحُجَجِ الْبَلِيغَةِ الْقَاهِرَةِ ، الَّتِي أَرَاهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا عِيَانًا ، وَجَعَلَهَا عَلَيْهِمْ دَلِيلًا وَبُرْهَانًا ، وَكُلَّمَا شَاهَدُوا آيَةً وَعَايَنُوهَا وَجَهَدَتْهُمْ وَأَضْنَكَتْهُمْ ، حَلَفُوا وَعَاهَدُوا
مُوسَى; لَئِنْ كَشَفَ عَنْهُمْ
[ ص: 99 ] هَذِهِ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ ، وَلَيُرْسِلُنَّ مَعَهُ مَنْ هُوَ مِنْ حِزْبِهِ ، فَكُلَّمَا رُفِعَتْ عَنْهُمْ تِلْكَ الْآيَةُ عَادُوا إِلَى شَرٍّ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَأَعْرَضُوا عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ آيَةً أُخْرَى ، هِيَ أَشَدُّ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَهَا وَأَقْوَى ، فَيَقُولُونَ ، فَيَكْذِبُونَ . وَيَعِدُونَ وَلَا يَفُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=134لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيُكْشَفُ عَنْهُمْ ذَلِكَ الْعَذَابُ الْوَبِيلُ . ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَى جَهْلِهِمُ الْعَرِيضِ الطَّوِيلِ . هَذَا ، وَالْعَظِيمُ الْحَلِيمُ الْقَدِيرُ يُنْظِرُهُمْ وَلَا يَعْجَلُ عَلَيْهِمْ ، وَيُؤَخِّرُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ بِالْوَعِيدِ إِلَيْهِمْ ، ثُمَّ أَخَذَهُمْ - بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ ، وَالْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ - أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ، فَجَعَلَهُمْ عِبْرَةً وَنَكَالًا وَسَلَفًا لِمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ ، وَمَثَلًا لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِمْ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ فِي سُورَةِ " حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=46وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=47فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=51وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ [ الزُّخْرُفِ : 46 - 56 ] .
.
[ ص: 100 ] يَذْكُرُ تَعَالَى إِرْسَالَهُ عَبْدَهُ الْكَلِيمَ الْكَرِيمَ ، إِلَى
فِرْعَوْنَ الْخَسِيسِ اللَّئِيمِ ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَيَّدَ رَسُولَهُ بِآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَاضِحَاتٍ ، تَسْتَحِقُّ أَنْ تُقَابَلَ بِالتَّصْدِيقِ وَالتَّعْظِيمِ ، وَأَنْ يَرْتَدِعُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ ، وَيَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، فَإِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ، وَبِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ، وَعَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يَصُدُّونَ ، وَعَنِ الْحَقِّ يَحِيدُونَ ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ تَتْرَى ، يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَكُلُّ آيَةٍ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا الَّتِي تَتْلُوهَا; لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ أَبْلَغُ مِمَّا قَبْلَهُ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=48وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=49وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ السَّاحِرِ فِي زَمَانِهِمْ نَقْصًا وَلَا عَيْبًا; لِأَنَّ عُلَمَاءَهُمْ ، فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، هُمُ السَّحَرَةُ; وَلِهَذَا خَاطَبُوهُ بِهِ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ ، وَضَرَاعَتِهِمْ لَدَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=50فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَبَجُّحِ
فِرْعَوْنَ بِمُلْكِهِ وَعَظْمَةِ بَلَدِهِ وَحُسْنِهَا وَتَخَرُّقِ الْأَنْهَارِ فِيهَا ، وَهِيَ الْخُلْجَانُ الَّتِي يَكْسِرُونَهَا أَمَامَ زِيَادَةِ النِّيلِ ثُمَّ تَبَجَّحَ بِنَفْسِهِ وَحِلْيَتِهِ وَأَخَذَ يَتَنَقَّصُ رَسُولَ اللَّهِ
مُوسَى ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَيَزْدَرِيهِ بِكَوْنِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52وَلَا يَكَادُ يُبِينُ يَعْنِي كَلَامَهُ ، بِسَبَبِ مَا كَانَ فِي لِسَانِهِ مِنْ بَقِيَّةِ تِلْكَ اللُّثْغَةِ ، الَّتِي هِيَ شَرَفٌ لَهُ ، وَكَمَالٌ وَجَمَالٌ ، وَلَمْ تَكُنْ مَانِعَةً لَهُ أَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ ، وَأَنْزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهِ ، وَتَنَقَّصَهُ
فِرْعَوْنُ ، لَعَنَهُ اللَّهُ ، بِكَوْنِهِ لَا
[ ص: 101 ] أَسَاوِرَ فِي يَدَيْهِ وَلَا زِينَةَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حِلْيَةِ النِّسَاءِ ، لَا يَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرِّجَالِ ، فَكَيْفَ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ هُمْ أَكْمَلُ عَقْلًا ، وَأَتَمُّ مَعْرِفَةٌ ، وَأَعْلَى هِمَّةً ، وَأَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا ، وَأَعْلَمُ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْأُخْرَى . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=53أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ لَا يَحْتَاجُ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنْ تُعَظِّمَهُ الْمَلَائِكَةُ . فَالْمَلَائِكَةُ يُعَظِّمُونَ وَيَتَوَاضَعُونَ لِمَنْ هُوَ دُونَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، بِكَثِيرٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :
إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًى بِمَا يَصْنَعُ فَكَيْفَ يَكُونُ تَوَاضُعُهُمْ وَتَعْظِيمُهُمْ
لِمُوسَى الْكَلِيمِ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالتَّكْرِيمُ؟ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ شَهَادَتَهُمْ لَهُ بِالرِّسَالَةِ ، فَقَدْ أُيِّدَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ بِمَا يَدُلُّ قَطْعًا لِذَوِي الْأَلْبَابِ ، وَلِمَنْ قَصَدَ إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ ، وَيَعْمَى عَمَّا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ ، مَنْ نَظَرَ إِلَى الْقُشُورِ ، وَتَرَكَ لُبَّ اللُّبَابِ ، وَطَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ رَبُّ الْأَرْبَابِ ، وَخَتَمِ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مِنَ الشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ ، كَمَا هُوَ حَالُ
فِرْعَوْنَ الْقِبْطِيِّ الْعَمِيِّ الْكَذَّابِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ أَيْ; اسْتَخَفَّ عُقُولَهُمْ ، وَدَرَّجَهُمْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، إِلَى أَنْ صَدَّقُوهُ فِي دَعْوَاهُ الرُّبُوبِيَّةِ ، لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَبَّحَهُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فَلَمَّا آسَفُونَا أَيْ; أَغْضَبُونَا;
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ أَيْ; بِالْغَرَقِ وَالْإِهَانَةِ ، وَسَلْبِ الْعِزِّ ، وَالتَّبَدُّلِ بِالذُّلِّ وَبِالْعَذَابِ بَعْدَ النِّعْمَةِ ، وَالْهَوَانِ بَعْدَ الرَّفَاهِيَةِ ، وَالنَّارِ بَعْدَ طِيبِ الْعَيْشِ ، عِيَاذًا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ ذَلِكَ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=56فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا أَيْ; لِمَنِ اتَّبَعَهُمْ فِي الصِّفَاتِ ، وَمَثَلًا أَيْ; لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِمْ ، وَخَافَ مِنْ وَبِيلِ
[ ص: 102 ] مَصْرَعِهِمْ ، مِمَّنْ بَلَغَهُ جَلِيَّةُ خَبَرِهِمْ ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ; كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=36فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=37وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=39وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=40فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=41وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=42وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ [ الْقَصَصِ : 36 - 42 ] . يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ ، وَادَّعَى مِلْكُهُمُ الْبَاطِلَ ، وَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ ، وَأَطَاعُوهُ فِيهِ ، اشْتَدَّ غَضَبُ الرَّبِّ الْقَدِيرِ الْعَزِيزِ ، الَّذِي لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ ، عَلَيْهِمْ ، فَانْتَقَمَ مِنْهُمْ أَشَدَّ الِانْتِقَامِ ، وَأَغْرَقَهُ هُوَ وَجُنُودَهُ فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ دَيَّارٌ ، بَلْ كَانَ قَدْ غَرِقَ ، فَدَخَلَ النَّارَ ، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ لَعْنَةً بَيْنَ الْعَالَمِينَ ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ .