nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=28977_32028_29723وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين .
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحزنه ما يقولونه فيه من التكذيب به وبالقرآن حزنا على جهل قومه بقدر النصيحة وإنكارهم فضيلة صاحبها ، وحزنا من جراء الأسف عليهم من دوام ضلالهم شفقة عليهم ، وقد سلاه الله تعالى عن الحزن الأول بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فإنهم لا يكذبونك وسلاه عن الثاني بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وإن كان كبر عليك إعراضهم الآية .
و ( كبر ) ككرم ، كبرا كعنب : عظمت جثته . ومعنى كبر هنا شق عليك . وأصله عظم الجثة ، ثم استعمل مجازا في الأمور العظيمة الثقيلة لأن عظم الجثة يستلزم الثقل ، ثم استعمل مجازا في معنى ( شق ) لأن الثقيل يشق حمله . فهو مجاز مرسل بلزومين .
وجيء في هذا الشرط بحرف ( إن ) الذي يكثر وروده في الشرط الذي لا يظن
[ ص: 204 ] حصوله للإشارة إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس بمظنة ذلك ولكنه على سبيل الفرض .
وزيدت كان بعد إن الشرطية بينها وبين ما هو فعل الشرط في المعنى ليبقى فعل الشرط على معنى المضي فلا تخلصه ( إن ) الشرطية إلى الاستقبال ، كما هو شأن أفعال الشروط بعد ( إن ) ، فإن ( كان ) لقوة دلالته على المضي لا تقبله أداة الشرط إلى الاستقبال .
والإعراض المعرف بالإضافة هو الذي مضى ذكره في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=4وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين . وهو حالة أخرى غير حالة التكذيب ، وكلتاهما من أسباب استمرار كفرهم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فإن استطعت جواب
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71إن كان كبر ، وهو شرط ثان وقع جوابا للشرط الأول . والاستطاعة : القدرة . والسين والتاء فيها للمبالغة في طاع ، أي انقاد .
والابتغاء : الطلب . وقد تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=83أفغير دين الله تبغون في سورة آل عمران ، أي أن تطلب نفقا أو سلما لتبلغ إلى خبايا الأرض وعجائبها وإلى خبايا السماء . ومعنى الطلب هنا : البحث .
وانتصب نفقا و سلما على المفعولين لـ ( تبتغي ) .
والنفق : سرب في الأرض عميق .
والسلم بضم ففتح مع تشديد اللام آلة للارتقاء تتخذ من حبلين غليظين متوازيين تصل بينهما أعواد أو حبال أخرى متفرقة في عرض الفضاء الذي بين الحبلين من مساحة ما بين كل من تلك الأعواد بمقدار ما يرفع المرتقي إحدى رجليه إلى العود الذي فوق ذلك ، وتسمى تلك الأعواد درجات . ويجعل طول الحبلين بمقدار الارتفاع الذي يراد الارتقاء إليه . ويسمى السلم مرقاة ومدرجة .
وقد سموا الغرز الذي يرتقي به الراكب على رحل ناقته سلما . وكانوا يرتقون
[ ص: 205 ] بالسلم إلى النخيل للجذاذ . وربما كانت السلاليم في الدور تتخذ من العود فتسمى المرقاة . فأما الدرج المبنية في العلالي فإنها تسمى سلما وتسمى الدرجة كما ورد في حديث مقتل
أبي رافع قول
عبد الله بن عتيك في إحدى الروايات :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341703حتى انتهيت إلى درجة له ، وفي رواية
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341704حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فأسقط منه .
وقوله في الأرض صفة نفقا أي متغلغلا ، أي عميقا . فذكر هذا المجرور لإفادة المبالغة في العمق مع استحضار الحالة وتصوير حالة الاستطاعة إذ من المعلوم أن النفق لا يكون إلا في الأرض .
وأما قوله في السماء فوصف به سلما ، أي كائنا في السماء ، أي واصلا إلى السماء . والمعنى تبلغ به إلى السماء . كقول
الأعشى :
ورقيت أسباب السماء بسلم
والمعنى : فإن استطعت أن تطلب آية من جميع الجهات للكائنات . ولعل اختيار الابتغاء في الأرض والسماء أن المشركين سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام آيات من جنس ما في الأرض ، كقولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=90حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ، ومن جنس ما في السماء ، كقولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93أو ترقى في السماء .
وقوله ( بآية ) أي بآية يسلمون بها ، فهنالك وصف محذوف دل عليه قوله إعراضهم ، أي عن الآيات التي جئتهم بها .
وجواب الشرط محذوف دل عليه فعل الشرط ، وهو استطعت .
والشرط وجوابه مستعملان مجازا في التأييس من إيمانهم وإقناعهم ، لأن الله جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها .
ويتعين تقدير جواب الشرط مما دل عليه الكلام السابق ، أي فأتهم بآية فإنهم لا يؤمنون بها ، كما يقول القائل للراغب في إرضاء ملح : إن استطعت أن تجلب ما في بيتك ، أي فهو لا يرضى بما تقصر عنه الاستطاعة بله ما في الاستطاعة . وهو
[ ص: 206 ] استعمال شائع ، وليس فيه شيء من اللوم ولا من التوبيخ ، كما توهمه كثير من المفسرين .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35ولو شاء الله لجمعهم على الهدى شرط امتناعي دل على أن الله لم يشأ ذلك ، أي لو شاء الله أن يجمعهم على الهدى لجمعهم عليه ; فمفعول المشيئة محذوف لقصد البيان بعد الإبهام على الطريقة المسلوكة في فعل المشيئة إذا كان تعلقه بمفعوله غير غريب وكان شرطا لإحدى أدوات الشرط كما هنا ، وكقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133إن يشأ يذهبكم .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35لجمعهم على الهدى لهداهم أجمعين . فوقع تفنن في أسلوب التعبير فصار تركيبا خاصيا عدل به عن التركيب المشهور في نحو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=149فلو شاء لهداكم أجمعين للإشارة إلى تمييز الذين آمنوا من
أهل مكة على من بقي فيها من المشركين ، أي لو شاء لجمعهم مع المؤمنين على ما هدى إليه المؤمنين من قومهم .
والمعنى : لو شاء الله أن يخلقهم بعقول قابلة للحق لخلقهم بها فلقبلوا الهدى ، ولكنه خلقهم على ما وصف في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا الآية ، كما تقدم بيانه ، وقد قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ، وبذلك تعلم أن هذه مشيئة كلية تكوينية ، فلا تعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى في آخر هذه السورة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا الآية . فهذا من المشيئة المتعلقة بالخلق والتكوين لا من المشيئة المتعلقة بالأمر والتشريع . وبينهما بون ، سقط في مهواته من لم يقدر له صون .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فلا تكونن من الجاهلين تذييل مفرع على ما سبق .
والمراد بـ ( الجاهلين ) يجوز أن يكون من الجهل الذي هو ضد العلم ، كما في قوله تعالى خطابا لنوح
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إني أعظك أن تكون من الجاهلين ، وهو ما حمل عليه المفسرون هنا ، ويجوز أن يكون من الجهل ضد الحلم ، أي لا تضق صدرا بإعراضهم . وهو أنسب بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وإن كان كبر عليك إعراضهم . وإرادة كلا المعنيين ينتظم مع مفاد الجملتين : جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وإن كان كبر عليك إعراضهم وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35ولو شاء الله لجمعهم على الهدى . ومع كون هذه الجملة تذييلا للكلام السابق فالمعنى : فلا يكبر عليك إعراضهم
[ ص: 207 ] ولا تضق به صدرا ، وأيضا فكن عالما بأن الله لو شاء لجمعهم على الهدى . وهذا إنباء من الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأمر من علم الحقيقة يختص بحالة خاصة فلا يطرد في غير ذلك من مواقف التشريع .
وإنما عدل عن الأمر بالعلم لأن
nindex.php?page=treesubj&link=18467النهي عن الجهل يتضمنه فيتقرر في الذهن مرتين ، ولأن في النهي عن الجهل بذلك تحريضا على استحضار العلم به ، كما يقال للمتعلم : لا تنس هذه المسألة . وليس في الكلام نهي عن شيء تلبس به الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما توهمه جمع من المفسرين ، وذهبوا فيه مذاهب لا تستبين .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=28977_32028_29723وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهِمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ .
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيُحْزِنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحْزِنُهُ مَا يَقُولُونَهُ فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِهِ وَبِالْقُرْآنِ حُزْنًا عَلَى جَهْلِ قَوْمِهِ بِقَدْرِ النَّصِيحَةِ وَإِنْكَارِهِمْ فَضِيلَةَ صَاحِبِهَا ، وَحُزْنًا مِنْ جَرَّاءِ الْأَسَفِ عَلَيْهِمْ مِنْ دَوَامِ ضَلَالِهِمْ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ سَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْحُزْنِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فَإِنَّهُمْ لَا يُكْذِبُونَكَ وَسَلَّاهُ عَنِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ الْآيَةَ .
وَ ( كَبُرَ ) كَكَرُمَ ، كِبَرًا كَعِنَبٍ : عَظُمَتْ جُثَّتُهُ . وَمَعْنَى كَبُرَ هُنَا شَقَّ عَلَيْكَ . وَأَصْلُهُ عِظَمُ الْجُثَّةِ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الثَّقِيلَةِ لِأَنَّ عِظَمَ الْجُثَّةِ يَسْتَلْزِمُ الثِّقَلَ ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي مَعْنَى ( شَقَّ ) لِأَنَّ الثَّقِيلَ يَشُقُّ حَمْلُهُ . فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ بِلُزُومَيْنِ .
وَجِيءَ فِي هَذَا الشَّرْطِ بِحَرْفِ ( إِنْ ) الَّذِي يَكْثُرُ وُرُودُهُ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُظَنُّ
[ ص: 204 ] حُصُولُهُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْسَ بِمَظِنَّةِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ .
وَزِيدَتْ كَانَ بَعْدَ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ فِي الْمَعْنَى لِيَبْقَى فِعْلُ الشَّرْطِ عَلَى مَعْنَى الْمُضِيِّ فَلَا تُخَلِّصُهُ ( إِنِ ) الشَّرْطِيَّةُ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ ، كَمَا هُوَ شَأْنُ أَفْعَالِ الشُّرُوطِ بَعْدَ ( إِنْ ) ، فَإِنْ ( كَانَ ) لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمُضِيِّ لَا تَقْبَلُهُ أَدَاةُ الشَّرْطِ إِلَى الِاسْتِقْبَالِ .
وَالْإِعْرَاضُ الْمُعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ هُوَ الَّذِي مَضَى ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=4وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ . وَهُوَ حَالَةٌ أُخْرَى غَيْرُ حَالَةِ التَّكْذِيبِ ، وَكِلْتَاهُمَا مِنْ أَسْبَابِ اسْتِمْرَارِ كُفْرِهِمْ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فَإِنِ اسْتَطَعْتَ جَوَابُ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=71إِنْ كَانَ كَبُرَ ، وَهُوَ شَرْطٌ ثَانٍ وَقَعَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ . وَالِاسْتِطَاعَةُ : الْقُدْرَةُ . وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي طَاعَ ، أَيِ انْقَادَ .
وَالِابْتِغَاءُ : الطَّلَبُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=83أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، أَيْ أَنْ تَطْلُبَ نَفَقًا أَوْ سُلَّمًا لِتَبْلُغَ إِلَى خَبَايَا الْأَرْضِ وَعَجَائِبِهَا وَإِلَى خَبَايَا السَّمَاءِ . وَمَعْنَى الطَّلَبِ هُنَا : الْبَحْثُ .
وَانْتَصَبَ نَفَقًا وَ سُلَّمًا عَلَى الْمَفْعُولَيْنِ لِـ ( تَبْتَغِيَ ) .
وَالنَّفَقُ : سِرْبٌ فِي الْأَرْضِ عَمِيقٌ .
وَالسُّلَّمُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مَعَ تَشْدِيدِ اللَّامِ آلَةٌ لِلِارْتِقَاءِ تُتَّخَذُ مِنْ حَبْلَيْنِ غَلِيظَيْنِ مُتَوَازِيَيْنِ تَصِلُ بَيْنَهُمَا أَعْوَادٌ أَوْ حِبَالٌ أُخْرَى مُتَفَرِّقَةٌ فِي عَرْضِ الْفَضَاءِ الَّذِي بَيْنَ الْحَبْلَيْنِ مِنْ مِسَاحَةِ مَا بَيْنَ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْأَعْوَادِ بِمِقْدَارِ مَا يَرْفَعُ الْمُرْتَقِي إِحْدَى رِجْلَيْهِ إِلَى الْعُودِ الَّذِي فَوْقَ ذَلِكَ ، وَتُسَمَّى تِلْكَ الْأَعْوَادُ دَرَجَاتٌ . وَيُجْعَلُ طُولُ الْحَبْلَيْنِ بِمِقْدَارِ الِارْتِفَاعِ الَّذِي يُرَادُ الِارْتِقَاءُ إِلَيْهِ . وَيُسَمَّى السُّلَّمُ مِرْقَاةً وَمِدْرَجَةً .
وَقَدْ سَمَّوُا الْغَرْزَ الَّذِي يَرْتَقِي بِهِ الرَّاكِبُ عَلَى رَحْلِ نَاقَتِهِ سُلَّمًا . وَكَانُوا يَرْتَقُونَ
[ ص: 205 ] بِالسُّلَّمِ إِلَى النَّخِيلِ لِلْجِذَاذِ . وَرُبَّمَا كَانَتِ السَّلَالِيمُ فِي الدُّورِ تُتَّخَذُ مِنَ الْعُودِ فَتُسَمَّى الْمِرْقَاةَ . فَأَمَّا الدُّرُجُ الْمَبْنِيَّةُ فِي الْعَلَالِيِّ فَإِنَّهَا تُسَمَّى سُلَّمًا وَتُسَمَّى الدَّرَجَةُ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ مَقْتَلِ
أَبِي رَافِعٍ قَوْلُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341703حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341704حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمِ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ .
وَقَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ صِفَةُ نَفَقًا أَيْ مُتَغَلْغِلًا ، أَيْ عَمِيقًا . فَذَكَرَ هَذَا الْمَجْرُورَ لِإِفَادَةِ الْمُبَالِغَةِ فِي الْعُمْقِ مَعَ اسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ وَتَصْوِيرِ حَالَةِ الِاسْتِطَاعَةِ إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّفَقَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْأَرْضِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي السَّمَاءِ فَوَصَفَ بِهِ سُلَّمًا ، أَيْ كَائِنًا فِي السَّمَاءِ ، أَيْ وَاصِلًا إِلَى السَّمَاءِ . وَالْمَعْنَى تَبْلُغُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ . كَقَوْلِ
الْأَعْشَى :
وَرُقِّيتُ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمٍ
وَالْمَعْنَى : فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَطْلُبَ آيَةً مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ لِلْكَائِنَاتِ . وَلَعَلَّ اخْتِيَارَ الِابْتِغَاءِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَأَلُوا الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ آيَاتٍ مَنْ جِنْسِ مَا فِي الْأَرْضِ ، كَقَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=90حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ، وَمِنْ جِنْسِ مَا فِي السَّمَاءِ ، كَقَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=93أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ .
وَقَوْلُهُ ( بِآيَةٍ ) أَيْ بِآيَةٍ يُسَلِّمُونَ بِهَا ، فَهُنَالِكَ وَصْفٌ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إِعْرَاضُهُمْ ، أَيْ عَنِ الْآيَاتِ الَّتِي جِئْتَهُمْ بِهَا .
وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ الشَّرْطِ ، وَهُوَ اسْتَطَعْتَ .
وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ مُسْتَعْمَلَانِ مَجَازًا فِي التَّأْيِيسِ مِنْ إِيمَانِهِمْ وَإِقْنَاعِهِمْ ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا .
وَيَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ جَوَابِ الشَّرْطِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ ، أَيْ فَأْتِهِمْ بِآيَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِلرَّاغِبِ فِي إِرْضَاءِ مُلِحٍّ : إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْلِبَ مَا فِي بَيْتِكَ ، أَيْ فَهُوَ لَا يَرْضَى بِمَا تَقْصُرُ عَنْهُ الِاسْتِطَاعَةُ بَلْهَ مَا فِي الِاسْتِطَاعَةِ . وَهُوَ
[ ص: 206 ] اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ اللَّوْمِ وَلَا مِنَ التَّوْبِيخِ ، كَمَا تَوَهَّمَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى شَرْطٌ امْتِنَاعِيٌّ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ ، أَيْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى لِجَمَعَهُمْ عَلَيْهِ ; فَمَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ مَحْذُوفٌ لَقَصْدِ الْبَيَانِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَسْلُوكَةِ فِي فِعْلِ الْمَشِيئَةِ إِذَا كَانَ تَعَلُّقُهُ بِمَفْعُولِهِ غَيْرَ غَرِيبٍ وَكَانَ شَرْطًا لِإِحْدَى أَدَوَاتِ الشَّرْطِ كَمَا هُنَا ، وَكَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=133إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى لَهَدَاهُمْ أَجْمَعِينَ . فَوَقَعَ تَفَنُّنٌ فِي أُسْلُوبِ التَّعْبِيرِ فَصَارَ تَرْكِيبًا خَاصِّيًّا عَدَلَ بِهِ عَنِ التَّرْكِيبِ الْمَشْهُورِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=149فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَمْيِيزِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى مَنْ بَقِيَ فِيهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، أَيْ لَوْ شَاءَ لِجَمَعَهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا هَدَى إِلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ .
وَالْمَعْنَى : لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُمْ بِعُقُولٍ قَابِلَةٍ لِلْحَقِّ لِخَلَقَهُمْ بِهَا فَلَقَبِلُوا الْهُدَى ، وَلَكِنَّهُ خَلَقَهُمْ عَلَى مَا وَصَفَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمُ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا الْآيَةَ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ مَشِيئَةٌ كُلِّيَّةٌ تَكْوِينِيَّةٌ ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=148سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا الْآيَةَ . فَهَذَا مِنَ الْمَشِيئَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ لَا مِنَ الْمَشِيئَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَمْرِ وَالتَّشْرِيعِ . وَبَيْنَهُمَا بَوْنٌ ، سَقَطَ فِي مِهْوَاتِهِ مَنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ صَوْنٌ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ تَذْيِيلٌ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا سَبَقَ .
وَالْمُرَادُ بِـ ( الْجَاهِلِينَ ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ ضِدَّ الْعِلْمِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى خِطَابًا لِنُوحٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=46إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ، وَهُوَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَهْلِ ضِدَّ الْحِلْمِ ، أَيْ لَا تَضِقْ صَدْرًا بِإِعْرَاضِهِمْ . وَهُوَ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ . وَإِرَادَةُ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَنْتَظِمُ مَعَ مُفَادِ الْجُمْلَتَيْنِ : جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ وَجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى . وَمَعَ كَوْنِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَذْيِيلًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ فَالْمَعْنَى : فَلَا يَكْبُرْ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ
[ ص: 207 ] وَلَا تَضِقْ بِهِ صَدْرًا ، وَأَيْضًا فَكُنْ عَالِمًا بِأَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لِجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى . وَهَذَا إِنْبَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ مِنْ عِلْمِ الْحَقِيقَةِ يَخْتَصُّ بِحَالَةٍ خَاصَّةٍ فَلَا يُطْرَدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَاقِفِ التَّشْرِيعِ .
وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْأَمْرِ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18467النَّهْيَ عَنِ الْجَهْلِ يَتَضَمَّنُهُ فَيَتَقَرَّرُ فِي الذِّهْنِ مَرَّتَيْنِ ، وَلِأَنَّ فِي النَّهْيِ عَنِ الْجَهْلِ بِذَلِكَ تَحْرِيضًا عَلَى اسْتِحْضَارِ الْعِلْمِ بِهِ ، كَمَا يُقَالُ لِلْمُتَعَلِّمِ : لَا تَنْسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ . وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ تَلَبَّسَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَوَهَّمَهُ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَذَهَبُوا فِيهِ مَذَاهِبَ لَا تَسْتَبِينُ .