[ ص: 89 ] nindex.php?page=treesubj&link=18467_18470العلم الذي هو العلم المعتبر شرعا - أعني الذي مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق هو العلم الباعث على العمل ، الذي لا يخلي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان ، بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه ، الحامل له على قوانينه طوعا أو كرها ، ومعنى هذه الجملة أن
nindex.php?page=treesubj&link=18468أهل العلم في طلبه وتحصيله على ثلاث مراتب : المرتبة الأولى : الطالبون له ولما يحصلوا على كماله بعد ، وإنما هم في طلبه في رتبة التقليد ، فهؤلاء إذا دخلوا في العمل به ; فبمقتضى الحمل التكليفي ، والحث الترغيبي ، والترهيبي ، وعلى مقدار شدة التصديق يخف ثقل التكليف ، فلا يكتفي العلم هاهنا بالحمل دون أمر آخر خارج مقوله ; من زجر أو قصاص أو حد أو تعزير أو ما جرى هذا المجرى ، ولا احتياج هاهنا إلى إقامة برهان على ذلك ; إذ التجربة الجارية في الخلق قد أعطت في هذه المرتبة برهانا لا يحتمل متعلقه النقيض بوجه .
والمرتبة الثانية : الواقفون منه على براهينه ، ارتفاعا عن حضيض التقليد
[ ص: 90 ] المجرد ، واستبصارا فيه حسبما أعطاه شاهد النقل الذي يصدقه العقل تصديقا يطمئن إليه ، ويعتمد عليه ; إلا أنه بعد منسوب إلى العقل لا إلى النفس ، بمعنى أنه لم يصر كالوصف الثابت للإنسان ، وإنما هو كالأشياء المكتسبة ، والعلوم المحفوظة التي يتحكم عليها العقل ، وعليه يعتمد في استجلابها ، حتى تصير من جملة مودعاته ، فهؤلاء إذا دخلوا في العمل ، خف عليهم خفة أخرى زائدة على مجرد التصديق في المرتبة الأولى ، بل لا نسبة بينهما ; إذ هؤلاء يأبى لهم البرهان المصدق أن يكذبوا ، ومن جملة التكذيب الخفي العمل على مخالفة العلم الحاصل لهم ، ولكنهم حين لم يصر لهم كالوصف ربما كانت أوصافهم الثابتة من الهوى والشهوة الباعثة الغالبة - أقوى الباعثين ; فلا بد من الافتقار إلى أمر زائد من خارج ، غير أنه يتسع في حقهم ، فلا يقتصر فيه على مجرد الحدود والتعزيرات ، بل ثم أمور أخر كمحاسن العادات ، ومطالبة المراتب التي بلغوها بما يليق بها ، وأشباه ذلك .
وهذه المرتبة أيضا يقوم البرهان عليها من التجربة ، إلا أنها أخفى مما قبلها ، فيحتاج إلى فضل نظر موكول إلى ذوي النباهة في العلوم الشرعية ، والأخذ في الاتصافات السلوكية .
والمرتبة الثالثة : الذين صار لهم العلم وصفا من الأوصاف الثابتة بمثابة الأمور البديهية في المعقولات الأول ، أو تقاربها ، ولا ينظر إلى طريق حصولها ;
[ ص: 91 ] فإن ذلك لا يحتاج إليه ، فهؤلاء لا يخليهم العلم وأهواءهم إذا تبين لهم الحق ، بل يرجعون إليه رجوعهم إلى دواعيهم البشرية ، وأوصافهم الخلقية ، وهذه المرتبة هي المترجم لها .
والدليل على صحتها من الشريعة كثير ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه [ الزمر : 9 ] .
ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون الآية [ الزمر : 9 ] .
فنسب هذه المحاسن إلى أولي العلم من أجل العلم ، لا من أجل غيره .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم [ الزمر : 23 ] .
والذين يخشون ربهم هم العلماء لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إنما يخشى الله من عباده العلماء [ فاطر : 28 ] .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق الآية [ المائدة : 83 ] .
ولما كان السحرة قد بلغوا في علم السحر مبلغ الرسوخ فيه ، وهو معنى هذه المرتبة ، بادروا إلى الانقياد والإيمان حين عرفوا من علمهم أن ما جاء به موسى عليه السلام حق ليس بالسحر ، ولا الشعوذة ، ولم يمنعهم من ذلك التخويف ولا التعذيب الذي توعدهم به فرعون .
[ ص: 92 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [ العنكبوت : 43 ] .
فحصر تعقلها في العالمين ، وهو قصد الشارع من ضرب الأمثال .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى [ الرعد : 19 ] .
ثم وصف أهل العلم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الذين يوفون بعهد الله [ الرعد : 20 ] إلى آخر الأوصاف ، وحاصلها يرجع إلى أن العلماء هم العاملون .
وقال في أهل الإيمان - والإيمان من فوائد العلم -
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم إلى أن قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4أولئك هم المؤمنون حقا [ الأنفال : 2 - 4 ] .
ومن هنا قرن العلماء في العمل بمقتضى العلم بالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه [ آل عمران : 18 ] .
فشهادة الله تعالى وفق علمه ظاهرة التوافق ; إذ التخالف محال ، وشهادة الملائكة على وفق ما علموا صحيحة ؛ لأنهم محفوظون من المعاصي ، وأولو العلم أيضا كذلك ; من حيث حفظوا بالعلم ، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا نزلت عليهم آية فيها تخويف أحزنهم ذلك وأقلقهم ، حتى يسألوا
[ ص: 93 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - كنزول آية البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه الآية [ البقرة : 284 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم الآية [ الأنعام : 82 ] .
وإنما القلق والخوف من آثار العلم بالمنزل .
[ ص: 94 ] والأدلة أكثر من إحصائها هنا ، وجميعها يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18470العلم المعتبر هو الملجئ إلى العمل به .
فإن قيل : هذا غير ظاهر من وجهين :
أحدهما : أن الرسوخ في العلم ; إما أن يكون صاحبه محفوظا به من المخالفة أولا .
فإن لم يكن كذلك ; فقد استوى أهل هذه المرتبة مع من قبلهم ، ومعناه أن العلم بمجرده غير كاف في العمل به ، ولا ملجئ إليه .
وإن كان محفوظا به من المخالفة ; لزم أن لا يعصي العالم إذا كان من الراسخين فيه ، لكن العلماء تقع منهم المعاصي ، ما عدا الأنبياء عليهم السلام ، ويشهد لهذا في أعلى الأمور قوله تعالى في الكفار :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [ النمل : 14 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون [ البقرة : 146 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك [ المائدة : 43 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون [ البقرة : 102 ] .
[ ص: 95 ] وسائر ما في هذا المعنى ; فأثبت لهم المعاصي والمخالفات مع العلم ، فلو كان العلم صادا عن ذلك لم يقع .
والثاني : ما جاء من
nindex.php?page=treesubj&link=18470_18501ذم العلماء السوء ، وهو كثير ، ومن أشد ما فيه قوله عليه السلام :
إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ، عالم لم ينفعه الله بعلمه .
وفي القرآن :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب [ البقرة : 44 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى الآية [ البقرة : 159 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا الآية [ البقرة : 174 ] .
وحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ، والأدلة فيه كثيرة ، وهو ظاهر في أن أهل العلم غير معصومين بعلمهم ، ولا هو مما يمنعهم عن إتيان الذنوب ; فكيف يقال : إن العلم مانع من العصيان ؟ .
فالجواب عن الأول : أن الرسوخ في العلم يأبى للعالم أن يخالفه بالأدلة المتقدمة ، وبدليل التجربة العادية ، لأن ما صار كالوصف الثابت لا يتصرف صاحبه إلا على وفقه اعتيادا ; فإن تخلف فعلى أحد ثلاثة
[ ص: 96 ] أوجه :
الأول : مجرد العناد ، فقد يخالف فيه مقتضى الطبع الجبلي ، فغيره أولى ، وعلى ذلك دل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها الآية [ النمل : 14 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره [ البقرة : 109 ] ، وأشباه ذلك .
والغالب على هذا الوجه أن لا يقع إلا لغلبة هوى ، من حب دنيا أو جاه أو غير ذلك ، بحيث يكون وصف الهوى قد غمر القلب حتى لا يعرف معروفا ، ولا ينكر منكرا .
والثاني : الفلتات الناشئة عن الغفلات التي لا ينجو منها البشر ; فقد يصير العالم بدخول الغفلة غير عالم ، وعليه يدل عند جماعة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب الآية [ النساء : 17 ] .
[ ص: 97 ] وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=201إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون [ الأعراف : 102 ] .
ومثل هذا الوجه لا يعترض على أصل المسألة كما لا يعترض نحوه على سائر الأوصاف الجبلية ; فقد لا تبصر العين ، ولا تسمع الأذن ; لغلبة فكر أو غفلة أو غيرهما ; فترتفع في الحال منفعة العين والأذن حتى يصاب ، ومع ذلك لا يقال : إنه غير مجبول على السمع والإبصار ، فما نحن فيه كذلك .
والثالث : كونه ليس من أهل هذه المرتبة ; فلم يصر العلم له وصفا أو كالوصف مع عده من أهلها ، وهذا يرجع إلى غلط في اعتقاد العالم في نفسه أو اعتقاد غيره فيه ، ويدل عليه قوله تعالى : ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله [ القصص : 50 ] .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337340إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس - إلى أن قال - اتخذ الناس رؤساء جهالا ، [ فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ] ; فضلوا وأضلوا .
[ ص: 98 ] وقوله :
ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، أشدها فتنة على أمتي الذين يقيسون الأمور بآرائهم الحديث ، فهؤلاء وقعوا في المخالفة بسبب ظن
[ ص: 99 ] الجهل علما ; فليسوا من الراسخين في العلم ، ولا ممن صار لهم كالوصف ، وعند ذلك لا حفظ لهم في العلم ; فلا اعتراض بهم .
[ ص: 100 ] فأما من خلا عن هذه الأوجه الثلاثة ; فهو الداخل تحت حفظ العلم حسبما نصته الأدلة ، وفي هذا المعنى من كلام السلف كثير .
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
إن لكل شيء إقبالا وإدبارا ، وإن لهذا الدين إقبالا وإدبارا ، وإن من إقبال هذا الدين ما بعثني الله به حتى إن القبيلة لتتفقه من عند أسرها ، [ أو قال : آخرها ] حتى لا يكون فيها إلا الفاسق أو الفاسقان ; فهما مقموعان ذليلان ، إن تكلما أو نطقا قمعا وقهرا واضطهدا الحديث .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337341سيأتي على أمتي زمان يكثر القراء ، ويقل الفقهاء ، ويقبض العلم ، ويكثر الهرج - إلى أن قال - ، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يقرأ القرآن رجال من أمتي لا يجاوز تراقيهم ، ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المنافق المشرك بمثل ما يقول .
[ ص: 101 ] وعن
علي : " يا حملة العلم اعملوا به ; فإن العالم من علم ثم عمل ، ووافق علمه عمله ، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم ، تخالف سريرتهم علانيتهم ، ويخالف علمهم عملهم ، يقعدون حلقا يباهي بعضهم بعضا ، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه ، أولئك لا تصعد أعمالهم تلك إلى الله عز وجل " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : " كونوا للعلم رعاة ، ولا تكونوا له رواة ; فإنه قد يرعوي ولا يروي ، وقد يروي ولا يرعوي " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء : " لا تكون تقيا حتى تكون عالما ، ولا تكون بالعلم جميلا حتى تكون به عاملا " .
وعن
الحسن : " العالم الذي وافق علمه عمله ، ومن خالف علمه عمله فذلك راوية حديث سمع شيئا فقاله " .
[ ص: 102 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : " العلماء إذا علموا عملوا ، فإذا عملوا شغلوا ، فإذا شغلوا فقدوا ، فإذا فقدوا طلبوا ، فإذا طلبوا هربوا " .
وعن
الحسن قال : " الذي يفوق الناس في العلم جدير أن يفوقهم في العمل " .
وعنه في قول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قال : " علمتم فعلمتم ولم تعملوا ، فوالله ما ذلكم بعلم " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : " العلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل " . وهذا تفسير معنى كون العلم هو الذي يلجئ إلى العمل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : " كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به " ، ومثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع بن الجراح .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : " ليس العلم عن كثرة الحديث ، إنما العلم خشية
[ ص: 103 ] الله .
والآثار في هذا النحو كثيرة .
وبما ذكر يتبين الجواب عن الإشكال الثاني ; فإن علماء السوء هم الذين لا يعملون بما يعلمون ، وإذا لم يكونوا كذلك ; فليسوا في الحقيقة من الراسخين في العلم ، وإنما هم رواة - والفقه فيما رووا أمر آخر - أو ممن غلب عليهم هوى غطى على القلوب ، والعياذ بالله .
على أن المثابرة على طلب العلم والتفقه فيه ، وعدم الاجتزاء باليسير منه - يجر إلى العمل به ، ويلجئ إليه ، كما تقدم بيانه ، وهو معنى قول
الحسن : " كنا نطلب العلم للدنيا ; فجرنا إلى الآخرة " .
وعن
معمر ; أنه قال : " كان يقال : من طلب العلم لغير الله يأبى عليه العلم حتى يصيره إلى الله " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت : " طلبنا هذا الأمر وليس لنا فيه نية ، ثم جاءت
[ ص: 104 ] النية بعد .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري قال : " كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة " ، وهو معنى قوله في كلام آخر : " كنت أغبط الرجل يجتمع حوله ، ويكتب عنه ، فلما ابتليت به ، وددت أني نجوت منه كفافا لا علي ولا لي " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11928أبي الوليد الطيالسي ; قال : " سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة منذ أكثر من ستين سنة يقول : " طلبنا هذا الحديث لغير الله فأعقبنا الله ما ترون " .
وقال
الحسن : " لقد طلب أقوام العلم ما أرادوا به الله وما عنده ، فما زال بهم حتى أرادوا به الله وما عنده " فهذا أيضا مما يدل على صحة ما تقدم .
[ ص: 89 ] nindex.php?page=treesubj&link=18467_18470الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا - أَعْنِي الَّذِي مَدَحَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَهْلَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ الْعِلْمُ الْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ ، الَّذِي لَا يُخَلِّي صَاحِبَهُ جَارِيًا مَعَ هَوَاهُ كَيْفَمَا كَانَ ، بَلْ هُوَ الْمُقَيِّدُ لِصَاحِبِهِ بِمُقْتَضَاهُ ، الْحَامِلُ لَهُ عَلَى قَوَانِينِهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ، وَمَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18468أَهْلَ الْعِلْمِ فِي طَلَبِهِ وَتَحْصِيلِهِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ : الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى : الطَّالِبُونَ لَهُ وَلَمَّا يَحْصُلُوا عَلَى كَمَالِهِ بَعْدُ ، وَإِنَّمَا هُمْ فِي طَلَبِهِ فِي رُتْبَةِ التَّقْلِيدِ ، فَهَؤُلَاءِ إِذَا دَخَلُوا فِي الْعَمَلِ بِهِ ; فَبِمُقْتَضَى الْحَمْلِ التَّكْلِيفِيِّ ، وَالْحَثِّ التَّرْغِيبِيِّ ، وَالتَّرْهِيبِيِّ ، وَعَلَى مِقْدَارِ شِدَّةِ التَّصْدِيقِ يَخِفُّ ثِقَلُ التَّكْلِيفِ ، فَلَا يَكْتَفِي الْعِلْمُ هَاهُنَا بِالْحَمْلِ دُونَ أَمْرٍ آخَرَ خَارِجَ مَقُولِهِ ; مِنْ زَجْرٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى ، وَلَا احْتِيَاجَ هَاهُنَا إِلَى إِقَامَةِ بُرْهَانٍ عَلَى ذَلِكَ ; إِذِ التَّجْرِبَةُ الْجَارِيَةُ فِي الْخَلْقِ قَدْ أَعْطَتْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ بُرْهَانًا لَا يَحْتَمِلُ مُتَعَلِّقُهُ النَّقِيضَ بِوَجْهٍ .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ : الْوَاقِفُونَ مِنْهُ عَلَى بَرَاهِينِهِ ، ارْتِفَاعًا عَنْ حَضِيضِ التَّقْلِيدِ
[ ص: 90 ] الْمُجَرَّدِ ، وَاسْتِبْصَارًا فِيهِ حَسْبَمَا أَعْطَاهُ شَاهِدُ النَّقْلِ الَّذِي يُصَدِّقُهُ الْعَقْلُ تَصْدِيقًا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ ، وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ ; إِلَّا أَنَّهُ بَعْدُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَقْلِ لَا إِلَى النَّفْسِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَصِرْ كَالْوَصْفِ الثَّابِتِ لِلْإِنْسَانِ ، وَإِنَّمَا هُوَ كَالْأَشْيَاءِ الْمُكْتَسَبَةِ ، وَالْعُلُومِ الْمَحْفُوظَةِ الَّتِي يَتَحَكَّمُ عَلَيْهَا الْعَقْلُ ، وَعَلَيْهِ يُعْتَمَدُ فِي اسْتِجْلَابِهَا ، حَتَّى تَصِيرَ مِنْ جُمْلَةِ مُودَعَاتِهِ ، فَهَؤُلَاءِ إِذَا دَخَلُوا فِي الْعَمَلِ ، خَفَّ عَلَيْهِمْ خِفَّةً أُخْرَى زَائِدَةً عَلَى مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى ، بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا ; إِذْ هَؤُلَاءِ يَأْبَى لَهُمُ الْبُرْهَانُ الْمُصَدَّقُ أَنْ يَكْذِبُوا ، وَمِنْ جُمْلَةِ التَّكْذِيبِ الْخَفِيِّ الْعَمَلُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ لَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ حِينَ لَمْ يَصِرْ لَهُمْ كَالْوَصْفِ رُبَّمَا كَانَتْ أَوْصَافُهُمُ الثَّابِتَةُ مِنَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ الْبَاعِثَةِ الْغَالِبَةِ - أَقْوَى الْبَاعِثِينَ ; فَلَا بُدَّ مِنَ الِافْتِقَارِ إِلَى أَمْرٍ زَائِدٍ مِنْ خَارِجٍ ، غَيْرَ أَنَّهُ يَتَّسِعُ فِي حَقِّهِمْ ، فَلَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ ، بَلْ ثَمَّ أُمُورٌ أُخَرُ كَمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ ، وَمُطَالَبَةِ الْمَرَاتِبِ الَّتِي بَلَغُوهَا بِمَا يَلِيقُ بِهَا ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ .
وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ أَيْضًا يَقُومُ الْبُرْهَانُ عَلَيْهَا مِنَ التَّجْرِبَةِ ، إِلَّا أَنَّهَا أَخْفَى مِمَّا قَبْلَهَا ، فَيَحْتَاجُ إِلَى فَضْلِ نَظَرٍ مَوْكُولٍ إِلَى ذَوِي النَّبَاهَةِ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالْأَخْذِ فِي الِاتِّصَافَاتِ السُّلُوكِيَّةِ .
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ : الَّذِينَ صَارَ لَهُمُ الْعِلْمُ وَصْفًا مِنَ الْأَوْصَافِ الثَّابِتَةِ بِمَثَابَةِ الْأُمُورِ الْبَدِيهِيَّةِ فِي الْمَعْقُولَاتِ الْأُوَلِ ، أَوْ تُقَارِبُهَا ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى طَرِيقِ حُصُولِهَا ;
[ ص: 91 ] فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ ، فَهَؤُلَاءِ لَا يُخَلِّيهِمُ الْعِلْمُ وَأَهْوَاءَهُمْ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ، بَلْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ رُجُوعَهُمْ إِلَى دَوَاعِيهِمُ الْبَشَرِيَّةِ ، وَأَوْصَافِهِمُ الْخُلُقِيَّةِ ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ الْمُتَرْجَمُ لَهَا .
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهَا مِنَ الشَّرِيعَةِ كَثِيرٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [ الزُّمَرِ : 9 ] .
ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الْآيَةَ [ الزُّمَرِ : 9 ] .
فَنَسَبَ هَذِهِ الْمَحَاسِنَ إِلَى أُولِي الْعِلْمِ مِنْ أَجْلِ الْعِلْمِ ، لَا مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِ .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [ الزُّمَرِ : 23 ] .
وَالَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ هُمُ الْعُلَمَاءُ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=28إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [ فَاطِرٍ : 28 ] .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ الْآيَةَ [ الْمَائِدَةِ : 83 ] .
وَلَمَّا كَانَ السَّحَرَةُ قَدْ بَلَغُوا فِي عِلْمِ السِّحْرِ مَبْلَغَ الرُّسُوخِ فِيهِ ، وَهُوَ مَعْنَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ ، بَادَرُوا إِلَى الِانْقِيَادِ وَالْإِيمَانِ حِينَ عَرَفُوا مِنْ عِلْمِهِمْ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَقٌّ لَيْسَ بِالسِّحْرِ ، وَلَا الشَّعْوَذَةِ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ التَّخْوِيفُ وَلَا التَّعْذِيبُ الَّذِي تَوَعَّدَهُمْ بِهِ فِرْعَوْنُ .
[ ص: 92 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=43وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [ الْعَنْكَبُوتِ : 43 ] .
فَحَصَرَ تَعَقُّلَهَا فِي الْعَالِمِينَ ، وَهُوَ قَصْدُ الشَّارِعِ مِنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=19أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [ الرَّعْدِ : 19 ] .
ثُمَّ وَصَفَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=20الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ [ الرَّعْدِ : 20 ] إِلَى آخِرِ الْأَوْصَافِ ، وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمُ الْعَامِلُونَ .
وَقَالَ فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ - وَالْإِيمَانُ مِنْ فَوَائِدِ الْعِلْمِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [ الْأَنْفَالِ : 2 - 4 ] .
وَمِنْ هُنَا قَرَنَ الْعُلَمَاءَ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْعِلْمِ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=9مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [ آلِ عِمْرَانَ : 18 ] .
فَشَهَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَفْقَ عِلْمِهِ ظَاهِرَةُ التَّوَافُقِ ; إِذِ التَّخَالُفُ مُحَالٌ ، وَشَهَادَةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى وَفْقِ مَا عَلِمُوا صَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّهُمْ مَحْفُوظُونَ مِنَ الْمَعَاصِي ، وَأُولُو الْعِلْمِ أَيْضًا كَذَلِكَ ; مِنْ حَيْثُ حُفِظُوا بِالْعِلْمِ ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ آيَةٌ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَحْزَنَهُمْ ذَلِكَ وَأَقْلَقَهُمْ ، حَتَّى يَسْأَلُوا
[ ص: 93 ] النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنُزُولِ آيَةِ الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 284 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ : 82 ] .
وَإِنَّمَا الْقَلَقُ وَالْخَوْفُ مِنْ آثَارِ الْعِلْمِ بِالْمُنَزَّلِ .
[ ص: 94 ] وَالْأَدِلَّةُ أَكْثَرُ مِنْ إِحْصَائِهَا هُنَا ، وَجَمِيعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18470الْعِلْمَ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُلْجِئُ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الرُّسُوخَ فِي الْعِلْمِ ; إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مَحْفُوظًا بِهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ أَوَّلًا .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ; فَقَدِ اسْتَوَى أَهْلُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ مَعَ مَنْ قَبْلَهُمْ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِمُجَرَّدِهِ غَيْرُ كَافٍ فِي الْعَمَلِ بِهِ ، وَلَا مُلْجِئُ إِلَيْهِ .
وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا بِهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ ; لَزِمَ أَنْ لَا يَعْصِيَ الْعَالِمُ إِذَا كَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِيهِ ، لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ تَقَعُ مِنْهُمُ الْمَعَاصِي ، مَا عَدَا الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا فِي أَعْلَى الْأُمُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْكُفَّارِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [ النَّمْلِ : 14 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ الْبَقَرَةِ : 146 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [ الْمَائِدَةِ : 43 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=102وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [ الْبَقَرَةِ : 102 ] .
[ ص: 95 ] وَسَائِرُ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى ; فَأَثْبَتَ لَهُمُ الْمَعَاصِيَ وَالْمُخَالَفَاتِ مَعَ الْعِلْمِ ، فَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ صَادًّا عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ .
وَالثَّانِي : مَا جَاءَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=18470_18501ذَمِّ الْعُلَمَاءِ السُّوءِ ، وَهُوَ كَثِيرٌ ، وَمِنْ أَشَدِّ مَا فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ .
وَفِي الْقُرْآنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=44أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ [ الْبَقَرَةِ : 44 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 159 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=174إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 174 ] .
وَحَدِيثُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَالْأَدِلَّةُ فِيهِ كَثِيرَةٌ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ غَيْرُ مَعْصُومِينَ بِعِلْمِهِمْ ، وَلَا هُوَ مِمَّا يَمْنَعُهُمْ عَنْ إِتْيَانِ الذُّنُوبِ ; فَكَيْفَ يُقَالُ : إِنَّ الْعَلَمَ مَانِعٌ مِنَ الْعِصْيَانِ ؟ .
فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ : أَنَّ الرُّسُوخَ فِي الْعِلْمِ يَأْبَى لِلْعَالِمِ أَنْ يُخَالِفَهُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، وَبِدَلِيلِ التَّجْرِبَةِ الْعَادِيَّةِ ، لِأَنَّ مَا صَارَ كَالْوَصْفِ الثَّابِتِ لَا يَتَصَرَّفُ صَاحِبُهُ إِلَّا عَلَى وَفْقِهِ اعْتِيَادًا ; فَإِنْ تَخَلَّفَ فَعَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ
[ ص: 96 ] أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : مُجَرَّدُ الْعِنَادِ ، فَقَدْ يُخَالَفُ فِيهِ مُقْتَضَى الطَّبْعِ الْجِبِلِّي ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى ، وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا الْآيَةَ [ النَّمْلِ : 14 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=109وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [ الْبَقَرَةِ : 109 ] ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ .
وَالْغَالِبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنْ لَا يَقَعَ إِلَّا لِغَلَبَةِ هَوًى ، مِنْ حُبِّ دُنْيَا أَوْ جَاهٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، بِحَيْثُ يَكُونُ وَصْفُ الْهَوَى قَدْ غَمَرَ الْقَلْبَ حَتَّى لَا يَعْرِفَ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرَ مُنْكَرًا .
وَالثَّانِي : الْفَلَتَاتُ النَّاشِئَةُ عَنِ الْغَفَلَاتِ الَّتِي لَا يَنْجُو مِنْهَا الْبَشَرُ ; فَقَدْ يَصِيرُ الْعَالِمُ بِدُخُولِ الْغَفْلَةِ غَيْرَ عَالِمٍ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=17إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ الْآيَةَ [ النِّسَاءِ : 17 ] .
[ ص: 97 ] وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=201إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [ الْأَعْرَافِ : 102 ] .
وَمِثْلُ هَذَا الْوَجْهِ لَا يَعْتَرِضُ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا لَا يَعْتَرِضُ نَحْوُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَوْصَافِ الْجِبِلِّيَّةِ ; فَقَدْ لَا تُبْصِرُ الْعَيْنُ ، وَلَا تَسْمَعُ الْأُذُنُ ; لِغَلَبَةِ فِكْرٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ; فَتَرْتَفِعُ فِي الْحَالِ مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ وَالْأُذُنُ حَتَّى يُصَابَ ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ : إِنَّهُ غَيْرُ مَجْبُولٍ عَلَى السَّمْعِ وَالْإِبْصَارِ ، فَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ .
وَالثَّالِثُ : كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ ; فَلَمْ يَصِرِ الْعِلْمُ لَهُ وَصْفًا أَوْ كَالْوَصْفِ مَعَ عَدِّهِ مِنْ أَهْلِهَا ، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى غَلَطٍ فِي اعْتِقَادِ الْعَالِمِ فِي نَفْسِهِ أَوِ اعْتِقَادِ غَيْرِهِ فِيهِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ [ الْقَصَصِ : 50 ] .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337340إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ - إِلَى أَنْ قَالَ - اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءً جُهَّالًا ، [ فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ] ; فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا .
[ ص: 98 ] وَقَوْلُهُ :
سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، أَشَدُّهَا فِتْنَةً عَلَى أُمَّتَيِ الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِآرَائِهِمْ الْحَدِيثَ ، فَهَؤُلَاءِ وَقَعُوا فِي الْمُخَالَفَةِ بِسَبَبِ ظَنِّ
[ ص: 99 ] الْجَهْلِ عِلْمًا ; فَلَيْسُوا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ ، وَلَا مِمَّنْ صَارَ لَهُمْ كَالْوَصْفِ ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا حِفْظَ لَهُمْ فِي الْعِلْمِ ; فَلَا اعْتِرَاضَ بِهِمْ .
[ ص: 100 ] فَأَمَّا مَنْ خَلَا عَنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ ; فَهُوَ الدَّاخِلُ تَحْتَ حِفْظِ الْعِلْمِ حَسْبَمَا نَصَّتْهُ الْأَدِلَّةُ ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ السَّلَفِ كَثِيرٌ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا ، وَإِنَّ لِهَذَا الدِّينِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا ، وَإِنَّ مِنْ إِقْبَالِ هَذَا الدِّينِ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ حَتَّى إِنَّ الْقَبِيلَةَ لَتَتَفَقَّهُ مِنْ عِنْدِ أَسْرِهَا ، [ أَوْ قَالَ : آخِرِهَا ] حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهَا إِلَّا الْفَاسِقُ أَوِ الْفَاسِقَانِ ; فَهُمَا مَقْمُوعَانِ ذَلِيلَانِ ، إِنْ تَكَلَّمَا أَوْ نَطَقَا قُمِعَا وَقُهِرَا وَاضْطُهِدَا الْحَدِيثَ .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337341سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَكْثُرُ الْقُرَّاءُ ، وَيَقِلُّ الْفُقَهَاءُ ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ - إِلَى أَنْ قَالَ - ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ زَمَانٌ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيهِمْ ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ زَمَانٌ يُجَادِلُ الْمُنَافِقُ الْمُشْرِكَ بِمِثْلِ مَا يَقُولُ .
[ ص: 101 ] وَعَنْ
عَلِيٍّ : " يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ ; فَإِنَّ الْعَالِمَ مَنْ عَلِمَ ثُمَّ عَمِلَ ، وَوَافَقَ عِلْمَهُ عَمَلُهُ ، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيهِمْ ، تُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلَانِيَتُهُمْ ، وَيُخَالِفُ عِلْمَهُمْ عَمَلُهُمْ ، يَقْعُدُونَ حِلَقًا يُبَاهِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إِلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ ، أُولَئِكَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ تِلْكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : " كُونُوا لِلْعِلْمِ رُعَاةً ، وَلَا تَكُونُوا لَهُ رُوَاةً ; فَإِنَّهُ قَدْ يَرْعَوِي وَلَا يَرْوِي ، وَقَدْ يَرْوِي وَلَا يَرْعَوِي " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبِي الدَّرْدَاءِ : " لَا تَكُونُ تَقِيًّا حَتَّى تَكُونَ عَالِمًا ، وَلَا تَكُونُ بِالْعِلْمِ جَمِيلًا حَتَّى تَكُونَ بِهِ عَامِلًا " .
وَعَنِ
الْحَسَنِ : " الْعَالِمُ الَّذِي وَافَقَ عِلْمَهُ عَمَلُهُ ، وَمَنْ خَالَفَ عِلْمَهُ عَمَلُهُ فَذَلِكَ رَاوِيَةُ حَدِيثٍ سَمِعَ شَيْئًا فَقَالَهُ " .
[ ص: 102 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ : " الْعُلَمَاءُ إِذَا عَلِمُوا عَمِلُوا ، فَإِذَا عَمِلُوا شُغِلُوا ، فَإِذَا شُغِلُوا فُقِدُوا ، فَإِذَا فُقِدُوا طُلِبُوا ، فَإِذَا طُلِبُوا هَرَبُوا " .
وَعَنِ
الْحَسَنِ قَالَ : " الَّذِي يَفُوقُ النَّاسَ فِي الْعِلْمِ جَدِيرٌ أَنْ يَفُوقَهُمْ فِي الْعَمَلِ " .
وَعَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=91وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قَالَ : " عَلِمْتُمْ فَعَلِمْتُمْ وَلَمْ تَعْمَلُوا ، فَوَاللَّهِ مَا ذَلِكُمْ بِعِلْمٍ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيُّ : " الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ " . وَهَذَا تَفْسِيرُ مَعْنَى كَوْنِ الْعِلْمِ هُوَ الَّذِي يُلْجِئُ إِلَى الْعَمَلِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ : " كُنَّا نَسْتَعِينُ عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ بِهِ " ، وَمِثْلُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : " لَيْسَ الْعِلْمُ عَنْ كَثْرَةِ الْحَدِيثِ ، إِنَّمَا الْعِلْمُ خَشْيَةُ
[ ص: 103 ] اللَّهِ .
وَالْآثَارُ فِي هَذَا النَّحْوِ كَثِيرَةٌ .
وَبِمَا ذُكِرَ يَتَبَيَّنُ الْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي ; فَإِنَّ عُلَمَاءَ السُّوءِ هُمُ الَّذِينَ لَا يَعْمَلُونَ بِمَا يَعْلَمُونَ ، وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ ; فَلَيْسُوا فِي الْحَقِيقَةِ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ ، وَإِنَّمَا هُمْ رُوَاةٌ - وَالْفِقْهُ فِيمَا رَوَوْا أَمْرٌ آخَرُ - أَوْ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ هَوًى غَطَّى عَلَى الْقُلُوبِ ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ .
عَلَى أَنَّ الْمُثَابَرَةَ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ ، وَعَدَمِ الِاجْتِزَاءِ بِالْيَسِيرِ مِنْهُ - يَجُرُّ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ ، وَيُلْجِئُ إِلَيْهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ
الْحَسَنِ : " كُنَّا نَطْلُبُ الْعِلْمَ لِلدُّنْيَا ; فَجَرَّنَا إِلَى الْآخِرَةِ " .
وَعَنْ
مَعْمَرٍ ; أَنَّهُ قَالَ : " كَانَ يُقَالُ : مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ يَأْبَى عَلَيْهِ الْعِلْمُ حَتَّى يُصَيِّرَهُ إِلَى اللَّهِ " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15683حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ : " طَلَبْنَا هَذَا الْأَمْرَ وَلَيْسَ لَنَا فِيهِ نِيَّةٌ ، ثُمَّ جَاءَتِ
[ ص: 104 ] النِّيَّةُ بَعْدُ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثَّوْرِيِّ قَالَ : " كُنَّا نَطْلُبُ الْعِلْمَ لِلدُّنْيَا فَجَرَّنَا إِلَى الْآخِرَةِ " ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي كَلَامٍ آخَرَ : " كُنْتُ أَغْبِطُ الرَّجُلَ يُجْتَمَعُ حَوْلَهُ ، وَيُكْتَبُ عَنْهُ ، فَلَمَّا ابْتُلِيتُ بِهِ ، وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهُ كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِي " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11928أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ ; قَالَ : " سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنَ عُيَيْنَةَ مُنْذُ أَكْثَرِ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً يَقُولُ : " طَلَبْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَعْقَبَنَا اللَّهُ مَا تَرَوْنَ " .
وَقَالَ
الْحَسَنُ : " لَقَدْ طَلَبَ أَقْوَامٌ الْعِلْمَ مَا أَرَادُوا بِهِ اللَّهَ وَمَا عِنْدَهُ ، فَمَا زَالَ بِهِمْ حَتَّى أَرَادُوا بِهِ اللَّهَ وَمَا عِنْدَهُ " فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا تَقَدَّمَ .