[ ص: 135 ] الباب الرابع باب: شروط النسخ
nindex.php?page=treesubj&link=22179 "الشروط المعتبرة في ثبوت النسخ خمسة: أحدها: أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا ، بحيث لا يمكن العمل بهما جميعا ، فإن كان ممكنا لم يكن أحدهما ناسخا للآخر ، وذلك قد يكون على وجهين: أحدهما: أن يكون أحد الحكمين متناولا لما تناوله الثاني بدليل العموم ، والآخر متناولا لما تناوله الأول بدليل الخصوص ، فالدليل الخاص لا يوجب نسخ دليل العموم ، بل يبين أنه إنما تناوله التخصيص لم يدخل تحت دليل العموم .
والوجه الثاني: أن يكون كل واحد من الحكمين ثابتا في حال غير الحالة التي ثبت فيها الحكم الآخر ، مثل تحريم المطلقة ثلاثا ، فإنها محرمة على مطلقها في حال ، وهي ما دامت خالية عن زوج وإصابة ،
[ ص: 136 ] فإذا أصابها زوج ثان ارتفعت الحالة الأولى ، وانقضت بارتفاعها مدة التحريم ، فشرعت في حالة أخرى حصل فيها حكم الإباحة للزوج المطلق ثلاثا ، فلا يكون هذا ناسخا ، لاختلاف حالة التحريم والتحليل .
والشرط الثاني: أن يكون الحكم المنسوخ ثابتا قبل ثبوت حكم الناسخ فذلك يقع بطريقين: أحدهما: من جهة النطق ، كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=66الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن ، ومثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=693969كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها " .
والثاني: أن يعلم بطريق التاريخ ، وهو أن ينقل بالرواية بأن يكون الحكم الأول ثبوته متقدما على الآخر ، فمتى ورد الحكمان مختلفين على وجه لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك الآخر ، ولم يثبت تقديم أحدهما على صاحبه بأحد الطريقين ، امتنع ادعاء النسخ في أحدهما .
[ ص: 137 ] والشرط الثالث: أن يكون الحكم المنسوخ مشروعا ، أعني أنه ثبت بخطاب الشرع ، فأما إن كان ثابتا بالعادة والتعارف لم يكن رافعه ناسخا ، بل يكون ابتداء شرع ، وهذا شيء ذكر عند المفسرين ، فإنهم قالوا: كان الطلاق في الجاهلية لا إلى غاية فنسخه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطلاق مرتان ، وهذا لا يصدر ممن يفقه ، لأن الفقيه يفهم أن هذا ابتداء شرع لا نسخ .
والشرط الرابع: أن يكون ثبوت الحكم الناسخ مشروعا كثبوت المنسوخ ، فأما ما ليس بمشروع بطريق النقل ، فلا يجوز أن يكون ناسخا للمنقول ، ولهذا إذا ثبت حكم منقول لم يجز نسخه بإجماع ولا بقياس .
والشرط الخامس: أن يكون الطريق الذي ثبت به الناسخ مثل الطريق الذي ثبت به المنسوخ أو أقوى منه ، فأما إن كان دونه فلا يجوز أن يكون الأضعف ناسخا للأقوى .
[ ص: 138 ]
[ ص: 135 ] الْبَابُ الرَّابِعُ بَابُ: شُرُوطِ النَّسْخِ
nindex.php?page=treesubj&link=22179 "الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي ثُبُوتِ النَّسْخِ خَمْسَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مُتَنَاقِضًا ، بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا ، فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ مُتَنَاوِلا لِمَا تَنَاوَلَهُ الثَّانِي بِدَلِيلِ الْعُمُومِ ، وَالْآخَرُ مُتَنَاوِلا لِمَا تَنَاوَلَهُ الأَوَّلُ بِدَلِيلِ الْخُصُوصِ ، فَالدَّلِيلُ الْخَاصُّ لا يُوجِبُ نَسْخَ دَلِيلِ الْعُمُومِ ، بَلْ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إِنَّمَا تَنَاوَلَهُ التَّخْصِيصُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ دَلِيلِ الْعُمُومِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ ثَابِتًا فِي حَالٍ غَيْرَ الْحَالَةِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا الْحُكْمُ الْآخَرُ ، مِثْلَ تَحْرِيمِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا ، فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى مُطَلِّقِهَا فِي حَالٍ ، وَهِيَ مَا دَامَتْ خَالِيَةً عَنْ زَوْجٍ وَإِصَابَةٍ ،
[ ص: 136 ] فَإِذَا أَصَابَهَا زَوْجٌ ثَانٍ ارْتَفَعَتِ الْحَالَةُ الأُولَى ، وَانْقَضَتْ بِارْتِفَاعِهَا مُدَّةُ التَّحْرِيمِ ، فَشُرِّعَتْ فِي حَالَةٍ أُخْرَى حَصَلَ فِيهَا حُكْمُ الْإِبَاحَةِ لِلزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ ثَلاثًا ، فَلا يَكُونُ هَذَا نَاسِخًا ، لِاخْتِلافِ حَالَةِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ .
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ ثَابِتًا قَبْلَ ثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فَذَلِكَ يَقَعُ بِطَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=66الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ، وَمِثْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
nindex.php?page=hadith&LINKID=693969كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا " .
وَالثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ بِطَرِيقِ التَّارِيخِ ، وَهُوَ أَنْ يُنْقَلَ بِالرِّوَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الأَوَّلُ ثُبُوتُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْآخَرِ ، فَمَتَى وَرَدَ الْحُكْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى وَجْهٍ لا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا إِلا بِتَرْكِ الْآخَرِ ، وَلَمْ يَثْبُتْ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ ، امْتُنِعَ ادِّعَاءُ النَّسْخِ فِي أَحَدِهِمَا .
[ ص: 137 ] وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ مَشْرُوعًا ، أَعْنِي أَنَّهُ ثَبَتَ بِخِطَابِ الشَّرْعِ ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْعَادَةِ وَالتَّعَارُفِ لَمْ يَكُنْ رَافِعُهُ نَاسِخًا ، بَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءَ شَرْعٍ ، وَهَذَا شَيْءٌ ذُكِرَ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: كَانَ الطَّلاقُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا إِلَى غَايَةٍ فَنَسَخَهُ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ، وَهَذَا لا يَصْدُرُ مِمَّنْ يَفْقَهُ ، لِأَنَّ الْفَقِيهَ يَفْهَمُ أَنَّ هَذَا ابْتِدَاءُ شَرْعٍ لا نَسْخٌ .
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ النَّاسِخِ مَشْرُوعًا كَثُبُوتِ الْمَنْسُوخِ ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ بِطَرِيقِ النَّقْلِ ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لِلْمَنْقُولِ ، وَلِهَذَا إِذَا ثَبَتَ حُكْمُ مَنْقُولٍ لَمْ يَجُزْ نَسْخُهُ بِإِجْمَاعٍ وَلا بِقِيَاسٍ .
وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ النَّاسِخُ مِثْلَ الطَّرِيقِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْمَنْسُوخُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ دُونَهُ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأَضْعَفُ نَاسِخًا لِلأَقْوَى .
[ ص: 138 ]