[ ص: 269 ] nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=28979_29313وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون
الأحسن أن تكون
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وإذ يعدكم الله معطوفا على
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كما أخرجك عطف المفرد على المفرد فيكون المعطوف مشبها به التشبيه المفاد بالكاف ، والمعنى : كإخراجك الله من بيتك ، وكوقت
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7يعدكم الله إحدى الطائفتين الآية . واسم الزمان إذا أضيف إلى الجملة كانت الجملة في تأويل المفرد فتؤول بمصدر ، والتقدير : وكوقت وعد الله إحدى الطائفتين ، ف " إذ " اسم زمان متصرف مجرور بالعطف على مجرور كاف التشبيه ، وجعل صاحب الكشاف " إذ " مفعولا لفعل " اذكر " محذوف شأن " إذ " الواقعة في مفتتح القصص ، فيكون عطف جملة الأمر المقدر على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قل الأنفال لله والمناسبة هي أن كلا القولين فيه توقيفهم على خطأ رأيهم وأن ما كرهوه هو الخير لهم .
والطائفة الجماعة من الناس ، وتقدم عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102فلتقم طائفة منهم معك في سورة النساء .
وجملة أنها لكم في تأويل مصدر ، هو بدل اشتمال من إحدى الطائفتين ، أي : يعدكم مصير إحدى الطائفتين لكم ، أي كونها معطاة لكم ، وهو إعطاء النصر والغلبة عليها بين قتل وأسر وغنيمة .
واللام للملك وهو هنا ملك عرفي ، كما يقولون كان يوم كذا لبني فلان على بني فلان ، فيعرف أنه كان لهم غلبة حرب وهي بالقتل والأسر والغنيمة .
" وتودون " إما عطف على " يعدكم " أي إذ يقع الوعد من الله والود منكم ، وإما في موضع الحال والواو واو الحال ، أي يعدكم الله إحدى الطائفتين في حال ودكم لقاء الطائفة غير ذات الشوكة ، وهذا الود هو محل التشبيه الذي أفاده عطف " وإذ يعدكم " مجرور الكاف في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فهو مما شبه
[ ص: 270 ] به حال سؤالهم عن الأنفال سؤالا مشوبا بكراهية صرف الأنفال عن السائلين عنها الرائمين أخذها .
والود المحبة ، وذات الشوكة صاحبة الشوكة ، ووقع " ذات " صفة لمقدر تقديره الطائفة غير ذات الشوكة ، أي الطائفة التي لا تستطيع القتال .
و الشوكة أصلها الواحدة من الشوك وهو ما يخرج في بعض النبات من أعواد دقيقة تكون محددة الأطراف كالإبر ، فإذا نزغت جلد الإنسان أدمته أو آلمته ، وإذا علقت بثوب أمسكته ، وذلك مثل ما في ورق العرفج ، ويقال هذه شجرة شائكة ، ومن الكناية عن ظهور الشر قولهم " إن العوسج قد أورق " ، وشوكة العقرب البضعة التي في ذنبها تلسع بها .
وشاع استعارة الشوكة للبأس ، يقال : فلان ذو شوكة ، أي ذو بأس يتقى ، كما يستعار القرن للبأس في قولهم : أبدى قرنه ، والناب أيضا في قولهم : كشر عن نابه ، وذلك من تشبيه المعقول بالمحسوس أي تودون الطائفة التي لا يخشى بأسها تكون لكم أي ملككم فتأخذونهم .
وقد أشارت الآية إلى ما في قصة
بدر حين أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بانصراف عير
قريش نحو الساحل وبمجيء نفيرهم إلى
بدر ، وأخبرهم أن الله وعدهم إحدى الطائفتين ، أي إما العير وإما النفير ، وعدا معلقا على اختيارهم إحداهما ، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=30764_27128استشارهم في الأمر أيختارون اللحاق بالعير أم يقصدون نفير قريش ، فقال الناس : إنما خرجنا لأجل العير ، وراموا اللحاق بالعير واعتذروا بضعف استعدادهم وأنهم يخرجوا لمقاتلة جيش ، وكانت العير لا تشتمل إلا على أربعين رجلا وكان النفير فيما قيل يشمل على ألف رجل مسلح ، فذلك معنى قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم أي تودون غنيمة بدون حرب ، فلما لم يطمعوا بلقاء الجيش وراموا لقاء العير كانوا يودون أن تحصل لهم غنيمة العير ، ولعل الاستشارة كانت صورية أمر الله بها نبيه لتثبيت المسلمين لئلا تهن قوتهم النفسية إن أعلموا بأنهم سيلقون ذات الشوكة .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7ويريد الله أن يحق الحق بكلماته عطف على جملة وتودون على احتمالي
[ ص: 271 ] أن واوها للعطف أو للحال ، والمقصود من الإخبار بهذه الجمل الثلاث إظهار أن ما يودونه ليس فيه كمال مصلحتهم ، وأن الله اختار لهم ما فيه كمال مصلحتهم ، وإن كان يشق عليهم ويرهبهم ، فإنهم لم يطلعوا على الأصلح بهم . فهذا تلطف من الله بهم .
والمراد من الإرادة هنا إرادة خاصة وهي المشيئة والتعلق التنجيزي للإرادة التي هي صفة الذات . فهذا كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر أي يسر بكم .
ومعنى يحق الحق : يثبت ما يسمى الحق وهو ضد الباطل يقال : حق الشيء ، إذا ثبت ، قال - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=19أفمن حق عليه كلمة العذاب .
والمراد بالحق ، هنا : دين الحق ، وهو الإسلام ، وقد أطلق عليه اسم الحق في مواضع كثيرة من القرآن كقوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29حتى جاءهم الحق ورسول مبين " الآية .
وإحقاقه باستئصال معانديه ، فأنتم تريدون نفعا قليلا عاجلا ، وأراد الله نفعا عظيما في العاجل والآجل ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
وفي قوله ليحق الحق جناس الاشتقاق . وفيه دلالة على أن أصل مادة الحق هو فعل " حق " . وأن أصل مادة الباطل هي فعل " بطل " . ونظيره
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341850قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - للذين قالوا في التشهد " السلام على الله " فقال لهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - إن الله هو السلام .
وكلمات الله ما يدل على مراده وعلى كلامه النفسي ، حقيقه من أقوال لفظية يخلقها خلقا غير متعارف ليفهمها أحد البشر ويبلغها عن الله ، مثل القرآن ، أو مجازا من أدلة غير لفظية ، مثل ما يخاطب به الملائكة المحكي في قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير وفسره قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341597إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال : الحق وهو العلي الكبير .
والجمع المعرف بالإضافة يفيد العموم ، فقوله بكلماته يعم أنواع الكلام الذي يوحي به الله الدال على إرادته تثبيت الحق ، مثل آيات القرآن المنزلة في قتال الكفار
nindex.php?page=treesubj&link=30773وما أمر به الملائكة من نصرتهم المسلمين يوم بدر .
[ ص: 272 ] والباء في بكلماته للسببية ، وذكر هذا القيد للتنويه بإحقاق هذا الحق وبيان أنه مما أراد الله ويسره وبينه للناس من الأمر ، ليقوم كل فريق من المأمورين بما هو حظه من بعض تلك الأوامر ، وللتنبيه على أن ذلك واقع لا محالة لأن كلمات الله لا تختلف كما قال - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ، ولمدح هذا الإحقاق بأنه حصل بسبب كلمات الله .
وقطع دابر الشيء إزالة الشيء كله إزالة تأتي على آخر فرد منه يكون في مؤخرته من ورائه وتقدم في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا في سورة الأنعام .
والمعنى : أردتم الغنيمة وأراد الله إظهار أمركم وخضد شوكة عدوكم ، وإن كان ذلك يحرمكم الغنى العارض ، فإن أمنكم واطمئنان بالكم خير لكم وأنتم تحسبون أن لا تستطيعوا هزيمة عدوكم .
واللام في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8ليحق الحق ويبطل الباطل لام التعليل ، وهي متعلقة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7ويريد الله أن يحق الحق بكلماته أي إنما أراد ذلك وكون أسبابه بكلماته لأجل تحقيقه الحق وإبطاله الباطل .
وإذ قد كان محصول هذا التعليل هو عين محصول المعلل في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7ويريد الله أن يحق الحق بكلماته وشأن العلة أن تكون مخالفة للمعلل ، ولو في الجملة ، إذ
nindex.php?page=treesubj&link=21795فائدة التعليل إظهار الغرض الذي يقصده الفاعل من فعله ، فمقتضى الظاهر أن لا يكون تعليل الفعل بعين ذلك الفعل ، لأن السامع لا يجهل أن الفاعل المختار ما فعل فعلا إلا وهو مراد له ، فإذا سمعنا من كلام البليغ تعليل الفعل بنفس ذلك الفعل كان ذلك كناية عن كونه ما فعل ذلك الفعل إلا لذات الفعل ، لا لغرض آخر زائد عليه ، فإفادة التعليل حينئذ معنى الحصر حاصلة من مجرد التعليل بنفس المعلل .
والحصر هنا من مستتبعات التركيب ، وليس من دلالة اللفظ ، فافهمه فإنه دقيق وقد وقعت فيه غفلات .
ويجوز أن يكون الاختلاف بين المعلل والعلة بالعموم والخصوص أي يريد الله أن يحق الحق في هذه الحادثة لأنه يريد إحقاق الحق عموما .
وأما قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8ويبطل الباطل فهو ضد معنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8ليحق الحق وهو من لوازم
[ ص: 273 ] معنى ليحق الحق ، لأنه إذا حصل الحق ذهب الباطل كما قال - تعالى - بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، ولما كان الباطل ضد الحق لزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر . ومن لطائف
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس أنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16674لعمر بن أبي ربيعة كم سنك ؟ فقال
ابن أبي ربيعة ولدت يوم مات
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " أي حق رفع وأي باطل وضع " أي في ذلك اليوم ، ففائدة قوله " ويبطل الباطل " التصريح بأن الله لا يرضى بالباطل ، فكان ذكره بعد قوله ليحق الحق بمنزلة التوكيد لقوله ليحق الحق لأن ثبوت الشيء قد يؤكد بنفي ضده كقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=140قد ضلوا وما كانوا مهتدين ويجيء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8ويبطل الباطل من معنى الكلام ، ومن جناس الاشتقاق ، ما جاء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7أن يحق الحق ثم في مقابلة قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8ليحق الحق بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8ويبطل الباطل محسن الطباق .
ولو كره المجرمون شرط اتصالي . و لو اتصالية تدل على المبالغة في الأحوال ، وهو عطف على " يريد الله " ، أو على ليحق الحق أي يريد ذلك لذلك لا لغيره ، ولا يصد مراده ما للمعاندين من قوة بأن يكرهه المجرمون وهم المشركون .
والكراهية هنا كناية عن لوازمها ، وهي الاستعداد لمقاومة المراد من تلك الإرادة ، فإن المشركين ، بكثرة عددهم وعددهم ، يريدون إحقاق الباطل ، وإرادة الله تنفذ بالرغم على كراهية المجرمين ، وأما مجرد الكراهة فليس صالحا أن يكون غاية للمبالغة في أحوال نفوذ مراد الله - تعالى - إحقاق الحق : لأنه إحساس قاصر على صاحبه ، ولكنه إذا بعثه على مدافعة الأمر المكروه كانت أسباب المدافعة هي الغاية لنفوذ الأمر المكروه على الكاره .
وتقدم الكلام على لو الاتصالية عند قوله - تعالى - "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91ولو افتدى به " في سورة آل عمران ، وقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا في سورة البقرة .
[ ص: 269 ] nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7nindex.php?page=treesubj&link=28979_29313وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ
الْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ مَعْطُوفًا عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كَمَا أَخْرَجَكَ عَطْفُ الْمُفْرَدِ عَلَى الْمُفْرَدِ فَيَكُونَ الْمَعْطُوفُ مُشَبَّهًا بِهِ التَّشْبِيهُ الْمُفَادُ بِالْكَافِ ، وَالْمَعْنَى : كَإِخْرَاجِكَ اللَّهُ مِنْ بَيْتِكَ ، وَكَوَقْتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْآيَةَ . وَاسْمُ الزَّمَانِ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْجُمْلَةِ كَانَتِ الْجُمْلَةُ فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدِ فَتُؤَوَّلُ بِمَصْدَرٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَكَوَقْتِ وَعْدِ اللَّهِ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ، فَ " إِذِ " اسْمُ زَمَانٍ مُتَصَرِّفٌ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَجْرُورِ كَافِ التَّشْبِيهِ ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ " إِذْ " مَفْعُولًا لِفِعْلِ " اذْكُرْ " مَحْذُوفٍ شَأْنَ " إِذِ " الْوَاقِعَةِ فِي مُفْتَتَحِ الْقَصَصِ ، فَيَكُونُ عَطْفُ جُمْلَةِ الْأَمْرِ الْمُقَدَّرِ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالْمُنَاسَبَةُ هِيَ أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِيهِ تَوْقِيفُهُمْ عَلَى خَطَأِ رَأْيِهِمْ وَأَنَّ مَا كَرِهُوهُ هُوَ الْخَيْرُ لَهُمْ .
وَالطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=102فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ .
وَجُمْلَةُ أَنَّهَا لَكُمْ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ ، هُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ، أَيْ : يَعِدُكُمْ مَصِيرَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ لَكُمْ ، أَيْ كَوْنُهَا مُعْطَاةً لَكُمْ ، وَهُوَ إِعْطَاءُ النَّصْرِ وَالْغَلَبَةِ عَلَيْهَا بَيْنَ قَتْلٍ وَأَسْرٍ وَغَنِيمَةٍ .
وَاللَّامُ لِلْمِلْكِ وَهُوَ هُنَا مِلْكٌ عُرْفِيٌّ ، كَمَا يَقُولُونَ كَانَ يَوْمُ كَذَا لِبَنِي فُلَانٍ عَلَى بَنِي فُلَانٍ ، فَيُعْرَفُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ غَلَبَةَ حَرْبٍ وَهِيَ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالْغَنِيمَةِ .
" وَتَوَدُّونَ " إِمَّا عَطْفٌ عَلَى " يَعِدُكُمْ " أَيْ إِذْ يَقَعُ الْوَعْدُ مِنَ اللَّهِ وَالْوُدُّ مِنْكُمْ ، وَإِمَّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ ، أَيْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فِي حَالِ وُدِّكُمْ لِقَاءَ الطَّائِفَةِ غَيْرِ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ، وَهَذَا الْوُدُّ هُوَ مَحَلُّ التَّشْبِيهِ الَّذِي أَفَادَهُ عَطْفُ " وَإِذْ يَعِدُكُمْ " مَجْرُورِ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ فَهُوَ مِمَّا شُبِّهَ
[ ص: 270 ] بِهِ حَالُ سُؤَالِهِمْ عَنِ الْأَنْفَالِ سُؤَالًا مَشُوبًا بِكَرَاهِيَةِ صَرْفِ الْأَنْفَالِ عَنِ السَّائِلَيْنِ عَنْهَا الرَّائِمِينَ أَخْذَهَا .
وَالْوُدُّ الْمَحَبَّةُ ، وَذَاتُ الشَّوْكَةِ صَاحِبَةُ الشَّوْكَةِ ، وَوَقَعَ " ذَاتَ " صِفَةً لِمُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ الطَّائِفَةُ غَيْرُ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ، أَيِ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ .
وَ الشَّوْكَةُ أَصْلُهَا الْوَاحِدَةُ مِنَ الشَّوْكِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ فِي بَعْضِ النَّبَاتِ مِنْ أَعْوَادٍ دَقِيقَةٍ تَكُونُ مُحَدَّدَةَ الْأَطْرَافِ كَالْإِبَرِ ، فَإِذَا نَزَغَتْ جِلْدَ الْإِنْسَانِ أَدْمَتْهُ أَوْ آلَمَتْهُ ، وَإِذَا عَلِقَتْ بِثَوْبٍ أَمْسَكَتْهُ ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا فِي وَرَقِ الْعَرْفَجِ ، وَيُقَالُ هَذِهِ شَجَرَةٌ شَائِكَةٌ ، وَمِنَ الْكِنَايَةِ عَنْ ظُهُورِ الشَّرِّ قَوْلُهُمْ " إِنَّ الْعَوْسَجَ قَدْ أَوْرَقَ " ، وَشَوْكَةُ الْعَقْرَبِ الْبَضْعَةُ الَّتِي فِي ذَنَبِهَا تَلْسَعُ بِهَا .
وَشَاعَ اسْتِعَارَةُ الشَّوْكَةِ لِلْبَأْسِ ، يُقَالُ : فُلَانٌ ذُو شَوْكَةٍ ، أَيْ ذُو بَأْسٍ يُتَّقَى ، كَمَا يُسْتَعَارُ الْقَرْنُ لِلْبَأْسِ فِي قَوْلِهِمْ : أَبْدَى قَرْنَهُ ، وَالنَّابُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِمْ : كَشَّرَ عَنْ نَابِهِ ، وَذَلِكَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ أَيْ تَوَدُّونَ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا يُخْشَى بَأْسُهَا تَكُونُ لَكُمْ أَيْ مِلْكَكُمْ فَتَأْخُذُونَهُمْ .
وَقَدْ أَشَارَتِ الْآيَةُ إِلَى مَا فِي قِصَّةِ
بَدْرٍ حِينَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْلِمِينَ بِانْصِرَافِ عِيرِ
قُرَيْشٍ نَحْوَ السَّاحِلِ وَبِمَجِيءِ نَفِيرِهِمْ إِلَى
بَدْرٍ ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ، أَيْ إِمَّا الْعِيرُ وَإِمَّا النَّفِيرُ ، وَعْدًا مُعَلَّقًا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ إِحْدَاهُمَا ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30764_27128اسْتَشَارَهُمْ فِي الْأَمْرِ أَيَخْتَارُونَ اللَّحَاقَ بِالْعِيرِ أَمْ يَقْصِدُونَ نَفِيرَ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ النَّاسُ : إِنَّمَا خَرَجْنَا لِأَجْلِ الْعِيرِ ، وَرَامُوا اللِّحَاقَ بِالْعِيرِ وَاعْتَذَرُوا بِضَعْفِ اسْتِعْدَادِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَخْرُجُوا لِمُقَاتَلَةِ جَيْشٍ ، وَكَانَتِ الْعِيرُ لَا تَشْتَمِلُ إِلَّا عَلَى أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَكَانَ النَّفِيرُ فِيمَا قِيلَ يَشْمَلُ عَلَى أَلْفِ رَجُلٍ مُسَلَّحٍ ، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ أَيْ تَوَدُّونَ غَنِيمَةً بِدُونِ حَرْبٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَطْمَعُوا بِلِقَاءِ الْجَيْشِ وَرَامُوا لِقَاءَ الْعِيرِ كَانُوا يَوَدُّونَ أَنْ تَحْصُلَ لَهُمْ غَنِيمَةُ الْعِيرِ ، وَلَعَلَّ الِاسْتِشَارَةَ كَانَتْ صُورِيَّةً أَمَرَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ لِتَثْبِيتِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا تَهِنَ قُوَّتُهُمُ النَّفْسِيَّةُ إِنْ أُعْلِمُوا بِأَنَّهُمْ سَيَلْقَوْنَ ذَاتَ الشَّوْكَةِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَتَوَدُّونَ عَلَى احْتِمَالَيْ
[ ص: 271 ] أَنَّ وَاوَهَا لِلْعَطْفِ أَوْ لِلْحَالِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْإِخْبَارِ بِهَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ إِظْهَارُ أَنَّ مَا يَوَدُّونَهُ لَيْسَ فِيهِ كَمَالُ مَصْلَحَتِهِمْ ، وَأَنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لَهُمْ مَا فِيهِ كَمَالُ مَصْلَحَتِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَيُرْهِبُهُمْ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى الْأَصْلَحِ بِهِمْ . فَهَذَا تَلَطُّفٌ مِنَ اللَّهِ بِهِمْ .
وَالْمُرَادُ مِنَ الْإِرَادَةِ هُنَا إِرَادَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَالتَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيِّ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الذَّاتِ . فَهَذَا كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ أَيْ يُسْرٌ بِكُمْ .
وَمَعْنَى يُحِقُّ الْحَقَّ : يُثْبِتُ مَا يُسَمَّى الْحَقُّ وَهُوَ ضِدُّ الْبَاطِلِ يُقَالُ : حَقَّ الشَّيْءُ ، إِذَا ثَبَتَ ، قَالَ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=19أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ .
وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ ، هُنَا : دِينُ الْحَقِّ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَقِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ " الْآيَةَ .
وَإِحْقَاقُهُ بِاسْتِئْصَالِ مُعَانِدِيهِ ، فَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ نَفْعًا قَلِيلًا عَاجِلًا ، وَأَرَادَ اللَّهُ نَفْعًا عَظِيمًا فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
وَفِي قَوْلِهِ لِيُحِقَّ الْحَقَّ جِنَاسُ الِاشْتِقَاقِ . وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ مَادَّةِ الْحَقِّ هُوَ فِعْلُ " حَقَّ " . وَأَنَّ أَصْلَ مَادَّةِ الْبَاطِلِ هِيَ فِعْلُ " بَطَلَ " . وَنَظِيرُهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341850قَوْلُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِينَ قَالُوا فِي التَّشَهُّدِ " السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ " فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ .
وَكَلِمَاتُ اللَّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ وَعَلَى كَلَامِهِ النَّفْسِيِّ ، حَقِيقُهُ مِنْ أَقْوَالٍ لَفْظِيَّةٍ يَخْلُقُهَا خَلْقًا غَيْرَ مُتَعَارَفٍ لِيَفْهَمَهَا أَحَدُ الْبَشَرِ وَيُبَلِّغَهَا عَنِ اللَّهِ ، مِثْلَ الْقُرْآنِ ، أَوْ مَجَازًا مِنْ أَدِلَّةٍ غَيْرِ لَفْظِيَّةٍ ، مِثْلَ مَا يُخَاطِبُ بِهِ الْمَلَائِكَةَ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=23حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ وَفَسَّرَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341597إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ : الْحَقُّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ .
وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ يُفِيدُ الْعُمُومَ ، فَقَوْلُهُ بِكَلِمَاتِهِ يَعُمُّ أَنْوَاعَ الْكَلَامِ الَّذِي يُوحِي بِهِ اللَّهُ الدَّالِّ عَلَى إِرَادَتِهِ تَثْبِيتَ الْحَقِّ ، مِثْلَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلَةِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ
nindex.php?page=treesubj&link=30773وَمَا أَمَرَ بِهِ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُصْرَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ .
[ ص: 272 ] وَالْبَاءُ فِي بِكَلِمَاتِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ ، وَذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ لِلتَّنْوِيهِ بِإِحْقَاقِ هَذَا الْحَقِّ وَبَيَانِ أَنَّهُ مِمَّا أَرَادَ اللَّهُ وَيَسَّرَهُ وَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ مِنَ الْأَمْرِ ، لِيَقُومَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنَ الْمَأْمُورِينَ بِمَا هُوَ حَظُّهُ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَوَامِرِ ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ لَا تَخْتَلِفُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=15يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ، وَلِمَدْحِ هَذَا الْإِحْقَاقِ بِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ كَلِمَاتِ اللَّهِ .
وَقَطُعُ دَابِرِ الشَّيْءِ إِزَالَةُ الشَّيْءِ كُلِّهِ إِزَالَةً تَأْتِي عَلَى آخِرِ فَرْدٍ مِنْهُ يَكُونُ فِي مُؤَخِّرَتِهِ مِنْ وَرَائِهِ وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَالْمَعْنَى : أَرَدْتُمُ الْغَنِيمَةَ وَأَرَادَ اللَّهُ إِظْهَارَ أَمْرِكُمْ وَخَضْدَ شَوْكَةِ عَدُوِّكُمْ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَحْرِمُكُمُ الْغِنَى الْعَارِضَ ، فَإِنَّ أَمْنَكُمْ وَاطْمِئْنَانَ بَالِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ تَحْسَبُونَ أَنْ لَا تَسْتَطِيعُوا هَزِيمَةَ عَدُوِّكُمْ .
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ لَامُ التَّعْلِيلِ ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ أَيْ إِنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ وَكَوَّنَ أَسْبَابَهُ بِكَلِمَاتِهِ لِأَجْلِ تَحْقِيقِهِ الْحَقَّ وَإِبْطَالِهِ الْبَاطِلَ .
وَإِذْ قَدْ كَانَ مَحْصُولُ هَذَا التَّعْلِيلِ هُوَ عَيْنَ مَحْصُولِ الْمُعَلَّلِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَشَأْنُ الْعِلَّةِ أَنْ تَكُونَ مُخَالِفَةً لِلْمُعَلِّلِ ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ ، إِذْ
nindex.php?page=treesubj&link=21795فَائِدَةُ التَّعْلِيلِ إِظْهَارُ الْغَرَضِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْفَاعِلُ مِنْ فِعْلِهِ ، فَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ لَا يَكُونَ تَعْلِيلُ الْفِعْلِ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، لِأَنَّ السَّامِعَ لَا يَجْهَلُ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ مَا فَعَلَ فِعْلًا إِلَّا وَهُوَ مُرَادٌ لَهُ ، فَإِذَا سَمِعْنَا مِنْ كَلَامِ الْبَلِيغِ تَعْلِيلَ الْفِعْلِ بِنَفْسِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ إِلَّا لِذَاتِ الْفِعْلِ ، لَا لِغَرَضٍ آخَرَ زَائِدٍ عَلَيْهِ ، فَإِفَادَةُ التَّعْلِيلِ حِينَئِذٍ مَعْنَى الْحَصْرِ حَاصِلَةٌ مِنْ مُجَرَّدِ التَّعْلِيلِ بِنَفْسِ الْمُعَلَّلِ .
وَالْحَصْرُ هُنَا مِنْ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرْكِيبِ ، وَلَيْسَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ ، فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَقَدْ وَقَعَتْ فِيهِ غَفَلَاتٌ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُعَلَّلِ وَالْعِلَّةِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ أَيْ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إِحْقَاقَ الْحَقِّ عُمُومًا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ فَهُوَ ضِدُّ مَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ
[ ص: 273 ] مَعْنَى لِيُحِقَّ الْحَقَّ ، لِأَنَّهُ إِذَا حَصَلَ الْحَقُّ ذَهَبَ الْبَاطِلُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ، وَلَمَّا كَانَ الْبَاطِلُ ضِدَّ الْحَقِّ لَزِمَ مِنْ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا انْتِفَاءُ الْآخَرِ . وَمِنْ لَطَائِفِ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16674لِعُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ كَمْ سِنُّكَ ؟ فَقَالَ
ابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وُلِدْتُ يَوْمَ مَاتَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ " أَيُّ حَقٍّ رُفِعَ وَأَيُّ بَاطِلٍ وُضِعَ " أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ " التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى بِالْبَاطِلِ ، فَكَانَ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لِيُحِقَّ الْحَقَّ بِمَنْزِلَةِ التَّوْكِيدِ لِقَوْلِهِ لِيُحِقَّ الْحَقَّ لِأَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ قَدْ يُؤَكَّدُ بِنَفْيِ ضِدِّهِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=140قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ وَيَجِيءُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ ، وَمِنْ جِنَاسِ الِاشْتِقَاقِ ، مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ ثُمَّ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8لِيُحِقَّ الْحَقَّ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=8وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ .
وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ شَرْطٌ اتِّصَالِيٌّ . وَ لَوِ اتِّصَالِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَحْوَالِ ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى " يُرِيدُ اللَّهُ " ، أَوْ عَلَى لِيُحِقَّ الْحَقَّ أَيْ يُرِيدُ ذَلِكَ لِذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِ ، وَلَا يَصُدُّ مُرَادَهُ مَا لِلْمُعَانِدِينَ مِنْ قُوَّةٍ بِأَنْ يَكْرَهَهُ الْمُجْرِمُونَ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ .
وَالْكَرَاهِيَةُ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ لَوَازِمِهَا ، وَهِيَ الِاسْتِعْدَادُ لِمُقَاوَمَةِ الْمُرَادِ مِنْ تِلْكَ الْإِرَادَةِ ، فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ ، بِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَعُدَدِهِمْ ، يُرِيدُونَ إِحْقَاقَ الْبَاطِلِ ، وَإِرَادَةُ اللَّهِ تَنْفُذُ بِالرَّغْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمُجْرِمِينَ ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْكَرَاهَةِ فَلَيْسَ صَالِحًا أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْمُبَالَغَةِ فِي أَحْوَالِ نُفُوذِ مُرَادِ اللَّهِ - تَعَالَى - إِحْقَاقَ الْحَقِّ : لِأَنَّهُ إِحْسَاسٌ قَاصِرٌ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَلَكِنَّهُ إِذَا بَعَثَهُ عَلَى مُدَافَعَةِ الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ كَانَتْ أَسْبَابُ الْمُدَافِعَةِ هِيَ الْغَايَةَ لِنُفُوذِ الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ عَلَى الْكَارِهِ .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى لَوِ الِاتِّصَالِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى - "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91وَلَوِ افْتَدَى بِهِ " فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=170أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .