[ ص: 249 ] nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29004يا أيها النبيء اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما .
افتتاح السورة بخطاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - وندائه بوصفه مؤذن بأن الأهم من سوق هذه السورة يتعلق بأحوال النبيء - صلى الله عليه وسلم - .
وقد نودي فيها خمس مرات في افتتاح أغراض مختلفة من التشريع بعضها خاص به وبعضها يتعلق بغيره وله ملابسة به .
فالنداء الأول لافتتاح غرض تحديد واجبات رسالته نحو ربه .
والنداء الثاني لافتتاح غرض التنويه بمقام أزواجه واقترابه من مقامه .
والنداء الثالث لافتتاح بيان تحديد تقلبات شئون رسالته في معاملة الأمة .
والنداء الرابع في طالعة غرض أحكام تزوجه وسيرته مع نسائه .
والنداء الخامس في غرض تبليغه آداب النساء من أهل بيته ومن المؤمنات .
فهذا النداء الأول افتتح به الغرض الأصلي لبقية الأغراض وهو تحديد واجبات رسالته في تأدية مراد ربه تعالى على أكمل وجه دون أن يفسد عليه أعداء الدين أعماله ، وهو نظير النداء الذي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك الآية ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر . الآيات .
nindex.php?page=treesubj&link=28753ونداء النبيء عليه الصلاة والسلام بوصف النبوءة دون اسمه العلم تشريف له بفضل هذا الوصف ليربأ بمقامه عن أن يخاطب بمثل ما يخاطب به غيره ولذلك لم يناد في القرآن بغير (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يا أيها النبي ) أو (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يا أيها الرسول ) بخلاف الإخبار عنه فقد يجيء بهذا الوصف كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يوم لا يخزي الله النبيء ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=30وقال الرسول يا رب ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قل الأنفال لله والرسول ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) ، ويجيء باسمه العلم كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40ما كان محمد أبا أحد من رجالكم .
وقد يتعين إجراء اسمه العلم ليوصف بعده بالرسالة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد رسول الله وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وما محمد إلا رسول . وتلك مقامات يقصد فيها تعليم الناس بأن صاحب ذلك الاسم هو رسول الله ، أو تلقين لهم بأن يسموه بذلك
[ ص: 250 ] ويدعوه به ، فإن علم أسمائه من الإيمان لئلا يلتبس بغيره ، ولذلك
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342351قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب تعليما للأمة . وقد أنهى
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي nindex.php?page=treesubj&link=29396أسماء النبيء - صلى الله عليه وسلم - إلى سبعة وستين وأنهاها
السيوطي إلى ثلاثمائة . وذكر
ابن العربي أن بعض
الصوفية قال : أسماء النبيء ألفا اسم كما سيأتي عند قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=45يا أيها النبيء إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=30988والأمر للنبيء بتقوى الله توطئة للنهي عن اتباع الكافرين والمنافقين ليحصل من الجملتين قصر تقواه على التعلق بالله دون غيره ، فإن معنى لا تطع مرادف معنى : لا تتق الكافرين والمنافقين ، فإن الطاعة تقوى ; فصار مجموع الجملتين مفيدا معنى : يا أيها النبيء لا تتق إلا الله ، فعدل عن صيغة القصر وهي أشهر في الكلام البليغ وأوجز - إلى ذكر جملتي أمر ونهي لقصد النص على أنه قصر إضافي أريد به أن لا يطيع الكافرين والمنافقين لأنه لو اقتصر على أن يقال : لا تتق إلا الله لما أصاخت إليه الأسماع إصاخة خاصة لأن تقوى النبيء - صلى الله عليه وسلم - ربه أمر معلوم ، فسلك مسلك الإطناب لهذا ، كقول
السموأل :
تسيل على حد الظبات نفوسنا وليست على غير الظبات تسيل
فجاء بجملتي : إثبات السيلان بقيد ، ونفيه في غير ذلك القيد ؛ للنص على أنهم لا يكرهون سيلان دمائهم على السيوف ولكنهم لا تسيل دماؤهم على غير السيوف .
فإن أصل صيغة القصر أنها مختصرة من جملتي إثبات ونفي ، ولكون هذه الجملة كتكملة للتي قبلها عطفت عليها لاتحاد الغرض منهما . وقد تعين بهذا أن الأمر في قوله اتق الله والنهي في قوله ولا تطع الكافرين والمنافقين - مستعملان في طلب الاستمرار على ما هو ملازم له من تقوى الله ، فأشعر ذلك أن تشريعا عظيما سيلقى إليه لا يخلو من حرج عليه فيه وعلى بعض أمته ، وأنه سيلقى مطاعن الكافرين والمنافقين .
وفائدة هذا الأمر والنهي التشهير لهم بأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل أقوالهم لييأسوا
[ ص: 251 ] من ذلك لأنهم كانوا يدبرون مع المشركين المكايد ويظهرون أنهم ينصحون النبيء - صلى الله عليه وسلم - ويلحون عليه بالطلبات نصحا تظاهرا بالإسلام .
والمراد بالكافرين المجاهرون بالكفر لأنه قوبل بالمنافقين ، فيجوز أن يكونوا المشركين كما هو غالب إطلاق هذا الوصف في القرآن والأنسب بما سيعقبه من قوله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه إلى آخر أحكام التبني ، والموافق لما روي في سبب نزولها على ضعف فيه سنبينه ; ويجوز أن يكونوا
اليهود كما يقتضيه ما يروى في سبب النزول ، ولو حمل على ما يعم نوعي الكافرين المجاهرين لم يكن بعيدا .
nindex.php?page=treesubj&link=30487_19897والطاعة : العمل على ما يأمر به الغير أو يشير به لأجل إجابة مرغوبة ، وماهيتها متفاوتة مقول عليها بالتشكيك ، ووقوع اسمها في سياق النهي يقتضي النهي عن كل ما يتحقق فيه أدنى ماهيتها ، مثل أن يعدل عن تزوج مطلقة متبناه لقول المنافقين : إن
محمدا ينهى عن تزوج نساء الأبناء وتزوج زوج ابنه
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة ، وهو المعنى الذي جاء فيه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=48ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم عقب قضية امرأة
زيد . ومثل نقض ما كان للمشركين من جعل الظهار موجبا مصير المظاهرة أما للمظاهر حراما عليه قربانها أبدا ، ولذلك أردفت الجملة بجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1إن الله كان عليما حكيما تعليلا للنهي .
والمعنى : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30489الله حقيق بالطاعة له دون الكافرين والمنافقين لأنه عليم حكيم فلا يأمر إلا بما فيه الصلاح . ودخول إن على الجملة قائم مقام فاء التعليل ومغن غناءها على ما بين في غير موضع ، وشاهده المشهور قول
بشار :
بكرا صاحبي قبل الهجير إن ذاك النجاح في التبكير
وقد ذكر
الواحدي في أسباب النزول
والثعلبي والقشيري والماوردي في تفاسيرهم : أن قوله تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1ولا تطع الكافرين والمنافقين " نزل بسبب أنه بعد وقعة
أحد جاء إلى
المدينة nindex.php?page=showalam&ids=12026أبو سفيان بن حرب nindex.php?page=showalam&ids=28وعكرمة بن أبي جهل وأبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان من
قريش وأذن لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمان في
المدينة [ ص: 252 ] وأن ينزلوا عند
عبد الله بن أبي ابن سلول ، ثم جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع
عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير ، والجد بن قيس ،
وطعمة بن أبيرق فسألوا رسول الله أن يترك ذكر آلهة
قريش ، فغضب المسلمون وهم
عمر بقتل النفر
القريشيين ، فمنعه رسول الله لأنه كان أعطاهم الأمان ، فأمرهم أن يخرجوا من
المدينة فنزلت هذه الآية ، أي اتق الله في حفظ الأمان ولا تطع الكافرين وهم النفر
القرشيون والمنافقين وهم
عبد الله بن أبي ومن معه . وهذا الخبر لا سند له ولم يعرج عليه أهل النقد مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وابن كثير .
