nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=28979_29677_29675وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم
عطف على " أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين " فالضمير المنصوب في قوله " جعله " عائد إلى القول الذي تضمنه " فاستجاب لكم أني ممدكم " أي ما جعل جوابكم بهذا الكلام إلا ليبشركم ، وإلا فقد كان يكفيكم أن يضمن لكم النصر دون أن يبين أنه بإمداد من الملائكة .
nindex.php?page=treesubj&link=30773وفائدة التبشير بإمداد الملائكة أن يوم
بدر كان في أول يوم لقي فيه المسلمون عدوا قويا وجيشا عديدا ، فبشرهم الله بكيفية النصر الذي ضمنه لهم بأنه بجيش من الملائكة ، لأن النفوس أميل إلى المحسوسات ، فالنصر معنى من المعاني يدق إدراكه وسكون النفس لتصوره بخلاف الصور المحسوسة من تصوير مدد الملائكة ورؤية أشكال بعضهم .
وتقدم القول في نظير هذه الآية في سورة آل عمران إلا لتعرض لما بين الآيتين من اختلاف في
nindex.php?page=treesubj&link=32234ترتيب النظم وذلك في ثلاثة أمور .
أحدها أنه قال في آل عمران "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126إلا بشرى لكم " وحذف " لكم " هنا دفعا لتكرير لفظه لسبق كلمة " لكم " قريبا في قوله " فاستجاب لكم " فعلم السامع أن البشرى لهم ، فأغنت " لكم " الأولى ، بلفظها ومعناها ، عن ذكر " لكم " مرة ثانية ، ولأن آية آل عمران سيقت مساق الامتنان والتذكير بنعمة النصر في حين القلة والضعف ، فكان تقييد " بشرى " بأنها لأجلهم زيادة في المنة أي : جعل الله ذلك بشرى لأجلكم كقوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك وأما آية الأنفال فهي مسوقة مساق العتاب على كراهية الخروج إلى
بدر في أول الأمر ، وعلى اختيار أن تكون الطائفة التي تلاقيهم غير ذات الشوكة ، فجرد
[ ص: 277 ] بشرى عن أن يعلق به " لكم " إذ كانت البشرى للنبيء - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يترددوا من المسلمين ، وقد تقدم ذلك في آل عمران .
ثانيها تقديم المجرور هنا في قوله " به قلوبكم " وهو يفيد الاختصاص ، فيكون المعنى : ولتطمئن به قلوبكم لا بغيره ، وفي هذا الاختصاص تعريض بما اعتراهم من الوجل من الطائفة ذات الشوكة وقناعتهم بغنم العروض التي كانت مع العير ، فعرض لهم بأنهم لم يتفهموا مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، حين استشارهم ، وأخبرهم بأن العير سلكت طريق الساحل فكان ذلك كافيا في أن يعلموا أن الطائفة الموعود بها تمحضت أنها طائفة النفير . وكان الشأن أن يظنوا بوعد الله أكمل الأحوال ، فلما أراد الله تسكين روعهم ، وعدهم بنصرة الملائكة علما بأنه لا يطمئن قلوبهم إلا ذلك . وجعل الفخر التقديم هنا لمجرد الاهتمام بذلك الوعد ، وذلك من وجوه التقديم لكنه وجه تأخيره في آل عمران بما هو غير مقبول .
ثالثها أنه قال في سورة آل عمران العزيز الحكيم فصاغ الصفتين العليتين في صيغة النعت ، وجعلهما في هذه الآية في صيغة الخبر المؤكد ، إذ قال " إن الله عزيز حكيم " فنزل المخاطبين منزلة من يتردد في أنه - تعالى - موصوف بهاتين الصفتين : وهما العزة ، المقتضية أنه إذا وعد بالنصر لم يعجزه شيء ، والحكمة ، فما يصدر من جانبه يجب غوص الأفهام في تبين مقتضاءه ، فكيف لا يهتدون إلى أن الله لما وعدهم الظفر بإحدى الطائفتين وقد فاتتهم العير أن ذلك آيل إلى الوعد بالظفر بالنفير .
وجملة " إن الله عزيز حكيم " مستأنفة استئنافا ابتدائيا جعلت كالإخبار بما ليس بمعلوم لهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=28979_29677_29675وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
عَطْفٌ عَلَى " أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ " فَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي قَوْلِهِ " جَعَلَهُ " عَائِدٌ إِلَى الْقَوْلِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ " فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ " أَيْ مَا جَعَلَ جَوَابَكُمْ بِهَذَا الْكَلَامِ إِلَّا لِيُبَشِّرَكُمْ ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ يَكْفِيكُمْ أَنْ يَضْمَنَ لَكُمُ النَّصْرَ دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ بِإِمْدَادٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30773وَفَائِدَةُ التَّبْشِيرِ بِإِمْدَادِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّ يَوْمَ
بَدْرٍ كَانَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ لَقِيَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ عَدُوًّا قَوِيًّا وَجَيْشًا عَدِيدًا ، فَبَشَّرَهُمُ اللَّهُ بِكَيْفِيَّةِ النَّصْرِ الَّذِي ضَمِنَهُ لَهُمْ بِأَنَّهُ بِجَيْشٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، لِأَنَّ النُّفُوسَ أَمْيَلُ إِلَى الْمَحْسُوسَاتِ ، فَالنَّصْرُ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي يَدِقُّ إِدْرَاكُهُ وَسُكُونُ النَّفْسِ لِتُصَوُّرِهِ بِخِلَافِ الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ مِنْ تَصْوِيرِ مَدَدِ الْمَلَائِكَةِ وَرُؤْيَةِ أَشْكَالِ بَعْضِهِمْ .
وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إِلَّا لِتَعَرُّضٍ لِمَا بَيْنَ الْآيَتَيْنِ مِنَ اخْتِلَافٍ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32234تَرْتِيبِ النَّظْمِ وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ .
أَحَدُهَا أَنَّهُ قَالَ فِي آلِ عِمْرَانَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=126إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ " وَحَذَفَ " لَكُمْ " هُنَا دَفْعًا لِتَكْرِيرِ لَفْظِهِ لَسَبْقِ كَلِمَةِ " لَكُمْ " قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ " فَاسْتَجَابَ لَكُمْ " فَعَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ الْبُشْرَى لَهُمْ ، فَأَغْنَتْ " لَكُمُ " الْأَوْلَى ، بِلَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا ، عَنْ ذِكْرِ " لَكُمْ " مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَلِأَنَّ آيَةَ آلِ عِمْرَانَ سِيقَتْ مَسَاقَ الِامْتِنَانِ وَالتَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ النَّصْرِ فِي حِينِ الْقِلَّةِ وَالضَّعْفِ ، فَكَانَ تَقْيِيدُ " بُشْرَى " بِأَنَّهَا لِأَجْلِهِمْ زِيَادَةً فِي الْمِنَّةِ أَيْ : جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بُشْرَى لِأَجْلِكُمْ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَأَمَّا آيَةُ الْأَنْفَالِ فَهِيَ مَسُوقَةٌ مَسَاقَ الْعِتَابِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْخُرُوجِ إِلَى
بَدْرٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ، وَعَلَى اخْتِيَارِ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّتِي تُلَاقِيهِمْ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ، فَجَرَّدَ
[ ص: 277 ] بُشْرَى عَنْ أَنْ يُعَلِّقَ بِهِ " لَكُمْ " إِذْ كَانَتِ الْبُشْرَى لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَمْ يَتَرَدَّدُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي آلِ عِمْرَانَ .
ثَانِيهَا تَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ هُنَا فِي قَوْلِهِ " بِهِ قُلُوبُكُمْ " وَهُوَ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى : وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ لَا بِغَيْرِهِ ، وَفِي هَذَا الِاخْتِصَاصِ تَعْرِيضٌ بِمَا اعْتَرَاهُمْ مِنَ الْوَجَلِ مِنَ الطَّائِفَةِ ذَاتِ الشَّوْكَةِ وَقَنَاعَتِهِمْ بِغَنْمِ الْعُرُوضِ الَّتِي كَانَتْ مَعَ الْعِيرِ ، فَعَرَّضَ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَهَّمُوا مُرَادَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، حِينَ اسْتَشَارَهُمْ ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ الْعِيرَ سَلَكَتْ طَرِيقَ السَّاحِلِ فَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا فِي أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَوْعُودَ بِهَا تَمَحَّضَتْ أَنَّهَا طَائِفَةُ النَّفِيرِ . وَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يَظُنُّوا بِوَعْدِ اللَّهِ أَكْمَلَ الْأَحْوَالِ ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَسْكِينَ رَوْعِهِمْ ، وَعَدَهُمْ بِنُصْرَةِ الْمَلَائِكَةِ عِلْمًا بِأَنَّهُ لَا يُطَمْئِنُ قُلُوبَهُمْ إِلَّا ذَلِكَ . وَجَعَلَ الْفَخْرُ التَّقْدِيمَ هُنَا لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ الْوَعْدِ ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّقْدِيمِ لَكِنَّهُ وَجَّهَ تَأْخِيرَهُ فِي آلِ عِمْرَانَ بِمَا هُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ .
ثَالِثُهَا أَنَّهُ قَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَصَاغَ الصِّفَتَيْنِ الْعَلِيَّتَيْنِ فِي صِيغَةِ النَّعْتِ ، وَجَعَلَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي صِيغَةِ الْخَبَرِ الْمُؤَكَّدِ ، إِذْ قَالَ " إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " فَنَزَّلَ الْمُخَاطَبِينَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَتَرَدَّدُ فِي أَنَّهُ - تَعَالَى - مَوْصُوفٌ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ : وَهُمَا الْعِزَّةُ ، الْمُقْتَضِيَةُ أَنَّهُ إِذَا وَعَدَ بِالنَّصْرِ لَمْ يُعْجِزْهُ شَيْءٌ ، وَالْحِكْمَةُ ، فَمَا يَصْدُرُ مِنْ جَانِبِهِ يَجِبُ غَوْصُ الْأَفْهَامِ فِي تَبَيُّنِ مُقْتَضَاءِهِ ، فَكَيْفَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ لَمَّا وَعَدَهُمُ الظَّفَرَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ فَاتَتْهُمُ الْعِيرُ أَنَّ ذَلِكَ آيِلٌ إِلَى الْوَعْدِ بِالظَّفَرِ بِالنَّفِيرِ .
وَجُمْلَةُ " إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا جُعِلَتْ كَالْإِخْبَارِ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَهُمْ .