[ ص: 303 ] القول في كفارة المتمتع
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=3772كفارة المتمتع التي نص الله عليها في قوله - سبحانه - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) الآية ، فإنه لا خلاف في وجوبها ، وإنما الخلاف في المتمتع من هو ؟ وقد تقدم ما في ذلك من الخلاف .
والقول في هذه الكفارة أيضا يرجع إلى تلك الأجناس بعينها على من تجب ؟ وما الواجب فيها ؟ ومتى تجب ولمن تجب ، وفي أي مكان تجب ؟
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=3772على من تجب : فعلى المتمتع باتفاق ، وقد تقدم الخلاف في المتمتع من هو .
وأما اختلافهم في الواجب : فإن الجمهور من العلماء على أن ما استيسر من الهدي هو شاة ، واحتج
مالك في أن اسم الهدي قد ينطلق على الشاة بقوله - تعالى - في جزاء الصيد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هديا بالغ الكعبة ) . ومعلوم بالإجماع أنه قد يجب في جزاء الصيد شاة . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إلى أن اسم الهدي لا ينطلق إلا على الإبل والبقر ، وأن معنى قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فما استيسر من الهدي ) أي : بقرة أدون من بقرة ، وبدنة أدون من بدنة .
وأجمعوا أن هذه الكفارة على الترتيب ، وأن من لم يجد الهدي فعليه الصيام .
واختلفوا من
nindex.php?page=treesubj&link=3776_3777حد الزمان الذي ينتقل بانقضائه فرضه من الهدي إلى الصيام ، فقال
مالك : إذا شرع في الصوم فقد انتقل واجبه إلى الصوم وإن وجد الهدي في أثناء الصوم . وقال
أبو حنيفة : إن وجد الهدي في صوم الأيام لزمه ، وإن وجده في صوم السبعة لم يلزمه ، وهذه المسألة نظير مسألة من طلع عليه الماء في الصلاة وهو متيمم .
وسبب الخلاف هو : هل ما هو شرط في ابتداء العبادة هو شرط في استمرارها ؟ وإنما فرق
أبو حنيفة بين الثلاثة والسبعة ، لأن الأيام هي عنده بدل من الهدي ، والسبعة ليست ببدل .
وأجمعوا على أنه إذا صام الثلاثة الأيام في العشر الأول من ذي الحجة أنه قد أتى بها في محلها لقوله - سبحانه - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فصيام ثلاثة أيام في الحج ) .
واختلفوا
nindex.php?page=treesubj&link=3783_3782فيمن صامها في أيام عمل العمرة قبل أن يهل بالحج ، أو صامها في أيام
منى ، فأجاز مالك صيامها في أيام
منى ، ومنعه
أبو حنيفة وقال : إذا فاتته الأيام الأولى وجب الهدي في ذمته ، ومنعه مالك قبل الشروع في عمل الحج ، وأجازه
أبو حنيفة .
وسبب الخلاف : هل ينطلق اسم الحج على هذه الأيام المختلف فيها أم لا ؟ وإن انطلق فهل من شرط الكفارة أن لا تجزئ إلا بعد وقوع موجبها ؟ فمن قال : لا تجزئ كفارة إلا بعد وقوع موجبها قال : لا يجزي الصوم إلا بعد الشروع في الحج ، ومن قاسها على كفارة الأيمان قال : يجزي .
واتفقوا أنه إذا صام السبعة الأيام في أهله أجزأه ، واختلفوا إذا صامها في الطريق : فقال
مالك : يجزئ الصوم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجزئ .
وسبب الخلاف : الاحتمال الذي في قوله - سبحانه - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196إذا رجعتم ) فإن اسم الراجع ينطلق على من فرغ من الرجوع ، وعلى من هو في الرجوع نفسه .
فهذه هي الكفارة التي ثبتت بالسمع ، وهي من المتفق عليها .
ولا خلاف أن من فاته الحج بعد أن شرع فيه إما بفوت ركن من أركانه ، وإما من قبل غلطه في الزمان ،
[ ص: 304 ] أو من قبل جهله أو نسيانه ، أو إتيانه في الحج فعلا مفسدا له ، فإن عليه القضاء إذا كان حجا واجبا . وهل عليه هدي مع القضاء ؟ واختلفوا فيه . وإن كان تطوعا فهل عليه قضاء أم لا ؟ الخلاف في ذلك كله ، لكن الجمهور على أن عليه الهدي لكون النقصان الداخل عليه مشعرا بوجوب الهدي . وشذ قوم فقالوا : لا هدي أصلا ولا قضاء إلا أن يكون في حج واجب ، ومما يخص الحج الفاسد عند الجمهور دون سائر العبادات أنه يمضي فيه المفسد له ، ولا يقطعه ، وعليه دم . وشذ قوم فقالوا : هو كسائر العبادات .
وعمدة الجمهور ظاهر قوله - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله ) . فالجمهور عمموا ، والمخالفون خصصوا قياسا على غيرها من العبادات إذا وردت عليها المفسدات .
واتفقوا على أن المفسد للحج إما من الأفعال المأمور بها فترك الأركان التي هي شرط في صحته على اختلافهم فيما هو ركن مما ليس بركن . وأما من التروك المنهي عنها فالجماع ، وإن كانوا اختلفوا في الوقت الذي إذا وقع فيه الجماع كان مفسدا للحج .
[ ص: 303 ] الْقَوْلُ فِي كَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=3772كَفَّارَةُ الْمُتَمَتِّعِ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) الْآيَةَ ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُتَمَتِّعِ مَنْ هُوَ ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخِلَافِ .
وَالْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا يَرْجِعُ إِلَى تِلْكَ الْأَجْنَاسِ بِعَيْنِهَا عَلَى مَنْ تَجِبُ ؟ وَمَا الْوَاجِبُ فِيهَا ؟ وَمَتَى تَجِبُ وَلِمَنْ تَجِبُ ، وَفِي أَيِّ مَكَانٍ تَجِبُ ؟
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=3772عَلَى مَنْ تَجِبُ : فَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ بِاتِّفَاقٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الْمُتَمَتِّعِ مَنْ هُوَ .
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْوَاجِبِ : فَإِنَّ الْجُمْهُورَ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ هُوَ شَاةٌ ، وَاحْتَجَّ
مَالِكٌ فِي أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ قَدْ يَنْطَلِقُ عَلَى الشَّاةِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) . وَمَعْلُومٌ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ شَاةٌ . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ إِلَى أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ لَا يَنْطَلِقُ إِلَّا عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ، وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) أَيْ : بَقَرَةٌ أَدْوَنُ مِنْ بَقَرَةٍ ، وَبَدَنَةٌ أَدْوَنُ مِنْ بَدَنَةٍ .
وَأَجْمَعُوا أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ .
وَاخْتَلَفُوا مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3776_3777حَدِّ الزَّمَانِ الَّذِي يَنْتَقِلُ بِانْقِضَائِهِ فَرْضُهُ مِنَ الْهَدْيِ إِلَى الصِّيَامِ ، فَقَالَ
مَالِكٌ : إِذَا شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَقَدِ انْتَقَلَ وَاجِبُهُ إِلَى الصَّوْمِ وَإِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ فِي صَوْمِ الْأَيَّامِ لَزِمَهُ ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَوْمِ السَّبْعَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ هُوَ : هَلْ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ هُوَ شَرْطٌ فِي اسْتِمْرَارِهَا ؟ وَإِنَّمَا فَرَّقَ
أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ ، لِأَنَّ الْأَيَّامَ هِيَ عِنْدَهُ بَدَلٌ مِنَ الْهَدْيِ ، وَالسَّبْعَةُ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ .
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَامَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهَا فِي مَحِلِّهَا لِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) .
وَاخْتَلَفُوا
nindex.php?page=treesubj&link=3783_3782فِيمَنْ صَامَهَا فِي أَيَّامِ عَمَلِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ ، أَوْ صَامَهَا فِي أَيَّامِ
مِنًى ، فَأَجَازَ مَالِكٌ صِيَامَهَا فِي أَيَّامِ
مِنًى ، وَمَنْعَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ : إِذَا فَاتَتْهُ الْأَيَّامُ الْأُولَى وَجَبَ الْهَدْيُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَمَنَعَهُ مَالِكٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي عَمَلِ الْحَجِّ ، وَأَجَازَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : هَلْ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْحَجِّ عَلَى هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَمْ لَا ؟ وَإِنِ انْطَلَقَ فَهَلْ مِنْ شَرْطِ الْكَفَّارَةِ أَنْ لَا تُجْزِئَ إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِ مُوجِبِهَا ؟ فَمَنْ قَالَ : لَا تُجْزِئُ كَفَّارَةٌ إِلَّا بَعْدَ وُقُوعِ مُوجِبِهَا قَالَ : لَا يُجْزِي الصَّوْمُ إِلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَجِّ ، وَمَنْ قَاسَهَا عَلَى كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ قَالَ : يُجْزِي .
وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ إِذَا صَامَ السَّبْعَةَ الْأَيَّامَ فِي أَهْلِهِ أَجْزَأَهُ ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا صَامَهَا فِي الطَّرِيقِ : فَقَالَ
مَالِكٌ : يُجْزِئُ الصَّوْمُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : لَا يُجْزِئُ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196إِذَا رَجَعْتُمْ ) فَإِنَّ اسْمَ الرَّاجِعِ يَنْطَلِقُ عَلَى مَنْ فَرَغَ مِنَ الرُّجُوعِ ، وَعَلَى مَنْ هُوَ فِي الرُّجُوعِ نَفْسِهِ .
فَهَذِهِ هِيَ الْكَفَّارَةُ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالسَّمْعِ ، وَهِيَ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا .
وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِيهِ إِمَّا بِفَوْتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ ، وَإِمَّا مِنْ قِبَلِ غَلَطِهِ فِي الزَّمَانِ ،
[ ص: 304 ] أَوْ مِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ ، أَوْ إِتْيَانِهِ فِي الْحَجِّ فِعْلًا مُفْسِدًا لَهُ ، فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إِذَا كَانَ حَجًّا وَاجِبًا . وَهَلْ عَلَيْهِ هَدْيٌ مَعَ الْقَضَاءِ ؟ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ . وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهَلْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَمْ لَا ؟ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ لِكَوْنِ النُّقْصَانِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ مُشْعِرًا بِوُجُوبِ الْهَدْيِ . وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا : لَا هَدْيَ أَصْلًا وَلَا قَضَاءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَجٍّ وَاجِبٍ ، وَمِمَّا يَخُصُّ الْحَجَّ الْفَاسِدَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ أَنَّهُ يَمْضِي فِيهِ الْمُفْسِدُ لَهُ ، وَلَا يَقْطَعُهُ ، وَعَلَيْهِ دَمٌ . وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا : هُوَ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ .
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) . فَالْجُمْهُورُ عَمَّمُوا ، وَالْمُخَالِفُونَ خَصَّصُوا قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ إِذَا وَرَدَتْ عَلَيْهَا الْمُفْسِدَاتُ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلْحَجِّ إِمَّا مِنَ الْأَفْعَالِ الْمَأْمُورِ بِهَا فَتَرْكُ الْأَرْكَانِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا هُوَ رُكْنٌ مِمَّا لَيْسَ بِرُكْنٍ . وَأَمَّا مِنَ التُّرُوكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَالْجِمَاعُ ، وَإِنْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي إِذَا وَقَعَ فِيهِ الْجِمَاعُ كَانَ مُفْسِدًا لِلْحَجِّ .