[ ص: 249 ] nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29004يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا .
افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِخِطَابِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنِدَائِهِ بِوَصْفِهِ مُؤَذِنٌ بِأَنَّ الْأَهَمَّ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ السُّورَةِ يَتَعَلَّقُ بِأَحْوَالِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَدْ نُودِيَ فِيهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي افْتِتَاحِ أَغْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ التَّشْرِيعِ بَعْضُهَا خَاصٌّ بِهِ وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ وَلَهُ مُلَابَسَةٌ بِهِ .
فَالنِّدَاءُ الْأَوَّلُ لِافْتِتَاحِ غَرَضِ تَحْدِيدِ وَاجِبَاتِ رِسَالَتِهِ نَحْوَ رَبِّهِ .
وَالنِّدَاءُ الثَّانِي لِافْتِتَاحِ غَرَضِ التَّنْوِيهِ بِمَقَامِ أَزْوَاجِهِ وَاقْتِرَابِهِ مِنْ مَقَامِهِ .
وَالنِّدَاءُ الثَّالِثُ لِافْتِتَاحِ بَيَانِ تَحْدِيدِ تَقَلُّبَاتِ شُئُونِ رِسَالَتِهِ فِي مُعَامَلَةِ الْأُمَّةِ .
وَالنِّدَاءُ الرَّابِعُ فِي طَالِعَةِ غَرَضِ أَحْكَامِ تَزَوُّجِهِ وَسِيرَتِهِ مَعَ نِسَائِهِ .
وَالنِّدَاءُ الْخَامِسُ فِي غَرَضِ تَبْلِيغِهِ آدَابَ النِّسَاءِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمِنَ الْمُؤْمِنَاتِ .
فَهَذَا النِّدَاءُ الْأَوَّلُ افْتُتِحَ بِهِ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ لِبَقِيَّةِ الْأَغْرَاضِ وَهُوَ تَحْدِيدُ وَاجِبَاتِ رِسَالَتِهِ فِي تَأْدِيَةِ مُرَادِ رَبِّهِ تَعَالَى عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ دُونَ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِ أَعْدَاءُ الدِّينِ أَعْمَالَهُ ، وَهُوَ نَظِيرُ النِّدَاءِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ . الْآيَاتِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28753وَنِدَاءُ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِوَصْفِ النُّبُوءَةِ دُونَ اسْمِهِ الْعَلَمِ تَشْرِيفٌ لَهُ بِفَضْلِ هَذَا الْوَصْفِ لِيَرْبَأَ بِمَقَامِهِ عَنْ أَنْ يُخَاطَبَ بِمِثْلِ مَا يُخَاطَبُ بِهِ غَيْرُهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنَادِ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) أَوْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=41يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ) بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ فَقَدْ يَجِيءُ بِهَذَا الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيءَ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=30وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النَّبِيءُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ، وَيَجِيءُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ .
وَقَدْ يَتَعَيَّنُ إِجْرَاءُ اسْمِهِ الْعَلَمِ لِيُوصَفَ بَعْدَهُ بِالرِّسَالَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=144وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ . وَتِلْكَ مَقَامَاتٌ يُقْصَدُ فِيهَا تَعْلِيمُ النَّاسِ بِأَنَّ صَاحِبَ ذَلِكَ الِاسْمِ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ، أَوْ تَلْقِينٌ لَهُمْ بِأَنْ يُسَمُّوهُ بِذَلِكَ
[ ص: 250 ] وَيَدْعُوهُ بِهِ ، فَإِنَّ عِلْمَ أَسْمَائِهِ مِنَ الْإِيمَانِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِغَيْرِهِ ، وَلِذَلِكَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342351قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ . وَقَدْ أَنْهَى
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ nindex.php?page=treesubj&link=29396أَسْمَاءَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى سَبْعَةٍ وَسِتِّينَ وَأَنْهَاهَا
السُّيُوطِيُّ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ . وَذَكَرَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ بَعْضَ
الصُّوفِيَّةِ قَالَ : أَسْمَاءُ النَّبِيءِ أَلْفَا اسْمٍ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=45يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) .
nindex.php?page=treesubj&link=30988وَالْأَمْرُ لِلنَّبِيءِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَوْطِئَةٌ لِلنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لِيَحْصُلَ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ قَصْرُ تَقْوَاهُ عَلَى التَّعَلُّقِ بِاللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ ، فَإِنَّ مَعْنَى لَا تُطِعْ مُرَادِفُ مَعْنَى : لَا تَتَّقِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ، فَإِنَّ الطَّاعَةَ تَقْوَى ; فَصَارَ مَجْمُوعُ الْجُمْلَتَيْنِ مُفِيدًا مَعْنَى : يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ لَا تَتَّقِ إِلَّا اللَّهَ ، فَعَدَلَ عَنْ صِيغَةِ الْقَصْرِ وَهِيَ أَشْهَرُ فِي الْكَلَامِ الْبَلِيغِ وَأَوْجَزُ - إِلَى ذِكْرِ جُمْلَتَيْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لِقَصْدِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ أُرِيدَ بِهِ أَنْ لَا يُطِيعَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْ يُقَالَ : لَا تَتَّقِ إِلَّا اللَّهَ لَمَا أَصَاخَتْ إِلَيْهِ الْأَسْمَاعُ إِصَاخَةً خَاصَّةً لِأَنَّ تَقْوَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَبَّهُ أَمْرٌ مَعْلُومٌ ، فَسَلَكَ مَسْلَكَ الْإِطْنَابِ لِهَذَا ، كَقَوْلِ
السَّمَوْأَلِ :
تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
فَجَاءَ بِجُمْلَتَيْ : إِثْبَاتِ السَّيَلَانِ بِقَيْدٍ ، وَنَفْيِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْقَيْدِ ؛ لِلنَّصِّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَكْرَهُونَ سَيَلَانَ دِمَائِهِمْ عَلَى السُّيُوفِ وَلَكِنَّهُمْ لَا تَسِيلُ دِمَاؤُهُمْ عَلَى غَيْرِ السُّيُوفِ .
فَإِنَّ أَصْلَ صِيغَةِ الْقَصْرِ أَنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ مِنْ جُمْلَتَيْ إِثْبَاتٍ وَنَفْيٍ ، وَلِكَوْنِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كَتَكْمِلَةٍ لِلَّتِي قَبْلَهَا عُطِفَتْ عَلَيْهَا لِاتِّحَادِ الْغَرَضِ مِنْهُمَا . وَقَدْ تَعَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ اتَّقِ اللَّهَ وَالنَّهْيَ فِي قَوْلِهِ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ - مُسْتَعْمَلَانِ فِي طَلَبِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا هُوَ مُلَازِمٌ لَهُ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ ، فَأَشْعَرَ ذَلِكَ أَنَّ تَشْرِيعًا عَظِيمًا سَيُلْقَى إِلَيْهِ لَا يَخْلُو مَنْ حَرَجٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَعَلَى بَعْضِ أُمَّتِهِ ، وَأَنَّهُ سَيَلْقَى مَطَاعِنَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ .
وَفَائِدَةُ هَذَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ التَّشْهِيرُ لَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْبَلُ أَقْوَالَهُمْ لِيَيْأَسُوا
[ ص: 251 ] مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُدَبِّرُونَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَايِدَ وَيُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَنْصَحُونَ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُلِحُّونَ عَلَيْهِ بِالطَّلَبَاتِ نُصْحًا تَظَاهُرًا بِالْإِسْلَامِ .
وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِينَ الْمُجَاهِرُونَ بِالْكُفْرِ لِأَنَّهُ قُوبِلَ بِالْمُنَافِقِينَ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا الْمُشْرِكِينَ كَمَا هُوَ غَالِبُ إِطْلَاقِ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَنْسَبُ بِمَا سَيَعْقُبُهُ مِنْ قَوْلِهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ إِلَى آخَرِ أَحْكَامِ التَّبَنِّي ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى ضَعْفٍ فِيهِ سَنُبَيِّنُهُ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا
الْيَهُودَ كَمَا يَقْتَضِيهِ مَا يُرْوَى فِي سَبَبِ النُّزُولِ ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى مَا يَعُمُّ نَوْعَيِ الْكَافِرِينَ الْمُجَاهِرِينَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا .
nindex.php?page=treesubj&link=30487_19897وَالطَّاعَةُ : الْعَمَلُ عَلَى مَا يَأْمُرُ بِهِ الْغَيْرُ أَوْ يُشِيرُ بِهِ لِأَجْلِ إِجَابَةٍ مَرْغُوبَةٍ ، وَمَاهِيَّتُهَا مُتَفَاوِتَةٌ مَقُولٌ عَلَيْهَا بِالتَّشْكِيكِ ، وَوُقُوعُ اسْمِهَا فِي سِيَاقِ النَّهْيِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ كُلِّ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ أَدْنَى مَاهِيَّتِهَا ، مِثْلَ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ تَزَوُّجِ مُطَلَّقَةِ مَتْبَنَّاهُ لِقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ : إِنَّ
مُحَمَّدًا يَنْهَى عَنْ تَزَوُّجِ نِسَاءِ الْأَبْنَاءِ وَتَزَوَّجَ زَوْجَ ابْنِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي جَاءَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=48وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ عَقِبَ قَضِيَّةِ امْرَأَةِ
زَيْدٍ . وَمِثْلَ نَقْضِ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ جَعْلِ الظِّهَارِ مُوجِبًا مَصِيرَ الْمُظَاهَرَةِ أُمًّا لِلْمُظَاهِرِ حَرَامًا عَلَيْهِ قُرْبَانُهَا أَبَدًا ، وَلِذَلِكَ أُرْدِفَتِ الْجُمْلَةُ بِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا تَعْلِيلًا لِلنَّهْيِ .
وَالْمَعْنَى : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30489اللَّهَ حَقِيقٌ بِالطَّاعَةِ لَهُ دُونَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا فِيهِ الصَّلَاحُ . وَدُخُولُ إِنَّ عَلَى الْجُمْلَةِ قَائِمٌ مَقَامَ فَاءِ التَّعْلِيلِ وَمُغْنٍ غَنَاءَهَا عَلَى مَا بُيِّنَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَشَاهِدُهُ الْمَشْهُورُ قَوْلُ
بِشَارٍ :
بَكِّرَا صَاحِبَيَّ قَبْلَ الْهَجِيرِ إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحُ فِي التَّبْكِيرِ
وَقَدْ ذَكَرَ
الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ
وَالثَّعْلَبِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفَاسِيرِهِمْ : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=1وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ " نَزَلَ بِسَبَبِ أَنَّهُ بَعْدَ وَقْعَةِ
أُحُدٍ جَاءَ إِلَى
الْمَدِينَةِ nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=28وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَأَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ مِنْ
قُرَيْشٍ وَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَمَانِ فِي
الْمَدِينَةِ [ ص: 252 ] وَأَنْ يَنْزِلُوا عِنْدَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، ثُمَّ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيَّ وَمُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ ، وَالْجَدِّ بْنِ قَيْسٍ ،
وَطُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَتْرُكَ ذِكْرَ آلِهَةِ
قُرَيْشٍ ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ وَهَمَّ
عُمَرُ بِقَتْلِ النَّفَرِ
الْقُرَيْشِيِّينَ ، فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَعْطَاهُمُ الْأَمَانَ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ
الْمَدِينَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، أَيِ اتَّقِ اللَّهَ فِي حِفْظِ الْأَمَانِ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَهُمُ النَّفَرُ
الْقُرَشِيُّونَ وَالْمُنَافِقِينَ وَهُمْ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَمَنْ مَعَهُ . وَهَذَا الْخَبَرُ لَا سَنَدَ لَهُ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ أَهْلُ النَّقْدِ مِثْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيِّ وَابْنِ كَثِيرٍ .