(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=28981قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) فضل الله على جميع عباده عظيم وهو على المؤمنين منهم أعظم ، ورحمته العامة لهم وبهم واسعة ، ورحمته الخاصة بالمؤمنين أوسع ، وبكل
[ ص: 333 ] من النوعين نطق القرآن ، وقد من تعالى عليهم بالجمع لهم بين الفضل والرحمة في آيات ، وبكل منهما في آيات ، وقال بعد الجمع بينهما في آيتين من سورة النور : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم ) ( 24 : 21 ) وإن دخول الباء على كل من الفضل والرحمة هنا يدل على استقلال كل منهما بالفرح به فهو يرد ما روي عن
مجاهد من أن المراد بهما واحد وهو القرآن ، ويرده أيضا ما روي من المأثور في تفسير كل منهما بمعنى ، ومنه ما رواه
أبو الشيخ وابن مردويه من حديث
أنس مرفوعا ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920495فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهله ) ) وروي عن
البراء nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري موقوفا . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس روايتان ( إحداهما ) إن فضل الله : القرآن ، ورحمته : الإسلام و ( الثانية ) إن الفضل : العلم ، والرحمة :
محمد - صلى الله عليه وسلم - . وعن
الحسن والضحاك وقتادة ومجاهد في الرواية الثانية عنه ، فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن . وكل هذه المعاني صحيحة في نفسها لا في روايتها . وأظهرها في الآية وهو المناسب لما قبلها والجامع لمعاني الروايات كلها ، أن فضل الله : توفيقه إياهم لتزكية أنفسهم بالموعظة والشفاء والهدى التي امتاز بها القرآن ، ورحمته ثمرتها التي فضلوا بها جميع الناس فكانوا أرحمهم ، بعد أن كانوا أعدلهم وأبرهم بهم ، فقد أمرهم هذا القرآن بالبر والعدل وإقامة القسط في المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، وأمرهم بالرحمة حتى في المحاربين لهم بقدر ما يدفع شرهم كما فصلناه في المقصد الثامن من مقاصد القرآن في مباحث الوحي ، ولولا مراعاة هذا التناسب لقلت : إن المراد بفضله تعالى على هذه الأمة هو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ( 2 : 143 ) الآية ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس ) ( 30 : 110 ) الآية ولكن ما قلته يدخل في معناه ويوافقه ولكل مقام مقال .
والفرح كالسرور : انفعال نفسي بنعمة حسية أو معنوية يلذ القلب ويشرح الصدر وضدهما الأسى والحزن وهما من الوجدان الطبيعي لا يمدحان ولا يذمان لذاتهما ، بل حكمهما حكم سببهما أو أثرهما في النفس والعمل ، خلافا لبعض الناس من الصوفية وغيرهم فيهما ، فقد أمر الله تعالى هنا بالفرح بفضله ورحمته ، ومدح المؤمنين بالفرح في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) ( 30 : 4 ، 5 ) وهذا فرح بأمر ديني ودنيوي ، ثم قال فيها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=36وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها ) ( 30 : 36 ) وقال في أهل الكتاب الذين يؤمنون به - صلى الله عليه وسلم - ويهتدون بالقرآن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=36والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ) ( 13 : 36 ) الآية .
وذم سبحانه الفرح بالباطل وفرح البطر والغرور بالمال ومتاع الدنيا وشهواتها في عدة آيات معروفة . وجعل الاعتدال بين الفرح والأسى والحزن من صفات المؤمنين ، فقال بعد ذكر تربيتهم بالمصائب المقدرة في كتاب الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ) ( 57 : 23 )
[ ص: 334 ] وتقدم تحقيق الكلام في الحزن في تفسير سورة براءة ( 9 : 40 ) ، ( 369 وما بعدها ج 10 ط الهيئة ) .
والتعبير في غاية البلاغة لما فيها من التأكيد والمبالغة في التقرير ، فإن أصل المعنى بدونهما : قل ليفرحوا بفضل الله وبرحمته ، فأخر الأمر وقدم عليه متعلقه لإفادة الاختصاص ، كأنه قال : إن كان في الدنيا شيء يستحق أن يفرح به فهو فضل الله ورحمته ، وأدخل عليه ( ( الفاء ) ) لإفادة معنى السببية فصار فيهما ( (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58فليفرحوا ) ) دون ما يجمعون من متاع الدنيا المبين في آخر الآية ثم أدخل على الأمر ( فبذلك ) لزيادة التأكيد والتقرير ، وتفصيل مباحثه في الإعراب أكثر مما قلنا ، وبسطه يشغل عن المعنى والاعتبار به ، وهو خروج عن منهجنا في هذا التفسير .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58هو خير مما يجمعون ) أي أن الفرح بفضله وبرحمته أفضل وأنفع لهم مما يجمعونه من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وسائر متاع الحياة الدنيا ، مع فقدهما لا لأنه سبب سعادة الآخرة الباقية ، المفضلة على الحياة الدنيا الفانية ، كما اشتهر فيما خطته الأقلام ولاكته الألسنة ، بل لأنه هو الذي يجمع بين سعادة الدارين كما حصل بالفعل إذ كانت هداية الإسلام بفضل الله وبرحمته سببا لما ناله المسلمون في العصور الأولى من الملك الواسع ، والمال الكثير ، مع الصلاح والإصلاح ، والعدل والإحسان ، والعلم والعرفان ، والعز الكبير ، فلما صار جمع المال ومتاع الدنيا وفرح البطر به هو المقصود لهم بالذات ، وتركوا هداية الدين في إنفاقه والشكر عليه ، ذهبت دنياهم من أيديهم إلى أيدي أعدائهم كما شرحناه مرارا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=28981قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) فَضْلُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ عَظِيمٌ وَهُوَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ أَعْظَمُ ، وَرَحْمَتُهُ الْعَامَّةُ لَهُمْ وَبِهِمْ وَاسِعَةٌ ، وَرَحْمَتُهُ الْخَاصَّةُ بِالْمُؤْمِنِينَ أَوْسَعُ ، وَبِكُلٍّ
[ ص: 333 ] مِنَ النَّوْعَيْنِ نَطَقَ الْقُرْآنُ ، وَقَدْ مَنَّ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِالْجَمْعِ لَهُمْ بَيْنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ فِي آيَاتٍ ، وَبِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي آيَاتٍ ، وَقَالَ بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي آيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ النُّورِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=21وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ( 24 : 21 ) وَإِنَّ دُخُولَ الْبَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْفَرَحِ بِهِ فَهُوَ يَرُدُّ مَا رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ ، وَيَرُدُّهُ أَيْضًا مَا رُوِيَ مِنَ الْمَأْثُورِ فِي تَفْسِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَعْنًى ، وَمِنْهُ مَا رَوَاهُ
أَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ مَرْفُوعًا ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920495فَضْلُ اللَّهِ الْقُرْآنُ وَرَحْمَتُهُ أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِهِ ) ) وَرُوِيَ عَنِ
الْبَرَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=44وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفًا . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ ( إِحْدَاهُمَا ) إِنَّ فَضَلَّ اللَّهِ : الْقُرْآنُ ، وَرَحْمَتَهُ : الْإِسْلَامُ وَ ( الثَّانِيَةُ ) إِنَّ الْفَضْلَ : الْعِلْمُ ، وَالرَّحْمَةَ :
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَعَنِ
الْحَسَنِ وَالضِّحَاكِ وَقَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ ، فَضْلُ اللَّهِ : الْإِيمَانُ ، وَرَحْمَتُهُ : الْقُرْآنُ . وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي صَحِيحَةٌ فِي نَفْسِهَا لَا فِي رِوَايَتِهَا . وَأَظْهَرُهَا فِي الْآيَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهَا وَالْجَامِعُ لِمَعَانِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا ، أَنَّ فَضْلَ اللَّهِ : تَوْفِيقُهُ إِيَّاهُمْ لِتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالشِّفَاءِ وَالْهُدَى الَّتِي امْتَازَ بِهَا الْقُرْآنُ ، وَرَحْمَتُهُ ثَمَرَتُهَا الَّتِي فَضَلُوا بِهَا جَمِيعَ النَّاسِ فَكَانُوا أَرْحَمَهُمْ ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَعْدَلَهُمْ وَأَبَرَّهُمْ بِهِمْ ، فَقَدْ أَمَرَهُمْ هَذَا الْقُرْآنُ بِالْبَرِّ وَالْعَدْلِ وَإِقَامَةِ الْقِسْطِ فِي الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ ، وَأَمْرَهُمْ بِالرَّحْمَةِ حَتَّى فِي الْمُحَارِبِينَ لَهُمْ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ شَرَّهُمْ كَمَا فَصَّلْنَاهُ فِي الْمَقْصِدِ الثَّامِنِ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ فِي مَبَاحِثِ الْوَحْيِ ، وَلَوْلَا مُرَاعَاةُ هَذَا التَّنَاسُبِ لَقُلْتُ : إِنَّ الْمُرَادَ بِفَضْلِهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) ( 2 : 143 ) الْآيَةَ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ( 30 : 110 ) الْآيَةَ وَلَكِنْ مَا قَلْتُهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ وَيُوَافِقُهُ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ .
وَالْفَرَحُ كَالسُّرُورِ : انْفِعَالٌ نَفْسِيٌّ بِنِعْمَةٍ حِسِّيَّةٍ أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ يَلَذُّ الْقَلْبَ وَيَشْرَحُ الصَّدْرَ وَضِدَّهُمَا الْأَسَى وَالْحُزْنُ وَهُمَا مِنَ الْوِجْدَانِ الطَّبِيعِيِّ لَا يُمْدَحَانِ وَلَا يُذُمَّانِ لِذَاتِهِمَا ، بَلْ حُكْمُهُمَا حُكْمُ سَبَبِهِمَا أَوْ أَثَرِهِمَا فِي النَّفْسِ وَالْعَمَلِ ، خِلَافًا لِبَعْضِ النَّاسِ مِنَ الصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِيهِمَا ، فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا بِالْفَرَحِ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَمَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْفَرَحِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ) ( 30 : 4 ، 5 ) وَهَذَا فَرَحٌ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=36وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ) ( 30 : 36 ) وَقَالَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَهْتَدُونَ بِالْقُرْآنِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=36وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) ( 13 : 36 ) الْآيَةَ .
وَذَمَّ سُبْحَانَهُ الْفَرَحَ بِالْبَاطِلِ وَفَرَحَ الْبَطَرِ وَالْغُرُورِ بِالْمَالِ وَمَتَاعِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا فِي عِدَّةِ آيَاتٍ مَعْرُوفَةٍ . وَجَعَلَ الِاعْتِدَالَ بَيْنَ الْفَرَحِ وَالْأَسَى وَالْحُزْنِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ تَرْبِيَتِهِمْ بِالْمَصَائِبِ الْمُقَدَّرَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=23لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ( 57 : 23 )
[ ص: 334 ] وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي الْحُزْنِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ ( 9 : 40 ) ، ( 369 وَمَا بَعْدَهَا ج 10 ط الْهَيْئَةِ ) .
وَالتَّعْبِيرُ فِي غَايَةِ الْبَلَاغَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّقْرِيرِ ، فَإِنَّ أَصْلَ الْمَعْنَى بِدُونِهِمَا : قُلْ لِيَفْرَحُوا بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ ، فَأَخَّرَ الْأَمْرَ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقَهُ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْرَحَ بِهِ فَهُوَ فَضْلُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ ( ( الْفَاءَ ) ) لِإِفَادَةِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ فَصَارَ فِيهِمَا ( (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58فَلْيَفْرَحُوا ) ) دُونَ مَا يَجْمَعُونَ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمُبَيَّنِ فِي آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَى الْأَمْرِ ( فَبِذَلِكَ ) لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَالتَّقْرِيرِ ، وَتَفْصِيلِ مَبَاحِثِهِ فِي الْإِعْرَابِ أَكْثَرَ مِمَّا قُلْنَا ، وَبَسْطُهُ يُشْغِلُ عَنِ الْمَعْنَى وَالِاعْتِبَارِ بِهِ ، وَهُوَ خُرُوجٌ عَنْ مَنْهَجِنَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=58هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) أَيْ أَنَّ الْفَرَحَ بِفَضْلِهِ وَبِرَحْمَتِهِ أَفْضَلُ وَأَنْفَعُ لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ وَسَائِرِ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، مَعَ فَقْدِهِمَا لَا لِأَنَّهُ سَبَبُ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ ، الْمُفَضَّلَةِ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ ، كَمَا اشْتُهِرَ فِيمَا خَطَّتْهُ الْأَقْلَامُ وَلَاكَتْهُ الْأَلْسِنَةُ ، بَلْ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ كَمَا حَصَلَ بِالْفِعْلِ إِذْ كَانَتْ هِدَايَةُ الْإِسْلَامِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ سَبَبًا لِمَا نَالَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْعُصُورِ الْأُولَى مِنَ الْمُلْكِ الْوَاسِعِ ، وَالْمَالِ الْكَثِيرِ ، مَعَ الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ ، وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ، وَالْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ ، وَالْعِزِّ الْكَبِيرِ ، فَلَمَّا صَارَ جَمْعُ الْمَالِ وَمَتَاعُ الدُّنْيَا وَفَرَحُ الْبَطَرِ بِهِ هُوَ الْمَقْصُودَ لَهُمْ بِالذَّاتِ ، وَتَرَكُوا هِدَايَةَ الدِّينِ فِي إِنْفَاقِهِ وَالشُّكْرِ عَلَيْهِ ، ذَهَبَتْ دُنْيَاهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ إِلَى أَيْدِي أَعْدَائِهِمْ كَمَا شَرَحْنَاهُ مِرَارًا .